الآية الثانية قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا } .
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة } هذا يدل على صحة الوكالة ، وهو عقد نيابة أذن الله فيه للحاجة إليه ، وقيام المصلحة به ، إذ يعجز كل أحد عن تناول أموره إلا بمعونة من غيره ، أو يترفه فيستنيب من يريحه ، حتى جاز ذلك في العبادات ; لطفا منه سبحانه ، ورفقا بضعفة الخليقة ، ذكرها الله كما ترون ، وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تسمعون ، وهو أقوى آية في الغرض .
[ ص: 221 ] وقد تعلق بعض علمائنا في صحة
nindex.php?page=treesubj&link=14697الوكالة من القرآن بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60والعاملين عليها } وبقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا } .
وآية القميص ضعيفة ، وآية العاملين حسنة .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=868أردت الخروج إلى خيبر ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له : إني أريد الخروج إلى خيبر ، فقال : ائت وكيلي ، فخذ منه خمسة عشر وسقا ، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته } .
وقد وكل
عمر بن أمية الضمري على عقد نكاح
nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة بنت أبي سفيان عند
nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي ، ووكل
أبا رافع على نكاح
ميمونة في إحدى الروايتين ، ووكل
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام على شراء شاة ،
nindex.php?page=treesubj&link=14697_14723والوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه ; وقد مهدنا ذلك في كتب المسائل ، تحريره في خمسة وعشرين مثالا :
الأول : الطهارة : وهي عبادة تجوز النيابة فيها في صب الماء خاصة على أعضاء الوضوء ، ولا تجوز على عركها ، إلا أن يكون المتوضئ مريضا لا يقدر عليه .
الثاني : النجاسة .
الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=14802_14723الصلاة : ولا تجوز النيابة فيها بحال بإجماع من الأمة ، وإنما يؤديها المكلف ، ولو بأشفار عينيه إشارة ، إلا في ركعتي الطواف .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=26373_3077_14796_14723الزكاة : وتجوز النيابة في أخذها وإعطائها .
الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=14723الصيام : ولا تجوز النيابة فيه بحال ، إلا عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وجملة من السلف الأول ، وقد بيناه في مسائل الخلاف .
السادس الاعتكاف وهو مثله .
السابع : الحج .
الثامن : البيع : وهي المعاوضة وأنواعها .
[ ص: 222 ]
التاسع : الرهن .
العاشر : الحجر : يصح أن
nindex.php?page=treesubj&link=14723يوكل الحاكم من يحجر وينفذ سائر الأحكام عنه ، وكذلك الحوالة ، والضمان ، والشركة ، والإقرار ، والصلح ، والعارية ; فهذه ستة عشر مثالا .
وأما الغصب : فإن وكل فيه كان الغاصب الوكيل دون الموكل ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=23965_14723كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه ، ويتبع ذلك الشفعة ، والقرض ، ولا يصح
nindex.php?page=treesubj&link=14800_14723التوكيل في اللقطة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=14723قسم الفيء والغنيمة فتصح النيابة فيه .
nindex.php?page=treesubj&link=14723_11264_11781والنكاح وأحكامه تصح النيابة فيه ، كالطلاق . والإيلاء يمين لا وكالة فيه .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=14804_14723_12350اللعان : فلا تصح الوكالة فيه بحال .
وأما الظهار : فلا تصح النيابة فيه ; لأنه منكر من القول وزور ، ولا يجوز فعله .
nindex.php?page=treesubj&link=14723والخيانات : لا يصح التوكيل فيها لهذه العلة من أنها باطل وظلم ، ويجوز
nindex.php?page=treesubj&link=14809_14723التوكيل على طلب القصاص واستيفائه ، وكذلك في الدية ،
nindex.php?page=treesubj&link=14805_14723ولا وكالة في القسامة ; لأنها أيمان .
ويصح
nindex.php?page=treesubj&link=3077_14806_14796_14723التوكيل في الزكاة ، وفي العتق وتوابعه إلا في الاستيلاد ; فهذه خمسة وعشرون مثالا ، تكون دستورا لغيرها ، وإن كان لم يبق بعدها إلا يسير فرع لها .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا إنَّهُمْ إنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إذًا أَبَدًا } .
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ } هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ ، وَهُوَ عَقْدُ نِيَابَةٍ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَقِيَامِ الْمَصْلَحَةِ بِهِ ، إذْ يَعْجَزُ كُلُّ أَحَدٍ عَنْ تَنَاوُلِ أُمُورِهِ إلَّا بِمَعُونَةٍ مِنْ غَيْرِهِ ، أَوْ يَتَرَفَّهُ فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يُرِيحُهُ ، حَتَّى جَازَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ ; لُطْفًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ ، وَرِفْقًا بِضَعَفَةِ الْخَلِيقَةِ ، ذَكَرَهَا اللَّهُ كَمَا تَرَوْنَ ، وَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَسْمَعُونَ ، وَهُوَ أَقْوَى آيَةٍ فِي الْغَرَضِ .
[ ص: 221 ] وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي صِحَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=14697الْوَكَالَةِ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } وَبِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا } .
وَآيَةُ الْقَمِيصِ ضَعِيفَةٌ ، وَآيَةُ الْعَامِلِينَ حَسَنَةٌ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=868أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْت لَهُ : إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ ، فَقَالَ : ائْتِ وَكِيلِي ، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا ، فَإِنْ ابْتَغَى مِنْك آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ } .
وَقَدْ وَكَّلَ
عُمَرَ بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ عَلَى عَقْدِ نِكَاحِ
nindex.php?page=showalam&ids=10583أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=888النَّجَاشِيِّ ، وَوَكَّلَ
أَبَا رَافِعٍ عَلَى نِكَاحِ
مَيْمُونَةَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَوَكَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمَ بْنُ حِزَامٍ عَلَى شِرَاءِ شَاةٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=14697_14723وَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ ; وَقَدْ مَهَّدْنَا ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ ، تَحْرِيرُهُ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِثَالًا :
الْأَوَّلُ : الطَّهَارَةُ : وَهِيَ عِبَادَةٌ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا فِي صَبِّ الْمَاءِ خَاصَّةً عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى عَرْكِهَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَضِّئُ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ .
الثَّانِي : النَّجَاسَةُ .
الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=14802_14723الصَّلَاةُ : وَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا بِحَالٍ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّةِ ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهَا الْمُكَلَّفُ ، وَلَوْ بِأَشْفَارِ عَيْنَيْهِ إشَارَةً ، إلَّا فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=26373_3077_14796_14723الزَّكَاةُ : وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَخْذِهَا وَإِعْطَائِهَا .
الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=14723الصِّيَامُ : وَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ بِحَالٍ ، إلَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ وَجُمْلَةٍ مِنْ السَّلَفِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
السَّادِسُ الِاعْتِكَافُ وَهُوَ مِثْلُهُ .
السَّابِعُ : الْحَجُّ .
الثَّامِنُ : الْبَيْعُ : وَهِيَ الْمُعَاوَضَةُ وَأَنْوَاعُهَا .
[ ص: 222 ]
التَّاسِعُ : الرَّهْنُ .
الْعَاشِرُ : الْحَجْرُ : يَصِحُّ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=14723يُوَكِّلَ الْحَاكِمُ مَنْ يَحْجُرُ وَيُنَفِّذُ سَائِرَ الْأَحْكَامِ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ ، وَالضَّمَانُ ، وَالشَّرِكَةُ ، وَالْإِقْرَارُ ، وَالصُّلْحُ ، وَالْعَارِيَّةُ ; فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ مِثَالًا .
وَأَمَّا الْغَصْبُ : فَإِنْ وَكَّلَ فِيهِ كَانَ الْغَاصِبُ الْوَكِيلَ دُونَ الْمُوَكِّلِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23965_14723كُلَّ مُحَرَّمٍ فِعْلُهُ لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ ، وَيَتْبَعُ ذَلِكَ الشُّفْعَةُ ، وَالْقَرْضُ ، وَلَا يَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=14800_14723التَّوْكِيلُ فِي اللُّقَطَةِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=14723قَسْمُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فَتَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=14723_11264_11781وَالنِّكَاحُ وَأَحْكَامُهُ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ ، كَالطَّلَاقِ . وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ لَا وَكَالَةَ فِيهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=14804_14723_12350اللِّعَانُ : فَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ بِحَالٍ .
وَأَمَّا الظِّهَارُ : فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ ، وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=14723وَالْخِيَانَاتُ : لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهَا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ مِنْ أَنَّهَا بَاطِلٌ وَظُلْمٌ ، وَيَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=14809_14723التَّوْكِيلُ عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَائِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي الدِّيَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=14805_14723وَلَا وَكَالَةَ فِي الْقَسَامَةِ ; لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ .
وَيَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=3077_14806_14796_14723التَّوْكِيلُ فِي الزَّكَاةِ ، وَفِي الْعِتْقِ وَتَوَابِعِهِ إلَّا فِي الِاسْتِيلَادِ ; فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِثَالًا ، تَكُونُ دُسْتُورًا لِغَيْرِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا إلَّا يَسِيرُ فَرْعٍ لَهَا .