قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وتولى عنهم أي أعرض عنهم ; وذلك أن
يعقوب لما بلغه خبر
بنيامين تتام حزنه ، وبلغ جهده ، وجدد الله مصيبته له في
يوسف فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يا أسفى على يوسف ونسي ابنه
بنيامين فلم يذكره ; عن
ابن عباس . وقال
سعيد بن جبير : لم يكن عند
يعقوب ما في كتابنا من الاسترجاع ، ولو كان عنده لما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يا أسفى على يوسف قال
قتادة والحسن : والمعنى يا حزناه ! وقال
مجاهد والضحاك : يا جزعاه ! ; قال
كثير :
فيا أسفا للقلب كيف انصرافه وللنفس لما سليت فتسلت
والأسف شدة الحزن على ما فات . والنداء على معنى : تعال يا أسف فإنه من أوقاته . وقال
الزجاج : الأصل يا أسفي ; فأبدل من الياء ألف لخفة الفتحة .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وابيضت عيناه من الحزن قيل : لم يبصر بهما ست سنين ، وأنه عمي ; قاله
مقاتل . وقيل : قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية ، والله أعلم بحال
يعقوب ; وإنما ابيضت عيناه من البكاء ، ولكن سبب البكاء الحزن ، فلهذا قال : من الحزن . وقيل : إن
يعقوب كان يصلي ،
ويوسف نائما معترضا بين يديه ، فغط في نومه ، فالتفت
يعقوب إليه ، ثم غط ثانية فالتفت إليه ، ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه ; فأوحى الله تعالى إلى ملائكته : " انظروا إلى صفيي وابن خليلي قائما في مناجاتي يلتفت إلى غيري ، وعزتي وجلالي ! لأنزعن الحدقتين اللتين التفت
[ ص: 217 ] بهما ، ولأفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة ، ليعلم العاملون أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري " .
الثانية : هذا يدل على أن الالتفات في الصلاة - وإن لم يبطل - يدل على العقوبة عليها ، والنقص فيها ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835305سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن nindex.php?page=treesubj&link=26612الالتفات في الصلاة فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد . وسيأتي ما للعلماء في هذا في أول سورة " المؤمنون " موعبا إن شاء الله تعالى .
الثالثة : قال
النحاس : فإن سأل قوم عن
nindex.php?page=treesubj&link=31896معنى شدة حزن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - وعلى نبينا - فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة : منها - أن
يعقوب - صلى الله عليه وسلم - لما علم أن
يوسف - صلى الله عليه وسلم - حي خاف على دينه ، فاشتد حزنه لذلك . وقيل : إنما حزن لأنه سلمه إليهم صغيرا ، فندم على ذلك . والجواب الثالث : وهو أبينها - هو أن الحزن ليس بمحظور ، وإنما المحظور الولولة وشق الثياب ، والكلام بما لا ينبغي وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835306تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب . وقد بين الله جل وعز ذلك بقوله : فهو كظيم أي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه ; ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه ; فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48إذ نادى وهو مكظوم أي مملوء كربا . ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم ; وهو المشتمل على حزنه . وعن
ابن عباس : كظيم مغموم ; قال الشاعر :
فإن أك كاظما لمصاب شاس فإني اليوم منطلق لساني
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد عن
ابن عباس قال : ذهبت عيناه من الحزن
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84فهو كظيم قال : فهو مكروب . وقال
مقاتل بن سليمان عن
عطاء عن
ابن عباس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84فهو كظيم قال : فهو كمد ; يقول : يعلم أن
يوسف حي ، وأنه لا يدري أين هو ; فهو كمد من ذلك . قال
الجوهري : الكمد الحزن المكتوم ; تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد .
النحاس . يقال فلان كظيم وكاظم ; أي حزين لا يشكو حزنه ; قال الشاعر :
فحضضت قومي واحتسبت قتالهم والقوم من خوف المنايا كظم
[ ص: 218 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وَتَوَلَّى عَنْهُمْ أَيْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ
يَعْقُوبَ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ
بِنْيَامِينَ تَتَامَّ حُزْنُهُ ، وَبَلَغَ جُهْدُهُ ، وَجَدَّدَ اللَّهُ مُصِيبَتَهُ لَهُ فِي
يُوسُفَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَنَسِيَ ابْنَهُ
بِنْيَامِينَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ ; عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : لَمْ يَكُنْ عِنْدَ
يَعْقُوبَ مَا فِي كِتَابِنَا مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ قَالَ
قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ : وَالْمَعْنَى يَا حُزْنَاهُ ! وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ : يَا جَزَعَاهُ ! ; قَالَ
كُثَيِّرٌ :
فَيَا أَسَفَا لِلْقَلْبِ كَيْفَ انْصِرَافُهُ وَلِلنَّفْسِ لَمَّا سُلِّيَتْ فَتَسَلَّتِ
وَالْأَسَفُ شِدَّةُ الْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَ . وَالنِّدَاءُ عَلَى مَعْنَى : تَعَالَ يَا أَسَفُ فَإِنَّهُ مِنْ أَوْقَاتِهِ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : الْأَصْلُ يَا أَسَفِي ; فَأُبْدِلَ مِنَ الْيَاءِ أَلِفٌ لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ قِيلَ : لَمْ يُبْصِرْ بِهِمَا سِتَّ سِنِينَ ، وَأَنَّهُ عَمِيَ ; قَالَهُ
مُقَاتِلٌ . وَقِيلَ : قَدْ تَبْيَضُّ الْعَيْنُ وَيَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ
يَعْقُوبَ ; وَإِنَّمَا ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْبُكَاءِ ، وَلَكِنَّ سَبَبَ الْبُكَاءِ الْحُزْنُ ، فَلِهَذَا قَالَ : مِنَ الْحُزْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ
يَعْقُوبَ كَانَ يُصَلِّي ،
وَيُوسُفُ نَائِمًا مُعْتَرِضًا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَغَطَّ فِي نَوْمِهِ ، فَالْتَفَتَ
يَعْقُوبُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ غَطَّ ثَانِيَةً فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ غَطَّ ثَالِثَةً فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ سُرُورًا بِهِ وَبِغَطِيطِهِ ; فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَلَائِكَتِهِ : " انْظُرُوا إِلَى صَفِيِّي وَابْنِ خَلِيلِي قَائِمًا فِي مُنَاجَاتِي يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِي ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي ! لَأَنْزِعَنَّ الْحَدَقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ الْتَفَتَ
[ ص: 217 ] بِهِمَا ، وَلَأُفَرِّقَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ ثَمَانِينَ سَنَةً ، لِيَعْلَمَ الْعَامِلُونَ أَنَّ مَنْ قَامَ بَيْنَ يَدَيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاقَبَةُ نَظَرِي " .
الثَّانِيَةُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ - وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ - يَدُلُّ عَلَى الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا ، وَالنَّقْصِ فِيهَا ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835305سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ nindex.php?page=treesubj&link=26612الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ : هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ . وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْمُؤْمِنُونَ " مُوعَبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الثَّالِثَةُ : قَالَ
النَّحَّاسُ : فَإِنْ سَأَلَ قَوْمٌ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=31896مَعْنَى شِدَّةِ حُزْنِ يَعْقُوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نَبِيِّنَا - فَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ : مِنْهَا - أَنَّ
يَعْقُوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلِمَ أَنَّ
يُوسُفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ خَافَ عَلَى دِينِهِ ، فَاشْتَدَّ حُزْنُهُ لِذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا حَزِنَ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ صَغِيرًا ، فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ . وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَبْيَنُهَا - هُوَ أَنَّ الْحُزْنَ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ ، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ الْوَلْوَلَةُ وَشَقُّ الثِّيَابِ ، وَالْكَلَامُ بِمَا لَا يَنْبَغِي وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835306تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبُّ . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : فَهُوَ كَظِيمٌ أَيْ مَكْظُومٌ مَمْلُوءٌ مِنَ الْحُزْنِ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ لَا يَبُثُّهُ ; وَمِنْهُ كَظْمُ الْغَيْظِ وَهُوَ إِخْفَاؤُهُ ; فَالْمَكْظُومُ الْمَسْدُودُ عَلَيْهِ طَرِيقُ حُزْنِهِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ أَيْ مَمْلُوءٌ كَرْبًا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَكْظُومُ بِمَعْنَى الْكَاظِمِ ; وَهُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى حُزْنِهِ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : كَظِيمٌ مَغْمُومٌ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
فَإِنْ أَكُ كَاظِمًا لِمُصَابٍ شَاسٍ فَإِنِّي الْيَوْمَ مُنْطَلِقٌ لِسَانِي
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84فَهُوَ كَظِيمٌ قَالَ : فَهُوَ مَكْرُوبٌ . وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ
عَطَاءٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84فَهُوَ كَظِيمٌ قَالَ : فَهُوَ كَمِدٌ ; يَقُولُ : يَعْلَمُ أَنَّ
يُوسُفَ حَيٌّ ، وَأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ ; فَهُوَ كَمِدٌ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : الْكَمَدُ الْحُزْنُ الْمَكْتُومُ ; تَقُولُ مِنْهُ كَمِدَ الرَّجُلُ فَهُوَ كَمِدٌ وَكَمِيدٌ .
النَّحَّاسُ . يُقَالُ فُلَانٌ كَظِيمٌ وَكَاظِمٌ ; أَيْ حَزِينٌ لَا يَشْكُو حُزْنَهُ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
فَحَضَضْتُ قَوْمِي وَاحْتَسَبْتُ قِتَالَهُمْ وَالْقَوْمُ مِنْ خَوْفِ الْمَنَايَا كُظَّمُ
[ ص: 218 ]