المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=9131اختلف الناس في : { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص في القتلى } ; فقيل : هو كلام عام مستقل بنفسه ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
وقال سائرهم : لا يتم الكلام هاهنا ; وإنما ينقضي عند قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178الأنثى بالأنثى } وهو تفسير له ، وتتميم لمعناه ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
فائدة : ورد علينا
بالمسجد الأقصى سنة سبع وثمانين وأربعمائة فقيه من عظماء أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة يعرف
بالزوزني زائرا
للخليل صلوات الله عليه فحضرنا في
حرم الصخرة المقدسة طهرها الله معه ، وشهد علماء البلد ، فسئل على العادة عن
nindex.php?page=treesubj&link=9163قتل المسلم بالكافر ، فقال : يقتل به قصاصا ; فطولب بالدليل ، فقال : الدليل عليه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص في القتلى } . وهذا عام في كل قتيل .
فانتدب معه للكلام فقيه الشافعية بها وإمامهم
عطاء المقدسي ، وقال : ما استدل به الشيخ الإمام لا حجة له فيه من ثلاثة أوجه : أحدها : أن الله سبحانه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص } فشرط المساواة في المجازاة ، ولا مساواة بين المسلم والكافر ; فإن الكفر حط منزلته ووضع مرتبته .
[ ص: 91 ]
الثاني : أن الله سبحانه ربط آخر الآية بأولها ، وجعل بيانها عند تمامها ، فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } فإذا نقص العبد عن الحر بالرق ، وهو من آثار الكفر فأحرى وأولى أن ينقص عنه الكافر .
الثالث أن الله سبحانه وتعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } ; ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر ; فدل على عدم دخوله في هذا القول .
فقال
الزوزني : بل ذلك دليل صحيح ، وما اعترضت به لا يلزمني منه شيء .
أما قولك : إن الله تعالى شرط المساواة في المجازاة فكذلك أقول .
وأما دعواك أن المساواة بين الكافر والمسلم في القصاص غير معروفة فغير صحيح فإنهما متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاص ، وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد ; فإن الذمي محقون الدم على التأبيد ، والمسلم محقون الدم على التأبيد ، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام ، والذي يحقق ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=10158_10160المسلم يقطع بسرقة مال الذمي ; وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم ; فدل على مساواته لدمه ; إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه .
وأما قولك : إن الله تعالى ربط آخر الآية بأولها فغير مسلم ; فإن أول الآية عام وآخرها خاص ، وخصوص آخرها لا يمنع من عموم أولها ; بل يجري كل على حكمه من عموم أو خصوص .
وأما قولك : إن الحر لا يقتل بالعبد ، فلا أسلم به ; بل يقتل به عندي قصاصا ، فتعلقت بدعوى لا تصح لك .
وأما قولك : فمن عفي له من أخيه شيء يعني المسلم ، فكذلك أقول ، ولكن هذا خصوص في العفو ; فلا يمنع من عموم ورود القصاص ، فإنهما قضيتان متباينتان ; فعموم إحداهما لا يمنع من خصوص الأخرى ، ولا خصوص هذه يناقض عموم
[ ص: 92 ] تلك .
وجرت في ذلك مناظرة عظيمة حصلنا منها فوائد جمة أثبتناها في " نزهة الناظر " ، وهذا المقدار يكفي هنا منها .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9131اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي : { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } ; فَقِيلَ : هُوَ كَلَامٌ عَامٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ ; وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ سَائِرُهُمْ : لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ هَاهُنَا ; وَإِنَّمَا يَنْقَضِي عِنْدَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ ، وَتَتْمِيمٌ لِمَعْنَاهُ ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ .
فَائِدَةٌ : وَرَدَ عَلَيْنَا
بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَقِيهٌ مِنْ عُظَمَاءِ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ يُعْرَفُ
بِالزَّوْزَنِيِّ زَائِرًا
لِلْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَحَضَرْنَا فِي
حَرَمِ الصَّخْرَةِ الْمُقَدَّسَةِ طَهَّرَهَا اللَّهُ مَعَهُ ، وَشَهِدَ عُلَمَاءُ الْبَلَدِ ، فَسُئِلَ عَلَى الْعَادَةِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9163قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ، فَقَالَ : يُقْتَلُ بِهِ قِصَاصًا ; فَطُولِبَ بِالدَّلِيلِ ، فَقَالَ : الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } . وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ .
فَانْتَدَبَ مَعَهُ لِلْكَلَامِ فَقِيهُ الشَّافِعِيَّةِ بِهَا وَإِمَامُهُمْ
عَطَاءٌ الْمَقْدِسِيُّ ، وَقَالَ : مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ } فَشَرَطَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمُجَازَاةِ ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ; فَإِنَّ الْكُفْرَ حَطَّ مَنْزِلَتَهُ وَوَضَعَ مَرْتَبَتَهُ .
[ ص: 91 ]
الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَبَطَ آخِرَ الْآيَةِ بِأَوَّلِهَا ، وَجَعَلَ بَيَانَهَا عِنْدَ تَمَامِهَا ، فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } فَإِذَا نَقَصَ الْعَبْدُ عَنْ الْحُرِّ بِالرِّقِّ ، وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ فَأَحْرَى وَأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ الْكَافِرُ .
الثَّالِثُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } ; وَلَا مُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ; فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فِي هَذَا الْقَوْلِ .
فَقَالَ
الزَّوْزَنِيُّ : بَلْ ذَلِكَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ ، وَمَا اعْتَرَضْت بِهِ لَا يَلْزَمُنِي مِنْهُ شَيْءٌ .
أَمَّا قَوْلُك : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمُجَازَاةِ فَكَذَلِكَ أَقُولُ .
وَأَمَّا دَعْوَاك أَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ فِي الْقِصَاصِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحُرْمَةِ الَّتِي تَكْفِي فِي الْقِصَاصِ ، وَهِيَ حُرْمَةُ الدَّمِ الثَّابِتَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ ; فَإِنَّ الذِّمِّيَّ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَالْمُسْلِمَ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَكِلَاهُمَا قَدْ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10158_10160الْمُسْلِمَ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ ; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ قَدْ سَاوَى مَالَ الْمُسْلِمِ ; فَدَلَّ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِدَمِهِ ; إذْ الْمَالُ إنَّمَا يَحْرُمُ بِحُرْمَةِ مَالِكِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُك : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ آخِرَ الْآيَةِ بِأَوَّلِهَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ ; فَإِنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ عَامٌّ وَآخِرُهَا خَاصٌّ ، وَخُصُوصُ آخِرِهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ عُمُومِ أَوَّلِهَا ; بَلْ يَجْرِي كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ عُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ .
وَأَمَّا قَوْلُك : إنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ ، فَلَا أُسَلِّمُ بِهِ ; بَلْ يُقْتَلُ بِهِ عِنْدِي قِصَاصًا ، فَتَعَلَّقْت بِدَعْوَى لَا تَصِحُّ لَك .
وَأَمَّا قَوْلُك : فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ يَعْنِي الْمُسْلِمَ ، فَكَذَلِكَ أَقُولُ ، وَلَكِنَّ هَذَا خُصُوصٌ فِي الْعَفْوِ ; فَلَا يَمْنَعُ مِنْ عُمُومِ وُرُودِ الْقِصَاصِ ، فَإِنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ ; فَعُمُومُ إحْدَاهُمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ خُصُوصِ الْأُخْرَى ، وَلَا خُصُوصَ هَذِهِ يُنَاقِضُ عُمُومَ
[ ص: 92 ] تِلْكَ .
وَجَرَتْ فِي ذَلِكَ مُنَاظَرَةٌ عَظِيمَةٌ حَصَّلْنَا مِنْهَا فَوَائِدَ جَمَّةً أَثْبَتْنَاهَا فِي " نُزْهَةِ النَّاظِرِ " ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ يَكْفِي هُنَا مِنْهَا .