[ ص: 299 ] nindex.php?page=treesubj&link=34064_33938وممن توفي فيها :
علي بن يحيى جمال الدين أبو الحسن المخرمي ، كان شابا فاضلا أديبا شاعرا ماهرا صنف كتابا مختصرا وجيزا جامعا لفنون كثيرة في الرياضة والعقل وذم الهوى ، وسماه " نتائج الأفكار " . قال فيه من الكلم المستفادة الحكمية : السلطان إمام متبوع ودين مشروع ، فإن ظلم جارت الحكام لظلمه ، وإن عدل لم يجر أحد في حكمه ، من مكنه الله في أرضه وبلاده ، وائتمنه على خلقه وعباده ، وبسط يده وسلطانه ، ورفع محله ومكانه ، فحقيق عليه أن يؤدي الأمانة ، ويخلص الديانة ، ويجمل السريرة ، ويحسن السيرة ، ويجعل العدل دأبه المعهود ، والأمن بحر غرضه المقصود ، فالظلم يزل القدم ، ويزيل النعم ، ويجلب النقم ، ويهلك الأمم .
وقال أيضا : معارضة الطبيب توجب التعذيب . رب حيلة أنفع من قبيلة . الموت في طلب الثار خير من الحياة في العار . سمين الغضب مهزول ، ووالي الغدر معزول . قلوب الحكماء تستشف الأسرار من لمحات الأبصار . ارض من أخيك في ولايته بعشر ما كنت تعهده من مودته . التواضع من مصائد الشرف . ما أحسن حسن الظن لولا أن فيه العجز . ما أقبح سوء الظن لولا أن فيه الحزم .
[ ص: 300 ] وذكر في غبون كلامه أن خادما
nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر أذنب ، فأراد
ابن عمر أن يعاقبه على ذنبه ، فقال : يا سيدي أما لك ذنب تخاف الله تعالى منه؟ قال : بلى . قال : فبالذي أمهلك لما أمهلتني . ثم أذنب العبد ثانيا ، فأراد عقوبته ، فقال له مثل ذلك ، فعفا عنه ، ثم أذنب الثالثة ، فعاقبه وهو لا يتكلم ، فقال له
ابن عمر : ما لك لم تقل ما قلت في الأولتين؟ فقال : يا سيدي ، حياء من حلمك مع تكرار جرمي . فبكى
ابن عمر وقال : أنا أحق بالحياء من ربي ، أنت حر لوجه الله تعالى .
ومن شعره يمدح الخليفة :
يا من إذا ضن السحاب بمائه هطلت يداه على البرية عسجدا جورت كسرى يا مبخل حاتم
فغدت بنو الآمال نحوك سجدا
وقد أورد له
ابن الساعي أشعارا كثيرة حسنة ، رحمه الله تعالى .
nindex.php?page=showalam&ids=12671الشيخ أبو عمرو بن الحاجب المالكي عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدويني ثم المصري
العلامة
nindex.php?page=showalam&ids=12671أبو عمرو بن الحاجب شيخ المالكية كان أبوه حاجبا للأمير
عز الدين موسك الصلاحي ، واشتغل هو بالعلم ، فقرأ
[ ص: 301 ] القراءات ، وحرر النحو تحريرا بليغا ، وتفقه وساد أهل عصره ، ثم كان رأسا في علوم كثيرة ، منها الأصول والفروع والعربية والتصريف والعروض والتفسير ، وغير ذلك .
وقد كان استوطن
دمشق في سنة سبع عشرة وست مائة ، ودرس بها للمالكية بالجامع حتى كان خروجه بصحبة
الشيخ عز الدين بن عبد السلام في سنة ثمان وثلاثين ، فصارا إلى
الديار المصرية حتى كانت وفاة
الشيخ أبي عمرو في هذه السنة
بالإسكندرية ، ودفن بالمقبرة التي بين المنارة والبلد .
قال الشيخ
أبو شامة : وكان من أذكى الأئمة قريحة ، وكان ثقة حجة متواضعا عفيفا ، كثير الحياء منصفا محبا للعلم وأهله ناشرا له ، محتملا للأذى ، صبورا على البلوى ، قدم
دمشق مرارا ، آخرها سنة سبع عشرة ، فأقام بها مدرسا للمالكية وشيخا للمستفيدين عليه في علمي القراءات والعربية ، وكان ركنا من أركان الدين في العلم والعمل ، بارعا في العلوم ، متقنا لمذهب
مالك بن أنس رحمه الله تعالى .
وقد أثنى عليه
ابن خلكان ثناء كثيرا ، وذكر أنه جاء إليه في أداء شهادة حين كان
ابن خلكان نائبا في الحكم
بمصر ، وسأله عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط ، كإذا قال : إن أكلت إن شربت فأنت طالق . لم
[ ص: 302 ] كان لا يقع الطلاق حين تشرب أولا؟ وذكر أنه أجاب عن ذلك في تؤدة وسكون .
قلت : له مختصر في الفقه من أحسن المختصرات انتظم فيه
جواهر ابن شاش ، ومختصر في أصول الفقه استوعب فيه عامة فوائد الإحكام
لسيف الدين الآمدي ، وقد من الله تعالى علي بحفظه ، وجمعت كراريس في الكلام على ما أودعه فيه من الأحاديث النبوية ، ولله الحمد والمنة ، وله شرح المفصل والأمالي في العربية ، والمقدمة المشهورة في النحو ، اختصر فيها مفصل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وشرحها ، وقد شرحها غيره أيضا ، وله التصريف وشرحه ، وله العروض على وزن الشاطبية ، رحمه الله ورضي عنه .
[ ص: 299 ] nindex.php?page=treesubj&link=34064_33938وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا :
عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ الْمُخَرِّمِيُّ ، كَانَ شَابًّا فَاضِلًا أَدِيبًا شَاعِرًا مَاهِرًا صَنَّفَ كِتَابًا مُخْتَصَرًا وَجِيزًا جَامِعًا لِفُنُونٍ كَثِيرَةٍ فِي الرِّيَاضَةِ وَالْعَقْلِ وَذَمِّ الْهَوَى ، وَسَمَّاهُ " نَتَائِجَ الْأَفْكَارِ " . قَالَ فِيهِ مِنَ الْكَلِمِ الْمُسْتَفَادَةِ الْحِكْمِيَّةِ : السُّلْطَانُ إِمَامٌ مَتْبُوعٌ وَدِينٌ مَشْرُوعٌ ، فَإِنْ ظَلَمَ جَارَتِ الْحُكَّامُ لِظُلْمِهِ ، وَإِنْ عَدَلَ لَمْ يَجُرْ أَحَدٌ فِي حُكْمِهِ ، مَنْ مَكَّنَهُ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ وَبِلَادِهِ ، وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ ، وَبَسَطَ يَدَهُ وَسُلْطَانَهُ ، وَرَفَعَ مَحَلَّهُ وَمَكَانَهُ ، فَحَقِيقٌ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ ، وَيُخْلِصَ الدِّيَانَةَ ، وَيُجَمِّلَ السَّرِيرَةَ ، وَيُحْسِنَ السِّيرَةَ ، وَيَجْعَلَ الْعَدْلَ دَأْبَهُ الْمَعْهُودَ ، وَالْأَمْنَ بَحْرَ غَرَضِهِ الْمَقْصُودَ ، فَالظُّلْمُ يُزِلُّ الْقَدَمَ ، وَيُزِيلُ النِّعَمَ ، وَيَجْلُبُ النِّقَمَ ، وَيُهْلِكُ الْأُمَمَ .
وَقَالَ أَيْضًا : مُعَارَضَةُ الطَّبِيبِ تُوجِبُ التَّعْذِيبَ . رُبَّ حِيلَةٍ أَنْفَعُ مِنْ قَبِيلَةٍ . الْمَوْتُ فِي طَلَبِ الثَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْحَيَاةِ فِي الْعَارِ . سَمِينُ الْغَضَبِ مَهْزُولٌ ، وَوَالِي الْغَدْرِ مَعْزُولٌ . قُلُوبُ الْحُكَمَاءِ تَسْتَشِفُّ الْأَسْرَارَ مِنْ لَمَحَاتِ الْأَبْصَارِ . ارْضَ مِنْ أَخِيكَ فِي وِلَايَتِهِ بِعُشْرِ مَا كُنْتَ تَعْهَدُهُ مِنْ مَوَدَّتِهِ . التَّوَاضُعُ مِنْ مَصَائِدِ الشَّرَفِ . مَا أَحْسَنَ حُسْنَ الظَّنِّ لَوْلَا أَنَّ فِيهِ الْعَجْزَ . مَا أَقْبَحَ سُوءَ الظَّنِّ لَوْلَا أَنَّ فِيهِ الْحَزْمَ .
[ ص: 300 ] وَذَكَرَ فِي غُبُونِ كَلَامِهِ أَنَّ خَادِمًا
nindex.php?page=showalam&ids=12لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَذْنَبَ ، فَأَرَادَ
ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذَنْبِهِ ، فَقَالَ : يَا سَيِّدِي أَمَا لَكَ ذَنْبٌ تَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَبِالَّذِي أَمْهَلَكَ لَمَّا أَمْهَلْتَنِي . ثُمَّ أَذْنَبَ الْعَبْدُ ثَانِيًا ، فَأَرَادَ عُقُوبَتَهُ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَعَفَا عَنْهُ ، ثُمَّ أَذْنَبَ الثَّالِثَةَ ، فَعَاقَبَهُ وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ ، فَقَالَ لَهُ
ابْنُ عُمَرَ : مَا لَكَ لَمْ تَقُلْ مَا قُلْتَ فِي الْأَوَّلَتَيْنِ؟ فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، حَيَاءً مِنْ حِلْمِكَ مَعَ تَكْرَارِ جُرْمِي . فَبَكَى
ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ : أَنَا أَحَقُّ بِالْحَيَاءِ مِنْ رَبِّي ، أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمِنْ شِعْرِهِ يَمْدَحُ الْخَلِيفَةَ :
يَا مَنْ إِذَا ضَنَّ السَّحَابُ بِمَائِهِ هَطَلَتْ يَدَاهُ عَلَى الْبَرِيَّةِ عَسْجَدَا جَوَّرْتَ كِسْرَى يَا مُبَخِّلَ حَاتِمٍ
فَغَدَتْ بَنُو الْآمَالِ نَحْوَكَ سُجَّدَا
وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ
ابْنُ السَّاعِي أَشْعَارًا كَثِيرَةً حَسَنَةً ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
nindex.php?page=showalam&ids=12671الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ الْمَالِكِيُّ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ يُونُسَ الدَّوِينِيُّ ثُمَّ الْمِصْرِيُّ
الْعَلَّامَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=12671أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ كَانَ أَبُوهُ حَاجِبًا لِلْأَمِيرِ
عِزِّ الدِّينِ مُوسَكَ الصَّلَاحِيِّ ، وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالْعِلْمِ ، فَقَرَأَ
[ ص: 301 ] الْقِرَاءَاتِ ، وَحَرَّرَ النَّحْوَ تَحْرِيرًا بَلِيغًا ، وَتَفَقَّهَ وَسَادَ أَهْلَ عَصْرِهِ ، ثُمَّ كَانَ رَأْسًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ ، مِنْهَا الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَالْعَرَبِيَّةُ وَالتَّصْرِيفُ وَالْعَرُوضُ وَالتَّفْسِيُر ، وَغَيْرُ ذَلِكَ .
وَقَدْ كَانَ اسْتَوْطَنَ
دِمَشْقَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مِائَةٍ ، وَدَرَّسَ بِهَا لِلْمَالِكِيَّةِ بِالْجَامِعِ حَتَّى كَانَ خُرُوجُهُ بِصُحْبَةِ
الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ ، فَصَارَا إِلَى
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ حَتَّى كَانَتْ وَفَاةُ
الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو فِي هَذِهِ السَّنَةِ
بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، وَدُفِنَ بِالْمَقْبَرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمَنَارَةِ وَالْبَلَدِ .
قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو شَامَةَ : وَكَانَ مِنْ أَذْكَى الْأَئِمَّةِ قَرِيحَةً ، وَكَانَ ثِقَةً حُجَّةً مُتَوَاضِعًا عَفِيفًا ، كَثِيرَ الْحَيَاءِ مُنْصِفًا مُحِبًّا لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ نَاشِرًا لَهُ ، مُحْتَمِلًا لِلْأَذَى ، صَبُورًا عَلَى الْبَلْوَى ، قَدِمَ
دِمَشْقَ مِرَارًا ، آخِرُهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَرِّسًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَشَيْخًا لِلْمُسْتَفِيدِينَ عَلَيْهِ فِي عِلْمَيِ الْقِرَاءَاتِ وَالْعَرَبِيَّةِ ، وَكَانَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ، بَارِعًا فِي الْعُلُومِ ، مُتْقِنًا لِمَذْهَبِ
مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ
ابْنُ خَلِّكَانَ ثَنَاءً كَثِيرًا ، وَذَكَرَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ فِي أَدَاءِ شَهَادَةٍ حِينَ كَانَ
ابْنُ خَلِّكَانَ نَائِبًا فِي الْحُكْمِ
بِمِصْرَ ، وَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةِ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ ، كَإِذَا قَالَ : إِنْ أَكَلْتِ إِنْ شَرِبْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ . لِمَ
[ ص: 302 ] كَانَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ تَشَرَبُ أَوَّلًا؟ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ فِي تُؤَدَةٍ وَسُكُونٍ .
قُلْتُ : لَهُ مُخْتَصَرٌ فِي الْفِقْهِ مِنْ أَحْسَنِ الْمُخْتَصَرَاتِ انْتَظَمَ فِيهِ
جَوَاهِرَ ابْنِ شَاشٍ ، وَمُخْتَصَرٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ اسْتَوْعَبَ فِيهِ عَامَّةَ فَوَائِدِ الْإِحْكَامِ
لِسَيْفِ الدِّينِ الْآمِدِيِّ ، وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بِحِفْظِهِ ، وَجَمَعْتُ كَرَارِيسَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا أَوْدَعَهُ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ، وَلَهُ شَرْحُ الْمُفَصَّلِ وَالْأَمَالِي فِي الْعَرَبِيَّةِ ، وَالْمُقَدِّمَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي النَّحْوِ ، اخْتَصَرَ فِيهَا مُفَصَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ وَشَرَحَهَا ، وَقَدْ شَرَحَهَا غَيْرُهُ أَيْضًا ، وَلَهُ التَّصْرِيفُ وَشَرْحُهُ ، وَلَهُ الْعَرُوضُ عَلَى وَزْنِ الشَّاطِبِيَّةِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ .