قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم [ ص: 159 ] فيه ستة وعشرون مسألة :
الأولى : هذه الآية نزلت في القاذفين . قال
سعيد بن جبير : كان سببها ما قيل في
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - . وقيل : بل نزلت بسبب القذفة عاما لا في تلك النازلة . وقال
ابن المنذر : لم نجد في أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرا يدل على تصريح القذف ، وظاهر كتاب الله تعالى مستغنى به دالا على القذف الذي يوجب الحد ، وأهل العلم على ذلك مجمعون .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون يريد يسبون ، واستعير له اسم الرمي لأنه إذاية بالقول كما قال
النابغة :
وجرح اللسان كجرح اليد
وقال آخر :
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوي رماني
ويسمى قذفا ؛ ومنه الحديث : إن
ابن أمية قذف امرأته
بشريك بن السحماء ؛ أي رماها .
الثالثة : ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هن أهم ، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس . وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى ، وإجماع الأمة على ذلك . وهذا نحو نصه على
nindex.php?page=treesubj&link=33217تحريم لحم الخنزير ودخل شحمه وغضاريفه ، ونحو ذلك بالمعنى والإجماع . وحكى
الزهراوي أن المعنى : والأنفس المحصنات ؛ فهي بلفظها تعم الرجال والنساء ، ويدل على ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24والمحصنات من النساء . . وقال قوم : أراد بالمحصنات الفروج ؛ كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91والتي أحصنت فرجها فيدخل فيه فروج الرجال والنساء . وقيل : إنما ذكر المرأة الأجنبية إذا قذفت ليعطف عليها قذف الرجل زوجته ؛ والله أعلم . وقرأ الجمهور المحصنات بفتح الصاد ، وكسرها
يحيى بن وثاب . والمحصنات العفائف في هذا الموضع . وقد مضى في ( النساء ) ذكر الإحصان ومراتبه . والحمد لله .
الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=10486للقذف شروط عند العلماء تسعة : شرطان في القاذف ، وهما العقل والبلوغ ؛
[ ص: 160 ] لأنهما أصلا التكليف ، إذ التكليف ساقط دونهما . وشرطان في الشيء المقذوف به ، وهو أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد ، وهو الزنا واللواط ؛ أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي . وخمسة من المقذوف ، وهي العقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عن الفاحشة التي رمي بها كان عفيفا من غيرها أم لا . وإنما شرطنا في المقذوف العقل والبلوغ كما شرطناهما في القاذف ، وإن لم يكونا من معاني الإحصان لأجل أن الحد إنما وضع للزجر عن الإذاية بالمضرة الداخلة على المقذوف ، ولا مضرة على من عدم العقل والبلوغ ؛ إذ لا يوصف اللواط فيهما ولا منهما بأنه زنى .
الخامسة : اتفق العلماء على أنه إذا صرح بالزنا كان قذفا ورميا موجبا للحد ، فإن عرض ولم يصرح فقال
مالك : هو قذف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : لا يكون قذفا حتى يقول أردت به القذف . والدليل لما قاله
مالك هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=10482موضوع الحد في القذف إنما هو لإزالة المعرة التي أوقعها القاذف بالمقذوف ، فإذا حصلت المعرة بالتعرض وجب أن يكون قذفا كالتصريح والمعول على الفهم ؛ وقد قال تعالى مخبرا عن
شعيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إنك لأنت الحليم الرشيد أي السفيه الضال ؛ فعرضوا له بالسب بكلام ظاهره المدح في أحد التأويلات ، حسبما تقدم في ( هود ) . وقال تعالى في
أبي جهل :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذق إنك أنت العزيز الكريم . وقال حكاية عن
مريم :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ؛ فمدحوا أباها ونفوا عن أمها البغاء ، أي الزنا ، وعرضوا
لمريم بذلك ؛ ولذلك قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ، وكفرهم معروف ، والبهتان العظيم هو التعريض لها ؛ أي ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ، أي أنت بخلافهما ، وقد أتيت بهذا الولد . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ؛ فهذا اللفظ قد فهم منه أن المراد به أن الكفار على غير هدى ، وأن الله تعالى ورسوله على الهدى ؛ ففهم من هذا التعريض ما يفهم من صريحه . وقد حبس
عمر - رضي الله عنه -
الحطيئة لما قال :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون . ولما سمع قول
النجاشي :
قبيلته لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
[ ص: 161 ] قال : ليت الخطاب كذلك ؛ وإنما أراد الشاعر ضعف القبيلة ؛ ومثله كثير .
السادسة : الجمهور من العلماء على أنه لا حد على من
nindex.php?page=treesubj&link=10508قذف رجلا من أهل الكتاب أو امرأة منهم . وقال
الزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى : عليه الحد إذا كان لها ولد من مسلم . وفيه قول ثالث : وهو أنه إذا قذف النصرانية تحت المسلم جلد الحد . قال
ابن المنذر : وجل العلماء مجمعون وقائلون بالقول الأول ، ولم أدرك أحدا ولا لقيته يخالف في ذلك . وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=10508_10498قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة ؛ لا أعلم في ذلك خلافا .
السابعة : والجمهور من العلماء على أن
nindex.php?page=treesubj&link=10498_10487_10507_33511العبد إذا قذف حرا يجلد أربعين ؛ لأنه حد يتشطر بالرق كحد الزنا . وروي عن
ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، nindex.php?page=showalam&ids=16812وقبيصة بن ذؤيب يجلد ثمانين . وجلد
أبو بكر بن محمد عبدا قذف حرا ثمانين ؛ وبه قال
الأوزاعي . احتج الجمهور بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب . وقال الآخرون : فهمنا هناك أن حد الزنا لله تعالى ، وأنه ربما كان أخف فيمن قلت نعم الله عليه ، وأفحش فيمن عظمت نعم الله عليه . وأما حد القذف فحق للآدمي وجب للجناية على عرض المقذوف ، والجناية لا تختلف بالرق والحرية . وربما قالوا : لو كان يختلف لذكر كما ذكر من الزنا . قال
ابن المنذر : والذي عليه علماء الأمصار القول الأول ، وبه أقول .
الثامنة : وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما ، ولقوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500322من nindex.php?page=treesubj&link=33511_10507قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ومسلم . وفي بعض طرقه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864079من قذف عبده بزنا ، ثم لم يثبت أقيم عليه يوم القيامة الحد ثمانون ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . قال العلماء : وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك ، واستواء الشريف والوضيع ، والحر والعبد ، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى ؛ ولما كان ذلك تكافأ الناس في الحدود والحرمة ، واقتص من كل واحد لصاحبه إلا أن يعفو المظلوم عن الظالم . وإنما لم يتكافئوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين من مكافأتهم لهم ، فلا
[ ص: 162 ] تصح لهم حرمة ولا فضل في منزلة ، وتبطل فائدة التسخير ؛ حكمة من الحكيم العليم ، لا إله إلا هو .
