( فصل )
[ ص: 60 ] ومن ذلك : أنه يجوز للحاكم الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه ، في غير الحدود ، ولم يوجب الله على الحكام ألا يحكموا إلا بشاهدين أصلا ، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين ، أو بشاهد وامرأتين ، وهذا لا يدل على أن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك ، بل قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين ، وبالشاهد فقط .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
سليمان بن هلال عن
ربيعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل عنه . رواه
أبو داود .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن
الثقفي عن
جعفر بن محمد عن أبيه عنه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26688قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة رجل واحد مع يمين صاحب الحق } . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16087شبابة .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15136عبد العزيز الماجشون عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عنه ، وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين } . رواه
يعقوب بن سفيان في مسنده " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري : وقد روي
nindex.php?page=treesubj&link=15246_16282القضاء بالشاهد واليمين من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=228وسعد بن عبادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة ، وجماعة من الصحابة ،
وعمرو بن حزم ،
والزبيب بن ثعلبة ، وقضى بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، والقاضي العدل
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد : أن ذلك عندنا هو السنة المعروفة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : وذلك من السنن الظاهرة التي هي أكثر من الرواية والحديث .
[ ص: 61 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : وهو الذي نختاره ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واقتصاصا لأثره ، وليس ذلك مخالفا لكتاب الله عند من فهمه ، ولا بين حكم الله وحكم رسوله اختلاف ، إنما هو غلط في التأويل ، حيث لم يجدوا ذكر اليمين في الكتاب ظاهرا ، فظنوه خلافا .
وإنما الخلاف : لو كان الله حظر اليمين في ذلك ، ونهى عنها ، والله تعالى لم يمنع من اليمين ، إنما أثبتها في الكتاب - إلى أن قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فرجل وامرأتان } وأمسك .
ثم فسرت السنة ما وراء ذلك . وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسرة للقرآن ومترجمة عنه ، وعلى هذا أكثر الأحكام . كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لا وصية لوارث } و : {
الرجم على المحصن } .
و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15759النهي عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها } و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43700يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } و {
قطع الموارثة بين أهل الإسلام [ ص: 62 ] وأهل الكفر } .
و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12937إيجابه على المطلقة ثلاثا : مسيس الزوج الآخر } في شرائع كثيرة ، لا يوجد لفظها في ظاهر الكتاب . ولكنها سنن شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعلى الأمة اتباعها ، كاتباع الكتاب .
وكذلك الشاهد واليمين لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ، وإنما في الكتاب : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فرجل وامرأتان } علم أن ذلك إذا وجدتا ، فإذا عدمتا قامت اليمين مقامهما ، كما علم حين مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين أن قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وأرجلكم } معناه : أن تكون الأقدام بادية . وكذلك لما رجم المحصن في الزنا : علم أن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } للبكرين .
وكذلك كل ما ذكرنا من السنن على هذا فما بال الشاهد واليمين ترد من بينها ؟ وإنما هي ثلاث منازل في شهادات الأموال ، اثنتان بظاهر الكتاب وواحدة بتفسير السنة له . فالمنزلة الأولى : الرجلان .
والثانية : الرجل والمرأتان .
والثالثة : الرجل واليمين .
فمن أنكر هذه لزمه إنكار كل شيء ذكرناه ، لا يجد من ذلك بدا حتى يخرج من قول العلماء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : ويقال لمن أنكر الشاهد واليمين ، وذكر أنه خلاف القرآن : ما تقول في الخصم يشهد له الرجل والمرأتان ، وهو واجد لرجلين يشهدان له ؟ فإن قالوا : الشهادة جائزة .
قيل : ليس هذا أولى بالخلاف ، وقد اشترط القرآن فيه ألا يكون للمرأتين شهادة إلا مع فقد أحد الرجلين ، فإنه
[ ص: 63 ] سبحانه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } ولم يقل : واستشهدوا شهيدين من رجالكم أو رجلا وامرأتين .
فيكون فيه الخيار ، كما جعله في الفدية كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ومثل ما جعله في كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم أو تحرير رقبة فهذه أحكام الخيار ، ولم يقل ذلك في آية الدين .
ولكنه قال فيها كما قال في آية الفرائض : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وكذلك الآية التي بعدها فقوله هاهنا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12إن لم يكن } كقوله في آية الشهادة {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فإن لم يكونا } كذلك قال في آية الطهور : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } وفي آية الظهار {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } وكذلك في متعة الحج وكفارة اليمين : أن الصوم لا يجزئ الواجد .
فأي الحكمين أولى بالخلاف : هذا أم الشاهد واليمين ، الذي ليس فيه من الله اشتراط منع ، إنما سكت عنه ، ثم فسرته السنة ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : وقد وجدنا في حكمهم ما هو أعجب من هذا ، وهو قولهم في
nindex.php?page=treesubj&link=12868_12853رضاع اليتيم الذي لا مال له ، وله خال وابن عم موسران : إن الخال يجبر على رضاعه ، لأنه محرم ، وإنما اشترط التنزيل غيره فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وعلى الوارث مثل ذلك } .
وقد أجمع المسلمون أن لا ميراث للخال مع ابن العم ، ثم لم نجد هذا الحكم في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من سلف العلماء ، وقد وجدنا الشاهد واليمين في آثار متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غير واحد من الصحابة ومن التابعين .
وقال
الربيع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : قال بعض الناس في اليمين مع الشاهد قولا أسرف فيه على نفسه ، قال : أرد حكم من حكم بها ، لأنه خالف القرآن .
فقلت له : الله تعالى أمر بشاهدين أو شاهد وامرأتين ؟ قال : نعم ، فقلت : أحتم من الله ألا يجوز أقل من شاهدين ؟ قال : فإن قلته ؟ قلت : فقله .
قال : قد قلته .
قلت وتحدد في الشاهدين اللذين أمر الله بهما حدا ؟ قال : نعم ، حران مسلمان بالغان عدلان .
قلت : ومن حكم بدون ما قلت خالف حكم الله ؟ قال : نعم .
قلت له : إن كان كما زعمت ، خالفت حكم الله ، قال : وأين ؟ قلت : أجزت شهادة
أهل الذمة ، وهم غير الذين شرط الله أن تجوز شهادتهم .
وأجزت شهادة القابلة وحدها على الولادة ، وهذان وجهان أعطيت بهما من جهة الشهادة ، ثم أعطيت بغير شهادة في القسامة وغيرها .
قلت : والقضاء باليمين مع الشاهد ليس يخالف حكم الله ، بل هو موافق لحكم الله ، إذ فرض الله تعالى طاعة رسوله ، فإن اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله سبحانه قبلت ، كما قبلت عن رسوله .
قال : أفيوجد لهذا نظير في القرآن ؟ قلت : نعم .
أمر الله سبحانه في الوضوء بغسل القدمين ، أو مسحهما فمسحنا على الخفين بالسنة .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد فيما أوحي [ ص: 64 ] إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية ، فحرمنا نحن وأنت كل ذي ناب من السباع بالسنة .
وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم } . فحرمنا نحن وأنت الجمع بين المرأة وعمتها ، وبينها وبين خالتها ، وذكر الرجم ونصاب السرقة ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله معنى ما أراد خاصا وعاما .
وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية : القرآن لم يذكر الشاهدين ، والرجل والمرأتين في طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم ، وإنما ذكر النوعين من البينات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه .
فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه . وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله . فليكتب ، وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل . واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } .
فأمرهم سبحانه بحفظ حقوقهم بالكتاب وأمر من عليه الحق أن يملي الكاتب ، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه ، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ، فإن لم يجد فرجل وامرأتان . ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها إذا طلبوا لذلك . ثم رخص لهم في التجارة الحاضرة : ألا يكتبوها ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع . ثم أمرهم إذا كانوا على سفر - ولم يجدوا كاتبا - أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة . كل هذا نصيحة لهم ، وتعليم وإرشاد لما يحفظوا به حقوقهم ، وما تحفظ به الحقوق شيء ، وما يحكم به الحاكم شيء .
فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين ، فإن الحاكم يحكم بالنكول واليمين المردودة ، ولا ذكر لهما في القرآن ، فإن كان الحكم بالشاهد الواحد واليمين مخالفا لكتاب الله ، فالحكم بالنكول والرد أشد مخالفة .
وأيضا ، فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة رسوله الصريحة الصحيحة ، ويحكم بالقافة بالسنة الصريحة الصحيحة التي لا معارض لها ، ويحكم بالقسامة بالسنة الصحيحة الصريحة ، ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان ، ويحكم - عند من أنكر الحكم بالشاهد واليمين - بوجوه الآجر في الحائط فيجعله للمدعي إذا كانت إلى جهته .
وهذا كله ليس في القرآن ولا حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه فكيف ساغ الحكم به ، ولم يجعل مخالفا لكتاب الله ؟ ورد ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وغيرهم من الصحابة ويجعل مخالفا لكتاب الله ؟ بل القول ما قاله أئمة الحديث : إن الحكم بالشاهد واليمين : حكم بكتاب الله ، فإنه حق ، والله سبحانه أمر بالحكم بالحق ، فهاتان قضيتان ثابتتان بالنص .
[ ص: 65 ]
أما الأولى : فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده حكموا به ولا يحكمون بباطل .
وأما الثانية : فلقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } فالحكم بالشاهد واليمين مما أراه الله إياه قطعا .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=15فلذلك فادع واستقم كما أمرت ، ولا تتبع أهواءهم ، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم } وهذا مما حكم به . فهو عدل مأمور به من الله ولا بد .
24 - ( فصل )
والذين ردوا هذه المسألة لهم طرق : الطريق الأولى : أنها خلاف كتاب الله ، فلا تقبل وقد بين الأئمة
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد وغيرهم - أن كتاب الله لا يخالفها بوجه ، وإنها لموافقة لكتاب الله .
وأنكر الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي على من رد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لزعمه أنها تخالف ظاهر القرآن ، وللإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في ذلك كتاب مفرد سماه كتاب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم " .
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده : أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنة واحدة تخالف كتاب الله ، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل .
المنزلة الأولى : سنة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل .
المنزلة الثانية : سنة تفسر الكتاب ، وتبين مراد الله منه ، وتقيد مطلقه .
المنزلة الثالثة : سنة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب فتبينه بيانا مبتدأ ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة .
وقد أنكر الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على من قال : " السنة تقضي على الكتاب " فقال : بل السنة تفسر الكتاب وتبينه ، والذي يشهد الله ورسوله به : أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله وتخالفه ألبتة ، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله ، وعليه أنزل ، وبه هداه الله ، وهو مأمور باتباعه ، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده ، ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن ، وبطلت بالكلية .
فما من أحد يحتج عليه بسنة صحيحة
[ ص: 66 ] تخالف مذاهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية أو إطلاقها ، ويقول : هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل .
حتى أن
الرافضة - قبحهم الله - سلكوا هذا المسلك بعينه في
nindex.php?page=treesubj&link=21253رد السنن الثابتة المتواترة ، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31094لا نورث ما تركنا صدقة } .
وقالوا : هذا حديث يخالف كتاب الله ، قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يوصيكم الله في أولادكم ، للذكر مثل حظ الأنثيين } وردت
الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء } .
وردت
الخوارج ما شاء الله من الأحاديث الدالة على الشفاعة وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت
الجهمية أحاديث الرؤية - مع كثرتها وصحتها - بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار } وردت
القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها ، وإما أن يطرد الباب في قبولها ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن .
أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود - فتناقض ظاهر ، وما من أحد رد سنة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك .
وقد أنكر الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما على من رد أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع
[ ص: 67 ] بظاهر قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية .
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنته التي لم تذكر في القرآن ، ولم يدع معارضة القرآن لها فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنته تخالف القرآن وتعارضه ؟
25 - ( فصل )
الطريق الثاني : أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه فلا تشرع في جانب المدعي ، قالوا : ويدل على ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13922البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر } فجعل اليمين من جانب المنكر ، وهذه الطريقة ضعيفة جدا من وجوه . أحدها : أن أحاديث القضاء بالشاهدين واليمين أصح وأصرح وأشهر .
وهذا الحديث لم يروه أحد من أهل الكتب الستة .
الثاني : أنه لو قاومها في الصحة والشهرة لوجب تقديمها عليه لخصوصها وعمومه .
الثالث : أن اليمين إنما كانت في جانب المدعى عليه ، حيث لم يترجح جانب المدعي بشيء غير الدعوى ، فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين ، لقوته بأصل براءة الذمة ، فكان هو أقوى المدعيين باستصحاب الأصل ، فكانت اليمين من جهته .
فإذا ترجح المدعي بلوث ، أو نكول ، أو شاهد كان أولى باليمين ، لقوة جانبه بذلك ، فاليمين - مشروعة في جانب أقوى المتداعيين ، فأيهما قوي جانبه شرعت اليمين في حقه بقوته وتأكيده .
ولهذا لما قوي جانب المدعين باللوث شرعت الأيمان في جانبهم ، ولما قوي جانب المدعي بنكول المدعى عليه ردت اليمين عليه ، كما حكم به الصحابة ، وصوبه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وقال : ما هو ببعيد ، يحلف ويأخذ .
ولما قوي جانب المدعى عليه بالبراءة الأصلية : كانت اليمين في حقه وكذلك الأمناء ، كالمودع والمستأجر والوكيل والوصي : القول قولهم ، ويحلفون ، لقوة جانبهم بالأيمان .
فهذه قاعدة الشريعة المستمرة ، فإذا أقام المدعي شاهدا واحدا قوي جانبه ، فترجح على جانب المدعى عليه ، الذي ليس معه إلا مجرد استصحاب الأصل ، وهو دليل ضعيف يدفع بكل دليل يخالفه ،
[ ص: 68 ] ولهذا يدفع بالنكول واليمين المردودة واللوث والقرائن الظاهرة ، فدفع بقول الشاهد الواحد ، وقويت شهادته بيمين المدعي . فأي قياس أحسن من هذا وأوضح ؟ مع موافقته للنصوص والآثار التي لا تدفع .
( فَصْلٌ )
[ ص: 60 ] وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ إذَا عَرَفَ صِدْقَهُ ، فِي غَيْرِ الْحُدُودِ ، وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَلَّا يَحْكُمُوا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا أُمِرَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَحْفَظَ حَقَّهُ بِشَاهِدَيْنِ ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَبِالشَّاهِدِ فَقَطْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ
رَبِيعَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16068سُهَيْلٍ عَنْهُ . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَنْ
الثَّقَفِيِّ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26688قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ } . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16087شَبَابَةَ .
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15136عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْهُ ، وَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ } . رَوَاهُ
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ " .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16383الْمُنْذِرِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=15246_16282الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ،
nindex.php?page=showalam&ids=228وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=19وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ،
وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ،
وَالزَّبِيبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، وَقَضَى بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَالْقَاضِي الْعَدْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15124اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17293يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا هُوَ السُّنَّةُ الْمَعْرُوفَةُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ : وَذَلِكَ مِنْ السُّنَنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَالْحَدِيثِ .
[ ص: 61 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ : وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْتِصَاصًا لِأَثَرِهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ عِنْدَ مَنْ فَهِمَهُ ، وَلَا بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ اخْتِلَافٌ ، إنَّمَا هُوَ غَلَطٌ فِي التَّأْوِيلِ ، حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا ذِكْرَ الْيَمِينِ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرًا ، فَظَنُّوهُ خِلَافًا .
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ : لَوْ كَانَ اللَّهُ حَظَرَ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ ، وَنَهَى عَنْهَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْيَمِينِ ، إنَّمَا أَثْبَتَهَا فِي الْكِتَابِ - إلَى أَنْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } وَأَمْسَكَ .
ثُمَّ فَسَّرَتْ السُّنَّةُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ . وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسِّرَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُتَرْجِمَةٌ عَنْهُ ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ . كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } وَ : {
الرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ } .
وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15759النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا } وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43700يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } وَ {
قَطْعُ الْمُوَارَثَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ [ ص: 62 ] وَأَهْلِ الْكُفْرِ } .
وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12937إيجَابُهُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا : مَسِيسَ الزَّوْجِ الْآخَرِ } فِي شَرَائِعَ كَثِيرَةٍ ، لَا يُوجَدُ لَفْظُهَا فِي ظَاهِرِ الْكِتَابِ . وَلَكِنَّهَا سُنَنٌ شَرَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَعَلَى الْأُمَّةِ اتِّبَاعُهَا ، كَاتِّبَاعِ الْكِتَابِ .
وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا ، وَإِنَّمَا فِي الْكِتَابِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا وُجِدَتَا ، فَإِذَا عُدِمَتَا قَامَتْ الْيَمِينُ مَقَامَهُمَا ، كَمَا عُلِمَ حِينَ مَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَأَرْجُلَكُمْ } مَعْنَاهُ : أَنْ تَكُونَ الْأَقْدَامُ بَادِيَةً . وَكَذَلِكَ لَمَّا رَجَمَ الْمُحْصَنَ فِي الزِّنَا : عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } لِلْبِكْرَيْنِ .
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّنَنِ عَلَى هَذَا فَمَا بَالُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينُ تَرِدُ مِنْ بَيْنِهَا ؟ وَإِنَّمَا هِيَ ثَلَاثُ مَنَازِلَ فِي شَهَادَاتِ الْأَمْوَالِ ، اثْنَتَانِ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَوَاحِدَةٌ بِتَفْسِيرِ السُّنَّةِ لَهُ . فَالْمَنْزِلَةُ الْأُولَى : الرَّجُلَانِ .
وَالثَّانِيَةُ : الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ .
وَالثَّالِثَةُ : الرَّجُلُ وَالْيَمِينُ .
فَمَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ لَزِمَهُ إنْكَارُ كُلِّ شَيْءٍ ذَكَرْنَاهُ ، لَا يَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ : وَيُقَالُ لِمَنْ أَنْكَرَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ : مَا تَقُولُ فِي الْخَصْمِ يَشْهَدُ لَهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ ، وَهُوَ وَاجِدٌ لِرَجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ ؟ فَإِنْ قَالُوا : الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ .
قِيلَ : لَيْسَ هَذَا أَوْلَى بِالْخِلَافِ ، وَقَدْ اشْتَرَطَ الْقُرْآنُ فِيهِ أَلَّا يَكُونَ لِلْمَرْأَتَيْنِ شَهَادَةٌ إلَّا مَعَ فَقْدِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ ، فَإِنَّهُ
[ ص: 63 ] سُبْحَانَهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } وَلَمْ يَقُلْ : وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ .
فَيَكُونُ فِيهِ الْخِيَارُ ، كَمَا جَعَلَهُ فِي الْفِدْيَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَمِثْلُ مَا جَعَلَهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِإِطْعَامِ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ ، أَوْ كُسْوَتِهِمْ أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْخِيَارِ ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ .
وَلَكِنَّهُ قَالَ فِيهَا كَمَا قَالَ فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَقَوْلُهُ هَاهُنَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12إنْ لَمْ يَكُنْ } كَقَوْلِهِ فِي آيَةِ الشَّهَادَةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فَإِنْ لَمْ يَكُونَا } كَذَلِكَ قَالَ فِي آيَةِ الطُّهُورِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } وَفِي آيَةِ الظِّهَارِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } وَكَذَلِكَ فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ : أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ الْوَاجِدَ .
فَأَيُّ الْحُكْمَيْنِ أَوْلَى بِالْخِلَافِ : هَذَا أَمْ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ ، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنْ اللَّهِ اشْتِرَاطُ مَنْعٍ ، إنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ ، ثُمَّ فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ : وَقَدْ وَجَدْنَا فِي حُكْمِهِمْ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=12868_12853رَضَاعِ الْيَتِيمِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ ، وَلَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ مُوسِرَانِ : إنَّ الْخَالَ يُجْبَرُ عَلَى رَضَاعِهِ ، لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ التَّنْزِيلُ غَيْرَهُ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } .
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ لَا مِيرَاثَ لِلْخَالِ مَعَ ابْنِ الْعَمِّ ، ثُمَّ لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحُكْمَ فِي السُّنَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَدْ وَجَدْنَا الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي آثَارٍ مُتَوَاتِرَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ التَّابِعِينَ .
وَقَالَ
الرَّبِيعُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَوْلًا أَسْرَفَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ ، قَالَ : أَرُدُّ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِهَا ، لِأَنَّهُ خَالَفَ الْقُرْآنَ .
فَقُلْت لَهُ : اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقُلْت : أَحَتْمٌ مِنْ اللَّهِ أَلَّا يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ ؟ قَالَ : فَإِنْ قُلْته ؟ قُلْت : فَقُلْهُ .
قَالَ : قَدْ قُلْته .
قُلْت وَتُحَدِّدُ فِي الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ أَمَرَ اللَّهُ بِهِمَا حَدًّا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، حُرَّانِ مُسْلِمَانِ بَالِغَانِ عَدْلَانِ .
قُلْت : وَمَنْ حَكَمَ بِدُونِ مَا قُلْت خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قُلْت لَهُ : إنْ كَانَ كَمَا زَعَمْت ، خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ ، قَالَ : وَأَيْنَ ؟ قُلْت : أَجَزْتُ شَهَادَةَ
أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ .
وَأَجَزْت شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا عَلَى الْوِلَادَةِ ، وَهَذَانِ وَجْهَانِ أَعْطَيْت بِهِمَا مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَةِ ، ثُمَّ أَعْطَيْت بِغَيْرِ شَهَادَةٍ فِي الْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا .
قُلْت : وَالْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لَيْسَ يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ ، بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ اللَّهِ ، إذْ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى طَاعَةَ رَسُولِهِ ، فَإِنْ اتَّبَعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قُبِلَتْ ، كَمَا قُبِلَتْ عَنْ رَسُولِهِ .
قَالَ : أَفَيُوجَدُ لِهَذَا نَظِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ؟ قُلْت : نَعَمْ .
أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ ، أَوْ مَسْحِهِمَا فَمَسَحْنَا عَلَى الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ [ ص: 64 ] إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ ، فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ بِالسُّنَّةِ .
وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } . فَحَرَّمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا ، وَذَكَرَ الرَّجْمَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ ، قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنَ عَنْ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ خَاصًّا وَعَامًّا .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
ابْنُ تَيْمِيَّةَ : الْقُرْآنُ لَمْ يَذْكُرْ الشَّاهِدَيْنِ ، وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي طُرُقِ الْحُكْمِ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ فِي الطُّرُقِ الَّتِي يَحْفَظُ بِهَا الْإِنْسَانُ حَقَّهُ .
فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجْلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ . وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ . فَلْيَكْتُبْ ، وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ . وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } .
فَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِ حُقُوقِهِمْ بِالْكِتَابِ وَأَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يُمْلِيَ الْكَاتِبَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَصِحُّ إمْلَاؤُهُ أَمْلَى عَنْهُ وَلِيُّهُ ، ثُمَّ أَمَرَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَسْتَشْهِدَ عَلَى حَقِّهِ رَجُلَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ . ثُمَّ نَهَى الشُّهَدَاءَ الْمُتَحَمِّلِينَ لِلشَّهَادَةِ عَنْ التَّخَلُّفِ عَنْ إقَامَتِهَا إذَا طُلِبُوا لِذَلِكَ . ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ الْحَاضِرَةِ : أَلَّا يَكْتُبُوهَا ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ التَّبَايُعِ . ثُمَّ أَمَرَهُمْ إذَا كَانُوا عَلَى سَفَرٍ - وَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا - أَنْ يَسْتَوْثِقُوا بِالرِّهَانِ الْمَقْبُوضَةِ . كُلُّ هَذَا نَصِيحَةٌ لَهُمْ ، وَتَعْلِيمٌ وَإِرْشَادٌ لِمَا يَحْفَظُوا بِهِ حُقُوقَهُمْ ، وَمَا تُحْفَظُ بِهِ الْحُقُوقُ شَيْءٌ ، وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ شَيْءٌ .
فَإِنَّ طُرُقَ الْحُكْمِ أَوْسَعُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ، وَلَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ ، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَالْيَمِينِ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ ، فَالْحُكْمُ بِالنُّكُولِ وَالرَّدِّ أَشَدُّ مُخَالَفَةً .
وَأَيْضًا ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِالْقُرْعَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَيَحْكُمُ بِالْقَافَةِ بِالسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا ، وَيَحْكُمُ بِالْقَسَامَةِ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ ، وَيَحْكُمُ بِشَاهِدِ الْحَالِ إذَا تَدَاعَى الزَّوْجَانِ أَوْ الصَّانِعَانِ مَتَاعَ الْبَيْتِ وَالدُّكَّانِ ، وَيَحْكُمُ - عِنْدَ مَنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ - بِوُجُوهِ الْآجُرِّ فِي الْحَائِطِ فَيَجْعَلُهُ لِلْمُدَّعِي إذَا كَانَتْ إلَى جِهَتِهِ .
وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَيْفَ سَاغَ الْحُكْمُ بِهِ ، وَلَمْ يُجْعَلْ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ ؟ وَرُدَّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَيُجْعَلُ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ ؟ بَلْ الْقَوْلُ مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ : إنَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ : حُكْمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ حَقٌّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ ، فَهَاتَانِ قَضِيَّتَانِ ثَابِتَتَانِ بِالنَّصِّ .
[ ص: 65 ]
أَمَّا الْأُولَى : فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ حَكَمُوا بِهِ وَلَا يَحْكُمُونَ بِبَاطِلٍ .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ : فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ } فَالْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مِمَّا أَرَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ قَطْعًا .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=15فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ، وَقُلْ آمَنْت بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ } وَهَذَا مِمَّا حَكَمَ بِهِ . فَهُوَ عَدْلٌ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ اللَّهِ وَلَا بُدَّ .
24 - ( فَصْلٌ )
وَاَلَّذِينَ رَدُّوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَهُمْ طُرُقٌ : الطَّرِيقُ الْأُولَى : أَنَّهَا خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ ، فَلَا تُقْبَلُ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَئِمَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790كَالشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=12074وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ - أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ لَا يُخَالِفُهَا بِوَجْهٍ ، وَإِنَّهَا لَمُوَافِقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ .
وَأَنْكَرَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ رَدَّ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَعْمِهِ أَنَّهَا تُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ ، وَلِلْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ مُفْرَدٌ سَمَّاهُ كِتَابَ طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ اعْتِقَادُهُ : أَنَّهُ لَيْسَ فِي سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ تُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ ، بَلْ السُّنَنُ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى ثَلَاثِ مَنَازِلَ .
الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى : سُنَّةٌ مُوَافِقَةٌ شَاهِدَةٌ بِنَفْسِ مَا شَهِدَ بِهِ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ .
الْمَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ : سُنَّةٌ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ ، وَتُبَيِّنُ مُرَادَ اللَّهِ مِنْهُ ، وَتُقَيِّدُ مُطْلَقَهُ .
الْمَنْزِلَةُ الثَّالِثَةُ : سُنَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِحُكْمٍ سَكَتَ عَنْهُ الْكِتَابُ فَتُبَيِّنُهُ بَيَانًا مُبْتَدَأً وَلَا يَجُوزُ رَدُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ لِلسُّنَّةِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ رَابِعَةٌ .
وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ : " السُّنَّةُ تَقْضِي عَلَى الْكِتَابِ " فَقَالَ : بَلْ السُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ وَتُبَيِّنُهُ ، وَاَلَّذِي يَشْهَدُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ : أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاقِضُ كِتَابَ اللَّهِ وَتُخَالِفُهُ أَلْبَتَّةَ ، كَيْفَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِكِتَابِ اللَّهِ ، وَعَلَيْهِ أُنْزِلَ ، وَبِهِ هَدَاهُ اللَّهُ ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِتَأْوِيلِهِ وَمُرَادِهِ ، وَلَوْ سَاغَ رَدُّ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فَهِمَهُ الرَّجُلُ مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ لَرُدَّتْ بِذَلِكَ أَكْثَرُ السُّنَنِ ، وَبَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ .
فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ
[ ص: 66 ] تُخَالِفُ مَذَاهِبَهُ وَنِحْلَتَهُ إلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَشَبَّثَ بِعُمُومِ آيَةٍ أَوْ إطْلَاقِهَا ، وَيَقُولُ : هَذِهِ السُّنَّةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ فَلَا تُقْبَلُ .
حَتَّى أَنَّ
الرَّافِضَةَ - قَبَّحَهُمْ اللَّهُ - سَلَكُوا هَذَا الْمَسْلَكَ بِعَيْنِهِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21253رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، فَرَدُّوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31094لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ } .
وَقَالُوا : هَذَا حَدِيثٌ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ ، قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وَرَدَّتْ
الْجَهْمِيَّةُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } .
وَرَدَّتْ
الْخَوَارِجُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الشَّفَاعَةِ وَخُرُوجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ .
وَرَدَّتْ
الْجَهْمِيَّةُ أَحَادِيثَ الرُّؤْيَةِ - مَعَ كَثْرَتِهَا وَصِحَّتِهَا - بِمَا فَهِمُوهُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } وَرَدَّتْ
الْقَدَرِيَّةُ أَحَادِيثَ الْقَدَرِ الثَّابِتَةِ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ .
وَرَدَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مَا رَدَّتْهُ مِنْ السُّنَّةِ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فَإِمَّا أَنْ يَطَّرِدَ الْبَابُ فِي رَدِّ هَذِهِ السُّنَنِ كُلِّهَا ، وَإِمَّا أَنْ يَطَّرِدَ الْبَابُ فِي قَبُولِهَا وَلَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْهَا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ .
أَمَّا أَنْ يُرَدَّ بَعْضُهَا وَيُقْبَلَ بَعْضُهَا - وَنِسْبَةُ الْمَقْبُولِ إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ كَنِسْبَةِ الْمَرْدُودِ - فَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ رَدَّ سُنَّةً بِمَا فَهِمَهُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ إلَّا وَقَدْ قَبِلَ أَضْعَافَهَا مَعَ كَوْنِهَا كَذَلِكَ .
وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَنْ رَدَّ أَحَادِيثَ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ
[ ص: 67 ] بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } الْآيَةَ .
وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ رَدَّ سُنَّتَهُ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَمْ يَدَّعِ مُعَارَضَةَ الْقُرْآنِ لَهَا فَكَيْفَ يَكُونُ إنْكَارُهُ عَلَى مَنْ ادَّعَى أَنَّ سُنَّتَهُ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَتُعَارِضُهُ ؟
25 - ( فَصْلٌ )
الطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تُشْرَعُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي ، قَالُوا : وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13922الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَجُعِلَ الْيَمِينُ مِنْ جَانِبِ الْمُنْكِرِ ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ ضَعِيفَةٌ جِدًّا مِنْ وُجُوهٍ . أَحَدُهَا : أَنَّ أَحَادِيثَ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ أَصَحُّ وَأَصْرَحُ وَأَشْهَرُ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ قَاوَمَهَا فِي الصِّحَّةِ وَالشُّهْرَةِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِخُصُوصِهَا وَعُمُومِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا كَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، حَيْثُ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ غَيْرِ الدَّعْوَى ، فَيَكُونُ جَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ ، لِقُوَّتِهِ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، فَكَانَ هُوَ أَقْوَى الْمُدَّعِيَيْنِ بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ ، فَكَانَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِ .
فَإِذَا تَرَجَّحَ الْمُدَّعِي بِلَوْثٍ ، أَوْ نُكُولٍ ، أَوْ شَاهِدٍ كَانَ أَوْلَى بِالْيَمِينِ ، لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِذَلِكَ ، فَالْيَمِينُ - مَشْرُوعَةٌ فِي جَانِبِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ ، فَأَيُّهُمَا قَوِيَ جَانِبُهُ شُرِعَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ بِقُوَّتِهِ وَتَأْكِيدِهِ .
وَلِهَذَا لَمَّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِينَ بِاللَّوْثِ شُرِعَتْ الْأَيْمَانُ فِي جَانِبِهِمْ ، وَلَمَّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِي بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ، كَمَا حَكَمَ بِهِ الصَّحَابَةُ ، وَصَوَّبَهُ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، وَقَالَ : مَا هُوَ بِبَعِيدٍ ، يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ .
وَلَمَّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ : كَانَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَكَذَلِكَ الْأُمَنَاءُ ، كَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ : الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ ، وَيَحْلِفُونَ ، لِقُوَّةِ جَانِبِهِمْ بِالْأَيْمَانِ .
فَهَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ الْمُسْتَمِرَّةُ ، فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا قَوِيَ جَانِبُهُ ، فَتَرَجَّحَ عَلَى جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مُجَرَّدُ اسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ يُدْفَعُ بِكُلِّ دَلِيلٍ يُخَالِفُهُ ،
[ ص: 68 ] وَلِهَذَا يُدْفَعُ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَاللَّوْثِ وَالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ ، فَدُفِعَ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ ، وَقَوِيَتْ شَهَادَتُهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي . فَأَيُّ قِيَاسٍ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَأَوْضَحُ ؟ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلنُّصُوصِ وَالْآثَارِ الَّتِي لَا تُدْفَعُ .