القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28985_30539_28902تأويل قوله عز ذكره : ( nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ( 18 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل العربية في رافع "مثل" .
فقال بعض نحويي
البصرة : إنما هو كأنه قال : ومما نقص عليكم مثل الذين كفروا ، ثم أقبل يفسر ، كما قال : ( مثل الجنة ) [ سورة الرعد : 35 ] ، وهذا كثير .
وقال بعض نحويي الكوفيين : إنما المثل للأعمال ، ولكن العرب تقدم الأسماء؛ لأنها أعرف ، ثم تأتي بالخبر الذي تخبر عنه مع صاحبه . ومعنى الكلام : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد ، كما قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) [ سورة الزمر : 60 ] ، ومعنى الكلام : ويوم القيامة ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة . قال : ولو خفض "الأعمال" جاز ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) الآية [ سورة البقرة : 217 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=35مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار )
[ ص: 553 ] [ سورة الرعد : 35 ] . قال : ف "تجري" هو في موضع الخبر ، كأنه قال : أن تجري ، وأن يكون كذا وكذا ، فلو أدخل "أن" جاز . قال : ومنه قول الشاعر :
ذريني إن أمرك لن يطاعا وما ألفيتني حلمي مضاعا
قال : فالحلم منصوب ب "ألفيت" على التكرير ، قال : ولو رفعه كان صوابا . قال : وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار فقال : مثل أعمال الذين كفروا يوم القيامة ، التي كانوا يعملونها في الدنيا يزعمون أنهم يريدون الله بها ، مثل رماد عصفت الريح عليه في يوم ريح عاصف ، فنسفته وذهبت به ، فكذلك
[ ص: 554 ] أعمال أهل الكفر به يوم القيامة ، لا يجدون منها شيئا ينفعهم عند الله فينجيهم من عذابه؛ لأنهم لم يكونوا يعملونها لله خالصا ، بل كانوا يشركون فيها الأوثان والأصنام .
يقول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18ذلك هو الضلال البعيد ) ، يعني أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ، التي يشركون فيها مع الله شركاء ، هي أعمال عملت على غير هدى واستقامة ، بل على جور عن الهدى بعيد ، وأخذ على غير استقامة شديد .
وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18في يوم عاصف ) ، فوصف بالعصوف اليوم ، وهو من صفة الريح؛ لأن الريح تكون فيه ، كما يقال : "يوم بارد ، ويوم حار " لأن البرد والحرارة يكونان فيه ، وكما قال الشاعر :
يومين غيمين ويوما شمسا
فوصف اليومين بالغيمين ، وإنما يكون الغيم فيهما . وقد يجوز أن يكون أريد به : في يوم عاصف الريح ، فحذفت "الريح " لأنها قد ذكرت قبل ذلك ، فيكون ذلك نظير قول الشاعر :
إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف
يريد : كاسف الشمس . وقيل : هو من نعت "الريح" خاصة ، غير أنه
[ ص: 555 ] لما جاء بعد "اليوم" أتبع إعرابه ، وذلك أن العرب تتبع الخفض الخفض في النعوت ، كما قال الشاعر :
تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب
فخفض "غير" إتباعا لإعراب "الوجه" وإنما هي من نعت "السنة" والمعنى : سنة وجه غير مقرفة ، وكما قالوا : "هذا جحر ضب خرب" .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20636 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18كرماد اشتدت به الريح ) ، قال : حملته الريح في يوم عاصف .
20637 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) ، يقول : الذين كفروا بربهم وعبدوا غيره ، فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون على شيء من أعمالهم ينفعهم ، كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف .
[ ص: 556 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18ذلك هو الضلال البعيد ) ، أي الخطأ البين ، البعيد عن طريق الحق .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28985_30539_28902تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ( 18 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي رَافِعِ "مَثَلُ" .
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ : إِنَّمَا هُوَ كَأَنَّهُ قَالَ : وَمِمَّا نَقُصُّ عَلَيْكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرُ ، كَمَا قَالَ : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ ) [ سُورَةُ الرَّعْدِ : 35 ] ، وَهَذَا كَثِيرٌ .
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : إِنَّمَا الْمَثَلُ لِلْأَعْمَالِ ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُقَدِّمُ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ ، ثُمَّ تَأْتِي بِالْخَبَرِ الَّذِي تُخْبِرُ عَنْهُ مَعَ صَاحِبِهِ . وَمَعْنَى الْكَلَامِ : مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كَرَمَادٍ ، كَمَا قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 60 ] ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى وُجُوهَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ مُسْوَّدَةً . قَالَ : وَلَوْ خُفِضَ "الْأَعْمَالُ" جَازَ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ) الْآيَةَ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 217 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=35مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )
[ ص: 553 ] [ سُورَةُ الرَّعْدِ : 35 ] . قَالَ : فَ "تَجْرِي" هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْ تَجْرِيَ ، وَأَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا ، فَلَوْ أُدْخِلَ "أَنْ" جَازَ . قَالَ : وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَكِ لَنْ يُطَاعَا وَمَا أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضَاعَا
قَالَ : فَالْحِلْمُ مَنْصُوبٌ بِ "أَلْفَيْتِ" عَلَى التَّكْرِيرِ ، قَالَ : وَلَوْ رَفَعَهُ كَانَ صَوَابًا . قَالَ : وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ فَقَالَ : مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ اللَّهَ بِهَا ، مَثَلُ رَمَادٍ عَصَفَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ ، فَنَسَفَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ ، فَكَذَلِكَ
[ ص: 554 ] أَعْمَالُ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَا يَجِدُونَ مِنْهَا شَيْئًا يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فَيُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَهَا لِلَّهِ خَالِصًا ، بَلْ كَانُوا يُشْرِكُونَ فِيهَا الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ .
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ) ، يَعْنِي أَعْمَالَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا ، الَّتِي يُشْرِكُونَ فِيهَا مَعَ اللَّهِ شُرَكَاءَ ، هِيَ أَعْمَالٌ عُمِلَتْ عَلَى غَيْرِ هُدًى وَاسْتِقَامَةٍ ، بَلْ عَلَى جَوْرٍ عَنِ الْهُدَى بَعِيدٍ ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ شَدِيدٍ .
وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ) ، فَوَصَفَ بِالْعُصُوفِ الْيَوْمَ ، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ تَكُونُ فِيهِ ، كَمَا يُقَالُ : "يَوْمٌ بَارِدٌ ، وَيَوْمٌ حَارٌّ " لِأَنَّ الْبَرْدَ وَالْحَرَارَةَ يَكُونَانِ فِيهِ ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسًا
فَوَصَفَ الْيَوْمَيْنِ بالْغَيْمَيْنِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَيْمُ فِيهِمَا . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ : فِي يَوْمٍ عَاصِفِ الرِّيحِ ، فَحُذِفَتِ "الرِّيحُ " لِأَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
إِذَا جَاءَ يَوْمٌ مُظْلِمُ الشَّمْسِ كَاسِفُ
يُرِيدُ : كَاسِفَ الشَّمْسِ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ نَعْتِ "الرِّيحِ" خَاصَّةً ، غَيْرَ أَنَّهُ
[ ص: 555 ] لَمَّا جَاءَ بَعْدَ "الْيَوْمِ" أُتْبِعَ إِعْرَابَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُتْبِعُ الْخَفْضَ الْخَفْضَ فِي النُّعُوتِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرِ مُقْرِفَةٍ مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خَالٌ وَلَا نَدَبُ
فَخَفَضَ "غَيْرِ" إِتْبَاعًا لِإِعْرَابِ "الْوَجْهِ" وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَعْتِ "السُّنَّةِ" وَالْمَعْنَى : سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ ، وَكَمَا قَالُوا : "هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ" .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
20636 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ) ، قَالَ : حَمَلَتْهُ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ .
20637 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ) ، يَقُولُ : الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَعَبَدُوا غَيْرَهُ ، فَأَعْمَالُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ يَنْفَعُهُمْ ، كَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى الرَّمَادِ إِذَا أُرْسِلَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ .
[ ص: 556 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ) ، أَيِ الْخَطَأُ الْبَيِّنُ ، الْبَعِيدُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ .