القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30945_31931_28861nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان )
قال
أبو جعفر : ويتجه في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء ) وجهان : أحدهما أن يكون أريد به : ثم أنتم يا هؤلاء ، فترك "يا " استغناء بدلالة الكلام عليه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=29يوسف أعرض عن هذا ) [ يوسف : 29 ] ، وتأويله : يا
يوسف أعرض عن هذا . فيكون معنى الكلام حينئذ : ثم أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم : لا تسفكون دماءكم ، ولا تخرجون أنفسكم
[ ص: 304 ] من دياركم ، ثم أقررتم بعد شهادتكم على أنفسكم بأن ذلك حق لي عليكم ، لازم لكم الوفاء لي به - تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، متعاونين عليهم ، في إخراجكم إياهم ، بالإثم والعدوان! .
والتعاون هو "التظاهر " . وإنما قيل للتعاون "التظاهر " ، لتقوية بعضهم ظهر بعض ؛ فهو "تفاعل " من "الظهر " ، وهو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعض .
والوجه الآخر : أن يكون معناه : ثم أنتم قوم تقتلون أنفسكم ؛ فيرجع إلى الخبر عن "أنتم " . وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم "بهؤلاء " ، كما تقول العرب : "أنا ذا أقوم ، وأنا هذا أجلس " ، وإذا قيل : "أنا هذا أجلس " كان صحيحا جائزا كذلك : أنت ذاك تقوم " .
وقد زعم بعض البصريين أن قوله : "هؤلاء " في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء ) ، تنبيه وتوكيد ل "أنتم " . وزعم أن "أنتم " وإن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين ، فإنما جاز أن يؤكدوا ب "هؤلاء " و "أولاء " ؛ لأنها كناية عن المخاطبين ، كما قال
خفاف بن ندبة :
أقول له والرمح يأطر متنه : تبين خفافا إنني أنا ذلكا
يريد : أنا هذا ، وكما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس : 22 ]
[ ص: 305 ] ثم اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية ، نحو اختلافهم فيمن عني بقوله : ( وأنتم تشهدون ) ذكر اختلاف المختلفين في ذلك :
1471 - حدثنا
محمد بن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
محمد بن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة ، أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) إلى أهل الشرك ، حتى تسفكوا دماءهم معهم ، وتخرجوهم من ديارهم معهم . قال : أنبهم الله [ على ذلك ] من فعلهم ، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم ، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ، فكانوا فريقين : طائفة منهم من
بني قينقاع حلفاء
الخزرج ، والنضير وقريظة حلفاء
الأوس . فكانوا إذا كانت بين
الأوس والخزرج حرب خرجت
بنو قينقاع مع
الخزرج ، وخرجت
النضير وقريظة مع
الأوس ، يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة ، يعرفون منها ما عليهم وما لهم .
والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ، لا يعرفون جنة ولا نارا ، ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حراما ولا حلالا فإذا وضعت الحرب أوزارها ، افتدوا أسراهم ؛ تصديقا لما في التوراة ، وأخذا به ، بعضهم من بعض . يفتدي
بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي
الأوس ،
[ ص: 306 ] وتفتدي
النضير وقريظة ما كان في أيدي
الخزرج منهم ، ويطلون ما أصابوا من الدماء ، وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم ؛ مظاهرة لأهل الشرك عليهم . يقول الله تعالى ذكره ، حين أنبهم بذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه - وفي حكم التوراة أن لا يقتل ، ولا يخرج من داره ، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ؛ ابتغاء عرض من عرض الدنيا .
ففي ذلك من فعلهم مع
الأوس والخزرج - فيما بلغني - نزلت هذه القصة .
1472 - وحدثني
موسى بن هارون قال : حدثني
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=84وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ) قال : إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة : أن لا يقتل بعضهم بعضا ، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه ، فأعتقوه ، فكانت
قريظة حلفاء
الأوس ،
والنضير حلفاء
الخزرج ، فكانوا يقتتلون في حرب سمير . فيقاتل بنو
قريظة مع حلفائها ،
النضير وحلفاءها . وكانت
النضير تقاتل
قريظة وحلفاءها ، فيغلبونهم ، فيخربون بيوتهم ، ويخرجونهم منها ، فإذا أسر الرجل من الفريقين كليهما ، جمعوا له حتى
[ ص: 307 ] يفدوه ، فتعيرهم العرب بذلك ، ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم ، وحرم علينا قتالهم . قالوا : فلم تقاتلونهم؟ قالوا : إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا . فذلك حين عيرهم - جل وعز - فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) .
1473 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : كانت
قريظة والنضير أخوين ، وكانوا بهذه المثابة ، وكان الكتاب بأيديهم ، وكانت
الأوس والخزرج أخوين فافترقا ، وافترقت
قريظة والنضير ، فكانت
النضير مع
الخزرج ، وكانت
قريظة مع
الأوس ، فاقتتلوا ، وكان بعضهم يقتل بعضا ، فقال الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ) الآية .
وقال آخرون بما : -
1474 - حدثني به
المثنى قال : حدثنا
آدم قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية قال : كان في بني إسرائيل : إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم . وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم .
قال
أبو جعفر : وأما "العدوان " فهو "الفعلان " من "التعدي " ، يقال منه : "عدا فلان في كذا عدوا وعدوانا ، واعتدى يعتدي اعتداء " ، وذلك إذا جاوز حده ظلما وبغيا .
وقد اختلف القرأة في قراءة : ( تظاهرون ) . فقرأها بعضهم : "تظاهرون " على مثال "تفاعلون " فحذف التاء الزائدة وهي التاء الآخرة . وقرأها آخرون :
[ ص: 308 ] ( تظاهرون ) ، فشدد ، بتأويل : ( تتظاهرون ) ، غير أنهم أدغموا التاء الثانية في الظاء ، لتقارب مخرجيهما ، فصيروهما ظاء مشددة . وهاتان القراءتان ، وإن اختلفت ألفاظهما ، فإنهما متفقتا المعنى ؛ فسواء بأي ذلك قرأ القارئ ؛ لأنهما جميعا لغتان معروفتان ، وقراءتان مستفيضتان في أمصار الإسلام بمعنى واحد ، ليس في إحداهما معنى تستحق به اختيارها على الأخرى ، إلا أن يختار مختار "تظاهرون " المشددة طلبا منه تتمة الكلمة .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30945_31931_28861nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَيَتَّجِهُ فِي قَوْلِهِ : ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ ) وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ : ثُمَّ أَنْتُمْ يَا هَؤُلَاءِ ، فَتَرَكَ "يَا " اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=29يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ) [ يُوسُفَ : 29 ] ، وَتَأْوِيلُهُ : يَا
يُوسُفُ أَعْرَضْ عَنْ هَذَا . فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ : ثُمَّ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ - بَعْدَ إِقْرَارِكُمْ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْتُهُ عَلَيْكُمْ : لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ، وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ
[ ص: 304 ] مِنْ دِيَارِكُمْ ، ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بَعْدَ شَهَادَتِكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِي عَلَيْكُمْ ، لَازِمٌ لَكُمُ الْوَفَاءُ لِي بِهِ - تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ، مُتَعَاوِنِينَ عَلَيْهِمْ ، فِي إِخْرَاجِكُمْ إِيَّاهُمْ ، بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ! .
وَالتَّعَاوُنُ هُوَ "التَّظَاهُرُ " . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلتَّعَاوُنِ "التَّظَاهُرُ " ، لِتَقْوِيَةِ بَعْضِهِمْ ظَهَرَ بَعْضٍ ؛ فَهُوَ "تَفَاعُلٌ " مِنَ "الظَّهْرِ " ، وَهُوَ مُسَانَدَةُ بَعْضِهِمْ ظَهْرَهُ إِلَى ظَهْرِ بَعْضٍ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : ثُمَّ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ؛ فَيَرْجِعُ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ "أَنْتُمْ " . وَقَدْ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَبَرِ عَنْهُمْ "بِهَؤُلَاءِ " ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : "أَنَا ذَا أَقُومُ ، وَأَنَا هَذَا أَجْلِسُ " ، وَإِذَا قِيلَ : "أَنَا هَذَا أَجْلِسُ " كَانَ صَحِيحًا جَائِزًا كَذَلِكَ : أَنْتَ ذَاكَ تَقُومُ " .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ قَوْلَهُ : "هَؤُلَاءِ " فِي قَوْلِهِ : ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ ) ، تَنْبِيهٌ وَتَوْكِيدٌ لِ "أَنْتُمْ " . وَزَعَمَ أَنَّ "أَنْتُمْ " وَإِنْ كَانَتْ كِنَايَةَ أَسْمَاءِ جُمَّاعِ الْمُخَاطَبِينَ ، فَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُؤَكَّدُوا بِ "هَؤُلَاءِ " وَ "أُولَاءِ " ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنِ الْمُخَاطَبِينَ ، كَمَا قَالَ
خِفَافُ بْنُ نُدْبَةَ :
أَقُولُ لَهُ وَالرُّمْحُ يَأْطُرُ مَتْنُهُ : تَبَيَّنْ خُفَافًا إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا
يُرِيدُ : أَنَا هَذَا ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) [ يُونُسَ : 22 ]
[ ص: 305 ] ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَيَمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فَيَمَنْ عُنِيَ بِقَوْلِهِ : ( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) ذِكْرُ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ :
1471 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ ، حَتَّى تَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ ، وَتُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مَعَهُمْ . قَالَ : أَنَّبَهُمُ اللَّهُ [ عَلَى ذَلِكَ ] مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ ، فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ : طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مِنْ
بَنِي قَيْنُقَاعَ حُلَفَاءِ
الْخَزْرَجِ ، وَالنَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ حُلَفَاءُ
الْأَوْسِ . فَكَانُوا إِذَا كَانَتْ بَيْنَ
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ خَرَجَتْ
بَنُو قَيْنُقَاعَ مَعَ
الْخَزْرَجِ ، وَخَرَجَتِ
النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ
الْأَوْسِ ، يُظَاهِرُ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إِخْوَانِهِ ، حَتَّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ ، وَبِأَيْدِيهِمُ التَّوْرَاةُ ، يَعْرِفُونَ مِنْهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ .
وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ ، لَا يَعْرِفُونَ جَنَّةً وَلَا نَارًا ، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً ، وَلَا كِتَابًا ، وَلَا حَرَامًا وَلَا حَلَالًا فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، افْتَدَوْا أَسْرَاهُمْ ؛ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ ، وَأَخْذًا بِهِ ، بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ . يَفْتَدِي
بَنُو قَيْنُقَاعَ مَا كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيْدِي
الْأَوْسِ ،
[ ص: 306 ] وَتَفْتَدِي
النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَا كَانَ فِي أَيْدِي
الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ ، وَيُطِلُّونَ مَا أَصَابُوا مِنَ الدِّمَاءِ ، وَقَتْلَى مَنْ قُتِلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ ؛ مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ . يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ، حِينَ أَنَّبَهُمْ بِذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) ، أَيْ تُفَادُونَهُ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَتَقْتُلُونَهُ - وَفِي حُكْمِ التَّوْرَاةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ ، وَلَا يُخْرَجَ مِنْ دَارِهِ ، وَلَا يُظَاهَرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مَنْ دُونِهِ ؛ ابْتِغَاءَ عَرَضٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا .
فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - فِيمَا بَلَغَنِي - نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ .
1472 - وَحَدَّثَنِي
مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=84وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) قَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ : أَنْ لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَوْ أُمَةٍ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاشْتَرُوهُ بِمَا قَامَ ثَمَنُهُ ، فَأَعْتِقُوهُ ، فَكَانَتْ
قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ
الْأَوْسِ ،
وَالنَّضِيرُ حُلَفَاءَ
الْخَزْرَجِ ، فَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ فِي حَرْبِ سُمَيْرٍ . فَيُقَاتِلُ بَنُو
قُرَيْظَةَ مَعَ حُلَفَائِهَا ،
النَّضِيرَ وَحُلَفَاءَهَا . وَكَانَتِ
النَّضِيرُ تَقَاتِلُ
قُرَيْظَةَ وَحُلَفَاءَهَا ، فَيَغْلِبُونَهُمْ ، فَيُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ ، وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا ، فَإِذَا أُسِرَ الرَّجُلُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا ، جَمَعُوا لَهُ حَتَّى
[ ص: 307 ] يَفْدُوهُ ، فَتُعَيِّرُهُمُ الْعَرَبُ بِذَلِكَ ، وَيَقُولُونَ : كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ؟ قَالُوا : إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيَهُمْ ، وَحُرِّمَ عَلَيْنَا قِتَالُهُمْ . قَالُوا : فَلِمَ تُقَاتِلُونَهُمْ؟ قَالُوا : إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ تُسْتَذَلَّ حُلَفَاؤُنَا . فَذَلِكَ حِينَ عَيَّرَهُمْ - جَلَّ وَعَزَّ - فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) .
1473 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : كَانَتْ
قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ أَخَوَيْنِ ، وَكَانُوا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ ، وَكَانَ الْكِتَابُ بِأَيْدِيهِمْ ، وَكَانَتِ
الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَخَوَيْنِ فَافْتَرَقَا ، وَافْتَرَقَتْ
قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ ، فَكَانَتِ
النَّضِيرُ مَعَ
الْخَزْرَجِ ، وَكَانَتْ
قُرَيْظَةُ مَعَ
الْأَوْسِ ، فَاقْتَتَلُوا ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ) الْآيَةَ .
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : -
1474 - حَدَّثَنِي بِهِ
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
آدَمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ
الرَّبِيعِ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ : إِذَا اسْتَضْعَفُوا قَوْمًا أَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ . وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ أَنْ لَا يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ ، وَلَا يُخْرِجُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَمَّا "الْعُدْوَانُ " فَهُوَ "الْفُعْلَانُ " مِنْ "التَّعَدِّي " ، يُقَالُ مِنْهُ : "عَدَا فُلَانٌ فِي كَذَا عَدْوًا وَعُدْوَانًا ، وَاعْتَدَى يَعْتَدِي اعْتِدَاءً " ، وَذَلِكَ إِذَا جَاوَزَ حَدَّهُ ظُلْمًا وَبَغْيًا .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ : ( تَظَاهَرُونَ ) . فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ : "تَظَاهَرُونَ " عَلَى مِثَالِ "تَفَاعَلُونَ " فَحَذَفَ التَّاءَ الزَّائِدَةَ وَهِيَ التَّاءُ الْآخِرَةُ . وَقَرَأَهَا آخَرُونَ :
[ ص: 308 ] ( تَظَّاهَرُونَ ) ، فَشَدَّدَ ، بِتَأْوِيلِ : ( تَتَظَاهَرُونَ ) ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَدْغَمُوا التَّاءَ الثَّانِيَةَ فِي الظَّاءِ ، لِتَقَارُبِ مُخْرَجَيْهِمَا ، فَصَيَّرُوهُمَا ظَاءً مُشَدَّدَةً . وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا ، فَإِنَّهُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى ؛ فَسَوَاءٌ بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ ، وَقِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، لَيْسَ فِي إِحْدَاهُمَا مَعْنًى تَسْتَحِقُّ بِهِ اخْتِيَارَهَا عَلَى الْأُخْرَى ، إِلَّا أَنْ يَخْتَارَ مُخْتَارٌ "تَظَّاهَرُونَ " الْمُشَدَّدَةَ طَلَبًا مِنْهُ تَتِمَّةَ الْكَلِمَةِ .