وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28905_28914_28977وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه [الأنعام :38] ، ففيه فائدة زائدة ، وهي أن الطيران قد يستعمل في الخفة وشدة الإسراع في الشيء ، منه قول الشاعر :
فطرنا إلى الهامات بالبيض والقنا
[ ص: 339 ] ومنه بيت الحماسية :
طاروا إليه زرافات ووحدانا
فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38يطير بجناحيه رافع لاحتمال هذا المعنى ، وإرادته بلفظ الطائر ويطير .
وأحسن من هذا أن يقال : إنه لو اقتصر على ذكر الطائر فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38وما من دابة في الأرض ولا طائر ، لكان ظاهر العطف يوهم «ولا طائر في الأرض » ؛ لأن المعطوف عليه إذا قيد بظرف أو حال تقيد به المعطوف ، فكان ذلك يوهم اختصاصه بطير الأرض الذي لا يطير بجناحيه ، كالدجاج والإوز والبط ونحوها . فلما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38يطير بجناحيه زال هذا التوهم ، وعلم أنه ليس الطائر مقيدا بما تقيدت به الدابة .
وأيضا ففيه تحقيق معنى الطيران وأن المراد به هذا الجنس الذي يرونه يطير بجناحيه على اختلاف أنواعه وأجناسه أمم أمثالكم .
وهذا استعمال مطروق للعرب ، كما يقال : ما خلق الله إنسانا يمشي على رجليه إلا وهو يعلم بأن له خالقا وفاطرا .
ونحوه قول أبي ذر رضي الله تعالى عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=941725«لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 340 ] وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه [علما] » .
وبالجملة فليست اللفظة خالية عن معنى زائد .
وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28905_28914_29019يقولون بألسنتهم [الفتح :11] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة تخرج من أفواههم [الكهف :5] .
فقد قيل : إنه رافع لتوهم إرادة حديث النفس ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8ويقولون في أنفسهم [المجادلة :8] .
وأحسن منه أن يقال : حيث ذكر الله سبحانه ويقولون بألسنتهم ويقولون بأفواههم ، فالمراد به أنه قول باللسان مجرد لا معنى تحته ، فإنه باطل ، والباطل لا حقيقة تحته ، وإنما غايته وقصاراه أنه حركة لسان مجرد عن معنى ، فليس وراء حركة اللسان به شيء .
[ ص: 341 ]
وهذا استعمال مطرد في القرآن ، فتأمله تجده كما ذكرت لك .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28905_28914_28977وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [الْأَنْعَامِ :38] ، فَفِيهِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ ، وَهِيَ أَنَّ الطَّيَرَانَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخِفَّةِ وَشِدَّةِ الْإِسْرَاعِ فِي الشَّيْءِ ، مِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَطِرْنَا إِلَى الْهَامَاتِ بِالْبِيضِ وَالْقَنَا
[ ص: 339 ] وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسِيَّةِ :
طَارُوا إِلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا
فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ رَافِعٌ لِاحْتِمَالِ هَذَا الْمَعْنَى ، وَإِرَادَتُهُ بِلَفْظِ الطَّائِرِ وَيَطِيرُ .
وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الطَّائِرِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ ، لَكَانَ ظَاهِرُ الْعَطْفِ يُوهِمُ «وَلَا طَائِرٌ فِي الْأَرْضِ » ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ إِذَا قُيِّدَ بِظَرْفٍ أَوْ حَالٍ تَقَيَّدَ بِهِ الْمَعْطُوفُ ، فَكَانَ ذَلِكَ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِطَيْرِ الْأَرْضِ الَّذِي لَا يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ، كَالدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَالْبَطِّ وَنَحْوِهَا . فَلَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ زَالَ هَذَا التَّوَهُّمُ ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الطَّائِرُ مُقَيَّدًا بِمَا تَقَيَّدَتْ بِهِ الدَّابَّةُ .
وَأَيْضًا فَفِيهِ تَحْقِيقُ مَعْنَى الطَّيَرَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَذَا الْجِنْسُ الَّذِي يَرَوْنَهُ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَأَجْنَاسِهِ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ .
وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مَطْرُوقٌ لِلْعَرَبِ ، كَمَا يُقَالُ : مَا خَلَقَ اللَّهُ إِنْسَانًا يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَفَاطِرًا .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=941725«لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ ص: 340 ] وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلَّا ذَكَّرَنَا مِنْهُ [عِلْمًا] » .
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَتِ اللَّفْظَةُ خَالِيَةً عَنْ مَعْنًى زَائِدٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28905_28914_29019يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ [الْفَتْحِ :11] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الْكَهْفِ :5] .
فَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ رَافِعٌ لِتَوَهُّمِ إِرَادَةِ حَدِيثِ النَّفْسِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ [الْمُجَادَلَةِ :8] .
وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ : حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَيَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ مُجَرَّدٌ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ ، وَالْبَاطِلُ لَا حَقِيقَةَ تَحْتَهُ ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ وَقُصَارَاهُ أَنَّهُ حَرَكَةُ لِسَانٍ مُجَرَّدٍ عَنْ مَعْنًى ، فَلَيْسَ وَرَاءَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِهِ شَيْءٌ .
[ ص: 341 ]
وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مُطَّرِدٌ فِي الْقُرْآنِ ، فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ .