اللفظ الخامس كفالة الله تعالى قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=16530_16374_16540قال علي كفالة الله تعالى وحنث لزمته الكفارة ومعنى الكفالة لغة الخبر الدال على الضمان وهي القبالة ومنه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } أي ضامنا والحمالة والأذانة والزعامة ومنه قوله تعالى عن منادي
يوسف عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=72ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } أي ضامن والصبير قال صاحب المقدمات هي سبعة ألفاظ مترادفة الحميل والزعيم والكفيل والقبيل والأذين والصبير والضامن حمل يحمل حمالة فهو حميل وزعم يزعم زعامة فهو زعيم وكفل يكفل كفالة فهو كفيل وقبل يقبل قبالة فهو قبيل وأذن يأذن أذانة فهو أذين وصبر يصبر صبرا فهو صبير وضمن يضمن ضمانة فهو ضامن قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=91وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87358تكفل الله لمن جاهد في سبيله وابتغاء مرضاته لا يخرجه من بيته إلا الجهاد وابتغاء مرضاته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة } والأذانة في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=167وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } أي التزم ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم } وأصل الأذانة والإذن والأذين والإذن وما تصرف من هذا الباب الإعلام والتكفيل معلم بأن الحق في جهته قال الله تعالى في الحمالة {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض في التنبيهات ومثل حميل عذير وكدين قال وأصل ذلك كله من الحفظ والحياطة قال والكفالة اشتقاقها من الكفل وهو الكساء الذي يحزم حول سنام البعير ليحفظ به الراكب والكفيل حافظا التزمه والضامن من الضمن وهو الحرز وكل شيء أحرزته في شيء فقد ضمنته إياه والقبالة القوة ومنه قولهم ما لي بهذا الأمر قبل ولا طاقة والقبيل قوة في استيفاء الحق والزعامة السيادة فكأنه لما تكفل به صار له عليه سيادة وحكم عليه والصبير من الصبر وهو الثبات .
والحبس ومنه المصبورة وهي المحبوسة المرمى بالسهام ومنه قتله صبرا أي حبسه حتى مات جوعا وعطشا والضامن حبس نفسه لأداء الحق والكدين من كدنت لك بكذا وكذا وقالوا عذيرك أي كفيلك وقال بعض الفضلاء الكفالة أصلها الضم ومنه سميت الخشبة التي تعمل في الحائط كفلا ومنه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37وكفلها زكريا } أي ضمها لنفسه والكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة أخرى فصدق المعنى فتحرر أن الألفاظ المترادفة في هذا الباب تسعة وتكون كفالة الله تعالى وعده بما التزمه ووعده خبره وخبره كلامه النفسي فيكون الحالف قد حلف بكلامه النفساني فتلزمه الكفارة إذا حنث
[ ص: 35 ] وهنا أربع تنبيهات الأول أن قوله علي يشعر بالالتزام وخبر الله تعالى كيف يصح التزامه وقد تقدم أنه لو قال علي علم الله تعالى وإرادته أو نحو ذلك بعد في الفقه أن يجب عليه بهذا كفارة ووجب أيضا أن يفهم لهذا الكلام معنى صحيح فإن التزام القديم الذي هو واجب الوجود كيف يصح وإنما يلتزم الإنسان فعلا من كسبه وقدرته فإن قلت الالتزام إنما جاء من جهة أن الحانث في هذه الأمور تجب عليه الكفارة والكفارة مقدورة يمكن التزامها ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة إذا قال على عشر كفارات أو مواثيق أو نذور لزمه عدد ما ذكر كفارات وهذا التزام صحيح .
قلت كفارة اليمين غير يمين ولا حنث لا تلزم المكلف لأن لزوم المسبب بدون سببه غير واقع شرعا وحينئذ لا تكون هذه الكفارات لازمة له من حيث هي كفارات بل من حيث هي نذور وكأنه نذر والتزم بطريق النذر عشر كفارات فهذا صحيح غير أن هذا ليس من باب الحلف والأيمان في شيء ولا يكون اللفظ يعطي ذلك حقيقة بل مجازا فإن استعمال لفظ الكفالة فيما يلزم عنها إذا حلف بها وحنث مجاز والمجاز لا بد فيه من أحد أمرين إما نية المتكلم أو عرف اقتضى نقلا لهذا المجاز فأغنى عن النية فإن كان الواقع هو القسم الأول فينبغي أن لا يلزم شيء بهذه الصيغ وبهذا اللفظ وما تقدم البحث فيه قبل هذا إلا بالنية ولا يتحرر الذي يلزم المتكلم بها في الكفارة بل يحسب ما ينويه من كفارة أو كفارات أو بعض كفارة أو شيء آخر من باب المعروف المندوب إليه شرعا مما يمكن استعمال الكفالة فيه مجازا فالقول بأن اللازم الكفارة وتعيين ذلك اللزوم لا يصح إلا في بعض الصور وإن كان الواقع القسم الثاني وهو النقل العرفي فيلزم أن لا يلزم به في زماننا شيء فإنا لا نجد هذا النقل فيه فإن النقل إنما يحصل بغلبة الاستعمال عليه حتى يصير اللفظ يفهم منه المنقول إليه بغير قرينة .
