القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30413تأويل قوله جل ثناؤه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كلما رزقوا منها " : من الجنات ، والهاء راجعة على الجنات ، وإنما المعني أشجارها ، فكأنه قال : كلما رزقوا - من أشجار البساتين التي أعدها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته - من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هذا الذي رزقنا من قبل "
فقال بعضهم : تأويل ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
512 - حدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
[ ص: 386 ] أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في خبر ذكره ، عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، وعن
مرة ، عن
ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هذا الذي رزقنا من قبل " قال : إنهم أتوا بالثمرة في الجنة ، فلما نظروا إليها قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا .
513 - حدثنا
بشر بن معاذ ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، عن
سعيد ، عن
قتادة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " أي في الدنيا .
514 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى بن ميمون ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " يقولون : ما أشبهه به .
515 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
516 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " في الدنيا ، قال : " وأتوا به متشابها " يعرفونه .
قال
أبو جعفر : وقال آخرون : بل تأويل ذلك : هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا ، لشدة مشابهة بعض ذلك في اللون والطعم بعضا . ومن علة قائلي هذا القول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30413ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله .
517 - كما حدثنا
ابن بشار ، قال : حدثنا
ابن مهدي ، قال : حدثنا
سفيان ، قال : سمعت
عمرو بن مرة يحدث ، عن
أبي عبيدة ، قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، وثمرها مثل القلال ، كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى .
[ ص: 387 ]
قالوا : فإنما اشتبهت عند أهل الجنة ، لأن التي عادت ، نظيرة التي نزعت فأكلت ، في كل معانيها . قالوا : ولذلك قال الله جل ثناؤه : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وأتوا به متشابها " لاشتباه جميعه في كل معانيه .
وقال بعضهم : بل قالوا : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هذا الذي رزقنا من قبل " لمشابهته الذي قبله في اللون ، وإن خالفه في الطعم .
ذكر من قال ذلك :
518 - حدثنا
القاسم بن الحسين ، قال : حدثنا
الحسين بن داود ، قال : حدثنا شيخ من المصيصة ، عن
الأوزاعي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، قال : يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها ، ثم يؤتى بأخرى فيقول : هذا الذي أتينا به من قبل . فيقول الملك : كل ، فاللون واحد والطعم مختلف .
وهذا التأويل مذهب من تأول الآية . غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة . والذي يدل على صحته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلين : إن معنى ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا . وذلك أن الله جل ثناؤه قال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا " فأخبر جل ثناؤه أن من قيل أهل الجنة كلما رزقوا من ثمر الجنة رزقا أن يقولوا : هذا الذي رزقنا من قبل . ولم يخصص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض . فإذ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها ، فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها ، الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة . فإذ كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله ، كما هو من قيلهم في أوسطه وما يتلوه - فمعلوم أنه محال أن يكون من قيلهم لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة : هذا الذي رزقنا من قبل هذا من ثمار
[ ص: 388 ] الجنة! وكيف يجوز أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيره : هذا هو الذي رزقناه من قبل ؟ إلا أن ينسبهم ذو غية وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه ، أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها ، فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا " من غير نصب دلالة على أنه معني به حال من أحوال دون حال .
فقد تبين بما بينا أن معنى الآية : كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا .
فإن سألنا سائل ، فقال : وكيف قال القوم : هذا الذي رزقنا من قبل ، والذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه ؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الجنة قولا لا حقيقة له ؟
قيل : إن الأمر على غير ما ذهبت إليه في ذلك . وإنما معناه : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا ، من الثمار والرزق . كالرجل يقول لآخر : قد أعد لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان الطبيخ والشواء والحلوى . فيقول المقول له ذاك : هذا طعامي في منزلي . يعني بذلك : أن النوع الذي ذكر له صاحبه أنه أعده له من الطعام هو طعامه ، لا أن أعيان ما أخبره صاحبه أنه قد أعده له ، هو طعامه . بل ذلك مما لا يجوز لسامع سمعه يقول ذلك ، أن يتوهم أنه أراده أو قصده ، لأن ذلك خلاف مخرج كلام المتكلم . وإنما يوجه كلام كل متكلم إلى المعروف في الناس من مخارجه ، دون المجهول من معانيه . فكذلك ذلك في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " إذ كان ما كانوا رزقوه من قبل قد فني وعدم . فمعلوم أنهم عنوا بذلك : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل ، ومن جنسه
[ ص: 389 ] في السمات والألوان ، على ما قد بينا من القول في ذلك في كتابنا هذا .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30413تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا " : مِنَ الْجَنَّاتِ ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ عَلَى الْجَنَّاتِ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنِيُّ أَشْجَارُهَا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : كُلَّمَا رُزِقُوا - مِنْ أَشْجَارِ الْبَسَاتِينِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِهِ - مِنْ ثَمَرَةٍ مِنْ ثِمَارِهَا رِزْقًا قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ "
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَأْوِيلُ ذَلِكَ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلِ هَذَا فِي الدُّنْيَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
512 - حَدَّثَنِي
مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
[ ص: 386 ] أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ
مُرَّةَ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ " قَالَ : إِنَّهُمْ أُتُوا بِالثَّمَرَةِ فِي الْجَنَّةِ ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهَا قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا .
513 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ
سَعِيدٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ " أَيْ فِي الدُّنْيَا .
514 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ
عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ " يَقُولُونَ : مَا أَشْبَهَهُ بِهِ .
515 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
516 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ " فِي الدُّنْيَا ، قَالَ : " وَأُتُوْا بِهِ مُتَشَابِهًا " يَعْرِفُونَهُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ مِنْ قَبْلِ هَذَا ، لِشَدَّةِ مُشَابِهَةِ بَعْضِ ذَلِكَ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ بَعْضًا . وَمِنْ عِلَّةِ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30413ثِمَارَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا نُزِعَ مِنْهَا شَيْءٌ عَادَ مَكَانَهُ آخَرُ مِثْلُهُ .
517 - كَمَا حَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ مَهْدِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، قَالَ : سَمِعْتُ
عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ يُحَدِّثُ ، عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ ، قَالَ : نَخْلُ الْجَنَّةِ نَضِيدٌ مِنْ أَصْلِهَا إِلَى فَرْعِهَا ، وَثَمَرُهَا مِثْلُ الْقِلَالِ ، كُلَّمَا نُزِعَتْ مِنْهَا ثَمَرَةٌ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى .
[ ص: 387 ]
قَالُوا : فَإِنَّمَا اشْتَبَهَتْ عِنْدَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، لِأَنَّ الَّتِي عَادَتْ ، نَظِيرَةُ الَّتِي نُزِعَتْ فَأُكِلَتْ ، فِي كُلِّ مَعَانِيهَا . قَالُوا : وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا " لِاشْتِبَاهِ جَمِيعِهِ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ قَالُوا : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ " لِمُشَابَهَتِهِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي اللَّوْنِ ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الطَّعْمِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
518 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنَ الْمَصِيصَةِ ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : يُؤْتَى أَحَدُهُمْ بِالصَّحْفَةِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأُخْرَى فَيَقُولُ : هَذَا الَّذِي أُتِينَا بِهِ مِنْ قَبْلُ . فَيَقُولُ الْمَلَكُ : كُلْ ، فَاللَّوْنُ وَاحِدٌ وَالطَّعْمُ مُخْتَلِفٌ .
وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَذْهَبُ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ . غَيْرَ أَنَّهُ يَدْفَعُ صِحَّتَهُ ظَاهِرُ التِّلَاوَةِ . وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَيُحَقِّقُ صِحَّتَهُ قَوْلُ الْقَائِلِينَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا " فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مِنْ قِيلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ رِزْقًا أَنْ يَقُولُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ . وَلَمْ يُخَصَّصْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ . فَإِذْ كَانَ قَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي كُلِّ مَا رُزِقُوا مِنْ ثَمَرِهَا ، فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي أَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارِهَا أُتُوا بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ وَاسْتِقْرَارِهِمْ فِيهَا ، الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُمْ مِنْ ثِمَارِهَا ثَمَرَةٌ . فَإِذْ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي أَوَّلِهِ ، كَمَا هُوَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي أَوْسَطِهِ وَمَا يَتْلُوهُ - فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِيلِهِمْ لِأَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلِ هَذَا مِنْ ثِمَارِ
[ ص: 388 ] الْجَنَّةِ! وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولُوا لِأَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارِهَا وَلَمَّا يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ : هَذَا هُوَ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ؟ إِلَّا أَنْ يَنْسُبَهُمْ ذُو غَيَّةٍ وَضَلَالٍ إِلَى قِيلِ الْكَذِبِ الَّذِي قَدْ طَهَّرَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ ، أَوْ يَدْفَعَ دَافِعٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ لِأَوَّلِ رِزْقٍ رُزِقُوهُ مِنْهَا مِنْ ثِمَارِهَا ، فَيَدْفَعَ صِحَّةَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ صِحَّتَهُ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا " مِنْ غَيْرِ نَصْبٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ حَالٌ مِنْ أَحْوَالٍ دُونَ حَالٍ .
فَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : كُلَّمَا رُزِقَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ ثَمَرَةٍ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ رِزْقًا قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلِ هَذَا فِي الدُّنْيَا .
فَإِنْ سَأَلَنَا سَائِلٌ ، فَقَالَ : وَكَيْفَ قَالَ الْقَوْمُ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَالَّذِي رُزِقُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ عُدِمَ بِأَكْلِهِمْ إِيَّاهُ ؟ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْجَنَّةِ قَوْلًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؟
قِيلَ : إِنَّ الْأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : هَذَا مِنَ النَّوْعِ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا ، مِنَ الثِّمَارِ وَالرِّزْقِ . كَالرَّجُلِ يَقُولُ لِآخَرَ : قَدْ أَعَدَّ لَكَ فُلَانٌ مِنَ الطَّعَامِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَلْوَانِ الطَّبِيخِ وَالشِّوَاءِ وَالْحَلْوَى . فَيَقُولُ الْمَقُولُ لَهُ ذَاكَ : هَذَا طَعَامِي فِي مَنْزِلِي . يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّ النَّوْعَ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُ مِنَ الطَّعَامِ هُوَ طَعَامُهُ ، لَا أَنَّ أَعْيَانَ مَا أَخْبَرَهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ قَدْ أَعَدَّهُ لَهُ ، هُوَ طَعَامُهُ . بَلْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِسَامِعٍ سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ ، أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ أَرَادَهُ أَوْ قَصَدَهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَخْرَجِ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ . وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ كَلَامُ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ إِلَى الْمَعْرُوفِ فِي النَّاسِ مِنْ مَخَارِجِهِ ، دُونَ الْمَجْهُولِ مِنْ مَعَانِيهِ . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ " إِذْ كَانَ مَا كَانُوا رُزِقُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ فَنِيَ وَعُدِمَ . فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِذَلِكَ : هَذَا مِنَ النَّوْعِ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَمِنْ جِنْسِهِ
[ ص: 389 ] فِي السِّمَاتِ وَالْأَلْوَانِ ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا هَذَا .