[ ص: 194 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28998قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ( 41 )
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ( 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ( 43 )
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ( 44 ) )
لما جيء
سليمان ، عليه السلام ، بعرش
بلقيس قبل قدومها ، أمر به أن يغير بعض صفاته ، ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته ، هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس به ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=41نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ) .
قال
ابن عباس : نزع عنه فصوصه ومرافقه .
وقال
مجاهد : أمر به فغير ما كان أحمر جعل أصفر ، وما كان أصفر جعل أحمر : وما كان أخضر جعل أحمر ، غير كل شيء عن حاله .
وقال
عكرمة : زادوا فيه ونقصوا .
[ وقال
قتادة : جعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره ، وزادوا فيه ونقصوا ] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ) أي : عرض عليها عرشها ، وقد غير ونكر ، وزيد فيه ونقص منه ، فكان فيها ثبات وعقل ، ولها لب ودهاء وحزم ، فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها ، ولا أنه غيره ، لما رأت من آثاره وصفاته ، وإن غير وبدل ونكر ، فقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42كأنه هو ) أي : يشبهه ويقاربه . وهذا غاية في الذكاء والحزم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ) : قال
مجاهد :
سليمان يقوله .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ) : هذا من تمام كلام
سليمان ، عليه السلام - في قول
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، رحمهما الله - أي : قال
سليمان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ) ، وهي كانت قد صدها ، أي : منعها من عبادة الله وحده . (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ) . وهذا الذي قاله
مجاهد وسعيد حسن ، وقاله
ابن جرير أيضا .
ثم قال
ابن جرير : ويحتمل أن يكون في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43وصدها ) ضمير يعود إلى
سليمان ، أو إلى الله ، عز وجل ، تقديره : ومنعها (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43ما كانت تعبد من دون الله ) أي : صدها عن عبادة غير الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43إنها كانت من قوم كافرين ) .
قلت : ويؤيد قول
مجاهد : أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح ، كما سيأتي .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ) وذلك أن
سليمان ، عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرا عظيما من قوارير ، أي : من زجاج ، وأجرى تحته الماء ، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه . واختلفوا في السبب الذي دعا
[ ص: 195 ] سليمان ، عليه السلام ، إلى اتخاذه ، فقيل : إنه لما عزم على تزويجها واصطفائها لنفسه ; ذكر له جمالها وحسنها ، ولكن في ساقيها هلب عظيم ، ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة . فساءه ذلك ، فاتخذ هذا ليعلم صحته أم لا ؟ - هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، وغيره - فلما دخلت وكشفت عن ساقيها ، رأى أحسن الناس وأحسنه قدما ، ولكن رأى على رجليها شعرا ; لأنها ملكة ليس لها بعل فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل لها : الموسى ؟ فقالت : لا أستطيع ذلك . وكره
سليمان ذلك ، وقال للجن : اصنعوا شيئا غير الموسى يذهب به هذا الشعر ، فصنعوا له النورة . وكان أول من اتخذت له النورة ، قاله
ابن عباس ،
ومجاهد ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، وغيرهم .
وقال
محمد بن إسحاق ، عن
يزيد بن رومان : ثم قال لها : ادخلي الصرح ، ليريها ملكا هو أعز من ملكها ، وسلطانا هو أعظم من سلطانها . فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ، لا تشك أنه ماء تخوضه ، فقيل لها : إنه صرح ممرد من قوارير . فلما وقفت على
سليمان ، دعاها إلى عبادة الله وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : لما رأت العلجة الصرح عرفت - والله - أن قد رأت ملكا أعظم من ملكها .