ونحن لا نجد ذلك في زماننا ويلزم أيضا إذا وجد هذا العرف وهذا النقل أن يراقب فيه اختلاف الأزمنة واختلاف الأقاليم والبلدان فكل زمان تغير فيه هذا العرف بطل فيه هذا الحكم وكل بلد لا يكون فيه هذا العرف لا يلزم فيه هذا الحكم فتأمل هذا فهو أمر لازم في قواعد الفقه أما الفتيا بلزوم الكفارة على الإطلاق فغير متجه أصلا ولعل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا رحمه الله أفتى بذلك لمن سأل أنه كان نواه أو كان عرف زمانه يتقاضى ذلك وهو الأقرب فإن الفتيا .
لو كانت مبنية على نية لذكرت مع
[ ص: 36 ] الحكم في الفتيا . التنبيه الثاني أن قوله كفالة الله تعالى كفالة مضافة إلى الله تعالى وقد تقدم أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة حقيقة لغوية كقول أحد حاملي الخشبة شل طرفك وقولنا حج البيت وصوم رمضان وهذه الكفالة المضافة تحتمل ثلاثة أنواع من الكفالة أحدها الكلام القديم والوعد الذي هو الكلام النفسي وثانيها كفالة الله تعالى التي هي التزامه اللفظي المنزل في القرآن وغيره من الكتب الدال على الكلام القديم فهو كفالة حادثة دالة على تلك الكفالة القديمة كما أن أمر الله تعالى اللفظي الذي هو أقيموا الصلاة دليل أمره النفسي القائم بذاته وكذلك جميع الأحكام والأخبار وهذه الكفالة الحادثة لا يوجب الحلف بها كفارة وثالثها كفالة خلقه التي هي ضمان بعضهم لبعض التي هي من فعلنا وقولنا وهي مندوبة من قبل صاحب الشرع فهي تضاف إليه تعالى إضافة المشروعية كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106ولا نكتم شهادة الله } تعالى أي التي شرعها وأوجب علينا أداءها فأضافها إليه تعالى إضافة المشروعية لأنه تعالى شاهد ولا شهود عليه فكذلك هذه الكفالة المندوب إليها تصح إضافتها إليه تعالى إضافة المشروعية إذا كانت الكفالة التي يمكن إضافتها إليه تعالى ثلاثة أنواع متباينة قديمة وحادثتان .
ومطلق الإضافة هو الموجود وهو الذي دل عليه اللفظ والدال على الأعم غير دال على الأخص فلا يكون لقول القائل علي كفالة الله إشعار بالكفالة القديمة ألبتة لأن نوعها أخص مما دل عليه مطلق الإضافة فلا يكون هذا اللفظ موجبا للكفارة من جهة أن المتكلم حلف بصفة من صفات الله تعالى ألبتة بل إما بجهة النذر أو بجهة أخرى كما تقدم بيانه فتأمل ذلك ، التنبيه الثالث أن المتكلم إذا لم يقل علي كفالة الله ، وكفالة الله أو أقسم بكفالة الله وغير ذلك من صيغ القسم اللغوي الذي هو القسم بوضعه مستغن عن النية والعرف والنقل يلزمه به الكفارة ويكون أصرح من قول القائل علي كفالة الله من جهة أنه قسم مستغن عن نية المجاز والنقل العرفي وإن كان احتمال الإضافة للحادث والقديم موجودا فيه غير أنه احتمال مشترك بين علي كفالة الله وأقسم بكفالة الله التنبيه الرابع أن تلك الكلمات السبع ينبغي أن تستوي في لزوم الكفارة وعدم لزومها لأنها مترادفة وشأن أحد الألفاظ المترادفة أن يقوم مقام الآخر في لزوم الحكم وسقوطه فلا فرق حينئذ بين علي كفالة الله تعالى وبين أذانته وزعامته وضمانه وقبالته وجميع ما تقدم في ذلك وكذلك إذا أتى بصيغة القسم تشمل جميع تلك الألفاظ ويكون الحكم في الجميع واحدا لأنها مترادفة فتأمل هذه التنبيهات فهي يحتاج إليها في هذه الكلمات
[ ص: 37 ]
اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16530_16374_16540قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَمَعْنَى الْكَفَالَةِ لُغَةً الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى الضَّمَانِ وَهِيَ الْقَبَالَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أَوْ تَأْتِيَ بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا } أَيْ ضَامِنًا وَالْحَمَالَةُ وَالْأَذَانَةُ وَالزَّعَامَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى عَنْ مُنَادِي
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=72وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٌ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } أَيْ ضَامِنٌ وَالصَّبِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقَبِلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=91وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87358تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ } وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=167وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ } وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْإِذْنِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالتَّكْفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ } .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْكَفِيلُ حَافِظًا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ .
وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ الْمَرْمَى بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُتَرَادِفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ تِسْعَةٌ وَتَكُونُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعْدُهُ بِمَا الْتَزَمَهُ وَوَعْدُهُ خَبَرُهُ وَخَبَرُهُ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ فَيَكُونُ الْحَالِفُ قَدْ حَلَفَ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ
[ ص: 35 ] وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ بَعُدَ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ وَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يُفْهَمَ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ الْتِزَامَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ كَيْفَ يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنْ قُلْت الِالْتِزَامُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَانِثَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْكَفَّارَةُ مَقْدُورَةٌ يُمْكِنُ الْتِزَامُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَى عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٌ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ وَهَذَا الْتِزَامٌ صَحِيحٌ .
قُلْت كَفَّارَةُ الْيَمِينِ غَيْرُ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْكَفَّارَاتُ لَازِمَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَفَّارَاتٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ نُذُورٌ وَكَأَنَّهُ نَذْرٌ وَالْتَزَمَ بِطَرِيقِ النَّذْرِ عَشْرَ كَفَّارَاتٍ فَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ يُعْطِي ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْكَفَالَةِ فِيمَا يَلْزَمُ عَنْهَا إذَا حَلَفَ بِهَا وَحَنِثَ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا نِيَّةُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عُرْفٌ اقْتَضَى نَقْلًا لِهَذَا الْمَجَازِ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ شَيْءٌ بِهَذِهِ الصِّيَغِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ وَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلَ هَذَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَتَحَرَّرُ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا فِي الْكَفَّارَةِ بَلْ يَحْسِبُ مَا يَنْوِيه مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ أَوْ بَعْضِ كَفَّارَةٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ شَرْعًا مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْكَفَالَةِ فِيهِ مَجَازًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّازِمَ الْكَفَّارَةُ وَتَعْيِينُ ذَلِكَ اللُّزُومِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ الْقِسْمَ الثَّانِيَ وَهُوَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِهِ فِي زَمَانِنَا شَيْءٌ فَإِنَّا لَا نَجِدُ هَذَا النَّقْلَ فِيهِ فَإِنَّ النَّقْلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ .
وَنَحْنُ لَا نَجِدُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَيَلْزَمُ أَيْضًا إذَا وُجِدَ هَذَا الْعُرْفُ وَهَذَا النَّقْلُ أَنْ يُرَاقِبَ فِيهِ اخْتِلَافَ الْأَزْمِنَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ فَكُلُّ زَمَانٍ تَغَيَّرَ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ بَطَلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ وَكُلُّ بَلَدٍ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَمَّا الْفُتْيَا بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ أَصْلًا وَلَعَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَ أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ أَوْ كَانَ عُرْفُ زَمَانِهِ يَتَقَاضَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الْفُتْيَا .
لَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى نِيَّةٍ لَذُكِرَتْ مَعَ
[ ص: 36 ] الْحُكْمِ فِي الْفُتْيَا . التَّنْبِيهُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَفَالَةٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةِ حَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك وَقَوْلِنَا حِجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَفَالَةِ أَحَدُهَا الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْوَعْدُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَثَانِيهَا كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ الْتِزَامُهُ اللَّفْظِيُّ الْمُنَزَّلُ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالُّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيَّ الَّذِي هُوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْحَادِثَةُ لَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا كَفَّارَةً وَثَالِثُهَا كَفَالَةُ خَلْقِهِ الَّتِي هِيَ ضَمَانُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِنَا وَقَوْلِنَا وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَهِيَ تُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ } تَعَالَى أَيْ الَّتِي شَرَعَهَا وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا أَدَاءَهَا فَأَضَافَهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَاهِدٌ وَلَا شُهُودَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ الَّتِي يُمْكِنُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَبَايِنَةٍ قَدِيمَةٍ وَحَادِثَتَانِ .
وَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ إشْعَارٌ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ نَوْعَهَا أَخَصُّ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْإِضَافَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ إمَّا بِجِهَةِ النَّذْرِ أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ، التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ ، وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْقَسَمِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْقَسَمُ بِوَضْعِهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ وَالْعُرْفِ وَالنَّقْلِ يَلْزَمُهُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَيَكُونُ أَصْرَحَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَنْ نِيَّةِ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ الْإِضَافَةِ لِلْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ مَوْجُودًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَأُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ السَّبْعِ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَوِيَ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ وَشَأْنُ أَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْآخَرِ فِي لُزُومِ الْحُكْمِ وَسُقُوطِهِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَذَانَتِهِ وَزَعَامَتِهِ وَضَمَانِهِ وَقَبَالَتِهِ وَجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْقَسَمِ تَشْمَلُ جَمِيعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ فَهِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ
[ ص: 37 ]