nindex.php?page=treesubj&link=28973 [ تفسير قوله تعالى : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا . . . . ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ( 26 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ( 27 ) )
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في تفسيره ، عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس - وعن
مرة عن
ابن مسعود - وعن ناس من الصحابة : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين ، يعني قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) [ البقرة : 17 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء ) [ البقرة : 19 ] الآيات الثلاث ، قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27هم الخاسرون )
وقال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
قتادة : لما ذكر الله العنكبوت والذباب ، قال المشركون : ما بال العنكبوت والذباب يذكران ؟ فأنزل الله [ تعالى هذه الآية ]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) .
وقال
سعيد ، عن
قتادة : أي : إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا ما ، قل أو كثر ، وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة : ما أراد الله من ذكر هذا ؟ فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها )
قلت : العبارة الأولى عن
قتادة فيها إشعار أن هذه الآية مكية ، وليس كذلك ، وعبارة رواية
سعيد ، عن
قتادة أقرب والله أعلم . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد نحو هذا الثاني عن
قتادة .
وقال
ابن أبي حاتم : روي عن
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12428وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وقتادة .
وقال
أبو جعفر الرازي عن
الربيع بن أنس في هذه الآية قال : هذا مثل ضربه الله للدنيا ؛ إذ
[ ص: 207 ] البعوضة تحيا ما جاعت ، فإذا سمنت ماتت . وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب لهم هذا المثل في القرآن ، إذا امتلؤوا من الدنيا ريا أخذهم الله تعالى عند ذلك ، ثم تلا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) [ الأنعام : 44 ] .
هكذا رواه
ابن جرير ، ورواه
ابن أبي حاتم من حديث
أبي جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية ، بنحوه ، فالله أعلم .
فهذا اختلافهم في سبب النزول ، وقد اختار
ابن جرير ما حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ؛ لأنه أمس بالسورة ، وهو مناسب ، ومعنى الآية : أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي ، أي : لا يستنكف ، وقيل : لا يخشى أن يضرب مثلا ما ، أي : أي مثل كان ، بأي شيء كان ، صغيرا كان أو كبيرا .
و " ما " هاهنا للتقليل وتكون
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26بعوضة ) منصوبة على البدل ، كما تقول : لأضربن ضربا ما ، فيصدق بأدنى شيء [ أو تكون " ما " نكرة موصوفة ببعوضة ] . واختار
ابن جرير أن " ما " موصولة ، وبعوضة معربة بإعرابها ، قال : وذلك سائغ في كلام العرب ، أنهم يعربون صلة " ما " و " من " بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة تارة ، ونكرة أخرى ، كما قال
حسان بن ثابت :
وكفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمد إيانا
قال : ويجوز أن تكون " بعوضة " منصوبة بحذف الجار ، وتقدير الكلام : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها .
[ وهذا الذي اختاره
الكسائي والفراء . وقرأ
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=12356وإبراهيم بن أبي عبلة ورويت " بعوضة " بالرفع ، قال
ابن جني : وتكون صلة ل " ما " ، وحذف العائد كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154تماما على الذي أحسن ) [ الأنعام : 154 ] أي : على الذي أحسن هو أحسن ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، أي : يعني بالذي هو قائل لك شيئا ] .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26فما فوقها ) فيه قولان : أحدهما : فما دونها في الصغر ، والحقارة ، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح ، فيقول السامع : نعم ، وهو فوق ذلك ، يعني فيما وصفت . وهذا قول
الكسائي وأبي عبيدة ، قال
الرازي : وأكثر المحققين ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823383لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء .
والثاني : فما فوقها : فما هو أكبر منها ؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة . وهذا [ قول
قتادة بن دعامة و ] اختيار
ابن جرير .
[ ص: 208 ]
[ ويؤيده ما رواه
مسلم عن
عائشة ، رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823384ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة ] .
فأخبر أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة ، كما [ لم يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ] ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) [ الحج : 73 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) [ العنكبوت : 41 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=24ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=25تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=26ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=27يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ إبراهيم : 24 - 27 ] ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا ) الآية [ النحل : 75 ] ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل ) الآية [ النحل : 76 ] ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم ) الآية [ الروم : 28 ] . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل ) الآية [ الزمر : 29 ] ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] وفي القرآن أمثال كثيرة .
قال بعض السلف : إذا سمعت
nindex.php?page=treesubj&link=28902المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي ؛ لأن الله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )
وقال
مجاهد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ، ويهديهم الله بها .
وقال
قتادة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ) أي : يعلمون أنه كلام الرحمن ، وأنه من عند الله .
وروي عن
مجاهد والحسن nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس نحو ذلك .
وقال
أبو العالية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ) يعني : هذا المثل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) كما قال في سورة المدثر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو ) [ المدثر : 31 ] ،
[ ص: 209 ] وكذلك قال هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين )
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في تفسيره ، عن
أبي مالك وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس - وعن
مرة ، عن
ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يضل به كثيرا ) يعني : المنافقين ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26ويهدي به كثيرا ) يعني المؤمنين ، فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالهم لتكذيبهم بما قد علموه حقا يقينا ، من المثل الذي ضربه الله بما ضربه لهم ، وأنه لما ضربه له موافق ، فذلك إضلال الله إياهم به
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26ويهدي به ) يعني بالمثل كثيرا من أهل الإيمان والتصديق ، فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانا إلى إيمانهم ، لتصديقهم بما قد علموه حقا يقينا أنه موافق ما ضربه الله له مثلا وإقرارهم به ، وذلك هداية من الله لهم به
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وما يضل به إلا الفاسقين ) قال : هم المنافقون .
وقال
أبو العالية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وما يضل به إلا الفاسقين ) قال : هم أهل النفاق . وكذا قال
الربيع بن أنس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد ، عن
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وما يضل به إلا الفاسقين ) يقول : يعرفه الكافرون فيكفرون به .
وقال
قتادة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وما يضل به إلا الفاسقين ) فسقوا ، فأضلهم الله على فسقهم .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثت عن
إسحاق بن سليمان ، عن
أبي سنان ، عن
عمرو بن مرة ، عن
مصعب بن سعد ، عن
سعد nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يضل به كثيرا ) يعني
الخوارج .
وقال
شعبة ، عن
عمرو بن مرة ، عن
مصعب بن سعد ، قال : سألت أبي فقلت : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ) إلى آخر الآية ، فقال : هم
الحرورية . وهذا الإسناد إن صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فهو تفسير على المعنى ، لا أن الآية أريد منها التنصيص على
الخوارج ، الذين خرجوا على
علي بالنهروان ، فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية ، وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل ؛ لأنهم سموا خوارج لخروجهم على طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام .
والفاسق في اللغة : هو الخارج عن الطاعة أيضا . وتقول العرب : فسقت الرطبة : إذا خرجت من قشرتها ؛ ولهذا يقال للفأرة : فويسقة ، لخروجها عن جحرها للفساد . وثبت في الصحيحين ، عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823385خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور .
[ ص: 210 ]
فالفاسق يشمل الكافر والعاصي ، ولكن فسق الكافر أشد وأفحش ، والمراد من الآية الفاسق الكافر ، والله أعلم ، بدليل أنه وصفهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون )
وهذه الصفات صفات الكفار المباينة لصفات المؤمنين ، كما قال تعالى في سورة الرعد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) الآيات ، إلى أن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ الرعد : 19 - 25 ] .
وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه ، فقال بعضهم : هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه ، وعلى لسان رسله ، ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به .
وقال آخرون : بل هي في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم ، وعهد الله الذي نقضوه هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتباع
محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث والتصديق به ، وبما جاء به من عند ربهم ، ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك ، وكتمانهم علم ذلك [ عن ] الناس بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه ، فأخبر تعالى أنهم نبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنا قليلا . وهذا اختيار
ابن جرير رحمه الله وقول
مقاتل بن حيان .
وقال آخرون : بل عنى بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق . وعهده إلى جميعهم في توحيده : ما وضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته ، وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثلها الشاهدة لهم على صدقهم ، قالوا : ونقضهم ذلك : تركهم الإقرار بما ثبتت لهم صحته بالأدلة وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق ، وروي أيضا عن
مقاتل بن حيان نحو هذا ، وهو حسن ، [ وإليه مال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، فإنه قال : فإن قلت : فما المراد بعهد الله ؟ قلت : ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد ، كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم وهو معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ] إذ أخذ الميثاق عليهم في الكتب المنزلة عليهم لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) [ البقرة : 40 ] .
وقال آخرون : العهد الذي ذكره [ الله ] تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من
[ ص: 211 ] صلب
آدم الذي وصف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) الآيتين [ الأعراف : 172 ، 173 ] ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به . وهكذا روي عن
مقاتل بن حيان أيضا ، حكى هذه الأقوال
ابن جرير في تفسيره .
وقال
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الخاسرون ) قال : هي ست خصال من المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال : إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا ، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وأفسدوا في الأرض ، وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال الثلاث : إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا .
وكذا قال
الربيع بن أنس أيضا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في تفسيره بإسناده ، قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ) قال : هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) قيل : المراد به صلة الأرحام والقرابات ، كما فسره
قتادة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=22فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) [ محمد : 22 ] ورجحه
ابن جرير . وقيل : المراد أعم من ذلك فكل ما أمر الله بوصله وفعله قطعوه وتركوه .
وقال
مقاتل بن حيان في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27أولئك هم الخاسرون ) قال في الآخرة ، وهذا كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ الرعد : 25 ] .
وقال
الضحاك عن
ابن عباس : كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل خاسر ، فإنما يعني به الكفر ، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذنب .
وقال
ابن جرير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27أولئك هم الخاسرون ) الخاسرون : جمع خاسر ، وهم الناقصون أنفسهم [ و ] حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته ، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه ، وكذلك الكافر والمنافق خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته ، يقال منه : خسر الرجل يخسر خسرا وخسرانا وخسارا ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15626جرير بن عطية :
إن سليطا في الخسار إنه أولاد قوم خلقوا أقنه
nindex.php?page=treesubj&link=28973 [ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا . . . . ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ( 26 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 27 ) )
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - وَعَنْ
مُرَّةَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ - وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ : لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ ، يَعْنِي قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) [ الْبَقَرَةِ : 17 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ) [ الْبَقَرَةِ : 19 ] الْآيَاتِ الثَّلَاثِ ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ : اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَضْرِبَ هَذِهِ الْأَمْثَالَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27هُمُ الْخَاسِرُونَ )
وَقَالَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ الْعَنْكَبُوتَ وَالذُّبَابَ ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا بَالُ الْعَنْكَبُوتِ وَالذُّبَابِ يُذْكَرَانِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ [ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) .
وَقَالَ
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : أَيْ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا مَا ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَإِنَّ اللَّهَ حِينَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ قَالَ أَهْلُ الضَّلَالَةِ : مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا )
قُلْتُ : الْعِبَارَةُ الْأُولَى عَنْ
قَتَادَةَ فِيهَا إِشْعَارٌ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَعِبَارَةُ رِوَايَةِ
سَعِيدٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ أَقْرَبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ نَحْوَ هَذَا الثَّانِي عَنْ
قَتَادَةَ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=12428وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ نَحْوَ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ وَقَتَادَةَ .
وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلدُّنْيَا ؛ إِذِ
[ ص: 207 ] الْبَعُوضَةُ تَحْيَا مَا جَاعَتْ ، فَإِذَا سَمِنَتْ مَاتَتْ . وَكَذَلِكَ مَثَلُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ضُرِبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ فِي الْقُرْآنِ ، إِذَا امْتَلَؤُوا مِنَ الدُّنْيَا رِيًّا أَخَذَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَلَا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) [ الْأَنْعَامِ : 44 ] .
هَكَذَا رَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ ، وَرَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنِ
الرَّبِيعِ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ ، بِنَحْوِهِ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي سَبَبِ النُّزُولِ ، وَقَدِ اخْتَارَ
ابْنُ جَرِيرٍ مَا حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالسُّورَةِ ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ ، وَمَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي ، أَيْ : لَا يَسْتَنْكِفُ ، وَقِيلَ : لَا يَخْشَى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا ، أَيْ : أَيَّ مَثَلٍ كَانَ ، بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا .
وَ " مَا " هَاهُنَا لِلتَّقْلِيلِ وَتَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26بَعُوضَةً ) مَنْصُوبَةً عَلَى الْبَدَلِ ، كَمَا تَقُولُ : لَأَضْرِبَنَّ ضَرْبًا مَا ، فَيَصْدُقُ بِأَدْنَى شَيْءٍ [ أَوْ تَكُونُ " مَا " نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِبَعُوضَةٍ ] . وَاخْتَارَ
ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ " مَا " مَوْصُولَةٌ ، وَبَعُوضَةً مُعْرَبَةٌ بِإِعْرَابِهَا ، قَالَ : وَذَلِكَ سَائِغٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، أَنَّهُمْ يُعْرِبُونَ صِلَةَ " مَا " وَ " مَنْ " بِإِعْرَابِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مَعْرِفَةً تَارَةً ، وَنَكِرَةً أُخْرَى ، كَمَا قَالَ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
وَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ غَيْرِنَا حُبُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إِيَّانَا
قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ " بَعُوضَةً " مَنْصُوبَةً بِحَذْفِ الْجَارِّ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَيْنَ بَعُوضَةٍ إِلَى مَا فَوْقَهَا .
[ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ
الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ . وَقَرَأَ
الضَّحَّاكُ nindex.php?page=showalam&ids=12356وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَرُوِيَتْ " بَعُوضَةٌ " بِالرَّفْعِ ، قَالَ
ابْنُ جِنِّيٍّ : وَتَكُونُ صِلَةً لِ " مَا " ، وَحُذِفَ الْعَائِدُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) [ الْأَنْعَامِ : 154 ] أَيْ : عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ هُوَ أَحْسَنُ ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : مَا أَنَا بِالَّذِي قَائِلٌ لَكَ شَيْئًا ، أَيْ : يَعْنِي بِالَّذِي هُوَ قَائِلٌ لَكَ شَيْئًا ] .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26فَمَا فَوْقَهَا ) فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : فَمَا دُونَهَا فِي الصِّغَرِ ، وَالْحَقَارَةِ ، كَمَا إِذَا وُصِفَ رَجُلٌ بِاللُّؤْمِ وَالشُّحِّ ، فَيَقُولُ السَّامِعُ : نَعَمْ ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ ، يَعْنِي فِيمَا وَصَفْتَ . وَهَذَا قَوْلُ
الْكِسَائِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ ، قَالَ
الرَّازِيُّ : وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ ، وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823383لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ .
وَالثَّانِي : فَمَا فَوْقَهَا : فَمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَحْقَرُ وَلَا أَصْغَرُ مِنَ الْبَعُوضَةِ . وَهَذَا [ قَوْلُ
قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ وَ ] اخْتِيَارُ
ابْنُ جَرِيرٍ .
[ ص: 208 ]
[ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ
عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823384مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ] .
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَصْغِرُ شَيْئًا يَضْرِبُ بِهِ مَثَلًا وَلَوْ كَانَ فِي الْحَقَارَةِ وَالصِّغَرِ كَالْبَعُوضَةِ ، كَمَا [ لَمْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ خَلْقِهَا كَذَلِكَ لَا يَسْتَنْكِفُ مِنْ ] ضَرْبِ الْمَثَلِ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) [ الْحَجِّ : 73 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=41مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 41 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=24أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=25تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=26وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=27يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) [ إِبْرَاهِيمَ : 24 - 27 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا ) الْآيَةَ [ النَّحْلِ : 75 ] ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) الْآيَةَ [ النَّحْلِ : 76 ] ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ) الْآيَةَ [ الرُّومِ : 28 ] . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=29ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ ) الْآيَةَ [ الزُّمَرِ : 29 ] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 43 ] وَفِي الْقُرْآنِ أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إِذَا سَمِعْتُ
nindex.php?page=treesubj&link=28902الْمَثَلَ فِي الْقُرْآنِ فَلَمْ أَفْهَمْهُ بِكَيْتُ عَلَى نَفْسِي ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) الْأَمْثَالُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا يُؤْمِنُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَيَهْدِيهِمُ اللَّهُ بِهَا .
وَقَالَ
قَتَادَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) أَيْ : يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّحْمَنِ ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=14354وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوُ ذَلِكَ .
وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) يَعْنِي : هَذَا الْمَثَلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ) كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) [ الْمُدَّثِّرِ : 31 ] ،
[ ص: 209 ] وَكَذَلِكَ قَالَ هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ )
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - وَعَنْ
مُرَّةَ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ) يَعْنِي : الْمُنَافِقِينَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ) يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ ، فَيَزِيدُ هَؤُلَاءِ ضَلَالَةً إِلَى ضَلَالِهِمْ لِتَكْذِيبِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يَقِينًا ، مِنَ الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ بِمَا ضَرَبَهُ لَهُمْ ، وَأَنَّهُ لِمَا ضَرَبَهُ لَهُ مُوَافِقٌ ، فَذَلِكَ إِضْلَالُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَيَهْدِي بِهِ ) يَعْنِي بِالْمَثَلِ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ ، فَيَزِيدُهُمْ هُدًى إِلَى هُدَاهُمْ وَإِيمَانًا إِلَى إِيمَانِهِمْ ، لِتَصْدِيقِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يَقِينًا أَنَّهُ مُوَافِقٌ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُ مَثَلًا وَإِقْرَارِهِمْ بِهِ ، وَذَلِكَ هِدَايَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) قَالَ : هُمُ الْمُنَافِقُونَ .
وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) قَالَ : هُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ . وَكَذَا قَالَ
الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) يَقُولُ : يَعْرِفُهُ الْكَافِرُونَ فَيَكْفُرُونَ بِهِ .
وَقَالَ
قَتَادَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) فَسَقُوا ، فَأَضَلَّهُمُ اللَّهُ عَلَى فِسْقِهِمْ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حُدِّثْتُ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ
أَبِي سِنَانٍ ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ
مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ
سَعْدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ) يَعْنِي
الْخَوَارِجَ .
وَقَالَ
شُعْبَةُ ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ
مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبِي فَقُلْتُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَقَالَ : هُمُ
الْحَرُورِيَّةُ . وَهَذَا الْإِسْنَادُ إِنْ صَحَّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ تَفْسِيرٌ عَلَى الْمَعْنَى ، لَا أَنَّ الْآيَةَ أُرِيدَ مِنْهَا التَّنْصِيصُ عَلَى
الْخَوَارِجِ ، الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى
عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا حَالَ نُزُولِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا هُمْ دَاخِلُونَ بِوَصْفِهِمْ فِيهَا مَعَ مَنْ دَخَلَ ؛ لِأَنَّهُمْ سُمُّوا خَوَارِجَ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ وَالْقِيَامِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ .
وَالْفَاسِقُ فِي اللُّغَةِ : هُوَ الْخَارِجُ عَنِ الطَّاعَةِ أَيْضًا . وَتَقُولُ الْعَرَبُ : فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ : إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرَتِهَا ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْفَأْرَةِ : فُوَيْسِقَةٌ ، لِخُرُوجِهَا عَنْ جُحْرِهَا لِلْفَسَادِ . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823385خَمْسُ فَوَاسَقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ : الْغُرَابُ ، وَالْحِدَأَةُ ، وَالْعَقْرَبُ ، وَالْفَأْرَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ .
[ ص: 210 ]
فَالْفَاسِقُ يَشْمَلُ الْكَافِرَ وَالْعَاصِيَ ، وَلَكِنَّ فِسْقَ الْكَافِرِ أَشَدُّ وَأَفْحَشُ ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْفَاسِقُ الْكَافِرُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ صِفَاتُ الْكُفَّارِ الْمُبَايِنَةُ لِصِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=21وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) الْآيَاتِ ، إِلَى أَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) [ الرَّعْدِ : 19 - 25 ] .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنَى الْعَهْدِ الَّذِي وُصِفَ هَؤُلَاءِ الْفَاسِقِينَ بِنَقْضِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ وَصِيَّةُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ ، وَنَهْيِهِ إِيَّاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ فِي كُتُبِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ ، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ هُوَ تَرْكُهُمُ الْعَمَلَ بِهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ فِي كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ ، وَعَهْدُ اللَّهِ الَّذِي نَقَضُوهُ هُوَ مَا أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا فِيهَا وَاتِّبَاعِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُعِثَ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ هُوَ جُحُودُهُمْ بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنْكَارِهِمْ ذَلِكَ ، وَكِتْمَانِهِمْ عِلْمَ ذَلِكَ [ عَنِ ] النَّاسِ بَعْدَ إِعْطَائِهِمُ اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الْمِيثَاقَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا . وَهَذَا اخْتِيَارُ
ابْنِ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ
مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ جَمِيعَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ . وَعَهْدُهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ فِي تَوْحِيدِهِ : مَا وَضَعَ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ ، وَعَهْدُهُ إِلَيْهِمْ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا احْتَجَّ بِهِ لِرُسُلِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرُهُمْ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا الشَّاهِدَةِ لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِمْ ، قَالُوا : وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ : تَرْكُهُمُ الْإِقْرَارَ بِمَا ثَبَتَتْ لَهُمْ صِحَّتُهُ بِالْأَدِلَّةِ وَتَكْذِيبُهُمُ الرُّسُلَ وَالْكُتُبَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ حَقٌّ ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ
مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ نَحْوَ هَذَا ، وَهُوَ حَسَنٌ ، [ وَإِلَيْهِ مَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا الْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ ؟ قُلْتُ : مَا رَكَّزَ فِي عُقُولِهِمْ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى التَّوْحِيدِ ، كَأَنَّهُ أَمْرٌ وَصَّاهُمْ بِهِ وَوَثَّقَهُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) [ الْأَعْرَافِ : 172 ] إِذْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 40 ] .
وَقَالَ آخَرُونَ : الْعَهْدُ الَّذِي ذَكَرَهُ [ اللَّهُ ] تَعَالَى هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ
[ ص: 211 ] صُلْبِ
آدَمَ الَّذِي وَصَفَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ) الْآيَتَيْنِ [ الْأَعْرَافِ : 172 ، 173 ] وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ تَرْكُهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ . وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ
مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَيْضًا ، حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ .
وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الْخَاسِرُونَ ) قَالَ : هِيَ سِتُّ خِصَالٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِذَا كَانَتْ فِيهِمُ الظَّهْرَةُ عَلَى النَّاسِ أَظْهَرُوا هَذِهِ الْخِصَالَ : إِذَا حَدَّثُوا كَذَبُوا ، وَإِذَا وَعَدُوا أَخْلَفُوا ، وَإِذَا اؤْتُمِنُوا خَانُوا ، وَنَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ، وَقَطَعُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ، وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ ، وَإِذَا كَانَتِ الظَّهْرَةُ عَلَيْهِمْ أَظْهَرُوا الْخِصَالَ الثَّلَاثَ : إِذَا حَدَّثُوا كَذَبُوا ، وَإِذَا وَعَدُوا أَخْلَفُوا ، وَإِذَا اؤْتُمِنُوا خَانُوا .
وَكَذَا قَالَ
الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ أَيْضًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِإِسْنَادِهِ ، قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) قَالَ : هُوَ مَا عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ فَأَقَرُّوا بِهِ ثُمَّ كَفَرُوا فَنَقَضُوهُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) قِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ صِلَةُ الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتُ ، كَمَا فَسَّرَهُ
قَتَادَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=22فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) [ مُحَمَّدٍ : 22 ] وَرَجَّحَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِوَصْلِهِ وَفِعْلِهِ قَطَعُوهُ وَتَرَكُوهُ .
وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) قَالَ فِي الْآخِرَةِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=25أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) [ الرَّعْدِ : 25 ] .
وَقَالَ
الضَّحَّاكُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : كُلُّ شَيْءٍ نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنَ اسْمٍ مِثْلِ خَاسِرٍ ، فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْكُفْرَ ، وَمَا نَسَبَهُ إِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الذَّنْبَ .
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الْخَاسِرُونَ : جَمْعُ خَاسِرٍ ، وَهُمُ النَّاقِصُونَ أَنْفُسَهُمْ [ وَ ] حُظُوظَهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمُ اللَّهَ مِنْ رَحْمَتِهِ ، كَمَا يَخْسَرُ الرَّجُلُ فِي تِجَارَتِهِ بِأَنْ يُوضَعَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فِي بَيْعِهِ ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ خَسِرَ بِحِرْمَانِ اللَّهِ إِيَّاهُ رَحْمَتَهُ الَّتِي خَلَقَهَا لِعِبَادِهِ فِي الْقِيَامَةِ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَى رَحْمَتِهِ ، يُقَالُ مِنْهُ : خَسِرَ الرَّجُلُ يَخْسَرُ خَسْرًا وَخُسْرَانًا وَخَسَارًا ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15626جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ :
إِنَّ سَلِيطًا فِي الْخَسَارِ إِنَّهْ أَوْلَادُ قَوْمٍ خُلِقُوا أَقِنَّهْ