وقال
محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : أمر
سليمان بالصرح ، وقد عملته له الشياطين من زجاج ، كأنه الماء بياضا . ثم أرسل الماء تحته ، ثم وضع له فيه سريره ، فجلس عليه ، وعكفت عليه الطير والجن والإنس ، ثم قال : ادخلي الصرح ، ليريها ملكا هو أعز من ملكها ، وسلطانا هو أعظم من سلطانها (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ) ، لا تشك أنه ماء تخوضه ، قيل لها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44إنه صرح ممرد من قوارير ) ، فلما وقفت على
سليمان ، دعاها إلى عبادة الله ، عز وجل ، وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله . فقالت بقول الزنادقة ، فوقع
سليمان ساجدا إعظاما لما قالت ، وسجد معه الناس ، فسقط في يديها حين رأت
سليمان صنع ما صنع ، فلما رفع
سليمان رأسه قال : ويحك ! ماذا قلت ؟ - قال : وأنسيت ما قالت فقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) ، فأسلمت وحسن إسلامها .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12508الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثرا غريبا عن
ابن عباس ، قال : حدثنا
الحسين بن علي ، عن
زائدة ، حدثني
عطاء بن السائب ، حدثنا
مجاهد ، ونحن في
الأزد - قال : حدثنا
ابن عباس قال : كان
سليمان ، عليه السلام ، يجلس على سريره ، ثم توضع كراسي حوله ، فيجلس عليها الإنس ، ثم يجلس الجن ، ثم الشياطين ، ثم تأتي الريح فترفعهم ، ثم تظلهم الطير ، ثم
[ ص: 196 ] يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهرا ورواحها شهرا ، قال : فبينما هو ذات يوم في مسير له ، إذ تفقد الطير ففقد الهدهد فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ) ، قال : فكان عذابه إياه أن ينتفه ، ثم يلقيه في الأرض ، فلا يمتنع من نملة ولا من شيء من هوام الأرض .
قال
عطاء : وذكر
سعيد بن جبير عن
ابن عباس مثل حديث
مجاهد (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فمكث غير بعيد ) - فقرأ حتى انتهى إلى قوله - (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=27قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا ) وكتب (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30بسم الله الرحمن الرحيم ) ، إلى
بلقيس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) ، فلما ألقى الهدهد بالكتاب إليها ، ألقي في روعها : إنه كتاب كريم ، وإنه من
سليمان ، وأن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين . قالوا : نحن أولو قوة . قالت : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ، وإني مرسلة إليهم بهدية . فلما جاءت الهدية
سليمان قال : أتمدونني بمال ، ارجع إليهم . فلما نظر إلى الغبار - أخبرنا
ابن عباس قال : وكان بين
سليمان وبين ملكة
سبأ ومن معها حين نظر إلى الغبار كما بيننا وبين
الحيرة ، قال
عطاء :
ومجاهد حينئذ في
الأزد - قال
سليمان : أيكم يأتيني بعرشها ؟ قال : وبين عرشها وبين
سليمان حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=39قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) . قال : وكان
لسليمان مجلس يجلس فيه للناس ، كما يجلس الأمراء ثم يقوم - قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=39أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) . قال
سليمان : أريد أعجل من ذلك . فقال الذي عنده علم من الكتاب : أنا أنظر في كتاب ربي ، ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . قال : [ فنظر إليه
سليمان فلما قطع كلامه رد
سليمان بصره ] ، فنبع عرشها من تحت قدم
سليمان ، من تحت كرسي كان
سليمان يضع عليه رجله ، ثم يصعد إلى السرير . قال : فلما رأى
سليمان عرشها [ مستقرا عنده ] قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هذا من فضل ربي ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=41قال نكروا لها عرشها ) ، فلما جاءت قيل لها : أهكذا عرشك ؟ قالت : كأنه هو . قال : فسألته عن أمرين ، قالت
لسليمان : أريد ماء [ من زبد رواء ] ليس من أرض ولا من سماء - وكان
سليمان إذا سئل عن شيء ، سأل الإنس ثم الجن ثم الشياطين . [ قال ] فقالت الشياطين : هذا هين ، أجر الخيل ثم خذ عرقها ، ثم املأ منه الآنية . قال : فأمر بالخيل فأجريت ، ثم أخذ عرقها فملأ منه الآنية . قال : وسألت عن لون الله عز وجل . قال : فوثب
سليمان عن سريره ، فخر ساجدا ، فقال : يا رب ، لقد سألتني عن أمر إنه يتكايد ، أي : يتعاظم في قلبي أن أذكره لك . قال : ارجع فقد كفيتكهم ، قال : فرجع إلى سريره فقال : ما سألت عنه ؟ قالت : ما سألتك إلا عن الماء . فقال لجنوده : ما سألت عنه ؟ فقالوا : ما سألتك إلا عن الماء . قال : ونسوه كلهم . قال : وقالت الشياطين
لسليمان : تريد أن تتخذها لنفسك ، فإن اتخذها لنفسه ثم ولد بينهما ولد ، لم ننفك من عبوديته . قال : فجعلوا صرحا ممردا من قوارير ، فيه السمك . قال : فقيل لها :
[ ص: 197 ] ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة ، وكشفت عن ساقيها ، فإذا هي شعراء . فقال
سليمان : هذا قبيح ، ما يذهبه ؟ فقالوا : تذهبه المواسي . فقال : أثر الموسى قبيح ! قال : فجعلت الشياطين النورة . قال : فهو أول من جعلت له النورة .
ثم قال
أبو بكر بن أبي شيبة : ما أحسنه من حديث .
قلت : بل هو منكر غريب جدا ، ولعله من أوهام
عطاء بن السائب على
ابن عباس ، والله أعلم . والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب ، مما يوجد في صحفهم ، كروايات
كعب ووهب - سامحهما الله تعالى - فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار
بني إسرائيل ، من الأوابد والغرائب والعجائب ، مما كان وما لم يكن ، ومما حرف وبدل ونسخ . وقد أغنانا الله ، سبحانه ، عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ، ولله الحمد والمنة .
أصل الصرح في كلام العرب : هو القصر ، وكل بناء مرتفع ، قال الله ، سبحانه وتعالى ، إخبارا عن
فرعون - لعنه الله - أنه قال لوزيره
هامان (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=36ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى ) الآية [ غافر : 36 ، 37 ] . والصرح : قصر في اليمن عالي البناء ، والممرد أي : المبني بناء محكما أملس (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44من قوارير ) أي : زجاج . وتمريد البناء تمليسه . ومارد : حصن بدومة الجندل .
والغرض أن
سليمان ، عليه السلام ، اتخذ قصرا عظيما منيفا من زجاج لهذه الملكة ; ليريها عظمة سلطانه وتمكنه ، فلما رأت ما آتاه الله ، تعالى ، وجلالة ما هو فيه ، وتبصرت في أمره انقادت لأمر الله وعرفت أنه نبي كريم ، وملك عظيم ، فأسلمت لله ، عز وجل ، وقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44رب إني ظلمت نفسي ) أي : بما سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها الشمس من دون الله ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) أي : متابعة لدين
سليمان في عبادته لله وحده ، لا شريك له ، الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا .
[ ص: 194 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28998قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ( 41 )
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ( 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ( 43 )
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 44 ) )
لَمَّا جِيءَ
سُلَيْمَانُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، بِعَرْشِ
بِلْقِيسَ قَبْلَ قُدُومِهَا ، أَمَرَ بِهِ أَنْ يُغَيَّرَ بَعْضُ صِفَاتِهِ ، لِيَخْتَبِرَ مَعْرِفَتَهَا وَثَبَاتَهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ، هَلْ تُقْدِمُ عَلَى أَنَّهُ عَرْشُهَا أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=41نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ) .
قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَعَ عَنْهُ فُصُوصَهُ وَمَرَافِقَهُ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : أَمَرَ بِهِ فَغُيِّرَ مَا كَانَ أَحْمَرَ جُعِلَ أَصْفَرَ ، وَمَا كَانَ أَصْفَرَ جُعِلَ أَحْمَرَ : وَمَا كَانَ أَخْضَرَ جُعِلَ أَحْمَرَ ، غُيِّرَ كُلُّ شَيْءٍ عَنْ حَالِهِ .
وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : زَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا .
[ وَقَالَ
قَتَادَةُ : جَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ وَمُقَدَّمَهُ مُؤَخَّرَهُ ، وَزَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا ] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ) أَيْ : عُرِضَ عَلَيْهَا عَرْشُهَا ، وَقَدْ غُيِّرَ وَنُكِّرَ ، وَزِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ مِنْهُ ، فَكَانَ فِيهَا ثَبَاتٌ وَعَقْلٌ ، وَلَهَا لُبٌّ وَدَهَاءٌ وَحَزْمٌ ، فَلَمْ تُقْدِمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ لِبُعْدِ مَسَافَتِهِ عَنْهَا ، وَلَا أَنَّهُ غَيْرُهُ ، لِمَا رَأَتْ مِنْ آثَارِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَإِنْ غُيِّرَ وَبُدِّلَ وَنُكِّرَ ، فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42كَأَنَّهُ هُوَ ) أَيْ : يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ . وَهَذَا غَايَةٌ فِي الذَّكَاءِ وَالْحَزْمِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ) : قَالَ
مُجَاهِدٌ :
سُلَيْمَانُ يَقُولُهُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ) : هَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ
سُلَيْمَانَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِ
مُجَاهِدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَيْ : قَالَ
سُلَيْمَانُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=42وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ) ، وَهِيَ كَانَتْ قَدْ صَدَّهَا ، أَيْ : مَنَعَهَا مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ) . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَسَعِيدٌ حَسَنٌ ، وَقَالَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا .
ثُمَّ قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43وَصَدَّهَا ) ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى
سُلَيْمَانَ ، أَوْ إِلَى اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، تَقْدِيرُهُ : وَمَنَعَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) أَيْ : صَدَّهَا عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=43إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ) .
قُلْتُ : وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ
مُجَاهِدٍ : أَنَّهَا إِنَّمَا أَظْهَرَتِ الْإِسْلَامَ بَعْدَ دُخُولِهَا إِلَى الصَّرْحِ ، كَمَا سَيَأْتِي .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ) وَذَلِكَ أَنَّ
سُلَيْمَانَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ الشَّيَاطِينَ فَبَنَوْا لَهَا قَصْرًا عَظِيمًا مِنْ قَوَارِيرَ ، أَيْ : مِنْ زُجَاجٍ ، وَأَجْرَى تَحْتَهُ الْمَاءَ ، فَالَّذِي لَا يَعْرِفُ أَمْرَهُ يَحْسَبُ أَنَّهُ مَاءٌ ، وَلَكِنَّ الزُّجَاجَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَاشِي وَبَيْنَهُ . وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي دَعَا
[ ص: 195 ] سُلَيْمَانَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِلَى اتِّخَاذِهِ ، فَقِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا عَزَمَ عَلَى تَزْوِيجِهَا وَاصْطِفَائِهَا لِنَفْسِهِ ; ذُكِرَ لَهُ جَمَالُهَا وَحُسْنُهَا ، وَلَكِنْ فِي سَاقَيْهَا هُلْبٌ عَظِيمٌ ، وَمُؤَخَّرُ أَقْدَامِهَا كَمُؤَخَّرِ الدَّابَّةِ . فَسَاءَهُ ذَلِكَ ، فَاتَّخَذَ هَذَا لِيَعْلَمَ صِحَّتَهُ أَمْ لَا ؟ - هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، وَغَيْرِهِ - فَلَمَّا دَخَلَتْ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ، رَأَى أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَحْسَنَهُ قَدَمًا ، وَلَكِنْ رَأَى عَلَى رِجْلَيْهَا شَعْرًا ; لِأَنَّهَا مَلِكَةٌ لَيْسَ لَهَا بَعْلٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ ذَلِكَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهَا : الْمُوسَى ؟ فَقَالَتْ : لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ . وَكَرِهَ
سُلَيْمَانُ ذَلِكَ ، وَقَالَ لِلْجِنِّ : اصْنَعُوا شَيْئًا غَيْرَ الْمُوسَى يَذْهَبُ بِهِ هَذَا الشَّعْرُ ، فَصَنَعُوا لَهُ النُّورَةَ . وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اتُّخِذَتْ لَهُ النُّورَةُ ، قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
وَعِكْرِمَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ : ثُمَّ قَالَ لَهَا : ادْخُلِي الصَّرْحَ ، لِيُرِيَهَا مُلْكًا هُوَ أَعَزُّ مِنْ مُلْكِهَا ، وَسُلْطَانًا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سُلْطَانِهَا . فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ، لَا تَشُكُّ أَنَّهُ مَاءٌ تَخُوضُهُ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ . فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَى
سُلَيْمَانَ ، دَعَاهَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَعَاتَبَهَا فِي عِبَادَتِهَا الشَّمْسَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : لَمَّا رَأَتِ الْعِلْجَةُ الصَّرْحَ عَرَفَتْ - وَاللَّهِ - أَنَّ قَدْ رَأَتْ مُلْكًا أَعْظَمَ مِنْ مُلْكِهَا .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : أَمَرَ
سُلَيْمَانُ بِالصَّرْحِ ، وَقَدْ عَمِلَتْهُ لَهُ الشَّيَاطِينُ مِنْ زُجَاجٍ ، كَأَنَّهُ الْمَاءُ بَيَاضًا . ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَاءَ تَحْتَهُ ، ثُمَّ وُضِعَ لَهُ فِيهِ سَرِيرُهُ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ ، ثُمَّ قَالَ : ادْخُلِي الصَّرْحَ ، لِيُرِيَهَا مُلْكًا هُوَ أَعَزُّ مِنْ مُلْكِهَا ، وَسُلْطَانًا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سُلْطَانِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ) ، لَا تَشُكُّ أَنَّهُ مَاءٌ تَخُوضُهُ ، قِيلَ لَهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ) ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَى
سُلَيْمَانَ ، دَعَاهَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَاتَبَهَا فِي عِبَادَتِهَا الشَّمْسَ مِنْ دُونِ اللَّهِ . فَقَالَتْ بِقَوْلِ الزَّنَادِقَةِ ، فَوَقَعَ
سُلَيْمَانُ سَاجِدًا إِعْظَامًا لِمَا قَالَتْ ، وَسَجَدَ مَعَهُ النَّاسُ ، فَسَقَطَ فِي يَدَيْهَا حِينَ رَأَتْ
سُلَيْمَانَ صَنَعَ مَا صَنَعَ ، فَلَمَّا رَفَعَ
سُلَيْمَانُ رَأْسَهُ قَالَ : وَيْحَكِ ! مَاذَا قُلْتِ ؟ - قَالَ : وَأُنْسِيَتْ مَا قَالَتْ فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إِسْلَامُهَا .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12508الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي هَذَا أَثَرًا غَرِيبًا عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ
زَائِدَةَ ، حَدَّثَنِي
عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، حَدَّثَنَا
مُجَاهِدٌ ، وَنَحْنُ فِي
الْأَزْدِ - قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ
سُلَيْمَانُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرِهِ ، ثُمَّ تُوضَعُ كَرَاسِيُّ حَوْلَهُ ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا الْإِنْسُ ، ثُمَّ يَجْلِسُ الْجِنُّ ، ثُمَّ الشَّيَاطِينُ ، ثُمَّ تَأْتِي الرِّيحُ فَتَرْفَعُهُمْ ، ثُمَّ تُظِلُّهُمُ الطَّيْرُ ، ثُمَّ
[ ص: 196 ] يَغْدُونَ قَدْرَ مَا يَشْتَهِي الرَّاكِبُ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرًا وَرَوَاحَهَا شَهْرًا ، قَالَ : فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَسِيرٍ لَهُ ، إِذْ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَفَقَدَ الْهُدْهُدَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) ، قَالَ : فَكَانَ عَذَابُهُ إِيَّاهُ أَنْ يَنْتِفَهُ ، ثُمَّ يُلْقِيهِ فِي الْأَرْضِ ، فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ نَمْلَةٍ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ .
قَالَ
عَطَاءٌ : وَذَكَرَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ حَدِيثِ
مُجَاهِدٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) - فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ - (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=27قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا ) وَكَتَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ، إِلَى
بِلْقِيسَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) ، فَلَمَّا أَلْقَى الْهُدْهُدُ بِالْكِتَابِ إِلَيْهَا ، أُلْقِيَ فِي رُوعِهَا : إِنَّهُ كِتَابٌ كَرِيمٌ ، وَإِنَّهُ مِنْ
سُلَيْمَانَ ، وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأَتَوْنِي مُسْلِمِينَ . قَالُوا : نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ . قَالَتْ : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ، وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ . فَلَمَّا جَاءَتِ الْهَدِيَّةُ
سُلَيْمَانَ قَالَ : أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْغُبَارِ - أَخْبَرَنَا
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : وَكَانَ بَيْنَ
سُلَيْمَانَ وَبَيْنَ مَلِكَةِ
سَبَأٍ وَمَنْ مَعَهَا حِينَ نَظَرَ إِلَى الْغُبَارِ كَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الْحِيرَةِ ، قَالَ
عَطَاءٌ :
وَمُجَاهِدٌ حِينَئِذٍ فِي
الْأَزْدِ - قَالَ
سُلَيْمَانُ : أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ؟ قَالَ : وَبَيْنَ عَرْشِهَا وَبَيْنَ
سُلَيْمَانَ حِينَ نَظَرَ إِلَى الْغُبَارِ مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=39قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ) . قَالَ : وَكَانَ
لِسُلَيْمَانَ مَجْلِسٌ يَجْلِسُ فِيهِ لِلنَّاسِ ، كَمَا يَجْلِسُ الْأُمَرَاءُ ثُمَّ يَقُومُ - قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=39أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ) . قَالَ
سُلَيْمَانُ : أُرِيدُ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ : أَنَا أَنْظُرُ فِي كِتَابِ رَبِّي ، ثُمَّ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ . قَالَ : [ فَنَظَرَ إِلَيْهِ
سُلَيْمَانُ فَلَمَّا قَطَعَ كَلَامَهُ رَدَّ
سُلَيْمَانُ بَصَرَهُ ] ، فَنَبَعَ عَرْشُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمِ
سُلَيْمَانَ ، مِنْ تَحْتِ كُرْسِيٍّ كَانَ
سُلَيْمَانُ يَضَعُ عَلَيْهِ رِجْلَهُ ، ثُمَّ يَصْعَدُ إِلَى السَّرِيرِ . قَالَ : فَلَمَّا رَأَى
سُلَيْمَانُ عَرْشَهَا [ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ ] قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=41قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا ) ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ لَهَا : أَهَكَذَا عَرْشُكِ ؟ قَالَتْ : كَأَنَّهُ هُوَ . قَالَ : فَسَأَلَتْهُ عَنْ أَمْرَيْنِ ، قَالَتْ
لِسُلَيْمَانَ : أُرِيدُ مَاءً [ مِنْ زَبَدٍ رِوَاءً ] لَيْسَ مِنْ أَرْضٍ وَلَا مِنْ سَمَاءٍ - وَكَانَ
سُلَيْمَانُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ ، سَأَلَ الْإِنْسَ ثُمَّ الْجِنَّ ثُمَّ الشَّيَاطِينَ . [ قَالَ ] فَقَالَتِ الشَّيَاطِينُ : هَذَا هَيِّنٌ ، أَجْرِ الْخَيْلَ ثُمَّ خُذْ عَرَقَهَا ، ثُمَّ امْلَأْ مِنْهُ الْآنِيَةَ . قَالَ : فَأَمَرَ بِالْخَيْلِ فَأُجْرِيَتْ ، ثُمَّ أَخَذَ عَرَقَهَا فَمَلَأَ مِنْهُ الْآنِيَةَ . قَالَ : وَسَأَلَتْ عَنْ لَوْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : فَوَثَبَ
سُلَيْمَانُ عَنْ سَرِيرِهِ ، فَخَرَّ سَاجِدًا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، لَقَدْ سَأَلَتْنِي عَنْ أَمْرٍ إِنَّهُ يَتَكَايَدُ ، أَيْ : يَتَعَاظَمُ فِي قَلْبِي أَنْ أَذْكُرَهُ لَكَ . قَالَ : ارْجِعْ فَقَدْ كَفَيْتُكَهُمْ ، قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ : مَا سَأَلْتِ عَنْهُ ؟ قَالَتْ : مَا سَأَلْتُكَ إِلَّا عَنِ الْمَاءِ . فَقَالَ لِجُنُودِهِ : مَا سَأَلَتْ عَنْهُ ؟ فَقَالُوا : مَا سَأَلَتْكَ إِلَّا عَنِ الْمَاءِ . قَالَ : وَنَسُوهُ كُلُّهُمْ . قَالَ : وَقَالَتِ الشَّيَاطِينُ
لِسُلَيْمَانَ : تُرِيدُ أَنْ تَتَّخِذَهَا لِنَفْسِكَ ، فَإِنِ اتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ ، لَمْ نَنْفَكَّ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ . قَالَ : فَجَعَلُوا صَرْحًا مُمَرَّدًا مِنْ قَوَارِيرَ ، فِيهِ السَّمَكُ . قَالَ : فَقِيلَ لَهَا :
[ ص: 197 ] ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ، وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ، فَإِذَا هِيَ شَعْرَاءُ . فَقَالَ
سُلَيْمَانُ : هَذَا قَبِيحٌ ، مَا يُذْهِبُهُ ؟ فَقَالُوا : تُذْهِبُهُ الْمَوَاسِي . فَقَالَ : أَثَرُ الْمُوسَى قَبِيحٌ ! قَالَ : فَجَعَلَتِ الشَّيَاطِينُ النُّورَةَ . قَالَ : فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جُعِلَتْ لَهُ النُّورَةُ .
ثُمَّ قَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ .
قُلْتُ : بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَلَعَلَّهُ مِنْ أَوْهَامِ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَالْأَقْرَبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ السِّيَاقَاتِ أَنَّهَا مُتَلَقَّاةٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، مِمَّا يُوجَدُ فِي صُحُفِهِمْ ، كَرِوَايَاتِ
كَعْبٍ وَوَهْبٍ - سَامَحَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا نَقَلَاهُ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَخْبَارِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، مِنَ الْأَوَابِدِ وَالْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ ، مِمَّا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ ، وَمِمَّا حُرِّفَ وَبُدِّلَ وَنُسِخَ . وَقَدْ أَغْنَانَا اللَّهُ ، سُبْحَانَهُ ، عَنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَأَنْفَعُ وَأَوْضَحُ وَأَبْلَغُ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
أَصْلُ الصَّرْحِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : هُوَ الْقَصْرُ ، وَكُلُّ بِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ ، قَالَ اللَّهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، إِخْبَارًا عَنْ
فِرْعَوْنَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لِوَزِيرِهِ
هَامَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=36ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ) الْآيَةَ [ غَافِرٍ : 36 ، 37 ] . وَالصَّرْحُ : قَصْرٌ فِي الْيَمَنِ عَالِي الْبَنَّاءِ ، وَالْمُمَرَّدُ أَيِ : الْمَبْنِيُّ بَنَّاءً مُحْكَمًا أَمْلَسَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44مِنْ قَوَارِيرَ ) أَيْ : زُجَاجٍ . وَتَمْرِيدُ الْبِنَاءِ تَمْلِيسُهُ . وَمَارِدٌ : حِصْنٌ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ .
وَالْغَرَضُ أَنَّ
سُلَيْمَانَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، اتَّخَذَ قَصْرًا عَظِيمًا مَنِيفًا مِنْ زُجَاجٍ لِهَذِهِ الْمَلِكَةِ ; لِيُرِيَهَا عَظَمَةَ سُلْطَانِهِ وَتَمَكُّنِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا آتَاهُ اللَّهُ ، تَعَالَى ، وَجَلَالَةَ مَا هُوَ فِيهِ ، وَتَبَصَّرَتْ فِي أَمْرِهِ انْقَادَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ وَعَرَفَتْ أَنَّهُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ ، وَمَلِكٌ عَظِيمٌ ، فَأَسْلَمَتْ لِلَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ) أَيْ : بِمَا سَلَفَ مِنْ كُفْرِهَا وَشِرْكِهَا وَعِبَادَتِهَا وَقَوْمِهَا الشَّمْسَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=44وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أَيْ : مُتَابَعَةً لِدِينِ
سُلَيْمَانَ فِي عِبَادَتِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا .