المسألة الثالثة : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء }
يعني تؤخر وتضم ، ويقال : أرجأته إذا أخرته ، وآويت فلانا إذا ضممته وجعلته في ذراك وفي جملتك ، فقيل فيه أقوال ستة :
الأول : تطلق من شئت ، وتمسك من شئت ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
الثاني : تترك من شئت ، وتنكح من شئت ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
الثالث : ما تقدم من قول
أبي رزين العقيلي .
الرابع : تقسم لمن شئت ، وتترك قسم من شئت .
الخامس : ما في الصحيح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : كنت أغار من اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول : أتهب المرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } . قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .
السادس : ثبت في الصحيح أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6148أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن نزلت هذه الآية : nindex.php?page=treesubj&link=11477 { nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك } ، فقيل لها : ما كنت تقولين ؟ قالت : كنت أقول : إن كان الأمر إلي فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحدا } .
[ ص: 605 ] وبعض هذه الأقوال يتداخل مع ما قدمناه في سبب نزولها ، وهذا الذي ثبت في الصحيح وهو الذي ينبغي أن يعول عليه .
والمعنى المراد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا في أزواجه إن شاء أن يقسم قسم ، وإن شاء أن يترك القسم ترك ، لكنه كان يقسم من قبل نفسه دون فرض ذلك عليه ; فإن قول من قال إنه قيل له : انكح من شئت ، واترك من شئت ، فقد أفاده قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } .
حسبما تقدم بيانه من الابتداء في ذلك والانتهاء إلى آخر الآية ، فهذا القول يحمل على فائدة مجردة ، فأما وجوب القسم فإن النكاح يقتضيه ، ويلزم الزوج ; فخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بأن جعل الأمر فيه إليه .
فإن قيل : فكيف يقال : إن القسم غير واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو عليه السلام كان يعدل بين أزواجه في القسم ، ويقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38871هذه قدرتي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني قلبه } " لإيثار
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة دون أن يكون يظهر ذلك في شيء من فعله .
قلنا : ذلك من خلال النبي صلى الله عليه وسلم وفضله ، فإن الله عز وجل أعطاه سقوطه ; وكان هو صلى الله عليه وسلم يلتزمه تطيبا لنفوسهن ، وصونا لهن عن أقوال الغيرة التي ربما ترقت إلى ما لا ينبغي .
المسألة الرابعة : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51ومن ابتغيت ممن عزلت } يعني طلبت ، والابتغاء في اللغة هو الطلب ، ولا يكون إلا بعد الإرادة قال الله تعالى مخبرا عن
موسى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=64ذلك ما كنا نبغ } .
[ ص: 606 ] المسألة الخامسة : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51ممن عزلت } يعني أزلت ، والعزلة الإزالة ، وتقدير الكلام في اللفظين مفهوم .
والمعنى : ومن أردت أن تضمه وتؤويه بعد أن أزلته فقد نلت ذلك عندنا ، ووجدته تحقيقا لقول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : لا أرى ربك إلا وهو يسارع في هواك ; فإن شاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخر أخر ، وإن شاء أن يقدم استقدم ، وإن شاء أن يقلب المؤخر مقدما والمقدم مؤخرا فعل ، لا جناح عليه في شيء من ذلك ، ولا حرج فيه ، وهي :
المسألة السادسة : وقد بينا الجناح فيما تقدم ، وأوضحنا حقيقته .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ }
يَعْنِي تُؤَخِّرُ وَتَضُمُّ ، وَيُقَالُ : أَرْجَأْته إذَا أَخَّرْته ، وَآوَيْت فُلَانًا إذَا ضَمَمْته وَجَعَلْته فِي ذُرَاك وَفِي جُمْلَتِك ، فَقِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ سِتَّةٌ :
الْأَوَّلُ : تُطَلِّقُ مَنْ شِئْت ، وَتُمْسِكُ مَنْ شِئْت ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّانِي : تَتْرُكُ مَنْ شِئْت ، وَتَنْكِحُ مَنْ شِئْت ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ .
الثَّالِثُ : مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ
أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ .
الرَّابِعُ : تَقْسِمُ لِمَنْ شِئْت ، وَتَتْرُكُ قَسْمَ مَنْ شِئْت .
الْخَامِسُ : مَا فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ قَالَتْ : كُنْت أَغَارُ مِنْ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُولُ : أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ } . قُلْت : مَا أَرَى رَبَّك إلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاك .
السَّادِسُ : ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6148أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : nindex.php?page=treesubj&link=11477 { nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك } ، فَقِيلَ لَهَا : مَا كُنْت تَقُولِينَ ؟ قَالَتْ : كُنْت أَقُولُ : إنْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْك أَحَدًا } .
[ ص: 605 ] وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَتَدَاخَلُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ، وَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ .
وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَزْوَاجِهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْسِمَ قَسَمَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ الْقَسْمَ تَرَكَ ، لَكِنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ دُونَ فَرْضِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ; فَإِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهُ قِيلَ لَهُ : انْكِحْ مَنْ شِئْت ، وَاتْرُكْ مَنْ شِئْت ، فَقَدْ أَفَادَهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْك وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك وَبَنَاتِ خَالِك وَبَنَاتِ خَالَاتِك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } .
حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فِي ذَلِكَ وَالِانْتِهَاءِ إلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَهَذَا الْقَوْلُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ مُجَرَّدَةٍ ، فَأَمَّا وُجُوبُ الْقَسْمِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِيهِ ، وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ ; فَخُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ جُعِلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ يُقَالُ : إنَّ الْقَسْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فِي الْقَسْمِ ، وَيَقُولُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38871هَذِهِ قُدْرَتِي فِيمَا أَمْلِكُ ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ يَعْنِي قَلْبَهُ } " لِإِيثَارِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ دُونَ أَنْ يَكُونَ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ .
قُلْنَا : ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَاهُ سُقُوطَهُ ; وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَزِمُهُ تَطَيُّبًا لِنُفُوسِهِنَّ ، وَصَوْنًا لَهُنَّ عَنْ أَقْوَالِ الْغَيْرَةِ الَّتِي رُبَّمَا تَرَقَّتْ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51وَمَنْ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت } يَعْنِي طَلَبْت ، وَالِابْتِغَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الطَّلَبُ ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِرَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ
مُوسَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=64ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } .
[ ص: 606 ] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51مِمَّنْ عَزَلْت } يَعْنِي أَزَلْت ، وَالْعُزْلَةُ الْإِزَالَةُ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي اللَّفْظَيْنِ مَفْهُومٌ .
وَالْمَعْنَى : وَمَنْ أَرَدْت أَنْ تَضُمَّهُ وَتُؤْوِيَهُ بَعْدَ أَنْ أَزَلْته فَقَدْ نِلْت ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَوَجَدْته تَحْقِيقًا لِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ : لَا أَرَى رَبُّك إلَّا وَهُوَ يُسَارِعُ فِي هَوَاك ; فَإِنْ شَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَخِّرَ أَخَّرَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُقَدِّمَ اسْتَقْدَمَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَقْلِبَ الْمُؤَخَّرَ مُقَدَّمًا وَالْمُقَدَّمَ مُؤَخَّرًا فَعَلَ ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا حَرَجَ فِيهِ ، وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : وَقَدْ بَيَّنَّا الْجُنَاحَ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَأَوْضَحْنَا حَقِيقَتَهُ .