قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قال تزرعون لما أعلمه بالرؤيا جعل يفسرها له ، فقال : السبع من البقرات السمان والسنبلات الخضر سبع سنين مخصبات ; وأما البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبات ; فذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47تزرعون سبع سنين دأبا أي متوالية متتابعة ; وهو مصدر على غير المصدر ، لأن معنى " تزرعون " تدأبون كعادتكم في الزراعة سبع سنين . وقيل : هو حال ; أي دائبين . وقيل : صفة لسبع سنين ، أي دائبة . وحكى
أبو حاتم عن
يعقوب دأبا بتحريك الهمزة ، وكذا روى
حفص عن
عاصم ، وهما لغتان ، وفيه قولان ، قول
أبي حاتم : إنه من دئب . قال
النحاس : ولا يعرف أهل اللغة إلا دأب . والقول الآخر - إنه حرك لأن فيه حرفا من حروف الحلق ; قاله
الفراء ، قال : وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانيه فتثقيله جائز إذا كان ثانيه همزة ، أو هاء ، أو عينا ، أو غينا ، أو حاء ، أو خاء ; وأصله العادة ; قال :
كدأبك من أم الحويرث قبلها
[ ص: 178 ] وقد مضى في " آل عمران " القول فيه .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فما حصدتم فذروه في سنبله قيل : لئلا يتسوس ، وليكون أبقى ; وهكذا الأمر في ديار
مصر .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47إلا قليلا مما تأكلون أي استخرجوا ما تحتاجون إليه بقدر الحاجة ; وهذا القول منه أمر ، والأول خبر . ويحتمل أن يكون الأول أيضا أمرا ، وإن كان الأظهر منه الخبر ; فيكون معنى : " تزرعون " أي ازرعوا .
الثانية : هذه الآية أصل في
nindex.php?page=treesubj&link=21872القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال ; فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة ، وكل ما يفوت شيئا منها فهو مفسدة ، ودفعه مصلحة ; ولا خلاف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية ; ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية ، ومراعاة ذلك فضل من الله - عز وجل - ورحمة رحم بها عباده ، من غير وجوب عليه ، ولا استحقاق ; هذا مذهب كافة المحققين من أهل السنة أجمعين ; وبسطه في أصول الفقه .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47قَالَ تَزْرَعُونَ لَمَّا أَعْلَمَهُ بِالرُّؤْيَا جَعَلَ يُفَسِّرُهَا لَهُ ، فَقَالَ : السَّبْعُ مِنَ الْبَقَرَاتِ السِّمَانِ وَالسُّنْبُلَاتِ الْخُضْرِ سَبْعُ سِنِينَ مُخْصِبَاتٍ ; وَأَمَّا الْبَقَرَاتُ الْعِجَافُ وَالسُّنْبُلَاتُ الْيَابِسَاتُ فَسَبْعُ سِنِينَ مُجْدِبَاتٍ ; فَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا أَيْ مُتَوَالِيَةً مُتَتَابِعَةً ; وَهُوَ مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ الْمَصْدَرِ ، لِأَنَّ مَعْنَى " تَزْرَعُونَ " تَدْأَبُونَ كَعَادَتِكُمْ فِي الزِّرَاعَةِ سَبْعَ سِنِينَ . وَقِيلَ : هُوَ حَالٌ ; أَيْ دَائِبِينَ . وَقِيلَ : صِفَةٌ لِسَبْعِ سِنِينَ ، أَيْ دَائِبَةً . وَحَكَى
أَبُو حَاتِمٍ عَنْ
يَعْقُوبَ دَأَبًا بِتَحْرِيكِ الْهَمْزَةِ ، وَكَذَا رَوَى
حَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ ، وَهُمَا لُغَتَانِ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ ، قَوْلُ
أَبِي حَاتِمٍ : إِنَّهُ مِنْ دَئِبَ . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ إِلَّا دَأَبَ . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ - إِنَّهُ حُرِّكَ لِأَنَّ فِيهِ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ ; قَالَهُ
الْفَرَّاءُ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلُّ حَرْفٍ فُتِحَ أَوَّلُهُ وَسُكِّنَ ثَانِيهِ فَتَثْقِيلُهُ جَائِزٌ إِذَا كَانَ ثَانِيهِ هَمْزَةً ، أَوْ هَاءً ، أَوْ عَيْنًا ، أَوْ غَيْنًا ، أَوْ حَاءً ، أَوْ خَاءً ; وَأَصْلَهُ الْعَادَةُ ; قَالَ :
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا
[ ص: 178 ] وَقَدْ مَضَى فِي " آلِ عِمْرَانَ " الْقَوْلُ فِيهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ قِيلَ : لِئَلَّا يَتَسَوَّسُ ، وَلِيَكُونَ أَبْقَى ; وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي دِيَارِ
مِصْرَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=47إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ أَيِ اسْتَخْرِجُوا مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ; وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ أَمْرٌ ، وَالْأَوَّلُ خَبَرٌ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَيْضًا أَمْرًا ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ مِنْهُ الْخَبَرَ ; فَيَكُونُ مَعْنَى : " تَزْرَعُونَ " أَيِ ازْرَعُوا .
الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21872الْقَوْلِ بِالْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الْأَدْيَانِ وَالنُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ ; فَكُلُّ مَا تَضَمَّنَ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ ، وَكُلُّ مَا يُفَوِّتُ شَيْئًا مِنْهَا فَهُوَ مَفْسَدَةٌ ، وَدَفْعُهُ مَصْلَحَةٌ ; وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَقْصُودَ الشَّرَائِعِ إِرْشَادُ النَّاسِ إِلَى مَصَالِحِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ ; لِيَحْصُلَ لَهُمُ التَّمَكُّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ الْمُوَصِّلَتَيْنِ إِلَى السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ ، وَمُرَاعَاةُ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَرَحْمَةٌ رَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ ، مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ ، وَلَا اسْتِحْقَاقٍ ; هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَجْمَعِينَ ; وَبَسْطُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ .