[ ص: 475 ] الآية الرابعة
قوله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=28998 { nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون }
فيها مسألتان : المسألة الأولى : رأيت بعض
البصريين قد قال : إن النملة كان لها جناحان ، فصارت في جملة الطير ، ولذلك فهم منطقها ; لأنه لم يعلم إلا منطق الطير ; وهذا نقصان عظيم . وقد بينا الحكمة في ذكر الطير خصوصا دون سائر البهائم والحشرات ، وما لا يعقل .
وقد اتفق الناس على أنه كان يفهم كلام من لا يتكلم ، ويخلق له فيه القول من النبات ; فكان كل نبات يقول له : أنا شجرة كذا ، أنفع من كذا ، وأضر من كذا ، وفائدتي كذا ، فما ظنك بالحيوان ، المسألة الثانية : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } فانظر إلى فهمها بأن جند
سليمان لم يكن فيهم من يؤذي نملة مع القصد إلى ذلك ، والعلم به ، تقية
لسليمان ; لأن منهم التقي والفاجر ، والمؤمن والكافر ; إذ كان فيهم الشياطين .
وقد أخبر الله عن جيش
محمد بمثله في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم } .
وهذا من فضائل
محمد صلى الله عليه وسلم وقد بينا ذلك في كتاب المشكلين ، وفي معجزات النبي من كتاب " أنوار الفجر " .
وقد انتهى الجهل بقوم إلى أن يقولوا : إن معناه : والنمل لا يشعرون ، فخرج من خطاب المواجهة إلى خطاب الغائب لغير ضرورة ولا فائدة إلا إبطال المعجزة لهذا النبي
[ ص: 476 ] الكريم ، والله ولي التقويم . كما انتهى الإفراط بقوم إلى أن يقولوا : إنه كان من كلام النملة له أن قالت : يا نبي الله ; أرى لك ملكا عظيما ، فما أعظم جندك ؟ قال لها : تسخير الريح . قالت له : إن الله أعلمك أن كل ما أنت فيه في الدنيا ريح . وما أحسن الاقتصاد ، وأضبط السداد للأمور والانتقاد ،
[ ص: 475 ] الْآيَةُ الرَّابِعَةُ
قَوْله تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=28998 { nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18حَتَّى إذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمْلُ اُدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : رَأَيْت بَعْضَ
الْبَصْرِيِّينَ قَدْ قَالَ : إنَّ النَّمْلَةَ كَانَ لَهَا جَنَاحَانِ ، فَصَارَتْ فِي جُمْلَةِ الطَّيْرِ ، وَلِذَلِكَ فَهِمَ مَنْطِقَهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ; وَهَذَا نُقْصَانٌ عَظِيمٌ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْحِكْمَةَ فِي ذِكْرِ الطَّيْرِ خُصُوصًا دُونَ سَائِرِ الْبَهَائِمِ وَالْحَشَرَاتِ ، وَمَا لَا يَعْقِلُ .
وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْهَمُ كَلَامَ مَنْ لَا يَتَكَلَّمُ ، وَيُخْلَقُ لَهُ فِيهِ الْقَوْلُ مِنْ النَّبَاتِ ; فَكَانَ كُلُّ نَبَاتٍ يَقُولُ لَهُ : أَنَا شَجَرَةُ كَذَا ، أَنْفَعُ مِنْ كَذَا ، وَأَضُرُّ مِنْ كَذَا ، وَفَائِدَتِي كَذَا ، فَمَا ظَنُّك بِالْحَيَوَانِ ، الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } فَانْظُرْ إلَى فَهْمِهَا بِأَنَّ جُنْدَ
سُلَيْمَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُؤْذِي نَمْلَةً مَعَ الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ ، وَالْعِلْمِ بِهِ ، تَقِيَّةً
لِسُلَيْمَانَ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ التَّقِيَّ وَالْفَاجِرَ ، وَالْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ ; إذْ كَانَ فِيهِمْ الشَّيَاطِينُ .
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ جَيْشِ
مُحَمَّدٍ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } .
وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ ، وَفِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ مِنْ كِتَابِ " أَنْوَارِ الْفَجْرِ " .
وَقَدْ انْتَهَى الْجَهْلُ بِقَوْمٍ إلَى أَنْ يَقُولُوا : إنَّ مَعْنَاهُ : وَالنَّمْلُ لَا يَشْعُرُونَ ، فَخَرَجَ مِنْ خِطَابِ الْمُوَاجَهَةِ إلَى خِطَابِ الْغَائِبِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ إلَّا إبْطَالَ الْمُعْجِزَةِ لِهَذَا النَّبِيِّ
[ ص: 476 ] الْكَرِيمِ ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّقْوِيمِ . كَمَا انْتَهَى الْإِفْرَاطُ بِقَوْمٍ إلَى أَنْ يَقُولُوا : إنَّهُ كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّمْلَةِ لَهُ أَنْ قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ; أَرَى لَك مُلْكًا عَظِيمًا ، فَمَا أَعْظَمُ جُنْدِك ؟ قَالَ لَهَا : تَسْخِيرُ الرِّيحِ . قَالَتْ لَهُ : إنَّ اللَّهَ أَعْلَمَك أَنَّ كُلَّ مَا أَنْتَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا رِيحٌ . وَمَا أَحْسَنُ الِاقْتِصَادَ ، وَأَضْبَطُ السَّدَادَ لِلْأُمُورِ وَالِانْتِقَادَ ،