[ ص: 425 ] nindex.php?page=treesubj&link=33954قصة مدين قوم شعيب عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى في سورة الأعراف بعد قصة قوم لوط :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين [ الأعراف : 85 - 93 ] . وقال في سورة هود بعد قصة قوم لوط أيضا :
[ ص: 426 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ قالوا ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال ياقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود [ هود : 84 - 95 ] . وقال في الحجر بعد قصة قوم
لوط أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=78وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين [ الحجر : 78 - 79 ] . وقال تعالى في الشعراء بعد
[ ص: 427 ] قصتهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=176كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ الشعراء : 176 - 191 ] .
كان
أهل مدين قوما عربا يسكنون مدينتهم
مدين التي هي قرية من أرض
معان من أطراف
الشام مما يلي ناحية
الحجاز قريبا من
بحيرة قوم لوط ، وكانوا بعدهم بمدة قريبة ،
ومدين قبيلة عرفت بهم المدينة ، وهم من
بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ،
وشعيب نبيهم هو
ابن ميكيل بن يشجن ذكره
ابن إسحاق قال : ويقال له بالسريانية : بثرون . وفي هذا نظر ويقال :
شعيب بن يشجن بن لاوي بن يعقوب ، ويقال :
شعيب بن ثويب بن عبقا بن [ ص: 428 ] مدين بن إبراهيم . ويقال :
شعيب بن صيفور بن عبقا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم . وقيل : غير ذلك في نسبه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر : ويقال : جدته ويقال : أمه بنت
لوط وكان ممن آمن
بإبراهيم وهاجر معه ودخل معه
دمشق . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه أنه قال :
شعيب وبلعم ممن آمن
بإبراهيم يوم أحرق بالنار ، وهاجرا معه إلى
الشام فزوجهما بنتي
لوط عليه السلام . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة ، وفي هذا كله نظر أيضا ، والله أعلم .
وذكر
أبو عمر بن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509783سلمة بن سعيد العنزي : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وانتسب إلى عنزة فقال : نعم الحي عنزة مبغي عليهم ، منصورون ، قوم شعيب وأختان موسى . فلو صح هذا لدل على أن
شعيبا صهر
موسى ، وأنه من قبيلة من العرب العاربة يقال لهم :
عنزة لا أنهم من
عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان فإن هؤلاء بعده بدهر طويل ، والله أعلم .
وفي حديث
أبي ذر الذي في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في ذكر الأنبياء والرسل قال :
أربعة من العرب ؛ هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا [ ص: 429 ] أبا ذر . وكان بعض السلف يسمي
شعيبا nindex.php?page=treesubj&link=33954خطيب الأنبياء ، يعني لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعاية قومه إلى الإيمان برسالته ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11979إسحاق بن بشر ، عن
جويبر ،
ومقاتل ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509785كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيبا قال : ذاك خطيب الأنبياء .
وكان
أهل مدين كفارا يقطعون السبيل ، ويخيفون المارة ، ويعبدون الأيكة ، وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها ، وكانوا من أسوء الناس معاملة يبخسون المكيال والميزان ، ويطففون فيهما يأخذون بالزائد ، ويدفعون بالناقص فبعث الله فيهم رجلا منهم ، وهو رسول الله
شعيب عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشياءهم ، وإخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم ، فآمن به بعضهم ، وكفر أكثرهم حتى أحل الله بهم البأس الشديد ، وهو الولي الحميد كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم . أي دلالة وحجة واضحة ، وبرهان قاطع على صدق ما جئتكم به . وأنه أرسلني ، وهو ما أجرى الله على يديه من المعجزات التي لم تنقل إلينا تفصيلا ، وإن كان هذا اللفظ قد دل عليها إجمالا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها . أمرهم بالعدل ، ونهاهم عن الظلم ، وتوعدهم على خلاف ذلك فقال :
[ ص: 430 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط . أي طريق توعدون أي تتوعدون الناس بأخذ أموالهم من مكوس وغير ذلك ، وتخيفون السبل قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في تفسيره عن الصحابة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86ولا تقعدوا بكل صراط توعدون . أنهم كانوا يأخذون العشور من أموال المارة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11979إسحاق بن بشر ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس قال : كانوا قوما طغاة بغاة يجلسون على الطريق يبخسون الناس يعني يعشرونهم ، وكانوا أول من سن ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا . فنهاهم عن قطع الطريق الحسية الدنيوية والمعنوية الدينية
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين . ذكرهم بنعمة الله تعالى عليهم في تكثيرهم بعد القلة ، وحذرهم نقمة الله بهم إن خالفوا ما أرشدهم إليه ودلهم عليه ، كما قال لهم في القصة الأخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط . أي لا تركبوا ما أنتم عليه وتستمروا فيه ، فيمحق الله بركة ما في أيديكم ويفقركم ، ويذهب ما به يغنيكم ، وهذا مضاف إلى عذاب الآخرة ، ومن جمع له هذا وهذا فقد باء بالصفقة الخاسرة ، فنهاهم أولا عن تعاطي ما لا يليق من التطفيف ، وحذرهم سلب نعمة الله عليهم في دنياهم ، وعذابه الأليم في أخراهم ، وعنفهم أشد تعنيف ، ثم قال لهم آمرا بعدما كان عن ضده زاجرا :
[ ص: 431 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=85ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ . قال
ابن عباس ،
والحسن البصري :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=86بقية الله خير لكم . أي رزق الله خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف ، وقال
ابن جرير : ما فضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل ، والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف . قال : وقد روي هذا عن
ابن عباس ، وهذا الذي قاله وحكاه حسن ، وهو شبيه بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث [ المائدة : 100 ] . يعني أن القليل من الحلال خير لكم من الكثير من الحرام فإن
nindex.php?page=treesubj&link=18580الحلال مبارك وإن قل ، والحرام ممحوق وإن كثر ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يمحق الله الربا ويربي الصدقات [ البقرة : 276 ] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الربا وإن كثر فإن مصيره إلى قل . رواه
أحمد أي إلى قلة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا ، وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما ، وكذبا محقت بركة بيعهما .
والمقصود أن الربح الحلال مبارك فيه وإن قل ، والحرام لا يجدي وإن كثر ؛ ولهذا قال نبي الله
شعيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=86بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=86وما أنا عليكم بحفيظ . أي افعلوا ما آمركم به ابتغاء وجه الله ، ورجاء ثوابه لا لأراكم أنا وغيري
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد . يقولون هذا على سبيل الاستهزاء والتنقص والتهكم : أصلواتك هذه التي تصليها
[ ص: 432 ] هي الآمرة لك بأن تحجر علينا فلا نعبد إلا إلهك ، ونترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون وأسلافنا الأولون ، أو أنا لا نتعامل إلا على الوجه الذي ترتضيه أنت ، ونترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إنك لأنت الحليم الرشيد . قال
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ،
وزيد بن أسلم ، و
ابن جرير : يقولون ذلك - أعداء الله - على سبيل الاستهزاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . هذا تلطف معهم في العبارة ، ودعوة لهم إلى الحق بأبين إشارة يقول لهم : أرأيتم أيها المكذبون إن كنت على بينة من ربي أي على أمر بين من الله تعالى أنه أرسلني إليكم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88ورزقني منه رزقا حسنا . يعني النبوة والرسالة يعني ، وعمى عليكم معرفتها فأي حيلة لي بكم ؟ وهذا كما تقدم عن
نوح عليه السلام أنه قال لقومه سواء .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه . أي لست آمركم بالأمر إلا وأنا أول فاعل له ، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من يتركه ، وهذه هي الصفة المحمودة العظيمة وضدها هي المردودة الذميمة ، كما تلبس بها علماء
بني إسرائيل في آخر زمانهم ، وخطباؤهم الجاهلون قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون [ البقرة : 44 ] . وذكرنا عندها في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه . أي [ ص: 433 ] تخرج أمعاؤه من بطنه فيدور بها ، كما يدور الحمار برحاه فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه . وهذه صفة مخالفي الأنبياء من الفجار والأشقياء ، فأما السادة من النجباء والألباء من العلماء الذين يخشون ربهم بالغيب فحالهم كما قال نبي الله
شعيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت . أي ما أريد في جميع أمري إلا الإصلاح في الفعال والمقال بجهدي وطاقتي
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وما توفيقي أي في جميع أحوالي
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . أي عليه أتوكل في سائر الأمور وإليه مرجعي ومصيري في كل أمري ، وهذا مقام ترغيب ، ثم انتقل إلى نوع من الترهيب فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد . أي لا تحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الاستمرار على ضلالكم وجهلكم ومخالفتكم فيحل الله بكم من العذاب والنكال نظير ما أحله بنظرائكم وأشباهكم من قوم
نوح ، وقوم
هود ، وقوم
صالح من المكذبين المخالفين .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89وما قوم لوط منكم ببعيد . قيل : معناه في الزمان أي ما بالعهد من قدم مما قد بلغكم ما أحل الله بهم على كفرهم ، وعتوهم . وقيل : معناه وما هم منكم ببعيد في المحلة والمكان . وقيل : في الصفات والأفعال المستقبحات من قطع الطريق ، وأخذ أموال الناس جهرة ، وخفية بأنواع الحيل والشبهات . والجمع بين هذه الأقوال ممكن فإنهم لم يكونوا بعيدين منهم لا زمانا ولا مكانا ولا صفات . ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال :
[ ص: 434 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود . أي أقلعوا عما أنتم فيه ، وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود فإنه
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19728من تاب إليه تاب عليه فإنه رحيم بعباده ، أرحم بهم من الوالدة بولدها ودود وهو الحبيب ، ولو بعد التوبة على عبده ، ولو من الموبقات العظام
.
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا . روي عن
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري أنهم قالوا : كان ضرير البصر . وقد روي في حديث مرفوع أنه
بكى من حب الله حتى عمي فرد الله عليه بصره . وقال : يا شعيب أتبكي خوفا من النار أو من شوقك إلى الجنة ؟ فقال : بل من محبتك فإذا نظرت إليك فلا أبالي ماذا يصنع بي . فأوحى الله إليه : هنيئا لك يا شعيب لقائي فلذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي . رواه
الواحدي ، عن
أبي الفتح محمد بن علي الكوفي ، عن
علي بن الحسن بن بندار ، عن
أبي عبد الله محمد بن إسحاق الرملي ، عن
هشام بن عمار ، عن
إسماعيل بن عياش ، عن
بحير بن سعد ، عن
شداد بن أوس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . وهذا غريب جدا ، وقد ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي ، وقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز .
[ ص: 435 ] وهذا من كفرهم البليغ وعنادهم الشنيع حيث قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91ما نفقه كثيرا مما تقول . أي ما نفهمه ولا نتعقله لأنا لا نحبه ولا نريده ، وليس لنا همة إليه ولا إقبال عليه ، وهو كما قال كفار
قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون [ فصلت : 5 ] . وقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91وإنا لنراك فينا ضعيفا . أي مضطهدا مهجورا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91ولولا رهطك أي : قبيلتك وعشيرتك فينا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله . أي تخافون قبيلتي وعشيرتي وتراعوني بسببهم ، ولا تخافون جنبة الله ، ولا ترعوني لأني رسول الله فصار رهطي أعز عليكم من الله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=92واتخذتموه وراءكم ظهريا . أي جعلتم جانب الله وراء ظهوركم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=92إن ربي بما تعملون محيط . أي هو عليم بما تعملونه وما تصنعونه محيط بذلك كله ، وسيجزيكم عليه يوم ترجعون إليه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب . وهذا أمر تهديد شديد ووعيد أكيد بأن يستمروا على طريقتهم ومنهجهم وشاكلتهم فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار ، ومن يحل عليه الهلاك والبوار
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=39من يأتيه عذاب يخزيه . أي في هذه الحياة الدنيا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=39ويحل عليه عذاب مقيم . أي في الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93ومن هو كاذب . أي مني ومنكم فيما أخبر وبشر وحذر
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93وارتقبوا إني معكم رقيب . وهذا كقوله :
[ ص: 436 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=87وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . طلبوا بزعمهم أن يردوا من آمن منهم إلى ملتهم فانتصب
شعيب للمحاجة عن قومه ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=88أولو كنا كارهين . أي هؤلاء لا يعودون إليكم اختيارا ، وإنما يعودون إليه إن عادوا اضطرارا مكرهين ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29679الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد ، ولا يريد أحد أن يزول عنه ، ولا محيد لأحد منه .
ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا . أي فهو كافينا وهو العاصم لنا وإليه ملجؤنا في جميع أمرنا ، ثم استفتح على قومه واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . أي الحاكمين فدعا عليهم ،
nindex.php?page=treesubj&link=33177والله لا يرد دعاء رسله إذا استنصروه على الذين جحدوه وكفروه ، ورسوله خالفوه ، ومع هذا صمموا على ما هم عليه مشتملون ، وبه مستمسكون
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون .
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين . ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم
[ ص: 437 ] رجفة أي رجفت بهم أرضهم ، وزلزلت زلزالا شديدا أزهقت أرواحهم من أجسادها ، وصيرت حيوانات أرضهم كجمادها ، وأصبحت جثتهم جاثية لا أرواح فيها ولا حركات بها ولا حواس لها ، وقد جمع الله عليهم أنواعا من العقوبات وصنوفا من المثلات ، وأشكالا من البليات ، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات ، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات ، وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات ، ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ويوافق طباقها في سياق قصة الأعراف أرجفوا نبي الله وأصحابه ، وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم أو ليعودن في ملتهم راجعين فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين . فقابل الإرجاف بالرجفة ، والإخافة بالخيفة ، وهذا مناسب لهذا السياق ، ومتعلق بما تقدمه من السياق ، وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم ، والاستهزاء والتنقص :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد . فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام القبيح الذي جهلوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح فجاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم . وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189عذاب يوم الظلة . وكان ذلك إجابة لما طلبوا ، وتقريبا إلى ما إليه رغبوا فإنهم قالوا :
[ ص: 438 ] nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=185إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون [ الشعراء : 185 - 188 ] . قال الله تعالى وهو السميع العليم :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم .
ومن زعم من المفسرين
كقتادة وغيره أن
nindex.php?page=treesubj&link=33954أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقوله ضعيف ، وإنما عمدتهم شيئان ؛ أحدهما أنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=176كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب . ولم يقل : أخوهم كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84وإلى مدين أخاهم شعيبا . والثاني : أنه ذكر عذابهم بيوم الظلة ، وذكر في أولئك الرجفة ، أو الصيحة . والجواب عن الأول أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=176كذب أصحاب الأيكة المرسلين ؛ لأنه وصفهم بعبادة الأيكة فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا ، ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر
شعيب بأنه أخوهم . وهذا الفرق من النفائس اللطيفة العزيزة الشريفة . وأما احتجاجهم بيوم الظلة ، فإن كان دليلا بمجرده على أن هؤلاء أمة أخرى فليكن تعداد الانتقام بالرجفة ، والصيحة دليلا على أنهما أمتان أخريان ، وهذا لا يقوله أحد يفهم شيئا من هذا الشأن فأما الحديث الذي أورده
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر في ترجمة
النبي شعيب عليه السلام من طريق
محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن
معاوية بن هشام ،
[ ص: 439 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، عن
شقيق بن أبي هلال ، عن
ربيعة بن سيف ، عن
عبد الله بن عمرو مرفوعا
. إن مدين ، وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي عليه السلام . فإنه حديث غريب ، وفي رجاله من تكلم فيه ، والأشبه أنه من كلام
عبد الله بن عمرو مما أصابه يوم
اليرموك من تلك الزاملتين من أخبار
بني إسرائيل ، والله أعلم .
ثم قد ذكر الله عن
أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن
أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان ، فدل على أنهم أمة واحدة أهلكوا بأنواع من العذاب ، وذكر في كل موضع ما يناسب ذلك الخطاب .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم . ذكروا أنهم أصابهم حر شديد ، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب ، فهربوا من محلتهم إلى البرية فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها ، فلما تكاملوا فيه أرسلها الله عليهم ترميهم بشرر وشهب من نار ، ورجفت بهم الأرض ، وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح وخربت الأشباح
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فأصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين . ونجى الله
شعيبا ومن معه من المؤمنين ، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين :
[ ص: 440 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=94ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين . وهذا في مقابلة قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون ثم ذكر تعالى عن نبيهم أنه نعاهم إلى أنفسهم موبخا ومؤنبا ومقرعا فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين . أي أعرض عنهم موليا عن محلتهم بعد هلاكهم قائلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم . أي قد أديت ما كان واجبا علي من البلاغ التام والنصح الكامل ، وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه ، وأتوصل إليه فلم ينفعكم ذلك ؛ لأن الله لا يهدي من يضل ، وما لهم من ناصرين ، فلست أتأسف بعد هذا عليكم لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة ، ولا تخافون يوم الفضيحة ؛ ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93فكيف آسى أي أحزن
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93على قوم كافرين . أي لا تقبلون الحق ، ولا ترجعون إليه ، ولا تلتفتون إليه ، فحل بهم من بأس الله الذي لا يرد ما لا يدافع ، ولا يمانع ، ولا محيد لأحد أريد به عنه ، ولا مناص منه ، وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر في تاريخه ، عن
ابن عباس أن
شعيبا عليه السلام كان بعد
يوسف عليه السلام . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه أن
شعيبا عليه السلام مات
بمكة ومن معه من المؤمنين ، وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار
بني سهم .
[ ص: 425 ] nindex.php?page=treesubj&link=33954قِصَّةُ مَدْيَنَ قَوْمِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ بَعْدَ قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [ الْأَعْرَافِ : 85 - 93 ] . وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ بَعْدَ قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ أَيْضًا :
[ ص: 426 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ [ هُودٍ : 84 - 95 ] . وَقَالَ فِي الْحِجْرِ بَعْدَ قِصَّةِ قَوْمِ
لُوطٍ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=78وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ [ الْحِجْرِ : 78 - 79 ] . وَقَالَ تَعَالَى فِي الشُّعَرَاءِ بَعْدَ
[ ص: 427 ] قِصَّتِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=176كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [ الشُّعَرَاءِ : 176 - 191 ] .
كَانَ
أَهْلُ مَدْيَنَ قَوْمًا عَرَبًا يَسْكُنُونَ مَدِينَتَهُمْ
مَدْيَنَ الَّتِي هِيَ قَرْيَةٌ مِنْ أَرْضِ
مُعَانٍ مِنْ أَطْرَافِ
الشَّامِ مِمَّا يَلِي نَاحِيَةَ
الْحِجَازِ قَرِيبًا مِنْ
بُحَيْرَةِ قَوْمِ لُوطٍ ، وَكَانُوا بَعْدَهُمْ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ ،
وَمَدْيَنُ قَبِيلَةٌ عُرِفَتْ بِهِمُ الْمَدِينَةُ ، وَهُمْ مِنْ
بَنِي مَدْيَنَ بْنِ مديَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ،
وَشُعَيْبٌ نَبِيُّهُمْ هُوَ
ابْنُ ميكيلَ بْنِ يَشْجَنَ ذَكَرَهُ
ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : وَيُقَالُ لَهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ : بَثْرُونُ . وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَيُقَالُ :
شُعَيْبُ بْنُ يشجنَ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ ، وَيُقَالُ :
شُعَيْبُ بْنُ ثَوِيبَ بْنِ عَبَقَا بْنِ [ ص: 428 ] مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ . وَيُقَالُ :
شُعَيْبُ بْنُ صِيفُورَ بْنِ عَبَقَا بْنِ ثَابِتِ بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ . وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ : وَيُقَالُ : جَدَّتُهُ وَيُقَالُ : أُمُّهُ بِنْتُ
لُوطٍ وَكَانَ مِمَّنْ آمَنَ
بِإِبْرَاهِيمَ وَهَاجَرَ مَعَهُ وَدَخَلَ مَعَهُ
دِمَشْقَ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ :
شُعَيْبٌ وَبَلْعَمُ مِمَّنْ آمَنَ
بِإِبْرَاهِيمَ يَوْمَ أُحْرِقَ بِالنَّارِ ، وَهَاجَرَا مَعَهُ إِلَى
الشَّامِ فَزَوَّجَهُمَا بِنْتَيْ
لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ أَيْضًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَذَكَرَ
أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِي " الِاسْتِيعَابِ " فِي تَرْجَمَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509783سَلَمَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَنَزِيِّ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ ، وَانْتَسَبَ إِلَى عَنَزَةَ فَقَالَ : نِعْمَ الْحَيُّ عَنَزَةُ مَبْغِيٌّ عَلَيْهِمْ ، مَنْصُورُونَ ، قَوْمُ شُعَيْبٍ وَأَخْتَانُ مُوسَى . فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَدَلَّ عَلَى أَنَّ
شُعَيْبًا صِهْرُ
مُوسَى ، وَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ يُقَالُ لَهُمْ :
عَنَزَةُ لَا أَنَّهُمْ مِنْ
عَنَزَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِّ بْنِ عَدْنَانَ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ بَعْدَهُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي حَدِيثِ
أَبِي ذَرٍّ الَّذِي فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنِ حِبَّانَ فِي ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ قَالَ :
أَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ ؛ هُودٌ ، وَصَالِحٌ ، وَشُعَيْبٌ ، وَنَبِيُّكَ يَا [ ص: 429 ] أَبَا ذَرٍّ . وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُسَمِّي
شُعَيْبًا nindex.php?page=treesubj&link=33954خَطِيبَ الْأَنْبِيَاءِ ، يَعْنِي لِفَصَاحَتِهِ وَعُلُوِّ عِبَارَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ فِي دِعَايَةِ قَوْمِهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِرِسَالَتِهِ ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11979إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ ، عَنْ
جُوَيْبِرٍ ،
وَمُقَاتِلٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509785كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ شُعَيْبًا قَالَ : ذَاكَ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ .
وَكَانَ
أَهْلُ مَدْيَنَ كُفَّارًا يَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ، وَيُخِيفُونَ الْمَارَّةَ ، وَيَعْبُدُونَ الْأَيْكَةَ ، وَهِيَ شَجَرَةٌ مِنَ الْأَيْكِ حَوْلَهَا غَيْضَةٌ مُلْتَفَّةٌ بِهَا ، وَكَانُوا مِنْ أَسُوءِ النَّاسِ مُعَامَلَةً يَبْخَسُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، وَيُطَفِّفُونَ فِيهِمَا يَأْخُذُونَ بِالزَّائِدِ ، وَيَدْفَعُونَ بِالنَّاقِصِ فَبَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ
شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَعَاطِي هَذِهِ الْأَفَاعِيلِ الْقَبِيحَةِ مِنْ بَخْسِ النَّاسِ أَشْيَاءَهُمْ ، وَإِخَافَتِهِمْ لَهُمْ فِي سُبُلِهِمْ وَطُرُقَاتِهِمْ ، فَآمَنَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَكَفَرَ أَكْثَرُهُمْ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمُ الْبَأْسَ الشَّدِيدَ ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ . أَيْ دَلَالَةٌ وَحُجَّةٌ وَاضِحَةٌ ، وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى صِدْقِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ . وَأَنَّهُ أَرْسَلَنِي ، وَهُوَ مَا أَجْرَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَمْ تُنْقَلْ إِلَيْنَا تَفْصِيلًا ، وَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهَا إِجْمَالًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا . أَمَرَهُمْ بِالْعَدْلِ ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الظُّلْمِ ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ :
[ ص: 430 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ . أَيْ طَرِيقٍ تُوعِدُونَ أَيْ تَتَوَعَّدُونَ النَّاسَ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ مِنْ مُكُوسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَتُخِيفُونَ السُّبُلَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ . أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْعُشُورَ مِنْ أَمْوَالِ الْمَارَّةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11979إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ ، عَنْ
جُوَيْبِرٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانُوا قَوْمًا طُغَاةً بُغَاةً يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيقِ يَبْخَسُونَ النَّاسَ يَعْنِي يَعْشُرُونَهُمْ ، وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا . فَنَهَاهُمْ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ الْحِسِّيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الدِّينِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ . ذَكَّرَهُمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي تَكْثِيرِهِمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ ، وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ إِنْ خَالَفُوا مَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ لَهُمْ فِي الْقِصَّةِ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ . أَيْ لَا تَرْكَبُوا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَتَسْتَمِرُّوا فِيهِ ، فَيَمْحَقَ اللَّهُ بَرَكَةَ مَا فِي أَيْدِيكُمْ وَيُفْقِرَكُمْ ، وَيُذْهِبَ مَا بِهِ يُغْنِيكُمْ ، وَهَذَا مُضَافٌ إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ ، وَمَنْ جُمِعَ لَهُ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ بَاءَ بِالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ ، فَنَهَاهُمْ أَوَّلًا عَنْ تَعَاطِي مَا لَا يَلِيقُ مِنَ التَّطْفِيفِ ، وَحَذَّرَهُمْ سَلْبَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ ، وَعَذَابَهُ الْأَلِيمَ فِي أُخْرَاهُمْ ، وَعَنَّفَهُمْ أَشَدَّ تَعْنِيفٍ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ آمِرًا بَعْدَمَا كَانَ عَنْ ضِدِّهِ زَاجِرًا :
[ ص: 431 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=85وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=86بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ . أَيْ رِزْقُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالتَّطْفِيفِ ، وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : مَا فَضَلَ لَكُمْ مِنَ الرِّبْحِ بَعْدَ وَفَاءِ الْكَيْلِ ، وَالْمِيزَانِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالتَّطْفِيفِ . قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَحَكَاهُ حَسَنٌ ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [ الْمَائِدَةِ : 100 ] . يَعْنِي أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَلَالِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْكَثِيرِ مِنَ الْحَرَامِ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18580الْحَلَالَ مُبَارَكٌ وَإِنْ قَلَّ ، وَالْحَرَامَ مَمْحُوقٌ وَإِنْ كَثُرَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [ الْبَقَرَةِ : 276 ] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنَّ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ مَصِيرَهُ إِلَى قُلٍّ . رَوَاهُ
أَحْمَدُ أَيْ إِلَى قِلَّةٍ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا ، وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنَّ كَتَمَا ، وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرِّبْحَ الْحَلَالَ مُبَارَكٌ فِيهِ وَإِنَّ قَلَّ ، وَالْحَرَامَ لَا يُجْدِي وَإِنْ كَثُرَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ
شُعَيْبٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=86بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=86وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . أَيِ افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ، وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ لَا لِأَرَاكُمْ أَنَا وَغَيْرِي
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . يَقُولُونَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّنَقُّصِ وَالتَّهَكُّمِ : أَصَلَوَاتُكَ هَذِهِ الَّتِي تُصَلِّيهَا
[ ص: 432 ] هِيَ الْآمِرَةُ لَكَ بِأَنْ تَحْجُرَ عَلَيْنَا فَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِلَهَكَ ، وَنَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا الْأَقْدَمُونَ وَأَسْلَافُنَا الْأَوَّلُونَ ، أَوْ أَنَّا لَا نَتَعَامَلُ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَرْتَضِيهِ أَنْتَ ، وَنَتْرُكُ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تَأْبَاهَا وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ نَرْضَاهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17188وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ ،
وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَ
ابْنُ جَرِيرٍ : يَقُولُونَ ذَلِكَ - أَعْدَاءُ اللَّهِ - عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ . هَذَا تَلَطُّفٌ مَعَهُمْ فِي الْعِبَارَةِ ، وَدَعْوَةٌ لَهُمْ إِلَى الْحَقِّ بِأَبْيَنِ إِشَارَةٍ يَقُولُ لَهُمْ : أَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أَيْ عَلَى أَمْرٍ بَيِّنٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا . يَعْنِي النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ يَعْنِي ، وَعَمَّى عَلَيْكُمْ مَعْرِفَتَهَا فَأَيُّ حِيلَةٍ لِي بِكُمْ ؟ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ سَوَاءً .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ . أَيْ لَسْتُ آمُرُكُمْ بِالْأَمْرِ إِلَّا وَأَنَا أَوَّلُ فَاعِلٍ لَهُ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنِ الشَّيْءِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَتْرُكُهُ ، وَهَذِهِ هِيَ الصِّفَةُ الْمَحْمُودَةُ الْعَظِيمَةُ وَضِدُّهَا هِيَ الْمَرْدُودَةُ الذَّمِيمَةُ ، كَمَا تَلَبَّسَ بِهَا عُلَمَاءُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آخِرِ زَمَانِهِمْ ، وَخُطَبَاؤُهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [ الْبَقَرَةِ : 44 ] . وَذَكَرْنَا عِنْدَهَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
يُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ . أَيْ [ ص: 433 ] تَخْرُجُ أَمْعَاؤُهُ مِنْ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا ، كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ : يَا فُلَانُ مَالَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ . وَهَذِهِ صِفَةُ مُخَالِفِي الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفُجَّارِ وَالْأَشْقِيَاءِ ، فَأَمَّا السَّادَةُ مِنَ النُّجَبَاءِ وَالْأَلِبَّاءِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ فَحَالُهُمْ كَمَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ
شُعَيْبٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ . أَيْ مَا أُرِيدُ فِي جَمِيعِ أَمْرِي إِلَّا الْإِصْلَاحَ فِي الْفِعَالِ وَالْمَقَالِ بِجُهْدِي وَطَاقَتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88وَمَا تَوْفِيقِي أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِي
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ . أَيْ عَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ وَإِلَيْهِ مَرْجِعِي وَمَصِيرِي فِي كُلِّ أَمْرِي ، وَهَذَا مَقَامُ تَرْغِيبٍ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّرْهِيبِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ . أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ مُخَالَفَتِي وَبُغْضُكُمْ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى ضَلَالِكُمْ وَجَهْلِكُمْ وَمُخَالَفَتِكُمْ فَيُحِلَّ اللَّهُ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ نَظِيرَ مَا أَحَلَّهُ بِنُظَرَائِكُمْ وَأَشْبَاهِكُمْ مِنْ قَوْمِ
نُوحٍ ، وَقَوْمِ
هُودٍ ، وَقَوْمِ
صَالِحٍ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُخَالِفِينَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=89وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ . قِيلَ : مَعْنَاهُ فِي الزَّمَانِ أَيْ مَا بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمٍ مِمَّا قَدْ بَلَغَكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ ، وَعُتُوِّهِمْ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْمَكَانِ . وَقِيلَ : فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ جَهْرَةً ، وَخُفْيَةً بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَالشُّبُهَاتِ . وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُمْكِنٌ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ مِنْهُمْ لَا زَمَانًا وَلَا مَكَانًا وَلَا صِفَاتٍ . ثُمَّ مَزَجَ التَّرْهِيبَ بِالتَّرْغِيبِ فَقَالَ :
[ ص: 434 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=90وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ . أَيْ أَقْلِعُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ، وَتُوبُوا إِلَى رَبِّكُمُ الرَّحِيمِ الْوَدُودِ فَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19728مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ ، أَرْحَمُ بِهِمْ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا وَدُودٌ وَهُوَ الْحَبِيبُ ، وَلَوْ بَعْدَ التَّوْبَةِ عَلَى عَبْدِهِ ، وَلَوْ مِنَ الْمُوبِقَاتِ الْعِظَامِ
.
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا . رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا : كَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ . وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّهُ
بَكَى مِنْ حُبِّ اللَّهِ حَتَّى عَمِيَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ . وَقَالَ : يَا شُعَيْبُ أَتَبْكِي خَوْفًا مِنَ النَّارِ أَوْ مِنْ شَوْقِكَ إِلَى الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : بَلْ مِنْ مَحَبَّتِكَ فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْكَ فَلَا أُبَالِي مَاذَا يُصْنَعُ بِي . فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : هَنِيئًا لَكَ يَا شُعَيْبُ لِقَائِي فَلِذَلِكَ أَخَدَمْتُكَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ كَلِيمِي . رَوَاهُ
الْوَاحِدِيُّ ، عَنْ
أَبِي الْفَتْحِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ ، عَنْ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الرَّمْلِيِّ ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ
بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ
شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14231الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ ، وَقَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ .
[ ص: 435 ] وَهَذَا مِنْ كُفْرِهِمُ الْبَلِيغِ وَعِنَادِهِمُ الشَّنِيعِ حَيْثُ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ . أَيْ مَا نَفْهَمُهُ وَلَا نَتَعَقَّلُهُ لِأَنَّا لَا نُحِبُّهُ وَلَا نُرِيدُهُ ، وَلَيْسَ لَنَا هِمَّةٌ إِلَيْهِ وَلَا إِقْبَالٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ [ فُصِّلَتْ : 5 ] . وَقَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا . أَيْ مُضْطَهَدًا مَهْجُورًا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91وَلَوْلَا رَهْطُكَ أَيْ : قَبِيلَتُكَ وَعَشِيرَتُكَ فِينَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ . أَيْ تَخَافُونَ قَبِيلَتِي وَعَشِيرَتِي وَتُرَاعُونِي بِسَبَبِهِمْ ، وَلَا تَخَافُونَ جَنَبَةَ اللَّهِ ، وَلَا تَرْعَوْنِي لِأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَصَارَ رَهْطِي أَعَزَّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=92وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا . أَيْ جَعَلْتُمْ جَانِبَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=92إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ . أَيْ هُوَ عَلِيمٌ بِمَا تَعْمَلُونَهُ وَمَا تَصْنَعُونَهُ مُحِيطٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَسَيَجْزِيكُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ تُرْجَعُونَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ . وَهَذَا أَمْرُ تَهْدِيدٍ شَدِيدٍ وَوَعِيدٍ أَكِيدٍ بِأَنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وَمَنْهَجِهِمْ وَشَاكِلَتِهِمْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ، وَمَنْ يَحِلُّ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَالْبَوَارُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=39مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ . أَيْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=39وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ . أَيْ فِي الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ . أَيْ مِنِّي وَمِنْكُمْ فِيمَا أَخْبَرَ وَبَشَّرَ وَحَذَّرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=93وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ :
[ ص: 436 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=87وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ . طَلَبُوا بِزَعْمِهِمْ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ إِلَى مِلَّتِهِمْ فَانْتَصَبَ
شُعَيْبٌ لِلْمُحَاجَّةِ عَنْ قَوْمِهِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=88أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ . أَيْ هَؤُلَاءِ لَا يَعُودُونَ إِلَيْكُمُ اخْتِيَارًا ، وَإِنَّمَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِنْ عَادُوا اضْطِرَارًا مُكْرَهِينَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29679الْإِيمَانَ إِذَا خَالَطَتْ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ ، وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ ، وَلَا مَحِيدَ لِأَحَدٍ مِنْهُ .
وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا . أَيْ فَهُوَ كَافِينَا وَهُوَ الْعَاصِمُ لَنَا وَإِلَيْهِ مَلْجَؤُنَا فِي جَمِيعِ أَمْرِنَا ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ عَلَى قَوْمِهِ وَاسْتَنْصَرَ رَبَّهُ عَلَيْهِمْ فِي تَعْجِيلِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ . أَيِ الْحَاكِمِينَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=33177وَاللَّهُ لَا يَرُدُّ دُعَاءَ رُسُلِهِ إِذَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الَّذِينَ جَحَدُوهُ وَكَفَرُوهُ ، وَرَسُولَهُ خَالَفُوهُ ، وَمَعَ هَذَا صَمَّمُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مُشْتَمِلُونَ ، وَبِهِ مُسْتَمْسِكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَنَّهُمْ أَخَذَتْهُمْ
[ ص: 437 ] رَجْفَةٌ أَيْ رَجَفَتْ بِهِمْ أَرْضُهُمْ ، وَزُلْزِلَتْ زِلْزَالًا شَدِيدًا أَزْهَقَتْ أَرْوَاحَهُمْ مِنْ أَجْسَادِهَا ، وَصَيَّرَتْ حَيَوَانَاتِ أَرْضِهِمْ كَجَمَادِهَا ، وَأَصْبَحَتْ جُثَّتُهُمْ جَاثِيَةً لَا أَرْوَاحَ فِيهَا وَلَا حَرَكَاتٍ بِهَا وَلَا حَوَاسَّ لَهَا ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعًا مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَصُنُوفًا مِنَ الْمَثُلَاتِ ، وَأَشْكَالًا مِنَ الْبَلِيَّاتِ ، وَذَلِكَ لِمَا اتَّصَفُوا بِهِ مِنْ قَبِيحِ الصِّفَاتِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رَجْفَةً شَدِيدَةً أَسْكَنَتِ الْحَرَكَاتِ ، وَصَيْحَةً عَظِيمَةً أَخْمَدَتِ الْأَصْوَاتَ ، وَظُلَّةً أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا شَرَرَ النَّارِ مِنْ سَائِرِ أَرْجَائِهَا وَالْجِهَاتِ ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي كُلِّ سُورَةٍ بِمَا يُنَاسِبُ سِيَاقَهَا وَيُوَافِقُ طِبَاقَهَا فِي سِيَاقِ قِصَّةِ الْأَعْرَافِ أَرَجَفُوا نَبِيَّ اللَّهِ وَأَصْحَابَهُ ، وَتَوَعَّدُوهُمْ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ قَرْيَتِهِمْ أَوْ لَيَعُودُنَّ فِي مِلَّتِهِمْ رَاجِعِينَ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . فَقَابَلَ الْإِرْجَافَ بِالرَّجْفَةِ ، وَالْإِخَافَةَ بِالْخِيفَةِ ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِهَذَا السِّيَاقِ ، وَمُتَعَلِّقٌ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ السِّيَاقِ ، وَأَمَّا فِي سُورَةِ هُودٍ فَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ ، وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّنَقُّصِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الصَّيْحَةَ الَّتِي هِيَ كَالزَّجْرِ عَنْ تَعَاطِي هَذَا الْكَلَامِ الْقَبِيحِ الَّذِي جَهَّلُوا بِهِ هَذَا الرَّسُولَ الْكَرِيمَ الْأَمِينَ الْفَصِيحَ فَجَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَسْكَتَتْهُمْ مَعَ رَجْفَةٍ أَسْكَنَتْهُمْ . وَأَمَّا فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ فَذَكَرَ أَنَّهُ أَخَذَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ . وَكَانَ ذَلِكَ إِجَابَةً لِمَا طَلَبُوا ، وَتَقْرِيبًا إِلَى مَا إِلَيْهِ رَغِبُوا فَإِنَّهُمْ قَالُوا :
[ ص: 438 ] nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=185إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ [ الشُّعَرَاءِ : 185 - 188 ] . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ .
وَمَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ
كَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33954أَصْحَابَ الْأَيْكَةِ أُمَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ أَهْلِ مَدْيَنَ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّمَا عُمْدَتُهُمْ شَيْئَانِ ؛ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=176كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ . وَلَمْ يَقُلْ : أَخُوهُمْ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ ذَكَرَ عَذَابَهُمْ بِيَوْمِ الظُّلَّةِ ، وَذَكَرَ فِي أُولَئِكَ الرَّجْفَةَ ، أَوِ الصَّيْحَةَ . وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْأُخُوَّةَ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=176كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَيْكَةِ فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرُ الْأُخُوَّةِ هَاهُنَا ، وَلَمَّا نَسَبَهُمْ إِلَى الْقَبِيلَةِ سَاغَ ذِكْرُ
شُعَيْبٍ بِأَنَّهُ أَخُوهُمْ . وَهَذَا الْفَرْقُ مِنَ النَّفَائِسِ اللَّطِيفَةِ الْعَزِيزَةِ الشَّرِيفَةِ . وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِيَوْمِ الظُّلَّةِ ، فَإِنْ كَانَ دَلِيلًا بِمُجَرَّدِهِ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ أُمَّةٌ أُخْرَى فَلْيَكُنْ تَعْدَادُ الِانْتِقَامِ بِالرَّجْفَةِ ، وَالصَّيْحَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمَا أُمَّتَانِ أُخْرَيَانِ ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ يَفْهَمُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الشَّأْنِ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ
النَّبِيِّ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ ،
[ ص: 439 ] عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17241هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ
شَقِيقِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ
رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا
. إِنَّ مَدْيَنَ ، وَأَصْحَابَ الْأَيْكَةِ أُمَّتَانِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا شُعَيْبًا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ . فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَفِي رِجَالِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِمَّا أَصَابَهُ يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ مِنْ تِلْكَ الزَّامِلَتَيْنِ مِنْ أَخْبَارِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْ
أَهْلِ الْأَيْكَةِ مِنَ الْمَذَمَّةِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ
أَهْلِ مَدْيَنَ مِنَ التَّطْفِيفِ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ أُهْلِكُوا بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ ، وَذَكَرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْخِطَابَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=189فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . ذَكَرُوا أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ حَرٌّ شَدِيدٌ ، وَأَسْكَنَ اللَّهُ هُبُوبَ الْهَوَاءِ عَنْهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَكَانَ لَا يَنْفَعُهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَاءٌ وَلَا ظِلٌّ وَلَا دُخُولُهُمْ فِي الْأَسْرَابِ ، فَهَرَبُوا مِنْ مَحَلَّتِهِمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ فَاجْتَمَعُوا تَحْتَهَا لِيَسْتَظِلُّوا بِظِلِّهَا ، فَلَمَّا تَكَامَلُوا فِيهِ أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ تَرْمِيهِمْ بِشَرَرٍ وَشُهُبٍ مِنْ نَارٍ ، وَرَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ ، وَجَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَزْهَقَتِ الْأَرْوَاحَ وَخَرَّبَتِ الْأَشْبَاحَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=91فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ . وَنَجَّى اللَّهُ
شُعَيْبًا وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ :
[ ص: 440 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=94وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ . وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=90لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِمْ أَنَّهُ نَعَاهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ مُوَبِّخًا وَمُؤَنِّبًا وَمُقَرِّعًا فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ . أَيْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ مُوَلِّيًا عَنْ مَحَلَّتِهِمْ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ قَائِلًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ . أَيْ قَدْ أَدَّيْتُ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيَّ مِنَ الْبَلَاغِ التَّامِّ وَالنُّصْحِ الْكَامِلِ ، وَحَرَصْتُ عَلَى هِدَايَتِكُمْ بِكُلِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَأَتَوَصَّلُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَنْفَعْكُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ، وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ، فَلَسْتُ أَتَأَسَّفُ بَعْدَ هَذَا عَلَيْكُمْ لِأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا تَقْبَلُونَ النَّصِيحَةَ ، وَلَا تَخَافُونَ يَوْمَ الْفَضِيحَةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93فَكَيْفَ آسَى أَيْ أَحْزَنُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=93عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ . أَيْ لَا تَقْبَلُونَ الْحَقَّ ، وَلَا تَرْجِعُونَ إِلَيْهِ ، وَلَا تَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ ، فَحَلَّ بِهِمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُرَدُّ مَا لَا يُدَافَعُ ، وَلَا يُمَانَعُ ، وَلَا مَحِيدَ لِأَحَدٍ أُرِيدَ بِهِ عَنْهُ ، وَلَا مَنَاصَ مِنْهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13359الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ بَعْدَ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ
شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ
بِمَكَّةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقُبُورُهُمْ غَرْبِيَّ الْكَعْبَةِ بَيْنَ دَارِ النَّدْوَةِ وَدَارِ
بَنِي سَهْمٍ .