التاسعة : قال
مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : من
nindex.php?page=treesubj&link=10507قذف من يحسبه عبدا فإذا هو حر فعليه الحد ؛ وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، واختاره
ابن المنذر . قال
مالك : ومن
nindex.php?page=treesubj&link=10507_33511قذف أم الولد حد ، وروى عن
ابن عمر وهو قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : لا حد عليه .
العاشرة : واختلف العلماء فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=10519قال لرجل : يا من وطئ بين الفخذين ؛ فقال
ابن القاسم : عليه الحد ؛ لأنه تعريض . وقال
أشهب : لا حد فيه ؛ لأنه نسبة إلى فعل لا يعد زنى إجماعا .
الحادية عشرة : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10492رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنا كان قذفا عند
مالك . وقال
أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : ليس بقذف ؛ لأنه ليس بزنا إذ لا حد عليها ، ويعزر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : والمسألة محتملة مشكلة ، لكن
مالك طلب حماية عرض المقذوف ، وغيره راعى حماية ظهر القاذف ؛ وحماية عرض المقذوف أولى ؛ لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد . قال
ابن المنذر : وقال
أحمد في الجارية بنت تسع : يجلد قاذفها ، وكذلك الصبي إذا بلغ عشرا ضرب قاذفه . قال
إسحاق : إذا قذف غلاما يطأ مثله فعليه الحد ، والجارية إذا جاوزت تسعا مثل ذلك . قال
ابن المنذر : لا يحد من قذف من لم يبلغ ؛ لأن ذلك كذب ، ويعزر على الأذى . قال
أبو عبيد : في حديث
علي - رضي الله عنه - أن امرأة جاءته فذكرت أن زوجها يأتي جاريتها فقال : إن كنت صادقة رجمناه وإن كنت كاذبة جلدناك . فقالت : ردوني إلى أهلي غيرى نغرة . قال
أبو عبيد : في هذا الحديث من الفقه أن على
nindex.php?page=treesubj&link=26264الرجل إذا واقع جارية امرأته الحد .
وفيه أيضا إذا قذفه بذلك قاذف كان على قاذفه الحد ؛ ألا تسمع قوله : وإن كنت كاذبة جلدناك . ووجه هذا كله إذا لم يكن الفاعل جاهلا بما يأتي وبما يقول ، فإن كان جاهلا وادعى شبهة درئ عنه الحد في ذلك كله .
وفيه أيضا أن رجلا لو
nindex.php?page=treesubj&link=26481قذف رجلا بحضرة حاكم وليس المقذوف بحاضر أنه لا شيء على القاذف حتى يجيء فيطلب حده ؛ لأنه لا يدري لعله يصدقه ؛ ألا ترى أن
عليا - عليه السلام - لم يعرض لها .
[ ص: 163 ] وفيه أن
nindex.php?page=treesubj&link=26481الحاكم إذا قذف عنده رجل ثم جاء المقذوف فطلب حقه أخذه الحاكم بالحد بسماعه ؛ ألا تراه يقول : وإن كنت كاذبة جلدناك ؛ وهذا لأنه من حقوق الناس .
قلت : اختلف هل هو من حقوق الله أو من حقوق الآدميين ؛ وسيأتي . قال
أبو عبيد : قال
الأصمعي سألني
شعبة عن قول : غيرى نغرة ؛ فقلت له : هو مأخوذ من نغر القدر ، وهو غليانها وفورها ؛ يقال منه : نغرت تنغر ، ونغرت تنغر إذا غلت . فمعناه أنها أرادت أن جوفها يغلي من الغيظ والغيرة لما لم تجد عنده ما تريد . قال : ويقال منه رأيت فلانا يتنغر على فلان ؛ أي يغلي جوفه عليه غيظا .
الثانية عشرة : من
nindex.php?page=treesubj&link=10032_10033قذف زوجة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حد حدين ؛ قاله
مسروق . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : والصحيح أنه حد واحد ؛ لعموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات الآية ، ولا يقتضي شرفهن زيادة في حد من قذفهن ؛ لأن شرف المنزلة لا يؤثر في الحدود ، ولا نقصها يؤثر في الحد بتنقيص . والله أعلم . وسيأتي الكلام فيمن قذف
عائشة - رضي الله عنها - ، هل يقتل أم لا .
الثالثة عشرة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ثم لم يأتوا بأربعة شهداء الذي يفتقر إلى أربعة شهداء دون سائر الحقوق هو الزنا ؛ رحمة بعباده وسترا لهم . وقد تقدم في سورة النساء .
الرابعة عشرة : من
nindex.php?page=treesubj&link=10300شرط أداء الشهود الشهادة عند
مالك رحمه الله أن يكون ذلك في مجلس واحد ؛ فإن افترقت لم تكن شهادة . وقال
عبد الملك : تقبل شهادتهم مجتمعين ومفترقين . فرأى
مالك أن اجتماعهم تعبد ؛ وبه قال
ابن الحسن . ورأى
عبد الملك أن المقصود أداء الشهادة واجتماعها ، وقد حصل ؛ وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، واختاره
ابن المنذر لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ثم لم يأتوا بأربعة شهداء وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فإذ لم يأتوا بالشهداء ولم يذكر مفترقين ولا مجتمعين .
الخامسة عشرة : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=10287تمت الشهادة إلا أنهم لم يعدلوا ؛ فكان
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي يريان أن لا حد على الشهود ولا على المشهود ؛ وبه قال
أحمد ، والنعمان ، ومحمد بن الحسن . وقال
مالك : إذا شهد عليه أربعة بالزنا فإن كان أحدهم مسقوطا عليه أو عبدا يجلدون جميعا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، وأحمد ، وإسحاق في أربعة عميان يشهدون على امرأة بالزنا : يضربون .
السادسة عشرة : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=10429_16008رجع أحد الشهود وقد رجم المشهود عليه في الزنا ؛ فقالت طائفة : يغرم ربع الدية ولا شيء على الآخرين . وكذلك قال
قتادة ، وحماد ، وعكرمة ، وأبو هاشم ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، وأحمد ، وأصحاب الرأي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن قال عمدت ليقتل ؛ فالأولياء بالخيار إن
[ ص: 164 ] شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا وأخذوا ربع الدية ، وعليه الحد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : يقتل ، وعلى الآخرين ثلاثة أرباع الدية . وقال
ابن سيرين : إذا قال أخطأت وأردت غيره فعليه الدية كاملة ، وإن قال تعمدت قتل ؛ وبه قال
ابن شبرمة .
السابعة عشرة : واختلف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=10482حد القذف هل هو من حقوق الله أو من حقوق الآدميين أو فيه شائبة منهما ؛ الأول - قول
أبي حنيفة . والثاني : قول
مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . والثالث : قاله بعض المتأخرين . وفائدة الخلاف أنه إن كان حقا لله تعالى وبلغ الإمام أقامه ، وإن لم يطلب ذلك المقذوف ، ونفعت القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى ، ويتشطر فيه الحد بالرق كالزنا . وإن كان حقا للآدمي فلا يقيمه الإمام إلا بمطالبة المقذوف ، ويسقط بعفوه ، ولم تنفع القاذف التوبة حتى يحلله المقذوف .
الثامنة عشرة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4بأربعة شهداء قراءة الجمهور على إضافة الأربعة إلى الشهداء . وقرأ
عبد الله بن مسلم بن يسار ، nindex.php?page=showalam&ids=12007وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ( بأربعة ) ( بالتنوين ) ( شهداء ) . وفيه أربعة أوجه : يكون في موضع جر على النعت لأربعة ، أو بدلا . ويجوز أن يكون حالا من نكرة أو تمييزا ؛ وفي الحال والتمييز نظر ؛ إذ الحال من نكرة ، والتمييز مجموع .
nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه يرى أنه تنوين العدد ، وترك إضافته إنما يجوز في الشعر . وقد حسن
أبو الفتح عثمان بن جني هذه القراءة وحبب على قراءة الجمهور . قال
النحاس : ويجوز أن يكون ( شهداء ) في موضع نصب بمعنى ثم لم يحضروا أربعة شهداء .
التاسعة عشرة : حكم شهادة الأربعة أن تكون على معاينة يرون ذلك كالمرود في المكحلة ؛ على ما تقدم في ( النساء ) في نص الحديث . وأن تكون في موطن واحد ؛ على قول
مالك . وإن اضطرب واحد منهم جلد الثلاثة ؛ كما فعل
عمر في أمر
المغيرة بن شعبة ؛ وذلك أنه شهد عليه بالزنا
nindex.php?page=showalam&ids=130أبو بكرة نفيع بن الحارث ، وأخوه
نافع ؛ وقال
الزهراوي :
عبد الله بن الحارث ، وزياد أخوهما لأم وهو مستلحق
معاوية ، وشبل بن معبد البجلي ، فلما جاءوا لأداء الشهادة وتوقف
زياد ولم يؤدها ، جلد
عمر الثلاثة المذكورين .
الموفية عشرين : قوله تعالى : ( فاجلدوهم ) الجلد الضرب . والمجالدة المضاربة في الجلود أو بالجلود ؛ ثم استعير الجلد لغير ذلك من سيف أو غيره . ومنه قول
قيس بن الخطيم :
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا كأن يدي بالسيف محراق لاعب
[ ص: 165 ] ( ثمانين ) نصب على المصدر . ( جلدة ) تمييز .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون هذا يقتضي مدة أعمارهم ، ثم حكم عليهم بأنهم فاسقون ؛ أي خارجون عن طاعة الله - عز وجل - .
الحادية والعشرون : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا في موضع نصب على الاستثناء . ويجوز أن يكون في موضع خفض على البدل . المعنى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا وأصلحوا من بعد القذف
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5فإن الله غفور رحيم . فتضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف : جلده ، ورد شهادته أبدا ، وفسقه . فالاستثناء غير عامل في جلده بإجماع ؛ إلا ما روى
الشعبي على ما يأتي . وعامل في فسقه بإجماع . واختلف الناس في عمله في رد الشهادة ؛ فقال
شريح القاضي ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : لا يعمل الاستثناء في رد شهادته ، وإنما يزول فسقه عند الله تعالى . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=33512شهادة القاذف فلا تقبل البتة ولو تاب وأكذب نفسه ولا بحال من الأحوال . وقال الجمهور : الاستثناء عامل في رد الشهادة ، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ؛ وإنما كان ردها لعلة الفسق فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا قبل الحد وبعده ، وهو قول عامة الفقهاء . ثم اختلفوا في صورة توبته ؛ فمذهب
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، وغيره ، أن توبته لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حد فيه . وهكذا فعل
عمر ؛ فإنه قال للذين شهدوا على
المغيرة : من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل ، ومن لم يفعل لم أجز شهادته ؛ فأكذب
الشبل بن معبد ، ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا ، وأبى
أبو بكرة أن يفعل ؛ فكان لا يقبل شهادته . وحكى هذا القول
النحاس عن
أهل المدينة . وقالت فرقة - منها
مالك رحمه الله تعالى وغيره - : توبته أن يصلح ويحسن حاله وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب ؛ وحسبه الندم على قذفه ، والاستغفار منه ، وترك العود إلى مثله ؛ وهو قول
ابن جرير . ويروى عن
الشعبي أنه قال : الاستثناء من الأحكام الثلاثة ، إذا تاب وظهرت توبته لم يحد ، وقبلت شهادته ، وزال عنه التفسيق ؛ لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء ؛ وقد قال الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وإني لغفار لمن تاب الآية .
الثانية والعشرون : اختلف علماؤنا رحمهم الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=33512متى تسقط شهادة القاذف ؛ فقال
ابن الماجشون : بنفس قذفه . وقال
ابن القاسم ، وأشهب ، nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون : لا تسقط حتى يجلد ، فإن منع من جلده مانع عفو أو غيره لم ترد شهادته . وقال
الشيخ أبو الحسن اللخمي : شهادته في مدة الأجل موقوفة ؛ ورجح القول بأن التوبة إنما تكون بالتكذيب في القذف ، وإلا فأي رجوع لعدل إن قذف وحد وبقي على عدالته .
[ ص: 166 ] الثالثة والعشرون : واختلفوا أيضا على القول بجواز
nindex.php?page=treesubj&link=33512شهادته بعد التوبة في أي شيء تجوز ؛ فقال
مالك رحمه الله تعالى : تجوز في كل شيء مطلقا ؛ وكذلك كل من حد في شيء من الأشياء ؛ رواه
نافع ، nindex.php?page=showalam&ids=16991وابن عبد الحكم ، عن
مالك ، وهو قول
ابن كنانة . وذكر
الوقار ، عن
مالك أنه لا تقبل شهادته فيما حد فيه خاصة ، وتقبل فيما سوى ذلك ؛ وهو قول
مطرف ، nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون . وروى
العتبي ، عن
أصبغ ، nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون مثله . قال
سحنون : من حد في شيء من الأشياء فلا تجوز شهادته في مثل ما حد فيه . وقال
مطرف ، nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون : من حد في قذف أو زنا فلا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا ، ولا في قذف ولا لعان ، وإن كان عدلا ؛ وروياه عن
مالك . واتفقوا على ولد الزنا أن شهادته لا تجوز في الزنا .
الرابعة والعشرون : الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفة عاد إلى جميعها عند
مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابهما . وعند
أبي حنيفة وجل أصحابه يرجع الاستثناء إلى أقرب مذكور ، وهو الفسق ؛ ولهذا لا تقبل شهادته ، فإن الاستثناء راجع إلى الفسق خاصة لا إلى قبول الشهادة .
وسبب الخلاف في هذا الأصل سببان : أحدهما : هل هذه الجمل في حكم الجملة الواحدة للعطف الذي فيها ، أو لكل جملة حكم نفسها في الاستقلال ، وحرف العطف محسن لا مشرك ، وهو الصحيح في عطف الجمل ؛ لجواز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض ، على ما يعرف من النحو .
السبب الثاني : يشبه الاستثناء بالشرط في عوده إلى الجمل المتقدمة ، فإنه يعود إلى جميعها عند الفقهاء ، أو لا يشبه به ، لأنه من باب القياس في اللغة وهو فاسد على ما يعرف في أصول الفقه . والأصل أن كل ذلك محتمل ولا ترجيح ، فتعين ما قاله
القاضي من الوقف . ويتأيد الإشكال بأنه قد جاء في كتاب الله - عز وجل - كلا الأمرين ؛ فإن آية المحاربة فيها عود الضمير إلى الجميع باتفاق ، وآية قتل المؤمن خطأ فيها رد الاستثناء إلى الأخيرة باتفاق ، وآية القذف محتملة للوجهين ، فتعين الوقف من غير مين . قال علماؤنا : وهذا نظر كلي أصولي . ويترجح قول
مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهما الله من جهة نظر الفقه الجزئي بأن يقال : الاستثناء راجع إلى الفسق والنهي عن قبول الشهادة جميعا إلا أن يفرق بين ذلك بخبر يجب التسليم له . وأجمعت الأمة على أن التوبة تمحو الكفر ، فيجب أن يكون ما دون ذلك أولى ؛ والله أعلم . قال
أبو عبيد : الاستثناء يرجع إلى الجمل السابقة ؛ قال : وليس من نسب إلى الزنا بأعظم جرما من مرتكب الزنا ، ثم الزاني إذا تاب قبلت شهادته ؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب
[ ص: 167 ] له ، وإذا قبل الله التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى ؛ مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن ؛ منها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا . ولا شك أن هذا الاستثناء إلى الجميع ؛ وقال
الزجاج : وليس القاذف بأشد جرما من الكافر ، فحقه إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته . قال : وقوله : ( أبدا ) أي ما دام قاذفا ؛ كما يقال : لا تقبل شهادة الكافر أبدا ؛ فإن معناه ما دام كافرا . وقال
الشعبي للمخالف في هذه المسألة : يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته ! ثم إن كان الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة عند أقوام من الأصوليين فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون تعليل لا جملة مستقلة بنفسها ؛ أي لا تقبلوا شهادتهم لفسقهم ، فإذا زال الفسق فلم لا تقبل شهادتهم . ثم توبة القاذف إكذابه نفسه ، كما قال
عمر لقذفة
المغيرة بحضرة الصحابة من غير نكير ، مع إشاعة القضية وشهرتها من
البصرة إلى
الحجاز وغير ذلك من الأقطار . ولو كان تأويل الآية ما تأوله
الكوفيون لم يجز أن يذهب علم ذلك عن الصحابة ، ولقالوا
لعمر : لا يجوز قبول توبة القاذف أبدا ، ولم يسعهم السكوت عن القضاء بتحريف تأويل الكتاب ؛ فسقط قولهم ، والله المستعان .
الخامسة والعشرون : قال
القشيري : ولا خلاف أنه إذا لم يجلد القاذف بأن مات المقذوف قبل أن يطالب القاذف بالحد ، أو لم يرفع إلى السلطان ، أو عفا المقذوف ، فالشهادة مقبولة ؛ لأن عند الخصم في المسألة النهي عن قبول الشهادة معطوف على الجلد ؛ قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا . وعند هذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هو قبل أن يحد شر منه حين حد ؛ لأن الحدود كفارات فكيف ترد شهادته في أحسن حاليه دون أخسهما .
قلت : هكذا قال ولا خلاف . وقد تقدم عن
ابن الماجشون أنه بنفس القذف ترد شهادته . وهو قول
الليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : ترد شهادته وإن لم يحد ؛ لأنه بالقذف يفسق ، لأنه من الكبائر فلا تقبل شهادته حتى تصح براءته بإقرار المقذوف له بالزنا أو بقيام البينة عليه .
السادسة والعشرون : ( وأصلحوا ) يريد إظهار التوبة . وقيل : وأصلحوا العمل .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5فإن الله غفور رحيم حيث تابوا وقبل توبتهم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ ص: 159 ] فِيهِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً :
الْأُولَى : هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْقَاذِفِينَ . قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : كَانَ سَبَبُهَا مَا قِيلَ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - . وَقِيلَ : بَلْ نَزَلَتْ بِسَبَبِ الْقَذَفَةِ عَامًّا لَا فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ . وَقَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَمْ نَجِدْ فِي أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى تَصْرِيحِ الْقَذْفِ ، وَظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَغْنًى بِهِ دَالًّا عَلَى الْقَذْفِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ مُجْمِعُونَ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ يُرِيدُ يَسُبُّونَ ، وَاسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُ الرَّمْيِ لِأَنَّهُ إِذَايَةٌ بِالْقَوْلِ كَمَا قَالَ
النَّابِغَةُ :
وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ الْيَدِ
وَقَالَ آخَرُ :
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي بَرِيئًا وَمِنْ أَجْلِ الطَّوِيِّ رَمَانِي
وَيُسَمَّى قَذْفًا ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : إِنَّ
ابْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ
بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ ؛ أَيْ رَمَاهَا .
الثَّالِثَةُ : ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ النِّسَاءَ مِنْ حَيْثُ هُنَّ أَهَمُّ ، وَرَمْيُهُنَّ بِالْفَاحِشَةِ أَشْنَعُ وَأَنْكَى لِلنُّفُوسِ . وَقَذْفُ الرِّجَالِ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ بِالْمَعْنَى ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ . وَهَذَا نَحْوُ نَصِّهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33217تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَخَلَ شَحْمُهُ وَغَضَارِيفُهُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى وَالْإِجْمَاعِ . وَحَكَى
الزَّهْرَاوِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى : وَالْأَنْفُسُ الْمُحْصَنَاتُ ؛ فَهِيَ بِلَفْظِهَا تَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ . . وَقَالَ قَوْمٌ : أَرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ الْفُرُوجَ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ فُرُوجُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . وَقِيلَ : إِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ إِذَا قُذِفَتْ لِيَعْطِفَ عَلَيْهَا قَذْفَ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْمُحْصَنَاتِ بِفَتْحِ الصَّادِ ، وَكَسَرَهَا
يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ . وَالْمُحْصَنَاتُ الْعَفَائِفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَقَدْ مَضَى فِي ( النِّسَاءِ ) ذِكْرُ الْإِحْصَانِ وَمَرَاتِبِهِ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10486لِلْقَذْفِ شُرُوطٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ تِسْعَةٌ : شَرْطَانِ فِي الْقَاذِفِ ، وَهُمَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ ؛
[ ص: 160 ] لِأَنَّهُمَا أَصْلَا التَّكْلِيفِ ، إِذِ التَّكْلِيفُ سَاقِطٌ دُونَهُمَا . وَشَرْطَانِ فِي الشَّيْءِ الْمَقْذُوفِ بِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَقْذِفَ بِوَطْءٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْحَدُّ ، وَهُوَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ ؛ أَوْ بِنَفْيِهِ مِنْ أَبِيهِ دُونَ سَائِرِ الْمَعَاصِي . وَخَمْسَةٌ مِنَ الْمَقْذُوفِ ، وَهِيَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِفَّةُ عَنِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي رُمِيَ بِهَا كَانَ عَفِيفًا مِنْ غَيْرِهَا أَمْ لَا . وَإِنَّمَا شَرَطْنَا فِي الْمَقْذُوفِ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ كَمَا شَرَطْنَاهُمَا فِي الْقَاذِفِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مَعَانِي الْإِحْصَانِ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا وُضِعَ لِلزَّجْرِ عَنِ الْإِذَايَةِ بِالْمَضَرَّةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى مَنْ عَدِمَ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ ؛ إِذْ لَا يُوصَفُ اللِّوَاطُ فِيهِمَا وَلَا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ زِنًى .
الْخَامِسَةُ : اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَرَّحَ بِالزِّنَا كَانَ قَذْفًا وَرَمْيًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ ، فَإِنْ عَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّحْ فَقَالَ
مَالِكٌ : هُوَ قَذْفٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَكُونُ قَذْفًا حَتَّى يَقُولَ أَرَدْتُ بِهِ الْقَذْفَ . وَالدَّلِيلُ لِمَا قَالَهُ
مَالِكٌ هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10482مَوْضُوعَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ إِنَّمَا هُوَ لِإِزَالَةِ الْمَعَرَّةِ الَّتِي أَوْقَعَهَا الْقَاذِفُ بِالْمَقْذُوفِ ، فَإِذَا حَصَلَتِ الْمَعَرَّةُ بِالتَّعَرُّضِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا كَالتَّصْرِيحِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَى الْفَهْمِ ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ
شُعَيْبٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ أَيِ السَّفِيهُ الضَّالُّ ؛ فَعَرَّضُوا لَهُ بِالسَّبِّ بِكَلَامٍ ظَاهِرُهُ الْمَدْحُ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي ( هُودٍ ) . وَقَالَ تَعَالَى فِي
أَبِي جَهْلٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ . وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ
مَرْيَمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ؛ فَمَدَحُوا أَبَاهَا وَنَفَوْا عَنْ أُمِّهَا الْبِغَاءَ ، أَيِ الزِّنَا ، وَعَرَّضُوا
لِمَرْيَمَ بِذَلِكَ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ، وَكُفْرُهُمْ مَعْرُوفٌ ، وَالْبُهْتَانُ الْعَظِيمُ هُوَ التَّعْرِيضُ لَهَا ؛ أَيْ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ، أَيْ أَنْتَ بِخِلَافِهِمَا ، وَقَدْ أَتَيْتِ بِهَذَا الْوَلَدِ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ؛ فَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الْكُفَّارَ عَلَى غَيْرِ هُدًى ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ عَلَى الْهُدَى ؛ فَفُهِمَ مِنْ هَذَا التَّعْرِيضِ مَا يُفْهَمُ مِنْ صَرِيحِهِ . وَقَدْ حَبَسَ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
الْحُطَيْئَةَ لَمَّا قَالَ :
دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلُ لِبُغْيَتِهَا وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي
لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالنِّسَاءِ فِي أَنَّهُنَّ يُطْعَمْنَ وَيُسْقَيْنَ وَيُكْسَوْنَ . وَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَ
النَّجَاشِيِّ :
قَبِيلَتُهُ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
[ ص: 161 ] قَالَ : لَيْتَ الْخِطَابَ كَذَلِكَ ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّاعِرُ ضَعْفَ الْقَبِيلَةِ ؛ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ .
السَّادِسَةُ : الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10508قَذَفَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوِ امْرَأَةً مِنْهُمْ . وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ مُسْلِمٍ . وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا قَذَفَ النَّصْرَانِيَّةَ تَحْتَ الْمُسْلِمِ جُلِدَ الْحَدَّ . قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَجُلُّ الْعُلَمَاءِ مُجْمِعُونَ وَقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَلَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا وَلَا لَقِيتُهُ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ . وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10508_10498قَذَفَ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَ الْحُرَّ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً ؛ لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا .
السَّابِعَةُ : وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10498_10487_10507_33511الْعَبْدَ إِذَا قَذَفَ حُرًّا يُجْلَدُ أَرْبَعِينَ ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَشَطَّرُ بِالرِّقِّ كَحَدِّ الزِّنَا . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، nindex.php?page=showalam&ids=16812وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ . وَجَلَدَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَبْدًا قَذَفَ حُرًّا ثَمَانِينَ ؛ وَبِهِ قَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ . احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ . وَقَالَ الْآخَرُونَ : فَهِمْنَا هُنَاكَ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ أَخَفَّ فِيمَنْ قَلَّتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَفْحَشَ فِيمَنْ عَظُمَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ . وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ وَجَبَ لِلْجِنَايَةِ عَلَى عِرْضِ الْمَقْذُوفِ ، وَالْجِنَايَةُ لَا تَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ . وَرُبَّمَا قَالُوا : لَوْ كَانَ يَخْتَلِفُ لَذُكِرَ كَمَا ذُكِرَ مِنَ الزِّنَا . قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَالَّذِي عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، وَبِهِ أَقُولُ .
الثَّامِنَةُ : وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُجْلَدُ لِلْعَبْدِ إِذَا افْتَرَى عَلَيْهِ لِتَبَايُنِ مَرْتَبَتِهِمَا ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500322مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=33511_10507قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ . وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864079مَنْ قَذَفَ عَبْدَهُ بِزِنًا ، ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ أُقِيمَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لِارْتِفَاعِ الْمِلْكِ ، وَاسْتِوَاءِ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى ؛ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ تَكَافَأَ النَّاسُ فِي الْحُدُودِ وَالْحُرْمَةِ ، وَاقْتُصَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْمَظْلُومُ عَنِ الظَّالِمِ . وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَافَئُوا فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا تَدْخُلَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمَالِكِينَ مِنْ مُكَافَأَتِهِمْ لَهُمْ ، فَلَا
[ ص: 162 ] تَصِحُّ لَهُمْ حُرْمَةٌ وَلَا فَضْلٌ فِي مَنْزِلَةٍ ، وَتَبْطُلُ فَائِدَةُ التَّسْخِيرِ ؛ حِكْمَةٌ مِنَ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .
التَّاسِعَةُ : قَالَ
مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10507قَذَفَ مَنْ يَحْسَبُهُ عَبْدًا فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ . قَالَ
مَالِكٌ : وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10507_33511قَذَفَ أُمَّ الْوَلَدِ حُدَّ ، وَرَوَى عَنِ
ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : لَا حَدَّ عَلَيْهِ .
الْعَاشِرَةُ : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10519قَالَ لِرَجُلٍ : يَا مَنْ وَطِئَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ ؛ فَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : عَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ . وَقَالَ
أَشْهَبُ : لَا حَدَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ إِلَى فِعْلٍ لَا يُعَدُّ زِنًى إِجْمَاعًا .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10492رَمَى صَبِيَّةً يُمْكِنُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالزِّنَا كَانَ قَذْفًا عِنْدَ
مَالِكٍ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ : لَيْسَ بِقَذْفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا إِذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا ، وَيُعَزَّرُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ مُشْكِلَةٌ ، لَكِنْ
مَالِكٌ طَلَبَ حِمَايَةَ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ ، وَغَيْرُهُ رَاعَى حِمَايَةَ ظَهْرِ الْقَاذِفِ ؛ وَحِمَايَةُ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْقَاذِفَ كَشَفَ سِتْرَهُ بِطَرَفِ لِسَانِهِ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ . قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَقَالَ
أَحْمَدُ فِي الْجَارِيَةِ بِنْتِ تِسْعٍ : يُجْلَدُ قَاذِفُهَا ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ عَشْرًا ضُرِبَ قَاذِفُهُ . قَالَ
إِسْحَاقُ : إِذَا قَذَفَ غُلَامًا يَطَأُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَالْجَارِيَةُ إِذَا جَاوَزَتْ تِسْعًا مِثْلُ ذَلِكَ . قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ ، وَيُعَزَّرُ عَلَى الْأَذَى . قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : فِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يَأْتِي جَارِيَتَهَا فَقَالَ : إِنْ كُنْتِ صَادِقَةً رَجَمْنَاهُ وَإِنْ كُنْتِ كَاذِبَةً جَلَدْنَاكِ . فَقَالَتْ : رُدُّونِي إِلَى أَهْلِي غَيْرَى نَغِرَةً . قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=26264الرَّجُلِ إِذَا وَاقَعَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ الْحَدَّ .
وَفِيهِ أَيْضًا إِذَا قَذَفَهُ بِذَلِكَ قَاذِفٌ كَانَ عَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ ؛ أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ : وَإِنْ كُنْتِ كَاذِبَةً جَلَدْنَاكِ . وَوَجْهُ هَذَا كُلِّهِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفَاعِلُ جَاهِلًا بِمَا يَأْتِي وَبِمَا يَقُولُ ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَادَّعَى شُبْهَةً دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=26481قَذَفَ رَجُلًا بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ وَلَيْسَ الْمَقْذُوفُ بِحَاضِرٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاذِفِ حَتَّى يَجِيءَ فَيَطْلُبَ حَدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يُصَدِّقُهُ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ
عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْرِضْ لَهَا .
[ ص: 163 ] وَفِيهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26481الْحَاكِمَ إِذَا قُذِفَ عِنْدَهُ رَجُلٌ ثُمَّ جَاءَ الْمَقْذُوفُ فَطَلَبَ حَقَّهُ أَخَذَهُ الْحَاكِمُ بِالْحَدِّ بِسَمَاعِهِ ؛ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : وَإِنْ كُنْتِ كَاذِبَةً جَلَدْنَاكِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ .
قُلْتُ : اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ؛ وَسَيَأْتِي . قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : قَالَ
الْأَصْمَعِيُّ سَأَلَنِي
شُعْبَةُ عَنْ قَوْلِ : غَيْرَى نَغِرَةً ؛ فَقُلْتُ لَهُ : هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَغَرِ الْقِدْرِ ، وَهُوَ غَلَيَانُهَا وَفَوْرُهَا ؛ يُقَالُ مِنْهُ : نَغِرَتْ تَنْغَرُ ، وَنَغَرَتْ تَنْغِرُ إِذَا غَلَتْ . فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّ جَوْفَهَا يَغْلِي مِنَ الْغَيْظِ وَالْغَيْرَةِ لَمَّا لَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ مَا تُرِيدُ . قَالَ : وَيُقَالُ مِنْهُ رَأَيْتُ فُلَانًا يَتَنَغَّرُ عَلَى فُلَانٍ ؛ أَيْ يَغْلِي جَوْفُهُ عَلَيْهِ غَيْظًا .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10032_10033قَذَفَ زَوْجَةً مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُدَّ حَدَّيْنِ ؛ قَالَهُ
مَسْرُوقٌ . قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْآيَةَ ، وَلَا يَقْتَضِي شَرَفُهُنَّ زِيَادَةً فِي حَدِّ مَنْ قَذَفَهُنَّ ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْمَنْزِلَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُدُودِ ، وَلَا نَقْصُهَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَدِّ بِتَنْقِيصٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَنْ قَذَفَ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ، هَلْ يُقْتَلُ أَمْ لَا .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ الَّذِي يَفْتَقِرُ إِلَى أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ دُونَ سَائِرِ الْحُقُوقِ هُوَ الزِّنَا ؛ رَحْمَةً بِعِبَادِهِ وَسَتْرًا لَهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ .
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10300شَرْطِ أَدَاءِ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ عِنْدَ
مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؛ فَإِنِ افْتَرَقَتْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً . وَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ : تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مُجْتَمِعِينَ وَمُفْتَرِقِينَ . فَرَأَى
مَالِكٌ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ تَعَبُّدٌ ؛ وَبِهِ قَالَ
ابْنُ الْحَسَنِ . وَرَأَى
عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَاجْتِمَاعُهَا ، وَقَدْ حَصَلَ ؛ وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16542عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُفْتَرِقِينَ وَلَا مُجْتَمِعِينَ .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10287تَمَّتِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْدِلُوا ؛ فَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ يَرَيَانِ أَنْ لَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ ؛ وَبِهِ قَالَ
أَحْمَدُ ، وَالنُّعْمَانُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ . وَقَالَ
مَالِكٌ : إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ مَسْقُوطًا عَلَيْهِ أَوْ عَبْدًا يُجْلَدُونَ جَمِيعًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ فِي أَرْبَعَةِ عُمْيَانٍ يَشْهَدُونَ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا : يُضْرَبُونَ .
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10429_16008رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ وَقَدْ رُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الزِّنَا ؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَغْرَمُ رُبْعَ الدِّيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآخَرِينَ . وَكَذَلِكَ قَالَ
قَتَادَةُ ، وَحَمَّادٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَأَبُو هَاشِمٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٌ ، وَأَحْمَدُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : إِنْ قَالَ عَمَدْتُ لِيُقْتَلَ ؛ فَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إِنْ
[ ص: 164 ] شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَخَذُوا رُبْعَ الدِّيَةِ ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يُقْتَلُ ، وَعَلَى الْآخَرِينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ . وَقَالَ
ابْنُ سِيرِينَ : إِذَا قَالَ أَخْطَأْتُ وَأَرَدْتُ غَيْرَهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ قُتِلَ ؛ وَبِهِ قَالَ
ابْنُ شُبْرُمَةَ .
