القول في تأويل قوله تعالى (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_29693nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إن الله بالناس لرءوف رحيم ( 143 ) )
قال
أبو جعفر : ويعني بقوله جل ثناؤه : "إن الله بالناس لرءوف رحيم " : أن الله بجميع عباده ذو رأفة .
[ ص: 171 ]
و"الرأفة " ، أعلى معاني الرحمة ، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ، ولبعضهم في الآخرة .
وأما " الرحيم " : فإنه ذو الرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة ، على ما قد بينا فيما مضى قبل .
وإنما أراد جل ثناؤه بذلك أن الله عز وجل أرحم بعباده من أن يضيع لهم طاعة أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها ، وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم - أي ولا تأسوا على موتاكم الذين ماتوا وهم يصلون إلى
بيت المقدس - ، فإني لهم على طاعتهم إياي بصلاتهم التي صلوها كذلك مثيب ، لأني أرحم بهم من أن أضيع لهم عملا عملوه لي ؛ ولا تحزنوا عليهم ، فإني غير مؤاخذهم بتركهم الصلاة إلى
الكعبة ، لأني لم أكن فرضت ذلك عليهم ، وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله .
وفي "الرءوف " لغات . إحداها "رؤف " على مثال "فعل " ، كما قال
الوليد بن عقبة :
وشر الطالبين - ولا تكنه - بقاتل عمه ، الرؤف الرحيم
[ ص: 172 ]
وهي قراءة عامة قراء
أهل الكوفة . والأخرى "رءوف " على مثال "فعول" ، وهي قراءة عامة
قراء المدينة ، و "رئف " ، وهي لغة غطفان ، على مثال "فعل " مثل حذر . و"رأف " على مثال "فعل" بجزم العين ، وهي لغة لبني أسد .
والقراءة على أحد الوجهين الأولين .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_29693nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ( 143 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : "إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " : أَنَّ اللَّهَ بِجَمِيعِ عِبَادِهِ ذُو رَأْفَةٍ .
[ ص: 171 ]
وَ"الرَّأْفَةُ " ، أَعْلَى مَعَانِي الرَّحْمَةِ ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا ، وَلِبَعْضِهِمْ فِي الْآخِرَةِ .
وَأَمَّا " الرَّحِيمُ " : فَإِنَّهُ ذُو الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ .
وَإِنَّمَا أَرَادَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يُضِيعَ لَهُمْ طَاعَةً أَطَاعُوهُ بِهَا فَلَا يُثِيبُهُمْ عَلَيْهَا ، وَأَرْأَفُ بِهِمْ مِنْ أَنْ يُؤَاخِذَهُمْ بِتَرْكِ مَا لَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ - أَيْ وَلَا تَأْسَوْا عَلَى مَوْتَاكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ - ، فَإِنِّي لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّايَ بِصَلَاتِهِمُ الَّتِي صَلَّوْهَا كَذَلِكَ مُثِيبٌ ، لِأَنِّي أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْ أُضِيعَ لَهُمْ عَمَلًا عَمِلُوهُ لِي ؛ وَلَا تَحْزَنُوا عَلَيْهِمْ ، فَإِنِّي غَيْرُ مُؤَاخِذِهِمْ بِتَرْكِهِمُ الصَّلَاةَ إِلَى
الْكَعْبَةِ ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ فَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَا أَرْأَفُ بِخَلْقِي مِنْ أَنْ أُعَاقِبَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا لَمْ آمُرْهُمْ بِعَمَلِهِ .
وَفِي "الرَّءُوفِ " لُغَاتٌ . إِحْدَاهَا "رَؤُفٌ " عَلَى مِثَالِ "فَعُلٍ " ، كَمَا قَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ :
وَشرُّ الطالِبِينَ - وَلَا تَكُنْهُ - بقَاتِلِ عَمِّهِ ، الرَّؤُفُ الرَّحِيمُ
[ ص: 172 ]
وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ
أَهْلِ الْكُوفَةِ . وَالْأُخْرَى "رَءُوفٌ " عَلَى مِثَالِ "فَعُولٍ" ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ
قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ، وَ "رَئِفٌ " ، وَهِيَ لُغَةُ غَطَفَانَ ، عَلَى مِثَالِ "فَعِلٍ " مِثْلَ حَذِرٍ . وَ"رَأْفٌ " عَلَى مِثَالِ "فَعْلٍ" بِجَزْمِ الْعَيْنِ ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ .
وَالْقِرَاءَةُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ .