وبالجملة
nindex.php?page=treesubj&link=29700جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق ثمرة الحب وما لا يثمره الحب فهو اتباع الهوى ، وهو من رذائل الأخلاق .
نعم قد يحب الله لإحسانه إليه ، وقد يحبه لجلاله وجماله وإن لم يحسن إليه .
والمحبون لا يخرجون عن هذين القسمين ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد الناس في محبة الله تعالى عام وخاص ؛ فالعوام نالوا ذلك بمعرفتهم في دوام إحسانه وكثرة نعمه ، فلم يتمالكوا أن أرضوه إلا أنهم تقل محبتهم وتكثر على قدر النعم والإحسان فأما الخاصة فنالوا المحبة بعظم القدر والقدرة والعلم والحكمة والتفرد بالملك .
ولما ؛ عرفوا صفاته الكاملة وأسماءه الحسنى لم يمتنعوا أن أحبوه إذ استحق عندهم المحبة بذلك ؛ لأنه أهل لها ، ولو أزال عنهم جميع النعم نعم من الناس من يحب هواه .
وعدو الله إبليس ، وهو مع ذلك يلبس على نفسه بحكم الغرور والجهل فيظن أنه محب لله عز وجل ، وهو الذي فقدت فيه هذه العلامات أو يلبس بها نفاقا ورياء وسمعة وغرضه عاجل حظ الدنيا ، وهو يظهر من نفسه خلاف ذلك كعلماء السوء وقراء السوء أولئك بغضاء الله في أرضه .
وكان سهل إذا تكلم مع إنسان قال : يا دوست أي يا حبيب فقيل له : قد لا يكون حبيبا فكيف تقول هذا ؟! فقال في أذن القائل سرا لا يخلو إما أن يكون مؤمنا ، أو منافقا فإن كان مؤمنا فهو حبيب الله : عز وجل ، وإن كان منافقا فهو حبيب إبليس وقد قال أبو تراب النخشبي في علامات المحبة أبياتا .
لا تخدعن فللحبيب دلائل ولديه من تحف الحبيب وسائل منها تنعمه بمر بلائه
وسروره في كل ما هو فاعل فالمنع منه عطية مقبولة
والفقر إكرام وبر عاجل ومن الدلائل أن ترى من عزمه
طوع الحبيب وإن ألح العاذل ومن الدلائل أن يرى متبسما
والقلب فيه من الحبيب بلابل ومن الدلائل أن يرى متفهما
لكلام من يحظى لديه السائل ومن الدلائل أن يرى متقشفا
متحفظا من كل ما هو قائل
وقال يحيى بن معاذ .
ومن الدلائل أن تراه مشمرا في خرقتين على شطوط الساحل
ومن الدلائل حزنه ونحيبه جوف الظلام فما له من عاذل
ومن الدلائل أن تراه مسافرا نحو الجهاد وكل فعل فاضل
ومن الدلائل زهده فيما يرى من دار ذل والنعيم الزائل
ومن الدلائل أن تراه باكيا أن قد رآه على قبيح فعائل
ومن الدلائل أن تراه مسلما كل الأمور إلى المليك العادل
ومن الدلائل أن تراه راضيا بمليكه في كل حكم نازل
ومن الدلائل ضحكه بين الورى والقلب محزون كقلب الثاكل
.
وَبِالْجُمْلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29700جَمِيعُ مَحَاسِنِ الدِّينِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ثَمَرَةُ الْحُبِّ وَمَا لَا يُثْمِرُهُ الْحُبُّ فَهُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى ، وَهُوَ مِنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ .
نَعَمْ قَدْ يُحِبُّ اللَّهَ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ ، وَقَدْ يُحِبُّهُ لِجَلَالِهِ وَجَمَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهِ .
وَالْمُحِبُّونَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدُ النَّاسُ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَامٌّ وَخَاصٌّ ؛ فَالْعَوَّامُ نَالُوا ذَلِكَ بِمَعْرِفَتِهِمْ فِي دَوَامِ إِحْسَانِهِ وَكَثْرَةِ نِعَمِهِ ، فَلَمْ يَتَمَالَكُوا أَنْ أَرْضَوْهُ إِلَّا أَنَّهُمْ تَقِلُّ مَحَبَّتُهُمْ وَتَكْثُرُ عَلَى قَدْرِ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانِ فَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَنَالُوا الْمَحَبَّةَ بِعِظَمِ الْقَدْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالتَّفَرُّدِ بِالْمُلْكِ .
وَلَمَّا ؛ عَرَفُوا صِفَاتِهِ الْكَامِلَةَ وَأَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى لَمْ يَمْتَنِعُوا أَنْ أَحَبُّوهُ إِذِ اسْتَحَقَّ عِنْدَهُمُ الْمَحَبَّةَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لَهَا ، وَلَوْ أَزَالَ عَنْهُمْ جَمِيعَ النِّعَمِ نَعَمْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُحِبُّ هَوَاهُ .
وَعَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُلْبِسُ عَلَى نَفْسِهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَالْجَهْلِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ مُحِبٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ الَّذِي فُقِدَتْ فِيهِ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ أَوْ يَلْبَسُ بِهَا نِفَاقًا وَرِيَاءً وَسُمْعَةً وَغَرَضُهُ عَاجِلُ حَظِّ الدُّنْيَا ، وَهُوَ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ خِلَافَ ذَلِكَ كَعُلَمَاءِ السُّوءِ وَقُرَّاءِ السُّوءِ أُولَئِكَ بُغَضَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ .
وَكَانَ سَهْلٌ إِذَا تَكَلَّمَ مَعَ إِنْسَانٍ قَالَ : يَا دُوسْتُ أَيْ يَا حَبِيبُ فَقِيلَ لَهُ : قَدْ لَا يَكُونُ حَبِيبًا فَكَيْفَ تَقُولُ هَذَا ؟! فَقَالَ فِي أُذُنِ الْقَائِلِ سِرًّا لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا ، أَوْ مُنَافِقًا فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَهُوَ حَبِيبُ اللَّهِ : عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا فَهُوَ حَبِيبُ إِبْلِيسَ وَقَدْ قَالَ أَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِيُّ فِي عَلَامَاتِ الْمَحَبَّةِ أَبْيَاتًا .
لَا تَخْدَعَنَّ فَلِلْحَبِيبِ دَلَائِلٌ وَلَدَيْهِ مِنْ تُحَفِ الْحَبِيبِ وَسَائِلُ مِنْهَا تَنَعُّمُهُ بِمُرِّ بَلَائِهِ
وَسُرُورِهِ فِي كُلِّ مَا هُوَ فَاعِلُ فَالْمَنْعُ مِنْهُ عَطِيَّةٌ مَقْبُولَةٌ
وَالْفَقْرُ إِكْرَامٌ وَبِرٌّ عَاجِلُ وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ تَرَى مِنْ عَزْمِهِ
طَوْعُ الْحَبِيبِ وَإِنْ أَلَحَّ الْعَاذِلُ وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ يُرَى مُتَبَسِّمًا
وَالْقَلْبُ فِيهِ مِنَ الْحَبِيبِ بَلَابِلُ وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ يُرَى مُتَفَهِّمًا
لِكَلَامِ مَنْ يَحْظَى لَدَيْهِ السَّائِلُ وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ يُرَى مُتَقَشِّفًا
مُتَحَفِّظًا مِنْ كُلِّ مَا هُوَ قَائِلُ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ .
وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ تَرَاهُ مُشَمِّرًا فِي خِرْقَتَيْنِ عَلَى شُطُوطِ السَّاحِلِ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ حُزْنُهُ وَنَحِيبُهُ جَوْفَ الظَّلَامِ فَمَا لَهُ مِنْ عَاذِلِ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ تَرَاهُ مُسَافِرًا نَحْوَ الْجِهَادِ وَكُلِّ فِعْلٍ فَاضِلِ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ زُهْدُهُ فِيمَا يَرَى مِنْ دَارِ ذُلٍّ وَالنَّعِيمِ الزَّائِلِ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ تَرَاهُ بَاكِيًا أَنْ قَدْ رَآهُ عَلَى قَبِيحٍ فَعَائِلِ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ تَرَاهُ مُسَلِّمًا كُلَّ الْأُمُورِ إِلَى الْمَلِيكِ الْعَادِلِ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ أَنْ تَرَاهُ رَاضِيًا بِمَلِيكِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ نَازِلِ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ ضِحْكُهُ بَيْنَ الْوَرَى وَالْقَلْبُ مَحْزُونٌ كَقَلْبِ الثَّاكِلِ
.