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10482حَدِّ الْقَذْفِ هَلْ هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْهُمَا ؛ الْأَوَّلُ - قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ . وَالثَّانِي : قَوْلُ
مَالِكٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ . وَالثَّالِثُ : قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ . وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَبَلَغَ الْإِمَامَ أَقَامَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ ذَلِكَ الْمَقْذُوفُ ، وَنَفَعَتِ الْقَاذِفَ التَّوْبَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَتَشَطَّرُ فِيهِ الْحَدُّ بِالرِّقِّ كَالزِّنَا . وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلْآدَمِيِّ فَلَا يُقِيمُهُ الْإِمَامُ إِلَّا بِمُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ ، وَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ ، وَلَمْ تَنْفَعِ الْقَاذِفَ التَّوْبَةُ حَتَّى يُحَلِّلَهُ الْمَقْذُوفُ .
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ عَلَى إِضَافَةِ الْأَرْبَعَةِ إِلَى الشُّهَدَاءِ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=12007وَأَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ( بِأَرْبَعَةٍ ) ( بِالتَّنْوِينِ ) ( شُهَدَاءَ ) . وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : يَكُونُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى النَّعْتِ لِأَرْبَعَةٍ ، أَوْ بَدَلًا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ نَكِرَةٍ أَوْ تَمْيِيزًا ؛ وَفِي الْحَالِ وَالتَّمْيِيزِ نَظَرٌ ؛ إِذِ الْحَالُ مِنْ نَكِرَةٍ ، وَالتَّمْيِيزُ مَجْمُوعٌ .
nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ يَرَى أَنَّهُ تَنْوِينُ الْعَدَدِ ، وَتَرْكُ إِضَافَتِهِ إِنَّمَا يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ . وَقَدْ حَسَّنَ
أَبُو الْفَتْحِ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّي هَذِهِ الْقِرَاءَةَ وَحَبَّبَ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( شُهَدَاءَ ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى ثُمَّ لَمْ يُحْضِرُوا أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ .
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : حُكْمُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُعَايَنَةٍ يَرَوْنَ ذَلِكَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ؛ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي ( النِّسَاءِ ) فِي نَصِّ الْحَدِيثِ . وَأَنْ تَكُونَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ ؛ عَلَى قَوْلِ
مَالِكٍ . وَإِنِ اضْطَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جُلِدَ الثَّلَاثَةُ ؛ كَمَا فَعَلَ
عُمَرُ فِي أَمْرِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا
nindex.php?page=showalam&ids=130أَبُو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَأَخُوهُ
نَافِعٌ ؛ وَقَالَ
الزَّهْرَاوِيُّ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، وَزِيَادٌ أَخُوهُمَا لِأُمٍّ وَهُوَ مُسْتَلْحَقُ
مُعَاوِيَةَ ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِيُّ ، فَلَمَّا جَاءُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَوَقَّفَ
زِيَادٌ وَلَمْ يُؤَدِّهَا ، جَلَدَ
عُمَرُ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ .
الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَاجْلِدُوهُمْ ) الْجَلْدُ الضَّرْبُ . وَالْمُجَالَدَةُ الْمُضَارَبَةُ فِي الْجُلُودِ أَوْ بِالْجُلُودِ ؛ ثُمَّ اسْتُعِيرَ الْجَلْدُ لَغِيَرِ ذَلِكَ مِنْ سَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ . وَمِنْهُ قَوْلُ
قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ :
أُجَالِدُهُمْ يَوْمَ الْحَدِيقَةِ حَاسِرًا كَأَنَّ يَدِي بِالسَّيْفِ مِحْرَاقُ لَاعِبِ
[ ص: 165 ] ( ثَمَانِينَ ) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ . ( جَلْدَةً ) تَمْيِيزٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ هَذَا يَقْتَضِي مُدَّةَ أَعْمَارِهِمْ ، ثُمَّ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ فَاسِقُونَ ؛ أَيْ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - .
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى الْبَدَلِ . الْمَعْنَى وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا مِنْ بَعْدِ الْقَذْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . فَتَضَمَّنَتِ الْآيَةُ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ فِي الْقَاذِفِ : جَلْدُهُ ، وَرَدُّ شَهَادَتِهِ أَبَدًا ، وَفِسْقُهُ . فَالِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ عَامِلٍ فِي جَلْدِهِ بِإِجْمَاعٍ ؛ إِلَّا مَا رَوَى
الشَّعْبِيُّ عَلَى مَا يَأْتِي . وَعَامِلٌ فِي فِسْقِهِ بِإِجْمَاعٍ . وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عَمَلِهِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ ؛ فَقَالَ
شُرَيْحٌ الْقَاضِي ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَزُولُ فِسْقُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=33512شَهَادَةُ الْقَاذِفِ فَلَا تُقْبَلُ الْبَتَّةَ وَلَوْ تَابَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ وَلَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : الِاسْتِثْنَاءُ عَامِلٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ ، فَإِذَا تَابَ الْقَاذِفُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ؛ وَإِنَّمَا كَانَ رَدُّهَا لِعِلَّةِ الْفِسْقِ فَإِذَا زَالَ بِالتَّوْبَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْحَدِّ وَبَعْدَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صُورَةِ تَوْبَتِهِ ؛ فَمَذْهَبُ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ ، وَغَيْرِهِ ، أَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِأَنْ يُكْذِبَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ الْقَذْفِ الَّذِي حُدَّ فِيهِ . وَهَكَذَا فَعَلَ
عُمَرُ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ لِلَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى
الْمُغِيرَةِ : مَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُ فِيمَا اسْتُقْبِلَ ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُ ؛ فَأَكْذَبَ
الشِّبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ أَنْفُسَهُمَا وَتَابَا ، وَأَبَى
أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَفْعَلَ ؛ فَكَانَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ . وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ
النَّحَّاسُ عَنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ - مِنْهَا
مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُ - : تَوْبَتُهُ أَنْ يُصْلِحَ وَيَحْسُنَ حَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ قَوْلِهِ بِتَكْذِيبٍ ؛ وَحَسْبُهُ النَّدَمُ عَلَى قَذْفِهِ ، وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ ، وَتَرْكُ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِهِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ جَرِيرٍ . وَيُرْوَى عَنِ
الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ ، إِذَا تَابَ وَظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ لَمْ يُحَدَّ ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، وَزَالَ عَنْهُ التَّفْسِيقُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِمَّنْ يُرْضَى مِنَ الشُّهَدَاءِ ؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ الْآيَةَ .
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=33512مَتَى تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ ؛ فَقَالَ
ابْنُ الْمَاجِشُونِ : بِنَفْسِ قَذْفِهِ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَأَشْهَبُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15968وَسَحْنُونٌ : لَا تَسْقُطُ حَتَّى يُجْلَدَ ، فَإِنْ مَنَعَ مِنْ جَلْدِهِ مَانِعُ عَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ . وَقَالَ
الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ : شَهَادَتُهُ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ مَوْقُوفَةٌ ؛ وَرُجِّحَ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّوْبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالتَّكْذِيبِ فِي الْقَذْفِ ، وَإِلَّا فَأَيُّ رُجُوعٍ لِعَدْلٍ إِنْ قَذَفَ وَحُدَّ وَبَقِيَ عَلَى عَدَالَتِهِ .
[ ص: 166 ] الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=33512شَهَادَتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَجُوزُ ؛ فَقَالَ
مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُطْلَقًا ؛ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حُدَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ ؛ رَوَاهُ
نَافِعٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=16991وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، عَنْ
مَالِكٍ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ كِنَانَةَ . وَذَكَرَ
الْوَقَارُ ، عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ خَاصَّةً ، وَتُقْبَلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ ؛ وَهُوَ قَوْلُ
مُطَرِّفٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=12873وَابْنِ الْمَاجِشُونِ . وَرَوَى
الْعُتْبِيُّ ، عَنْ
أَصْبَغَ ، nindex.php?page=showalam&ids=15968وَسَحْنُونٍ مِثْلَهُ . قَالَ
سَحْنُونٌ : مَنْ حُدَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ . وَقَالَ
مُطَرِّفٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=12873وَابْنُ الْمَاجِشُونِ : مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ أَوْ زِنًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الزِّنَا ، وَلَا فِي قَذْفٍ وَلَا لِعَانٍ ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا ؛ وَرَوَيَاهُ عَنْ
مَالِكٍ . وَاتَّفَقُوا عَلَى وَلَدِ الزِّنَا أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ فِي الزِّنَا .
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : الِاسْتِثْنَاءُ إِذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مَعْطُوفَةً عَادَ إِلَى جَمِيعِهَا عِنْدَ
مَالِكٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِهِمَا . وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَجُلُّ أَصْحَابِهِ يُرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءَ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ ، وَهُوَ الْفِسْقُ ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إِلَى الْفِسْقِ خَاصَّةً لَا إِلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْأَصْلِ سَبَبَانِ : أَحَدُهُمَا : هَلْ هَذِهِ الْجُمَلُ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ لِلْعَطْفِ الَّذِي فِيهَا ، أَوْ لِكُلِّ جُمْلَةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا فِي الِاسْتِقْلَالِ ، وَحَرْفُ الْعَطْفِ مُحَسِّنٌ لَا مُشْرِكٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ ؛ لِجَوَازِ عَطْفِ الْجُمَلِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ ، عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنَ النَّحْوِ .
السَّبَبُ الثَّانِي : يُشَبَّهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالشَّرْطِ فِي عَوْدِهِ إِلَى الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إِلَى جَمِيعِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، أَوْ لَا يُشْبَّهُ بِهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ . وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَلَا تَرْجِيحَ ، فَتَعَيَّنَ مَا قَالَهُ
الْقَاضِي مِنَ الْوَقْفِ . وَيَتَأَيَّدُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كِلَا الْأَمْرَيْنِ ؛ فَإِنَّ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ فِيهَا عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى الْجَمِيعِ بِاتِّفَاقٍ ، وَآيَةُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً فِيهَا رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْأَخِيرَةِ بِاتِّفَاقٍ ، وَآيَةُ الْقَذْفِ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ ، فَتَعَيَّنَ الْوَقْفُ مِنْ غَيْرِ مَيْنٍ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا نَظَرٌ كُلِّيٌّ أُصُولِيٌّ . وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ
مَالِكٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ جِهَةِ نَظَرِ الْفِقْهِ الْجُزْئِيِّ بِأَنْ يُقَالَ : الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى الْفِسْقِ وَالنَّهْيِ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ جَمِيعًا إِلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ بِخَبَرٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ . وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تَمْحُو الْكُفْرَ ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا دُونَ ذَلِكَ أَوْلَى ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْجُمَلِ السَّابِقَةِ ؛ قَالَ : وَلَيْسَ مَنْ نُسِبَ إِلَى الزِّنَا بِأَعْظَمَ جُرْمًا مِنْ مُرْتَكِبِ الزِّنَا ، ثُمَّ الزَّانِي إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ
[ ص: 167 ] لَهُ ، وَإِذَا قَبِلَ اللَّهُ التَّوْبَةَ مِنَ الْعَبْدِ كَانَ الْعِبَادُ بِالْقَبُولِ أَوْلَى ؛ مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَوْجُودٌ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ ؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا . وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ إِلَى الْجَمِيعِ ؛ وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : وَلَيْسَ الْقَاذِفُ بِأَشَدَّ جُرْمًا مِنَ الْكَافِرِ ، فَحَقُّهُ إِذَا تَابَ وَأَصْلَحَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ . قَالَ : وَقَوْلُهُ : ( أَبَدًا ) أَيْ مَا دَامَ قَاذِفًا ؛ كَمَا يُقَالُ : لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ أَبَدًا ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا دَامَ كَافِرًا . وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ لِلْمُخَالِفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ ! ثُمَّ إِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عِنْدَ أَقْوَامٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ تَعْلِيلٌ لَا جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا ؛ أَيْ لَا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ لِفِسْقِهِمْ ، فَإِذَا زَالَ الْفِسْقُ فَلَمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ . ثُمَّ تَوْبَةُ الْقَاذِفِ إِكْذَابُهُ نَفْسَهُ ، كَمَا قَالَ
عُمَرُ لِقَذَفَةِ
الْمُغِيرَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، مَعَ إِشَاعَةِ الْقَضِيَّةِ وَشُهْرَتِهَا مِنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى
الْحِجَازِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْطَارِ . وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ مَا تَأَوَّلَهُ
الْكُوفِيُّونَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَذْهَبَ عِلْمُ ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ ، وَلَقَالُوا
لِعُمَرَ : لَا يَجُوزُ قَبُولُ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ أَبَدًا ، وَلَمْ يَسَعْهُمُ السُّكُوتُ عَنِ الْقَضَاءِ بِتَحْرِيفِ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ ؛ فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُجْلَدِ الْقَاذِفُ بِأَنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَ الْقَاذِفَ بِالْحَدِّ ، أَوْ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى السُّلْطَانِ ، أَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ ، فَالشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْخَصْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ النَّهْيَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجَلْدِ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا . وَعِنْدَ هَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : هُوَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ شَرٌّ مِنْهُ حِينَ حُدَّ ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ فَكَيْفَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فِي أَحْسَنِ حَالَيْهِ دُونَ أَخَسِّهِمَا .
قُلْتُ : هَكَذَا قَالَ وَلَا خِلَافَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ
ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ بِنَفْسِ الْقَذْفِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ . وَهُوَ قَوْلُ
اللَّيْثِ ، nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ : تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَذْفِ يَفْسُقُ ، لِأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى تَصِحَّ بَرَاءَتُهُ بِإِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ لَهُ بِالزِّنَا أَوْ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : ( وَأَصْلَحُوا ) يُرِيدُ إِظْهَارَ التَّوْبَةِ . وَقِيلَ : وَأَصْلَحُوا الْعَمَلَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ حَيْثُ تَابُوا وَقَبِلَ تَوْبَتَهُمْ .