[ ص: 437 ] nindex.php?page=treesubj&link=31981ذكر ميلاد العبد الرسول عيسى بن مريم البتول
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم [ ص: 438 ] [ مريم : 16 - 37 ] .
ذكر تعالى هذه القصة بعد قصة
زكريا ، التي هي كالمقدمة لها والتوطئة قبلها ، كما ذكر في سورة " آل عمران " قرن بينهما في سياق واحد ، وكما قال في سورة " الأنبياء " :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=89وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين .
وقد تقدم أن
مريم ، لما جعلتها أمها محررة ، تخدم
بيت المقدس وأنه كفلها زوج أختها - أو خالتها - نبي ذلك الزمان
زكريا ، عليه السلام ، وأنه اتخذ لها محرابا ، وهو المكان الشريف من المسجد ، لا يدخله أحد عليها سواه ، وأنها لما بلغت اجتهدت في العبادة ، فلم يكن في ذلك الزمان نظيرها
[ ص: 439 ] في فنون العبادات ، وظهر عليها من الأحوال ما غبطها به
زكريا ، عليه السلام ، وأنها خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها ، وبأنه سيهب لها ولدا زكيا ، يكون نبيا كريما طاهرا مكرما ، مؤيدا بالمعجزات ، فتعجبت من وجود ولد من غير والد ; لأنها لا زوج لها ، ولا هي ممن تتزوج ، فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن . فيكون ; فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها ; فإن الناس يتكلمون فيها بسببه ، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر ، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل ، وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها ، أو لحاجة ضرورية لا بد منها ; من استقاء ماء أو تحصيل غذاء ، فبينما هي يوما قد خرجت لبعض شئونها وانتبذت أي انفردت وحدها شرقي
المسجد الأقصى ، إذ بعث الله إليها الروح الأمين ،
جبريل عليه السلام
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فتمثل لها بشرا سويا فلما رأته
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال
أبو العالية : علمت أن التقي ذو نهية . وهذا يرد قول من زعم أنه كان في
بني إسرائيل رجل فاسق مشهور بالفسق ، اسمه تقي ، فإن هذا قول باطل بلا دليل ، وهو من أسخف الأقوال .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قال إنما أنا رسول ربك أي خاطبها الملك قائلا : إنما أنا رسول ربك ، أي : لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليك
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لأهب لك غلاما زكيا أي ولدا زكيا .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قالت أنى يكون لي غلام أي : كيف يكون لي غلام ، أو يوجد لي ولد ،
[ ص: 440 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا أي : ولست ذات زوج ، وما أنا ممن يفعل الفاحشة .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9قال كذلك قال ربك هو علي هين أي : فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها ، والحالة هذه ، قائلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21كذلك قال ربك أي : وعد أنه سيخلق منك غلاما ولست بذات بعل ، ولا تكونين ممن يبغين .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هو علي هين أي : وهذا سهل عليه ، ويسير لديه ، فإنه على ما يشاء قدير . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ولنجعله آية للناس أي : ولنجعل خلقه ، والحالة هذه ، دليلا على كمال قدرتنا على أنواع الخلق ; فإنه تعالى خلق
آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق
حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق
عيسى من أنثى بلا ذكر ، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ورحمة منا أي : نرحم به العباد ، بأن يدعوهم إلى الله في صغره وكبره ، في طفولته وكهولته ، بأن يفردوا الله بالعبادة وحده لا شريك له ، وينزهوه عن اتخاذ الصاحبة والأولاد والشركاء والنظراء ، والأضداد والأنداد . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وكان أمرا مقضيا يحتمل أن يكون هذا من تمام كلام
جبريل معها ، يعني أن هذا أمر قد قضاه الله وحتمه وقدره وقرره . وهذا معنى قول
محمد بن إسحاق ، واختاره
ابن جرير ، ولم يحك سواه . والله أعلم .
ويحتمل أن يكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وكان أمرا مقضيا كناية عن نفخ
جبريل فيها ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا [ التحريم : 12 ] . فذكر غير واحد من السلف ، أن
جبريل نفخ في جيب درعها ، فنزلت النفخة إلى
[ ص: 441 ] فرجها ، فحملت من فورها ، كما تحمل المرأة عند جماع بعلها . ومن قال أنه نفخ في فمها ، أو أن الذي كان يخاطبها هو الروح الذي ولج فيها من فمها ، فقوله خلاف ما يفهم من سياقات هذه القصة في محالها من القرآن ; فإن هذا السياق يدل على أن الذي أرسل إليها ملك من الملائكة ، وهو
جبريل ، عليه السلام ، وأنه إنما نفخ فيها ، ولم يواجه الملك الفرج ، بل نفخ في جيبها فنزلت النفخة إلى فرجها ، فانسلكت فيه ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12فنفخنا فيه من روحنا فدل على أن النفخة ولجت فيه ، لا في فمها ، كما روي عن
أبي بن كعب ، ولا في صدرها ، كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي بإسناده عن بعض الصحابة ، ولهذا قال تعالى : فحملته . أي : فحملت ولدها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=22فانتبذت به مكانا قصيا وذلك لأن
مريم عليها السلام ، لما حملت ضاقت به ذرعا ، وعلمت أن كثيرا من الناس سيكون منهم كلام في حقها ، فذكر غير واحد من السلف ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، أنها لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك رجل من عباد
بني إسرائيل ، يقال له :
يوسف بن يعقوب النجار . وكان ابن خالها ، فجعل يتعجب من ذلك عجبا شديدا ، وذلك لما يعلم من ديانتها ، ونزاهتها ، وعبادتها ، وهو مع ذلك يراها حبلى وليس لها زوج ، فعرض لها ذات يوم في الكلام ، فقال : يا
مريم هل يكون زرع من غير بذر ؟! قالت : نعم ، فمن خلق الزرع الأول ؟! ثم قال : فهل يكون شجر
[ ص: 442 ] من غير ماء ولا مطر ؟! قالت : نعم ، فمن خلق الشجر الأول ؟! ثم قال : فهل يكون ولد من غير ذكر ؟! قالت : نعم ، إن الله خلق
آدم من غير ذكر ولا أنثى . قال لها : فأخبريني خبرك . فقالت : إن الله بشرني
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين [ آل عمران : 45 ، 46 ] . ويروى مثل هذا عن
زكريا ، عليه السلام ، أنه سألها فأجابته بمثل هذا . والله أعلم .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي بإسناده عن الصحابة ، أن
مريم دخلت يوما على أختها ، فقالت لها أختها : أشعرت أني حبلى ؟ فقالت
مريم : وشعرت أيضا أني حبلى ؟ فاعتنقتها ، وقالت لها
أم يحيى : إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك . وذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39مصدقا بكلمة من الله [ آل عمران : 39 ] . ومعنى السجود هاهنا ، الخضوع والتعظيم ، كالسجود عند المواجهة للسلام ، كما كان في شرع من قبلنا ، وكما أمر الله الملائكة بالسجود
لآدم . وقال
ابن القاسم : قال
مالك : بلغني أن
عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ، ابنا خالة ، وكان حملهما جميعا معا ، فبلغني أن
أم يحيى قالت
لمريم : إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك . قال
مالك : أرى ذلك لتفضيل
عيسى ، عليه السلام ; لأن الله تعالى جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص . رواه
ابن أبي حاتم . وروى عن
مجاهد قال : قالت
مريم : كنت إذا خلوت حدثني وكلمني ، وإذا كنت
[ ص: 443 ] بين الناس سبح في بطني . ثم الظاهر ، أنها حملت به تسعة أشهر كما تحمل النساء ويضعن لميقات حملهن ووضعهن ، إذ لو كان خلاف ذلك لذكر . وعن
ابن عباس وعكرمة ، أنها حملت به ثمانية أشهر . وعن
ابن عباس : ما هو إلا أن حملت به فوضعته . قال بعضهم : حملت به تسع ساعات . واستأنسوا لذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=22فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة والصحيح أن تعقيب كل شيء بحسبه ; لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=63فتصبح الأرض مخضرة [ الحج : 63 ] . وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ومعلوم أن بين كل حالين أربعين يوما ، كما ثبت في الحديث المتفق عليه .
[ المؤمنون : 14 ] . قال
محمد بن إسحاق : ثم شاع أمرها واشتهر في
بني إسرائيل أنها حامل ، فما دخل على أهل بيت ما دخل على
آل زكريا . قال : واتهمها بعض الزنادقة
بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد ، وتوارت عنهم
مريم ، واعتزلتهم وانتبذت مكانا قصيا . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة أي : فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة ، وهو - بنص الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بإسناد لا بأس به ، عن
أنس مرفوعا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي [ ص: 444 ] بإسناد صححه ، عن
شداد بن أوس مرفوعا أيضا -
ببيت لحم ، الذي بنى عليه بعض ملوك
الروم فيما بعد - على ما سنذكره - هذا البناء المشاهد الهائل .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فيه دليل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=32875_30203تمني الموت عند الفتن ، وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها ، بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها ، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات ، المجاورات في المسجد ، المنقطعات إليه ، المعتكفات فيه ، ومن بيت النبوة والديانة ، فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو كانت نسيا منسيا أي : لم تخلق بالكلية . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24فناداها من تحتها ) ، وقرئ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24من تحتها على الخفض ، وفي المضمر قولان : أحدهما ، أنه
جبريل . قاله
العوفي عن
ابن عباس . قال : ولم يتكلم
عيسى إلا بحضرة القوم . وهكذا قال
سعيد بن جبير ،
وعمرو بن ميمون ، والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
وقتادة . وقال
مجاهد ،
والحسن ،
وابن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، في رواية : هو ابنها
عيسى . واختاره
ابن جرير . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا قيل : النهر . وإليه ذهب الجمهور . وجاء فيه حديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، لكنه ضعيف ، واختاره
ابن جرير وهو
[ ص: 445 ] الصحيح . وعن
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
وابن أسلم وغيرهم ، أنه ابنها . والصحيح الأول ; لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فذكر الطعام والشراب ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فكلي واشربي وقري عينا ثم قيل : كان جذع النخلة يابسا . وقيل : كانت نخلة مثمرة . فالله أعلم . ويحتمل أنها كانت نخلة ، لكنها لم تكن مثمرة إذ ذاك ; لأن ميلاده كان في زمن الشتاء ، وليس ذاك وقت ثمر ، وقد يفهم ذلك من قوله تعالى ، على سبيل الامتنان :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25تساقط عليك رطبا جنيا قال عمرو بن ميمون
: nindex.php?page=treesubj&link=17352ليس شيء خيرا للنفساء من التمر والرطب . ثم تلا هذه الآية .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
شيبان ، حدثنا
مسرور بن سعيد التميمي ، حدثنا
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن
عروة بن رويم ، عن
علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509876أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم ، وليس شيء من الشجر يلقح غيرها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509877أطعموا نساءكم الولد الرطب ، فإن لم يكن رطب ، فتمر ، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران وكذا رواه
أبو يعلى في " مسنده " ، عن
[ ص: 446 ] nindex.php?page=showalam&ids=16131شيبان بن فروخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق بن سعيد . وفي رواية :
مسرور بن سعد . والصحيح :
مسرور بن سعيد التميمي ، أورد له
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي هذا الحديث ، عن
الأوزاعي به ، ثم قال : وهو منكر الحديث ، ولم أسمع بذكره إلا في هذا الحديث . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : يروي عن
الأوزاعي المناكير الكثيرة التي لا يجوز الاحتجاج بمن يرويها . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا وهذا من تمام كلام الذي ناداها من تحتها . قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا أي : فإن رأيت أحدا من الناس فقولي له ، أي بلسان الحال والإشارة :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26إني نذرت للرحمن صوما أي : صمتا . وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام . قاله
قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
وابن أسلم . ويدل على ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فلن أكلم اليوم إنسيا فأما في شريعتنا فيكره للصائم صمت يوم إلى الليل . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=27فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ذكر كثير من السلف ممن ينقل عن أهل الكتاب ، أنهم لما افتقدوها من بين أظهرهم ذهبوا في طلبها ، فمروا على محلتها والأنوار حولها ، فلما واجهوها وجدوا معها ولدها ، فقالوا لها :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=27يا مريم لقد جئت شيئا فريا أي أمرا عظيما منكرا . وفي هذا الذي قالوه نظر ، مع أنه كلام ينقض أوله آخره ; وذلك لأن ظاهر سياق القرآن العظيم يدل على أنها حملته
[ ص: 447 ] بنفسها ، وأتت به قومها وهي تحمله ، قال
ابن عباس : وذلك بعد ما تعالت من نفاسها بعد أربعين يوما .
والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=27قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال . ثم قالوا لها :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يا أخت هارون قيل : شبهوها بعابد من عباد زمانهم كانت تساميه في العبادة ، وكان اسمه
هارون . وقيل : شبهوها برجل فاجر في زمانهم ، اسمه
هارون . قاله
سعيد بن جبير . وقيل : أرادوا
بهارون أخا
موسى شبهوها به في العبادة . وأخطأ
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي في زعمه أنها أخت
موسى وهارون نسبا ; فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على أدنى من عنده من العلم ما يرده عن هذا القول الفظيع ، وكأنه غره أن في التوراة أن
مريم أخت
موسى وهارون ضربت بالدف يوم نجى الله
موسى وقومه ، وأغرق
فرعون وملأه ، فاعتقد أن هذه هي هذه ، وهذا في غاية البطلان والمخالفة للحديث الصحيح مع نص القرآن كما قررناه في " التفسير " مطولا ، ولله الحمد والمنة . وقد ورد الحديث الصحيح الدال
[ ص: 448 ] على أنه قد كان لها أخ اسمه
هارون وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ، ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها . والله أعلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الله بن إدريس ، سمعت أبي يذكره عن
سماك ، عن
علقمة بن وائل ، عن
المغيرة بن شعبة ، قال :
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى نجران فقالوا : أرأيت ما تقرءون : nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا . قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم وكذا رواه
مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، من حديث
عبد الله بن إدريس ، وقال
الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه . وفي رواية :
ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء صالحيهم وأنبيائهم وذكر
قتادة وغيره ، أنهم كانوا يكثرون من التسمية
بهارون ، حتى قيل : إنه حضر بعض جنائزهم بشر كثير منهم ، ممن يسمى
بهارون ، أربعون ألفا . فالله أعلم .
والمقصود أنهم قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يا أخت هارون ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه
هارون ، وكان مشهورا بالدين والصلاح والخير ; ولهذا قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا أي : لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم ; لا أخوك ولا أمك ولا أبوك ، فاتهموها
[ ص: 449 ] بالفاحشة العظمى ، ورموها بالداهية الدهياء ، فذكر
ابن جرير في " تاريخه " أنهم اتهموا بها
زكريا ، وأرادوا قتله ، ففر منهم فلحقوه وقد انشقت له الشجرة فدخلها ، وأمسك إبليس بطرف ردائه فنشروه فيها ، كما قدمنا .
ومن المنافقين من اتهمها بابن خالها
يوسف بن يعقوب النجار ، فلما ضاق الحال ، وانحصر المجال وامتنع المقال ، عظم التوكل على ذي الجلال ، ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29فأشارت إليه أي : خاطبوه وكلموه ; فإن جوابكم عليه ، وما تبغون من الكلام لديه . فعندها قال من كان منهم جبارا شقيا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29كيف نكلم من كان في المهد صبيا أي : كيف تحيليننا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب ، وهو مع ذلك رضيع في مهده ، ولا يميز بين محض وزبده ، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء ، والتنقص لنا والازدراء ; إذ لا تردين علينا قولا نطقيا ، بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبيا ، فعندها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا هذا أول كلام تفوه به
عيسى ابن مريم ، فكان أول ما تكلم به أن قال
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30إني عبد الله اعترف لربه تعالى بالعبودية ، وأن الله ربه ، فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله ، بل هو عبده ورسوله وابن أمته ، ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون ، وقذفوها به ورموها
[ ص: 450 ] بسببه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30آتاني الكتاب وجعلني نبيا فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا ، لعنهم الله وقبحهم ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما [ النساء : 156 ] . وذلك أن طائفة من
اليهود في ذلك الزمان قالوا : إنها حملت به من زنا في زمن الحيض ، لعنهم الله . فبرأها الله من ذلك ، وأخبر عنها أنها صديقة ، واتخذ ولدها نبيا مرسلا ، أحد أولي العزم الخمسة الكبار ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وجعلني مباركا أين ما كنت وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونزه جنابه عن النقص والعيب ; من اتخاذ الصاحبة والولد ، تعالى وتقدس .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد ; بالصلاة ، والإحسان إلى الخليقة بالزكاة ، وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة ، وتطهير الأموال الجزيلة بالعطية للمحاويج ، على اختلاف الأصناف ، وقرى الأضياف ، والنفقات على الزوجات ، والأرقاء ، والقرابات ، وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا أي : وجعلني برا بوالدتي ، وذلك أنه تأكد حقها عليه ، لتمحض جهتها ، إذ لا والد له سواها ، فسبحان من خلق الخليقة وبرأها ، وأعطى كل نفس هداها .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32ولم يجعلني جبارا شقيا أي : لست بفظ ولا غليظ ، ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=33والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا وهذه المواطن الثلاثة التي تقدم الكلام عليها في قصة
يحيى بن زكريا ، عليهما السلام ، ثم لما ذكر تعالى قصته على الجلية ، وبين أمره ووضحه وشرحه ، قال :
[ ص: 451 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=34ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون كما قال تعالى بعد ذكر قصته ، وما كان من أمره في آل عمران :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=58ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين [ آل عمران : 58 - 63 ] . ولهذا لما قدم وفد
نجران وكانوا ستين راكبا ، يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم ، ويؤول أمر الجميع إلى ثلاثة ، هم أشرافهم وساداتهم ، وهم :
العاقب ، والسيد ، وأبو حارثة بن علقمة ، فجعلوا يناظرون في أمر المسيح ، فأنزل الله صدر سورة " آل عمران " في ذلك ، وبين أمر المسيح وابتداء خلقه وخلق أمه من قبله ، وأمر رسوله بأن يباهلهم إن لم يستجيبوا له ويتبعوه ، فلما رأوا عينيها وأذنيها نكصوا ، وامتنعوا عن المباهلة ، وعدلوا إلى المسالمة والموادعة ، وقال قائلهم ، وهو
العاقب عبد المسيح : يا معشر
النصارى ، لقد علمتم أن
محمدا لنبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط ، فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنها للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول
[ ص: 452 ] في صاحبكم ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم . فطلبوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسألوه أن يضرب عليهم جزية ، وأن يبعث معهم رجلا أمينا ، فبعث معهم
nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة بن الجراح ، وقد بينا ذلك في تفسير " آل عمران " وسيأتي بسط هذه القضية في السيرة النبوية من كتابنا هذا ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .
والمقصود أن الله تعالى لما بين أمر
المسيح ، قال لرسوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=34ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون يعني من أنه عبد مخلوق من امرأة من عباد الله ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون أي لا يعجزه شيء ولا يكرثه ولا يؤوده ، بل هو القدير الفعال لما يشاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ يس : 82 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=51واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا هو من تمام كلام
عيسى لهم في المهد ، أخبرهم أن الله ربه وربهم وإلهه وإلههم ، وأن هذا هو الصراط المستقيم . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أي : فاختلف أهل ذلك الزمان ، ومن بعدهم فيه ، فمن قائل من
اليهود : إنه ولد زنية . واستمروا على كفرهم وعنادهم ، وقابلهم آخرون في الكفر فقالوا : هو الله . وقال آخرون : هو ابن الله . وقال المؤمنون :
[ ص: 453 ] هو عبد الله ورسوله ، وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى
مريم ، وروح منه . وهؤلاء هم الناجون المثابون ، المؤيدون المنصورون ، ومن خالفهم في شيء من هذه القيود ، فهم الكافرون الظالمون ، الضالون الجاهلون ، وقد توعدهم العلي العظيم الحكيم العليم ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
صدقة بن الفضل ، أنبأنا
الوليد ، حدثنا
الأوزاعي ، حدثني
عمير بن هانئ ، حدثني
جنادة بن أبي أمية ، عن
عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
من شهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق - أدخله الله الجنة على ما كان من العمل قال
الوليد : فحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16351عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن
عمير ، عن
جنادة ، وزاد :
من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء وقد رواه
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15856داود بن رشيد عن
الوليد ، عن
ابن جابر به ، ومن طريق أخرى عن
الأوزاعي به .
[ ص: 437 ] nindex.php?page=treesubj&link=31981ذِكْرُ مِيلَادِ الْعَبْدِ الرَّسُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمِ الْبَتُولِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [ ص: 438 ] [ مَرْيَمَ : 16 - 37 ] .
ذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْقِصَّةَ بَعْدَ قِصَّةِ
زَكَرِيَّا ، الَّتِي هِيَ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهَا وَالتَّوْطِئَةِ قَبْلَهَا ، كَمَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ " آلِ عِمْرَانَ " قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ ، وَكَمَا قَالَ فِي سُورَةِ " الْأَنْبِيَاءِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=89وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
مَرْيَمَ ، لَمَّا جَعَلَتْهَا أُمُّهَا مُحَرَّرَةً ، تَخْدِمُ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَنَّهُ كَفَلَهَا زَوْجُ أُخْتِهَا - أَوْ خَالَتِهَا - نَبِيُّ ذَلِكَ الزَّمَانِ
زَكَرِيَّا ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ اتَّخَذَ لَهَا مِحْرَابًا ، وَهُوَ الْمَكَانُ الشَّرِيفُ مِنَ الْمَسْجِدِ ، لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ عَلَيْهَا سِوَاهُ ، وَأَنَّهَا لَمَّا بَلَغَتِ اجْتَهَدَتْ فِي الْعِبَادَةِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ نَظِيرُهَا
[ ص: 439 ] فِي فُنُونِ الْعِبَادَاتِ ، وَظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَحْوَالِ مَا غَبَطَهَا بِهِ
زَكَرِيَّا ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهَا خَاطَبَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ لَهَا بِاصْطِفَاءِ اللَّهِ لَهَا ، وَبِأَنَّهُ سَيَهَبُ لَهَا وَلَدًا زَكِيًّا ، يَكُونُ نَبِيًّا كَرِيمًا طَاهِرًا مُكَرَّمًا ، مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَاتِ ، فَتَعَجَّبَتْ مِنْ وُجُودِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ ; لِأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا ، وَلَا هِيَ مِمَّنْ تَتَزَوَّجُ ، فَأَخْبَرَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ ، إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ : كُنْ . فَيَكُونُ ; فَاسْتَكَانَتْ لِذَلِكَ وَأَنَابَتْ وَسَلَّمَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ وَعَلِمَتْ أَنَّ هَذَا فِيهِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ لَهَا ; فَإِنَّ النَّاسَ يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا بِسَبَبِهِ ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ وَلَا تَعَقُّلٍ ، وَكَانَتْ إِنَّمَا تَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ حَيْضِهَا ، أَوْ لِحَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا ; مِنَ اسْتِقَاءِ مَاءٍ أَوْ تَحْصِيلِ غِذَاءٍ ، فَبَيْنَمَا هِيَ يَوْمًا قَدْ خَرَجَتْ لِبَعْضٍ شُئُونِهَا وَانْتَبَذَتْ أَيِ انْفَرَدَتْ وَحْدَهَا شَرْقِيَّ
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا الرُّوحَ الْأَمِينَ ،
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا فَلَمَّا رَأَتْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ : عَلِمَتْ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ . وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَاسِقٌ مَشْهُورٌ بِالْفِسْقِ ، اسْمُهُ تَقِيٌّ ، فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِلَا دَلِيلٍ ، وَهُوَ مِنْ أَسْخَفِ الْأَقْوَالِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ أَيْ خَاطَبَهَا الْمَلَكُ قَائِلًا : إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ، أَيْ : لَسْتُ بِبَشَرٍ وَلَكِنِّي مَلَكٌ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَيْكِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا أَيْ وَلَدًا زَكِيًّا .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ أَيْ : كَيْفَ يَكُونُ لِي غُلَامٌ ، أَوْ يُوجَدُ لِي وَلَدٌ ،
[ ص: 440 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا أَيْ : وَلَسْتُ ذَاتَ زَوْجٍ ، وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَفْعَلُ الْفَاحِشَةَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أَيْ : فَأَجَابَهَا الْمَلَكُ عَنْ تَعَجُّبِهَا مِنْ وُجُودِ وَلَدٍ مِنْهَا ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، قَائِلًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ أَيْ : وَعَدَ أَنَّهُ سَيَخْلُقُ مِنْكِ غُلَامًا وَلَسْتِ بِذَاتِ بَعْلٍ ، وَلَا تَكُونِينَ مِمَّنْ يَبْغِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أَيْ : وَهَذَا سَهْلٌ عَلَيْهِ ، وَيَسِيرٌ لَدَيْهِ ، فَإِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ أَيْ : وَلِنَجْعَلَ خَلْقَهُ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِنَا عَلَى أَنْوَاعِ الْخَلْقِ ; فَإِنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ
آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى ، وَخَلَقَ
حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى ، وَخَلَقَ
عِيسَى مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ ، وَخَلَقَ بَقِيَّةَ الْخَلْقِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَرَحْمَةً مِنَّا أَيْ : نَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ ، بِأَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ فِي صِغَرِهِ وَكِبَرِهِ ، فِي طُفُولَتِهِ وَكُهُولَتِهِ ، بِأَنْ يُفْرِدُوا اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَيُنَزِّهُوهُ عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ وَالنُّظَرَاءِ ، وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ
جِبْرِيلَ مَعَهَا ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ قَضَاهُ اللَّهُ وَحَتَّمَهُ وَقَدَّرَهُ وَقَرَّرَهُ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ ، وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا كِنَايَةً عَنْ نَفْخِ
جِبْرِيلَ فِيهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا [ التَّحْرِيمِ : 12 ] . فَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ ، أَنَّ
جِبْرِيلَ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا ، فَنَزَلَتِ النَّفْخَةُ إِلَى
[ ص: 441 ] فَرْجِهَا ، فَحَمَلَتْ مِنْ فَوْرِهَا ، كَمَا تَحْمِلُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ جِمَاعِ بَعْلِهَا . وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ نَفَخَ فِي فَمِهَا ، أَوْ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُخَاطِبُهَا هُوَ الرُّوحُ الَّذِي وَلَجَ فِيهَا مِنْ فَمِهَا ، فَقَوْلُهُ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقَاتِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي مَحَالِّهَا مِنَ الْقُرْآنِ ; فَإِنَّ هَذَا السِّيَاقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهَا مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَهُوَ
جِبْرِيلُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَخَ فِيهَا ، وَلَمْ يُوَاجِهِ الْمَلَكُ الْفَرْجَ ، بَلْ نَفَخَ فِي جَيْبِهَا فَنَزَلَتِ النَّفْخَةُ إِلَى فَرْجِهَا ، فَانْسَلَكَتْ فِيهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّفْخَةَ وَلَجَتْ فِيهِ ، لَا فِي فَمِهَا ، كَمَا رُوِيَ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَلَا فِي صَدْرِهَا ، كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : فَحَمَلَتْهُ . أَيْ : فَحَمَلَتْ وَلَدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=22فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا وَذَلِكَ لِأَنَّ
مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ ، لَمَّا حَمَلَتْ ضَاقَتْ بِهِ ذَرْعًا ، وَعَلِمَتْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ سَيَكُونُ مِنْهُمْ كَلَامٌ فِي حَقِّهَا ، فَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ ، أَنَّهَا لَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهَا مَخَايِلُ الْحَمْلِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ فَطِنَ لِذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ عُبَّادِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، يُقَالُ لَهُ :
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ النَّجَّارُ . وَكَانَ ابْنَ خَالِهَا ، فَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ مِنْ ذَلِكَ عَجَبًا شَدِيدًا ، وَذَلِكَ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ دِيَانَتِهَا ، وَنَزَاهَتِهَا ، وَعِبَادَتِهَا ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرَاهَا حُبْلَى وَلَيْسَ لَهَا زَوْجٌ ، فَعَرَّضَ لَهَا ذَاتَ يَوْمٍ فِي الْكَلَامِ ، فَقَالَ : يَا
مَرْيَمُ هَلْ يَكُونُ زَرْعٌ مِنْ غَيْرِ بَذْرٍ ؟! قَالَتْ : نَعَمْ ، فَمَنْ خَلَقَ الزَّرْعَ الْأَوَّلَ ؟! ثُمَّ قَالَ : فَهَلْ يَكُونُ شَجَرٌ
[ ص: 442 ] مِنْ غَيْرِ مَاءٍ وَلَا مَطَرٍ ؟! قَالَتْ : نَعَمْ ، فَمَنْ خَلَقَ الشَّجَرَ الْأَوَّلَ ؟! ثُمَّ قَالَ : فَهَلْ يَكُونُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ ؟! قَالَتْ : نَعَمْ ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ
آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى . قَالَ لَهَا : فَأَخْبِرِينِي خَبَرَكِ . فَقَالَتْ : إِنَّ اللَّهَ بَشَّرَنِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 45 ، 46 ] . وَيُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنْ
زَكَرِيَّا ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَنَّهُ سَأَلَهَا فَأَجَابَتْهُ بِمِثْلِ هَذَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ ، أَنَّ
مَرْيَمَ دَخَلَتْ يَوْمًا عَلَى أُخْتِهَا ، فَقَالَتْ لَهَا أُخْتُهَا : أَشَعَرْتِ أَنِّي حُبْلَى ؟ فَقَالَتْ
مَرْيَمُ : وَشَعَرْتِ أَيْضًا أَنِّي حُبْلَى ؟ فَاعْتَنَقَتْهَا ، وَقَالَتْ لَهَا
أُمُّ يَحْيَى : إِنِّي أَرَى مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ . وَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ [ آلِ عِمْرَانَ : 39 ] . وَمَعْنَى السُّجُودِ هَاهُنَا ، الْخُضُوعُ وَالتَّعْظِيمُ ، كَالسُّجُودِ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ لِلسَّلَامِ ، كَمَا كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا ، وَكَمَا أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ
لِآدَمَ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : قَالَ
مَالِكٌ : بَلَغَنِي أَنَّ
عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ، ابْنَا خَالَةٍ ، وَكَانَ حَمْلُهُمَا جَمِيعًا مَعًا ، فَبَلَغَنِي أَنَّ
أُمَّ يَحْيَى قَالَتْ
لِمَرْيَمَ : إِنِّي أَرَى مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ . قَالَ
مَالِكٌ : أَرَى ذَلِكَ لِتَفْضِيلِ
عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعْلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبَرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ . وَرَوَى عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : قَالَتْ
مَرْيَمُ : كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ حَدَّثَنِي وَكَلَّمَنِي ، وَإِذَا كُنْتُ
[ ص: 443 ] بَيْنَ النَّاسِ سَبَّحَ فِي بَطْنِي . ثُمَّ الظَّاهِرُ ، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَمَا تَحْمِلُ النِّسَاءُ وَيَضَعْنَ لِمِيقَاتِ حَمْلِهِنَّ وَوَضْعِهِنَّ ، إِذْ لَوْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ لَذُكِرَ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ ، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : مَا هُوَ إِلَّا أَنْ حَمَلَتْ بِهِ فَوَضَعَتْهُ . قَالَ بَعْضُهُمْ : حَمَلَتْ بِهِ تِسْعَ سَاعَاتٍ . وَاسْتَأْنَسُوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=22فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَعْقِيبَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ ; لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=63فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [ الْحَجِّ : 63 ] . وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَمَعْلُومٌ أَنْ بَيْنَ كُلِّ حَالَيْنِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ .
[ الْمُؤْمِنُونَ : 14 ] . قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ شَاعَ أَمْرُهَا وَاشْتَهَرَ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهَا حَامِلٌ ، فَمَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مَا دَخَلَ عَلَى
آلِ زَكَرِيَّا . قَالَ : وَاتَّهَمَهَا بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ
بِيُوسُفَ الَّذِي كَانَ يَتَعَبَّدُ مَعَهَا فِي الْمَسْجِدِ ، وَتَوَارَتْ عَنْهُمْ
مَرْيَمُ ، وَاعْتَزَلَتْهُمْ وَانْتَبَذَتْ مَكَانًا قَصِيًّا . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ أَيْ : فَأَلْجَأَهَا وَاضْطَرَّهَا الطَّلْقُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ، وَهُوَ - بِنَصِّ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ ، عَنْ
أَنَسٍ مَرْفُوعًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ [ ص: 444 ] بِإِسْنَادٍ صَحَّحَهُ ، عَنْ
شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا أَيْضًا -
بِبَيْتِ لَحْمٍ ، الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ بَعْضُ مُلُوكِ
الرُّومِ فِيمَا بَعْدُ - عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ - هَذَا الْبِنَاءَ الْمُشَاهَدَ الْهَائِلَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=23قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=32875_30203تَمَنِّي الْمَوْتِ عِنْدَ الْفِتَنِ ، وَذَلِكَ أَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ النَّاسَ يَتَّهِمُونَهَا وَلَا يُصَدِّقُونَهَا ، بَلْ يُكَذِّبُونَهَا حِينَ تَأْتِيهِمْ بِغُلَامٍ عَلَى يَدِهَا ، مَعَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَابِدَاتِ النَّاسِكَاتِ ، الْمُجَاوِرَاتِ فِي الْمَسْجِدِ ، الْمُنْقَطِعَاتِ إِلَيْهِ ، الْمُعْتَكِفَاتِ فِيهِ ، وَمِنْ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالدِّيَانَةِ ، فَحَمَلَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الْهَمِّ مَا تَمَنَّتْ أَنْ لَوْ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْلَ هَذَا الْحَالِ أَوْ كَانَتْ نَسْيًا مَنْسِيًّا أَيْ : لَمْ تُخْلَقْ بِالْكُلِّيَّةِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24فَنَادَاهَا مَنْ تَحْتَهَا ) ، وَقُرِئَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24مِنْ تَحْتِهَا عَلَى الْخَفْضِ ، وَفِي الْمُضْمَرِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا ، أَنَّهُ
جِبْرِيلُ . قَالَهُ
الْعَوْفِيُّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ : وَلَمْ يَتَكَلَّمْ
عِيسَى إِلَّا بِحَضْرَةِ الْقَوْمِ . وَهَكَذَا قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ،
وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ ، وَالضَّحَّاكُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ ،
وَقَتَادَةُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَابْنُ زَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، فِي رِوَايَةٍ : هُوَ ابْنُهَا
عِيسَى . وَاخْتَارَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=24أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا قِيلَ : النَّهْرُ . وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ . وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ وَهُوَ
[ ص: 445 ] الصَّحِيحُ . وَعَنِ
الْحَسَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ،
وَابْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِمْ ، أَنَّهُ ابْنُهَا . وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ; لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَذَكَرَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ثُمَّ قِيلَ : كَانَ جِذْعُ النَّخْلَةِ يَابِسًا . وَقِيلَ : كَانَتْ نَخْلَةً مُثْمِرَةً . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ نَخْلَةً ، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً إِذْ ذَاكَ ; لِأَنَّ مِيلَادَهُ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ ، وَلَيْسَ ذَاكَ وَقْتَ ثَمَرٍ ، وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ، عَلَى سَبِيلِ الِامْتِنَانِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ
: nindex.php?page=treesubj&link=17352لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرًا لِلنُّفَسَاءِ مِنَ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ ، حَدَّثَنَا
مَسْرُورُ بْنُ سَعِيدٍ التَّمِيمِيُّ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509876أَكْرِمُوا عَمَّتَكُمُ النَّخْلَةَ ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الطِّينِ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ آدَمُ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الشَّجَرِ يُلَقَّحُ غَيْرَهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509877أَطْعِمُوا نِسَاءَكُمُ الْوُلَّدَ الرُّطَبَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبٌ ، فَتَمْرٌ ، وَلَيْسَ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَجَرَةٍ نَزَلَتْ تَحْتَهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَكَذَا رَوَاهُ
أَبُو يَعْلَى فِي " مُسْنَدِهِ " ، عَنْ
[ ص: 446 ] nindex.php?page=showalam&ids=16131شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17073مَسْرُوقِ بْنِ سَعِيدٍ . وَفِي رِوَايَةٍ :
مَسْرُورِ بْنِ سَعْدٍ . وَالصَّحِيحُ :
مَسْرُورُ بْنُ سَعِيدٍ التَّمِيمِيُّ ، أَوْرَدَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابْنُ عَدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، وَلَمْ أَسْمَعَ بِذِكْرِهِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَّانَ : يَرْوِي عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ الْمَنَاكِيرَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَنْ يَرْوِيهَا . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا وَهَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الَّذِي نَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا . قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا أَيْ : فَإِنْ رَأَيْتِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فَقَوْلِي لَهُ ، أَيْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْإِشَارَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا أَيْ : صَمْتًا . وَكَانَ مِنْ صَوْمِهِمْ فِي شَرِيعَتِهِمْ تَرْكُ الْكَلَامِ وَالطَّعَامِ . قَالَهُ
قَتَادَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ ،
وَابْنُ أَسْلَمَ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَمَّا فِي شَرِيعَتِنَا فَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ صَمْتُ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=27فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ مِمَّنْ يَنْقُلُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، أَنَّهُمْ لَمَّا افْتَقَدُوهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ ذَهَبُوا فِي طَلَبِهَا ، فَمَرُّوا عَلَى مَحِلَّتِهَا وَالْأَنْوَارُ حَوْلَهَا ، فَلَمَّا وَاجَهُوهَا وَجَدُوا مَعَهَا وَلَدَهَا ، فَقَالُوا لَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=27يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا أَيْ أَمْرًا عَظِيمًا مُنْكَرًا . وَفِي هَذَا الَّذِي قَالُوهُ نَظَرٌ ، مَعَ أَنَّهُ كَلَامٌ يَنْقُضُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَمَلَتْهُ
[ ص: 447 ] بِنَفْسِهَا ، وَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا وَهِيَ تَحْمِلُهُ ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : وَذَلِكَ بَعْدَ مَا تَعَالَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْهَا تَحْمِلُ مَعَهَا وَلَدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=27قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا وَالْفِرْيَةُ هِيَ الْفِعْلَةُ الْمُنْكَرَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الْفِعَالِ وَالْمَقَالِ . ثُمَّ قَالُوا لَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يَا أُخْتَ هَارُونَ قِيلَ : شَبَّهُوهَا بِعَابِدٍ مِنْ عُبَّادِ زَمَانِهِمْ كَانَتْ تُسَامِيهِ فِي الْعِبَادَةِ ، وَكَانَ اسْمُهُ
هَارُونَ . وَقِيلَ : شَبَّهُوهَا بِرَجُلٍ فَاجِرٍ فِي زَمَانِهِمُ ، اسْمُهُ
هَارُونُ . قَالَهُ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَقِيلَ : أَرَادُوا
بِهَارُونَ أَخَا
مُوسَى شَبَّهُوهَا بِهِ فِي الْعِبَادَةِ . وَأَخْطَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهَا أُخْتُ
مُوسَى وَهَارُونَ نَسَبًا ; فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مِنَ الدُّهُورِ الطَّوِيلَةِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَرُدُّهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الْفَظِيعِ ، وَكَأَنَّهُ غَرَّهُ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ
مَرْيَمَ أُخْتَ
مُوسَى وَهَارُونَ ضَرَبَتْ بِالدُّفِّ يَوْمَ نَجَّى اللَّهُ
مُوسَى وَقَوْمَهُ ، وَأَغْرَقَ
فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ هَذِهِ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي " التَّفْسِيرِ " مُطَوَّلًا ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الدَّالُّ
[ ص: 448 ] عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهَا أَخٌ اسْمُهُ
هَارُونُ وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ قِصَّةِ وِلَادَتِهَا وَتَحْرِيرِ أُمِّهَا لَهَا ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَخٌ سِوَاهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُهُ عَنْ
سِمَاكٍ ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ ، عَنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ :
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَى نَجْرَانَ فَقَالُوا : أَرَأَيْتَ مَا تَقْرَءُونَ : nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يَا أُخْتَ هَارُونَ وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَرَجَعْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ وَكَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ، مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ . وَفِي رِوَايَةٍ :
أَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ صَالِحِيهِمْ وَأَنْبِيَائِهِمْ وَذَكَرَ
قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْثِرُونَ مِنَ التَّسْمِيَةِ
بِهَارُونَ ، حَتَّى قِيلَ : إِنَّهُ حَضَرَ بَعْضَ جَنَائِزِهِمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ، مِمَّنْ يُسَمَّى
بِهَارُونَ ، أَرْبَعُونَ أَلْفًا . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يَا أُخْتَ هَارُونَ وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهَا قَدْ كَانَ لَهَا أَخٌ نَسَبِيٌّ اسْمُهُ
هَارُونُ ، وَكَانَ مَشْهُورًا بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ ; وَلِهَذَا قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا أَيْ : لَسْتِ مِنْ بَيْتٍ هَذَا شِيمَتُهُمْ وَلَا سَجِيَّتُهُمْ ; لَا أَخُوكِ وَلَا أُمُّكِ وَلَا أَبُوكِ ، فَاتَّهَمُوهَا
[ ص: 449 ] بِالْفَاحِشَةِ الْعُظْمَى ، وَرَمَوْهَا بِالدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ ، فَذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي " تَارِيخِهِ " أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا بِهَا
زَكَرِيَّا ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ ، فَفَرَّ مِنْهُمْ فَلَحِقُوهُ وَقَدِ انْشَقَّتْ لَهُ الشَّجَرَةُ فَدَخَلَهَا ، وَأَمْسَكَ إِبْلِيسُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ فَنَشَرُوهُ فِيهَا ، كَمَا قَدَّمْنَا .
وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنِ اتَّهَمَهَا بِابْنِ خَالِهَا
يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ النَّجَّارِ ، فَلَمَّا ضَاقَ الْحَالُ ، وَانْحَصَرَ الْمَجَالُ وَامْتَنَعَ الْمَقَالُ ، عَظُمَ التَّوَكُّلُ عَلَى ذِي الْجَلَالِ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْإِخْلَاصُ وَالِاتِّكَالُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ أَيْ : خَاطِبُوهُ وَكَلِّمُوهُ ; فَإِنَّ جَوَابَكُمْ عَلَيْهِ ، وَمَا تَبْغُونَ مِنَ الْكَلَامِ لَدَيْهِ . فَعِنْدَهَا قَالَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَبَّارًا شَقِيًّا :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=29كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا أَيْ : كَيْفَ تُحِيلِينَنَا فِي الْجَوَابِ عَلَى صَبِيٍّ صَغِيرٍ لَا يَعْقِلُ الْخِطَابَ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ رَضِيعٌ فِي مَهْدِهِ ، وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ مَحْضٍ وَزَبَدِهِ ، وَمَا هَذَا مِنْكِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ بِنَا وَالِاسْتِهْزَاءِ ، وَالتَّنَقُّصِ لَنَا وَالِازْدِرَاءِ ; إِذْ لَا تَرُدِّينَ عَلَيْنَا قَوْلًا نُطْقِيًّا ، بَلْ تُحِيلِينَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، فَعِنْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا هَذَا أَوَّلُ كَلَامٍ تَفَوَّهَ بِهِ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ اعْتَرَفَ لِرَبِّهِ تَعَالَى بِالْعُبُودِيَّةِ ، وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ ، فَنَزَّهَ جَنَابَ اللَّهِ عَنْ قَوْلِ الظَّالِمِينَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ ، بَلْ هُوَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَابْنُ أَمَتِهِ ، ثُمَّ بَرَّأَ أُمَّهُ مِمَّا نَسَبَهَا إِلَيْهِ الْجَاهِلُونَ ، وَقَذَفُوهَا بِهِ وَرَمَوْهَا
[ ص: 450 ] بِسَبَبِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=30آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعْطِي النُّبُوَّةَ مَنْ هُوَ كَمَا زَعَمُوا ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [ النِّسَاءِ : 156 ] . وَذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ
الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالُوا : إِنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ مِنْ زِنًا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ . فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَ عَنْهَا أَنَّهَا صِدِّيقَةٌ ، وَاتَّخَذَ وَلَدَهَا نَبِيًّا مُرْسَلًا ، أَحَدَ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ الْكِبَارِ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَنَزَّهَ جَنَابَهُ عَنِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ ; مِنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَهَذِهِ وَظِيفَةُ الْعَبِيدِ فِي الْقِيَامِ بِحَقِّ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ; بِالصَّلَاةِ ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلِيقَةِ بِالزَّكَاةِ ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى طَهَارَةِ النُّفُوسِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ ، وَتَطْهِيرِ الْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ بِالْعَطِيَّةِ لِلْمَحَاوِيجِ ، عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْنَافِ ، وَقِرَى الْأَضْيَافِ ، وَالنَّفَقَاتِ عَلَى الزَّوْجَاتِ ، وَالْأَرِقَّاءِ ، وَالْقَرَابَاتِ ، وَسَائِرِ وُجُوهِ الطَّاعَاتِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا أَيْ : وَجَعَلَنِي بَرًّا بِوَالِدَتِي ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَأَكَّدَ حَقُّهَا عَلَيْهِ ، لِتَمَحُّضِ جِهَتِهَا ، إِذْ لَا وَالِدَ لَهُ سِوَاهَا ، فَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الْخَلِيقَةَ وَبَرَأَهَا ، وَأَعْطَى كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=32وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا أَيْ : لَسْتُ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا يَصْدُرُ مِنِّي قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ يُنَافِي أَمْرَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=33وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي قِصَّةِ
يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّتَهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ ، وَبَيَّنَ أَمْرَهُ وَوَضَّحَهُ وَشَرَحَهُ ، قَالَ :
[ ص: 451 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=34ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّتِهِ ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي آلِ عِمْرَانَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=58ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 58 - 63 ] . وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ
نَجْرَانَ وَكَانُوا سِتِّينَ رَاكِبًا ، يَرْجِعُ أَمْرُهُمْ إِلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ، وَيَؤُولُ أَمْرُ الْجَمِيعِ إِلَى ثَلَاثَةٍ ، هُمْ أَشْرَافُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ ، وَهُمْ :
الْعَاقِبُ ، وَالسَّيِّدُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، فَجَعَلُوا يُنَاظِرُونَ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ " آلِ عِمْرَانَ " فِي ذَلِكَ ، وَبَيَّنَ أَمْرَ الْمَسِيحِ وَابْتِدَاءَ خَلْقِهِ وَخَلْقِ أُمِّهِ مِنْ قَبْلِهِ ، وَأَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يُبَاهِلَهُمْ إِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ وَيَتَّبِعُوهُ ، فَلَمَّا رَأَوْا عَيْنَيْهَا وَأُذُنَيْهَا نَكَصُوا ، وَامْتَنَعُوا عَنِ الْمُبَاهَلَةِ ، وَعَدَلُوا إِلَى الْمُسَالَمَةِ وَالْمُوَادَعَةِ ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ ، وَهُوَ
الْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ : يَا مَعْشَرَ
النَّصَارَى ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ
مُحَمَّدًا لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيًّا قَطُّ ، فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ ، وَإِنَّهَا لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ
[ ص: 452 ] فِي صَاحِبِكُمْ ، فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ . فَطَلَبُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ جِزْيَةً ، وَأَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ رَجُلًا أَمِينًا ، فَبَعَثَ مَعَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=5أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ " آلِ عِمْرَانَ " وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبِهِ الثِّقَةُ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَمْرَ
الْمَسِيحِ ، قَالَ لِرَسُولِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=34ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ يَعْنِي مِنْ أَنَّهُ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=35مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أَيْ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلَا يَكْرُثُهُ وَلَا يَؤُودُهُ ، بَلْ هُوَ الْقَدِيرُ الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ يس : 82 ] . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=51وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا هُوَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ
عِيسَى لَهُمْ فِي الْمَهْدِ ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَرَبُّهُمْ وَإِلَهُهُ وَإِلَهُهُمْ ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ أَيْ : فَاخْتَلَفَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِيهِ ، فَمِنْ قَائِلٍ مِنَ
الْيَهُودِ : إِنَّهُ وَلَدُ زَنْيَةٍ . وَاسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ ، وَقَابَلَهُمْ آخَرُونَ فِي الْكُفْرِ فَقَالُوا : هُوَ اللَّهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ ابْنُ اللَّهِ . وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ :
[ ص: 453 ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَابْنُ أَمَتِهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ ، وَرُوحٌ مِنْهُ . وَهَؤُلَاءِ هُمُ النَّاجُونَ الْمُثَابُونَ ، الْمُؤَيَّدُونَ الْمَنْصُورُونَ ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ ، فَهُمُ الْكَافِرُونَ الظَّالِمُونَ ، الضَّالُّونَ الْجَاهِلُونَ ، وَقَدْ تَوَعَّدَهُمُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا
صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، أَنْبَأَنَا
الْوَلِيدُ ، حَدَّثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي
عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ ، حَدَّثَنِي
جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالنَّارَ حَقٌّ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ قَالَ
الْوَلِيدُ : فَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16351عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ
عُمَيْرٍ ، عَنْ
جُنَادَةَ ، وَزَادَ :
مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَيَّهَا شَاءَ وَقَدْ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15856دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ عَنِ
الْوَلِيدِ ، عَنِ
ابْنِ جَابِرٍ بِهِ ، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ .