القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28984_28760_30539_30431_30437وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 5 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وإن تعجب ) يا
محمد ، من هؤلاء المشركين المتخذين ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها من دوني فعجب قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئذا كنا ترابا ) وبلينا فعدمنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئنا لفي خلق جديد ) إنا لمجدد إنشاؤنا وإعادتنا خلقا جديدا كما كنا قبل وفاتنا!! تكذيبا منهم بقدرة الله ، وجحودا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات ، كما : -
20128 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وإن تعجب فعجب ) إن عجبت يا
محمد ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت .
20129 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وإن تعجب فعجب قولهم ) قال : إن تعجب من تكذيبهم ، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال ، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة ، إن تعجب من هذه فتعجب من قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) ،
[ ص: 347 ] أولا يرون أنا خلقناهم من نطفة؟ فالخلق من نطفة أشد أم الخلق من تراب وعظام؟ .
واختلف في وجه تكرير الاستفهام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئنا لفي خلق جديد ) ، بعد الاستفهام الأول في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئذا كنا ترابا ) ، أهل العربية .
فقال بعض نحويي
البصرة : الأول ظرف ، والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام ، كما تقول : أيوم الجمعة زيد منطلق؟ قال : ومن أوقع استفهاما آخر على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئذا كنا ترابا ) ، جعله ظرفا لشيء مذكور قبله ، كأنهم قيل لهم : "تبعثون" فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئذا كنا ترابا ) ؟ ثم جعل هذا استفهاما آخر . قال : وهذا بعيد . قال : وإن شئت لم تجعل في قولك : ( أئذا ) استفهاما ، وجعلت الاستفهام في اللفظ على ( أئنا ) ، كأنك قلت : أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه . فهذا موضع ما ابتدأت فيه ب ( أئذا ) ، وليس بكثير في الكلام لو قلت : "اليوم إن عبد الله منطلق" لم يحسن ، وهو جائز ، وقد قالت العرب : "ما علمت إنه لصالح ، تريد : إنه لصالح ما علمت .
[ ص: 348 ] [ ص: 349 ] وقال غيره : ( أئذا ) جزاء وليست بوقت ، وما بعدها جواب لها ، إذا لم يكن في الثاني استفهام ، والمعنى له؛ لأنه هو المطلوب ، وقال : ألا ترى أنك تقول : "أإن تقم يقوم زيد ، ويقم؟" من جزم فلأنه وقع موقع جواب الجزاء ، ومن رفع فلأن الاستفهام له ، واستشهد بقول الشاعر :
حلفت له إن تدلج الليل لا يزل أمامك بيت من بيوتي سائر
فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء ، والوجه الرفع . قال : فهكذا هذه الآية . قال : ومن أدخل الاستفهام ثانية ، فلأنه المعتمد عليه ، وترك الجزاء الأول .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أولئك الذين كفروا بربهم ) يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين أنكروا البعث وجحدوا الثواب والعقاب ، وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد )
[ ص: 350 ] هم الذين جحدوا قدرة ربهم وكذبوا رسوله ، وهم الذين في أعناقهم الأغلال يوم القيامة في نار جهنم ، فأولئك ( أصحاب النار ) ، يقول : هم سكان النار يوم القيامة ( هم فيها خالدون ) يقول : هم فيها ماكثون أبدا ، لا يموتون فيها ، ولا يخرجون منها .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28984_28760_30539_30431_30437وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 5 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَإِنْ تَعْجَبْ ) يَا
مُحَمَّدُ ، مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَّخِذِينَ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِي فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) وَبَلِينَا فَعُدِمْنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) إِنَّا لَمُجَدَّدٌ إِنْشَاؤُنَا وَإِعَادَتُنَا خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا كُنَّا قَبْلَ وَفَاتِنَا!! تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ ، وَجُحُودًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ ، كَمَا : -
20128 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ ) إِنْ عَجِبْتَ يَا
مُحَمَّدُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) ، عَجِبَ الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
20129 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ) قَالَ : إِنْ تَعْجَبْ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ ، وَهُمْ قَدْ رَأَوْا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَمَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْثَالِ ، فَأَرَاهُمْ مِنْ حَيَاةِ الْمَوْتَى فِي الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ ، إِنْ تَعْجَبْ مِنْ هَذِهِ فَتَعَجَّبَ مِنْ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) ،
[ ص: 347 ] أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ نُطْفَةٍ؟ فَالْخَلْقُ مِنْ نُطْفَةٍ أَشَدُّ أَمِ الْخَلْقُ مِنْ تُرَابٍ وَعِظَامٍ؟ .
وَاخْتَلَفَ فِي وَجْهِ تَكْرِيرِ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) ، بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) ، أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ .
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ : الْأَوَّلُ ظَرْفٌ ، وَالْآخَرُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ ، كَمَا تَقُولُ : أَيَوْمَ الْجُمُعَةِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ؟ قَالَ : وَمَنْ أَوْقَعَ اسْتِفْهَامًا آخَرَ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) ، جَعَلَهُ ظَرْفًا لِشَيْءٍ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ ، كَأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ : "تُبْعَثُونَ" فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) ؟ ثُمَّ جَعَلَ هَذَا اسْتِفْهَامًا آخَرَ . قَالَ : وَهَذَا بَعِيدٌ . قَالَ : وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تَجْعَلْ فِي قَوْلِكَ : ( أَئِذَا ) اسْتِفْهَامًا ، وَجَعَلْتَ الِاسْتِفْهَامَ فِي اللَّفْظِ عَلَى ( أَئِنَا ) ، كَأَنَّكَ قُلْتَ : أَيَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَبْدُ اللَّهِ مُنْطَلِقٌ؟ وَأَضْمَرْتَ نَفْيَهُ . فَهَذَا مَوْضِعُ مَا ابْتَدَأْتَ فِيهِ بِ ( أَئِذَا ) ، وَلَيْسَ بِكَثِيرٍ فِي الْكَلَامِ لَوْ قُلْتَ : "الْيَوْمَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مُنْطَلِقٌ" لَمْ يَحْسُنْ ، وَهُوَ جَائِزٌ ، وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ : "مَا عَلِمْتَ إِنَّهُ لَصَالِحٌ ، تُرِيدُ : إِنَّهُ لَصَالِحٌ مَا عَلِمْتَ .
[ ص: 348 ] [ ص: 349 ] وَقَالَ غَيْرُهُ : ( أَئِذَا ) جَزَاءٌ وَلَيْسَتْ بِوَقْتٍ ، وَمَا بَعْدَهَا جَوَابٌ لَهَا ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الثَّانِي اسْتِفْهَامٌ ، وَالْمَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ ، وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ : "أَإِنْ تَقُمْ يَقُومُ زَيْدٌ ، وَيَقُمْ؟" مَنْ جَزَمَ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ جَوَابِ الْجَزَاءِ ، وَمَنْ رَفَعَ فَلِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
حَلَفْتُ لَهُ إِنْ تُدْلِجِ الْلَّيْلَ لَا يَزَلْ أَمَامَكَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِيَ سَائِرُ
فَجَزَمَ جَوَابَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ جَوَابِ الْجَزَاءِ ، وَالْوَجْهُ الرَّفْعُ . قَالَ : فَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ . قَالَ : وَمَنْ أَدْخَلَ الِاسْتِفْهَامَ ثَانِيَةً ، فَلِأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ ، وَتَرَكَ الْجَزَاءَ الْأَوَّلَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ وَجَحَدُوا الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ ، وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ )
[ ص: 350 ] هُمُ الَّذِينَ جَحَدُوا قُدْرَةَ رَبِّهِمْ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ ، وَهُمُ الَّذِينَ فِي أَعْنَاقِهِمُ الْأَغْلَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَأُولَئِكَ ( أَصْحَابُ النَّارِ ) ، يَقُولُ : هُمْ سُكَّانُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يَقُولُ : هُمْ فِيهَا مَاكِثُونَ أَبَدًا ، لَا يَمُوتُونَ فِيهَا ، وَلَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا .