nindex.php?page=treesubj&link=28979_30578nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون معطوفة على جملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وهم يصدون عن المسجد الحرام " فمضمونها سبب ثان لاستحقاقهم العذاب ، وموقعها عقب جملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وما كانوا أولياءه " يجعلها كالدليل المقرر لانتفاء ولايتهم
للمسجد الحرام ، لأن من كان يفعل مثل هذا عند مسجد الله لم يكن من المتقين ، فكان حقيقا بسلب ولاية المسجد عنه ، فعطفت الجملة باعتبارها سببا للعذاب ، ولو فصلت باعتبارها مقررة لسلب أهلية الولاية عنهم لصح ذلك ، ولكن كان الاعتبار الأول أرجح لأن العطف أدل عليه مع كون موقعها يفيد الاعتبار الثاني .
والمكاء على صيغة مصادر الأصوات كالرغاء والثغاء والبكاء والنواح . يقال : مكا يمكو إذا صفر بفيه ومنه سمي نوع من الطير المكاء بفتح الميم وتشديد الكاف وجمعه مكاكيء بهمزة في آخره بعد الياء وهو طائر أبيض يكون بالحجاز .
[ ص: 339 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي قلت
لمنتجع بن نبهان ما " تمكو " فشبك بين أصابعه ثم وضعها على فمه ونفخ .
والتصدية التصفيق مشتقا من الصدى وهو الصوت الذي يرده الهواء محاكيا لصوت صالح في البراح من جهة مقابلة .
ولا تعرف للمشركين صلاة فتسمية مكائهم وتصديتهم صلاة مشاكلة تقديرية لأنهم لما صدوا المسلمين عن الصلاة وقراءة القرآن في
المسجد الحرام عند
البيت ، كان من جملة طرائق صدهم إياهم تشغيبهم عليهم وسخريتهم بهم يحاكون قراءة المسلمين وصلاتهم بالمكاء والتصدية ، قال
مجاهد : فعل ذلك نفر من
بني عبد الدار يخلطون على
محمد صلاته ،
وبنو عبد الدار هم سدنة
الكعبة وأهل عمارة
المسجد الحرام ، فلما فعلوا ذلك للاستسخار من الصلاة سمي فعلهم ذلك صلاة على طريقة المشاكلة التقديرية ، والمشاكلة ترجع إلى استعارة علاقتها المشاكلة اللفظية أو التقديرية ، فلم تكن للمشركين صلاة بالمكاء والتصدية ، وهذا الذي نحاه حذاق المفسرين :
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ، وقتادة ، ويؤيد هذا قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " لأن شأن التفريع أن يكون جزاء على العمل المحكي قبله ، والمكاء والتصدية لا يعدان كفرا إلا إذا كانا صادرين للسخرية بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - وبالدين ، وأما لو أريد مجرد لهو عملوه في
المسجد الحرام فليس بمقتض كونه كفرا إلا على تأويله بأثر من آثار الكفر كقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إنما النسي زيادة في الكفر .
ومن المفسرين من ذكر أن المشركين كانوا يطوفون
بالبيت عراة ويمكون ويصفقون . روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كانت
قريش يطوفون
بالبيت عراة يصفقون ويصفرون وعليه فإطلاق الصلاة على المكاء والتصدية مجاز مرسل ، قال
طلحة بن عمرو : أراني
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير المكان الذي كانوا يمكون فيه نحو
أبي قبيس ، فإذا صح الذي قاله
طلحة بن عمرو هذا فالعندية في قوله " عند البيت " بمعنى مطلق المقاربة وليست على حقيقة ما يفيده " عند " من شدة القرب .
ودل قوله " فذوقوا العذاب " على عذاب واقع بهم ، إذ الأمر هنا للتوبيخ والتغليط وذلك هو العذاب الذي حل بهم يوم
بدر ، من قتل وأسر وحرب بفتح الراء
[ ص: 340 ] بما كنتم تكفرون أي بكفركم ، فما مصدرية ، و كان إذا جعل خبرها جملة مضارعية أفادت الاستمرار والعادة ، كقول
عايشة : " فكانوا لا يقطعون السارق في الشيء التافه وقول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في الموطأ : كانوا يعطون النفل من الخمس .
وعبر هنا ب " تكفرون " وفي سورة الأعراف ب " تكسبون " لأن العذاب المتحدث عنه هنا لأجل الكفر ، والمتحدث عنه في الأعراف لأجل الكفر والإضلال وما يجره الإضلال من الكبرياء والرئاسة .
nindex.php?page=treesubj&link=28979_30578nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " فَمَضْمُونُهَا سَبَبٌ ثَانٍ لِاسْتِحْقَاقِهِمُ الْعَذَابَ ، وَمَوْقِعُهَا عَقِبَ جُمْلَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ " يَجْعَلُهَا كَالدَّلِيلِ الْمُقَرِّرِ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِمْ
لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا عِنْدَ مَسْجِدِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، فَكَانَ حَقِيقًا بِسَلْبِ وِلَايَةِ الْمَسْجِدِ عَنْهُ ، فَعُطِفَتِ الْجُمْلَةُ بِاعْتِبَارِهَا سَبَبًا لِلْعَذَابِ ، وَلَوْ فُصِلَتْ بِاعْتِبَارِهَا مُقَرِّرَةً لِسَلْبِ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ عَنْهُمْ لَصَحَّ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ كَانَ الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ أَرْجَحَ لِأَنَّ الْعَطْفَ أَدَلُّ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ مَوْقِعِهَا يُفِيدُ الِاعْتِبَارَ الثَّانِي .
وَالْمُكَاءُ عَلَى صِيغَةِ مَصَادِرِ الْأَصْوَاتِ كَالرُّغَاءِ وَالثُّغَاءِ وَالْبُكَاءِ وَالنُّوَاحِ . يُقَالُ : مَكَا يَمْكُو إِذَا صَفَّرَ بِفِيهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ نَوْعٌ مِنَ الطَّيْرِ الْمَكَّاءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَجَمُعُهُ مَكَاكِيءُ بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ بَعْدَ الْيَاءِ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ يَكُونُ بِالْحِجَازِ .
[ ص: 339 ] وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيِّ قُلْتُ
لِمُنْتَجِعِ بْنِ نَبْهَانَ مَا " تَمْكُو " فَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فَمِهِ وَنَفَخَ .
وَالتَّصْدِيَةُ التَّصْفِيقُ مُشْتَقًّا مِنَ الصَّدَى وَهُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يَرُدُّهُ الْهَوَاءُ مُحَاكِيًا لِصَوْتٍ صَالِحٍ فِي الْبَرَاحِ مِنْ جِهَةٍ مُقَابِلَةٍ .
وَلَا تُعْرَفُ لِلْمُشْرِكِينَ صَلَاةٌ فَتَسْمِيَةُ مُكَائِهِمْ وَتَصْدِيَتِهِمْ صَلَاةً مُشَاكَلَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَنِ الصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ
الْبَيْتِ ، كَانَ مِنْ جُمْلَةِ طَرَائِقِ صَدِّهِمْ إِيَّاهُمْ تَشْغِيبُهُمْ عَلَيْهِمْ وَسُخْرِيَتُهُمْ بِهِمْ يُحَاكُونَ قِرَاءَةَ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاتَهُمْ بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ ، قَالَ
مُجَاهِدٌ : فَعَلَ ذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَخْلِطُونَ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَاتَهُ ،
وَبَنُو عَبْدِ الدَّارِ هُمْ سَدَنَةُ
الْكَعْبَةِ وَأَهْلُ عِمَارَةِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ لِلِاسْتِسْخَارِ مِنَ الصَّلَاةِ سُمِّيَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ صَلَاةً عَلَى طَرِيقَةِ الْمُشَاكَلَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ ، وَالْمُشَاكَلَةُ تَرْجِعُ إِلَى اسْتِعَارَةٍ عَلَاقَتُهَا الْمُشَاكَلَةُ اللَّفْظِيَّةُ أَوِ التَّقْدِيرِيَّةُ ، فَلَمْ تَكُنْ لِلْمُشْرِكِينَ صَلَاةٌ بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ ، وَهَذَا الَّذِي نَحَاهُ حُذَّاقُ الْمُفَسِّرِينَ :
مُجَاهِدٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " لِأَنَّ شَأْنَ التَّفْرِيعِ أَنْ يَكُونَ جَزَاءً عَلَى الْعَمَلِ الْمَحْكِيِّ قَبْلَهُ ، وَالْمُكَاءُ وَالتَّصْدِيَةُ لَا يُعَدَّانِ كُفْرًا إِلَّا إِذَا كَانَا صَادِرَيْنِ لِلسُّخْرِيَةِ بِالنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالدِّينِ ، وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ لَهْوٍ عَمِلُوهُ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَيْسَ بِمُقْتَضٍ كَوْنَهُ كُفْرًا إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِهِ بِأَثَرٍ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إِنَّمَا النَّسِيُّ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ .
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ
بِالْبَيْتِ عُرَاةً وَيَمْكُوَنَ وَيُصَفِّقُونَ . رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ
قُرَيْشٌ يَطُوفُونَ
بِالْبَيْتِ عُرَاةً يُصَفِّقُونَ وَيُصَفِّرُونَ وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ ، قَالَ
طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو : أَرَانِي
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْمَكَانَ الَّذِي كَانُوا يَمْكُوَنَ فِيهِ نَحْوَ
أَبِي قُبَيْسٍ ، فَإِذَا صَحَّ الَّذِي قَالَهُ
طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا فَالْعِنْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ " عِنْدَ الْبَيْتِ " بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْمُقَارَبَةِ وَلَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَةِ مَا يُفِيدُهُ " عِنْدَ " مِنْ شِدَّةِ الْقُرْبِ .
وَدَلَّ قَوْلُهُ " فَذُوقُوا الْعَذَابَ " عَلَى عَذَابٍ وَاقِعٍ بِهِمْ ، إِذِ الْأَمْرُ هُنَا لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّغْلِيطِ وَذَلِكَ هُوَ الْعَذَابُ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ يَوْمَ
بَدْرٍ ، مِنْ قَتْلٍ وَأَسْرٍ وَحَرَبٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ
[ ص: 340 ] بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أَيْ بِكُفْرِكُمْ ، فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ، وَ كَانَ إِذَا جُعِلَ خَبَرُهَا جُمْلَةً مُضَارِعِيَّةً أَفَادَتِ الِاسْتِمْرَارَ وَالْعَادَةَ ، كَقَوْلِ
عَايِشَةَ : " فَكَانُوا لَا يَقْطَعُونَ السَّارِقَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ وَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمُوَطَّأِ : كَانُوا يُعْطُونَ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ .
وَعَبَّرَ هُنَا بِ " تَكْفُرُونَ " وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ بِ " تَكْسِبُونَ " لِأَنَّ الْعَذَابَ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا لِأَجْلِ الْكُفْرِ ، وَالْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ فِي الْأَعْرَافِ لِأَجْلِ الْكُفْرِ وَالْإِضْلَالِ وَمَا يَجُرُّهُ الْإِضْلَالُ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ وَالرِّئَاسَةِ .