nindex.php?page=treesubj&link=20962ثم : يتعلق الكلام فيها بمباحث .
[ ص: 231 ] الأول : في الترتيب ، وهو يقتضي على الصحيح ، ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=12453ابن أبي الدم عن
ابن عاصم العبادي من أصحابنا أنها كالواو في اقتضاء الجمع المطلق . ووجهه بعضهم بأن " وقفت " إنشاء ، فلا يدخل فيه الترتيب ، كقولك : بعتك هذا ثم هذا ، وهذا غلط ، وإنما قال
العبادي ذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=4266_4269_20962قال : وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي بطنا بعد بطن أنها للجميع ، ووجهه أن بطنا بعد بطن عنده للجمع لا للترتيب ، والكلام بآخره ، فالجمع من هذه الحيثية لا من جهة " ثم " . ونقل صاحب البسيط " من النحويين عن
ابن الدهان أن المهلة والترتيب في المفردات ، وأما الجمل فلا يلزم ذلك فيها بل قد يدل على تقديم ما بعدها على ما قبلها .
قال : والأصح المحافظة على معناها أينما وقعت وتأويل ما خالف معناها ونقل
ابن الخباز عن شيخه : أن " ثم " إذا دخلت على الجمل لا تفيد الترتيب كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فك رقبة } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا } فحصل ثلاثة أقوال : أما في الزمان نحو {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=45ثم أرسلنا موسى } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه } أو في المرتبة نحو {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } أو للترتيب في الأخبار كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثم استوى إلى السماء } والسماء مخلوقة قبل الأرض بدليل قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30والأرض بعد ذلك دحاها } وقال
الراغب : تقتضي تأخر ما بعدها عما قبله إما تأخرا بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع ، ونقل
ابن دقيق العيد في شرح الإلمام " فصلا عن
[ ص: 232 ] الإمام
محمد بن بري في الترتيب ب " ثم " ضعف فيه القول بالترتيب الإخباري .
قال : بعد أن قررت أن " ثم " لترتيب الثاني على الأول في الوجود بمهلة بينهما في الزمان أن " ثم " تأتي أيضا لتفاوت الرتبة ، ثم قال : ويجيء هذا المعنى مقصودا بالفاء العاطفة ، نحو خذ الأفضل فالأكمل ، واعمل الأحسن فالأجمل ، ونحو {
رحم الله المحلقين فالمقصرين } ، فالفاء في المثال الأول لتفاوت رتبة الفضل من الكمال والحسن في الحال ، وفي الثاني لتفاوت رتبة المحلقين من المقصرين بالنسبة إلى حلقهم وتقصيرهم . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=1والصافات صفا فالزاجرات زجرا } تحتمل الفاء فيه المعنيين مجازا ، فيجوز أن يراد تفاوت رتبة الصف من الزجر ، ورتبة الزجر من التلاوة . ويجوز أن يراد بها تفاوت رتبة الجنس الصاف من الجنس الزاجر بالنسبة إلى صفهم وزجرهم ، ورتبة الجنس الزاجر من الثاني بالنسبة إلى زجره وتلاوته . ثم قال : وهذا أولى من قول من يقول : هي لترتيب الجمل في الأخبار لا لترتيب الخبرية في الوجود ; لأنه ضعيف في المعنى لبعد المهلة فيه حقيقة . واستدل القائلون به بقول :
إن من ساد ثم ساد أبوه
وأجيب بأنه لتفاوت رتبة الابن من أبيه أو لتفاوت رتبة سيادته من سيادة أبيه .
ومجاز استعمالها لتفاوت أنها موضوعة للمهلة والتفاوت بمهلة في المعنى ، ولأن بينهما قدرا مشتركا وهو الانفصال .
قلت : وهذا طريق آخر للترتيب وهو الترتيب بالرتب . أعني تفاوت
[ ص: 233 ] رتب الفعل أو رتب الفاعلين ، ثم قال : وهذا المعنى بعينه في الفاء نحو قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا } فالفاء في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226فإن فاءوا } إنما دخلت لتبين حكم المولى في زمن التربص بجملتي الشرط بعدها لا لتعقيبها زمن التربص . وهكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة . قال : ولا يفصل ب ثم ، والفاء في هذا المعنى ترتيب وجودي بل تفصيل معنوي ألا ترى أن قولك : اغتسل ، فأفاض الماء على شقه الأيمن ثم على شقه الأيسر ليس القصد به إلا البيان لا الترتيب ؟ فلو قدمت أو أخرت جاز ، وكذا لو أتيت بالفاء موضع " ثم " فإن كان الموضع يحتمل الترتيب جاز أن يقصد الترتيب ، وجاز أن يقصد التفصيل ، نحو توضأ ، فغسل وجهه ثم يديه . فإن أردت الترتيب لا يجوز التقديم والتأخير وإن أردت التفصيل جاز . وإنما استعملت ثم والفاء للتفصيل حملا على " أو " في نحو قولك : الجسم إما ساكن أو متحرك .
الإنسان ذكر أو أنثى . قال الشيخ : وما حكيناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12988ابن بري من أن التفصيل المبهم لا يوجب الترتيب قد وافقه عليه بعض المتأخرين . المبحث الثاني : في اقتضائها التراخي ، وكما يوجب الترتيب يوجب تراخي الثاني عن الأول والمهلة بينهما ، وعدم الفورية والمهلة ، واحتج عليه
ابن الخشاب بامتناع وقوع ما بعدها جوابا للشرط ، كما جاز ذلك في الفاء ، فلا تقول : إن تقم ثم أنا أقوم كما قلت : إن تقم فأنا أقوم وقال
ابن يعيش : ولما تراخى لفظها بكثرة حروفها تراخى معناها ; لأن
[ ص: 234 ] قوة اللفظ مؤذنة بقوة المعنى . قال
ابن دقيق العيد : وقضيته أن تراخي معناها يقع كتراخي لفظها ، وهو معلول له . قال : وهو عكس ما وجدته عن
أبي الحسن بن عصفور ، فإنه لما تعرض لبيان قول
أبي علي إن " ثم " مثل الفاء إلا أن فيها مهلة . قال : فإنما يعني أنها مثلها في الترتيب إلا أنه ترتيب فيه مهلة وتراخ ، وكأنه لما اختصت بمعنى يزيد على معنى الفاء خص لفظها بلفظ أزيد من لفظ الفاء وكانت على أكثر من حرف ، والفاء على حرف واحد ، وهذا يقتضي أن تكون زيادة اللفظ تبعا لزيادة المعنى ، ويكون اللفظ موافقا لما ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13145ابن درستويه أن الواو وهي الأصل في هذه الثلاثة الواو والميم متقاربان في المخرج ; إذ الفاء من باطن الشفة والواو والميم من نفس الشفة ، فلذلك جعلت هذه الحروف الثلاثة تجمع ما بين الشيئين في اللفظ والمعنى ، وخصت بالاستعمال دون غيرها . ولما اختصت " ثم " بمعنى زائد على الفاء اختصت بالثاء المقاربة لمخرج الفاء لتدل على معنى ثالث ، ثم لا خلاف في اقتضائها التراخي .
وكلام
ابن الخشاب يقتضي تخصيصه بالمفردات وأنه في عطف الجمل لا يكون كذلك كما سبق مثله في الترتيب . قال : وقد يتجرد عن التراخي إذا كررت على التعظيم والتأكيد كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=17وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين } والمعطوف هنا هو لفظ المعطوف عليه ، وكقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=3كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } والمعطوفات كلها جمل فيها معنى التهديد والوعيد ، وأما قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : التراخي ظاهر فيه ; لأنه لا بد من تأخر العود عن الظهار بفصل ، وهو زمن إمكان الطلاق .
[ ص: 235 ]
وقد اختلف الحنفية في أثر التراخي ، فعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة هو راجع إلى التكلم بمعنى الانقطاع المطلق بمنزلة ما لو سكت ثم استأنف قولا بعد الأول . وقال
صاحباه : راجع إلى الحكم مع الوصل في المتكلم لمراعاة معنى العطف فيه ; لأن الكلام منفصل حقيقة أو حسا ، فيكون في الحكم كذلك فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=11709_11763_20962قال لغير المدخول بها : أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار . فعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لما كان في الحكم منقطعا وقع واحدة في الحال ، ويلغى الباقي ، لعدم المحل ، كما لو
nindex.php?page=treesubj&link=11763_20962قال : أنت طالق ، وسكت ، ثم قال : أنت طالق إن دخلت الدار ، ولو كان كذلك لم يتعلق الطلاق بالشرط فكذا هنا ، وعندهما لما كان المتكلم متصلا حكما تعلقت جميعا بالشرط إلا أنه إذا وجد الشرط يقع واحدة عملا بالتراخي . المبحث الثالث : إذا ثبت أنها للتراخي فلا دليل على مقداره من جهة اللفظ قاله
ابن السمعاني . وقاله غيره : المراد بالتراخي الزماني فإنه حقيقة فيه ، فإن استعمل في تراخي الرتبة أو في تراخي الأخبار كان مجازا . وقال
ابن دقيق العيد : ويمكن أن يقال : إنها حقيقة في أمر مشترك بين هذه الأنواع أعني التراخي في الزمان والرتبة والأخبار .
المبحث الرابع : أن التراخي قد يتزايد في عطف الجمل بعضها على بعض فإذا قلت : جاء زيد ثم جاء عمرو كان أدل على التراخي من قام زيد ثم عمرو ، فإن تغاير الفعلان فقلت : قام زيد ثم انطلق كان كالثاني ، وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } فعطف أولا بالفاء ; لأنهم كانوا نطفا فجعل فيهم حياة عقب حالة كونهم أمواتا ، ثم تراخى حالة إماتتهم بمدة حياتهم وآجالهم المقسومة فعطف الإماتة ، ثم تراخى الإحياء المتعقب عن الإماتة بمدة لبثهم في البرزخ فعطف { يحييكم } ب ثم ، ثم تراخى الإحياء للبعث عن الإماتة بمدة لبثهم في البرزخ فعطف عليهم ب ثم ، ثم إليه الرجوع بعد هذا كله .
[ ص: 236 ] قيل : ويجيء بمعنى الواو كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثم استوى على العرش } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثم استوى إلى السماء } {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=46ثم الله شهيد } قالوا : هي فيها بمعنى الواو ; لأن الاستواء صفة ذات ، وهي قديمة ، والتعقيب بالتراخي لا يوصف به القديم . وأما من ذهب إلى أنها صفة فعل لا يحتاج إلى تأويل . وقد تأول بأن المراد بالاستواء هنا الاستعارة فإنه - تعالى - فرغ من إكمال الخليقة وأمر ونهى وكلف ، ثم استوى على العرش ، والمراد الإشارة إلى ما قلناه من إكمال المعنى المذكور هذا المعنى فيصح فيه التعقيب .
nindex.php?page=treesubj&link=20962ثُمَّ : يَتَعَلَّقُ الْكَلَامُ فِيهَا بِمَبَاحِثَ .
[ ص: 231 ] الْأَوَّلُ : فِي التَّرْتِيبِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي عَلَى الصَّحِيحِ ، وَنَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12453ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ
ابْنِ عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا كَالْوَاوِ فِي اقْتِضَاءِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ . وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ " وَقَفْت " إنْشَاءٌ ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ التَّرْتِيبُ ، كَقَوْلِك : بِعْتُك هَذَا ثُمَّ هَذَا ، وَهَذَا غَلَطٌ ، وَإِنَّمَا قَالَ
الْعَبَّادِيُّ ذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=4266_4269_20962قَالَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَنَّهَا لِلْجَمِيعِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عِنْدَهُ لِلْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ ، وَالْكَلَامُ بِآخِرِهِ ، فَالْجَمْعُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا مِنْ جِهَةِ " ثُمَّ " . وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ " مِنْ النَّحْوِيِّينَ عَنْ
ابْنِ الدَّهَّانِ أَنَّ الْمُهْلَةَ وَالتَّرْتِيبَ فِي الْمُفْرَدَاتِ ، وَأَمَّا الْجُمَلُ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا .
قَالَ : وَالْأَصَحُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَعْنَاهَا أَيْنَمَا وَقَعَتْ وَتَأْوِيلُ مَا خَالَفَ مَعْنَاهَا وَنَقَلَ
ابْنُ الْخَبَّازِ عَنْ شَيْخِهِ : أَنَّ " ثُمَّ " إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمَلِ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فَكُّ رَقَبَةٍ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا } فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَمَّا فِي الزَّمَانِ نَحْوُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=45ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ } أَوْ فِي الْمَرْتَبَةِ نَحْوُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } أَوْ لِلتَّرْتِيبِ فِي الْأَخْبَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ } وَالسَّمَاءُ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ الْأَرْضِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } وَقَالَ
الرَّاغِبُ : تَقْتَضِي تَأَخُّرَ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهُ إمَّا تَأَخُّرًا بِالذَّاتِ أَوْ بِالْمَرْتَبَةِ أَوْ بِالْوَضْعِ ، وَنَقَلَ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ " فَصْلًا عَنْ
[ ص: 232 ] الْإِمَامِ
مُحَمَّدِ بْنِ بَرِّيٍّ فِي التَّرْتِيبِ بِ " ثُمَّ " ضَعَّفَ فِيهِ الْقَوْلَ بِالتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ .
قَالَ : بَعْدَ أَنْ قَرَرْت أَنَّ " ثُمَّ " لِتَرْتِيبِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْوُجُودِ بِمُهْلَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الزَّمَانِ أَنَّ " ثُمَّ " تَأْتِي أَيْضًا لِتَفَاوُتِ الرُّتْبَةِ ، ثُمَّ قَالَ : وَيَجِيءُ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا بِالْفَاءِ الْعَاطِفَةِ ، نَحْوَ خُذْ الْأَفْضَلَ فَالْأَكْمَلَ ، وَاعْمَلْ الْأَحْسَنَ فَالْأَجْمَلَ ، وَنَحْوُ {
رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَالْمُقَصِّرِينَ } ، فَالْفَاءُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الْفَضْلِ مِنْ الْكَمَالِ وَالْحُسْنِ فِي الْحَالِ ، وَفِي الثَّانِي لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الْمُحَلِّقِينَ مِنْ الْمُقَصِّرِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَلْقِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=1وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا } تَحْتَمِلُ الْفَاءُ فِيهِ الْمَعْنَيَيْنِ مَجَازًا ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الصَّفِّ مِنْ الزَّجْرِ ، وَرُتْبَةِ الزَّجْرِ مِنْ التِّلَاوَةِ . وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الْجِنْسِ الصَّافِّ مِنْ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَفِّهِمْ وَزَجْرِهِمْ ، وَرُتْبَةُ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ مِنْ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى زَجْرِهِ وَتِلَاوَتِهِ . ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : هِيَ لِتَرْتِيبِ الْجُمَلِ فِي الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْخَبَرِيَّةِ فِي الْوُجُودِ ; لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الْمَعْنَى لِبُعْدِ الْمُهْلَةِ فِيهِ حَقِيقَةً . وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ بِقَوْلِ :
إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الِابْنِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ سِيَادَتِهِ مِنْ سِيَادَةِ أَبِيهِ .
وَمَجَازُ اسْتِعْمَالِهَا لِتَفَاوُتِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمُهْلَةِ وَالتَّفَاوُتُ بِمُهْلَةٍ فِي الْمَعْنَى ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَهُوَ الِانْفِصَالُ .
قُلْت : وَهَذَا طَرِيقٌ آخَرُ لِلتَّرْتِيبِ وَهُوَ التَّرْتِيبُ بِالرُّتَبِ . أَعْنِي تَفَاوُتَ
[ ص: 233 ] رُتَبِ الْفِعْلِ أَوْ رُتَبِ الْفَاعِلِينَ ، ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فِي الْفَاءِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا } فَالْفَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226فَإِنْ فَاءُوا } إنَّمَا دَخَلَتْ لِتُبَيِّنَ حُكْمَ الْمَوْلَى فِي زَمَنِ التَّرَبُّصِ بِجُمْلَتَيْ الشَّرْطِ بَعْدَهَا لَا لِتَعْقِيبِهَا زَمَنَ التَّرَبُّصِ . وَهَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ . قَالَ : وَلَا يُفْصَلُ بِ ثُمَّ ، وَالْفَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَرْتِيبٌ وُجُودِيٌّ بَلْ تَفْصِيلٌ مَعْنَوِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَك : اغْتَسَلَ ، فَأَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ لَيْسَ الْقَصْدُ بِهِ إلَّا الْبَيَانَ لَا التَّرْتِيبَ ؟ فَلَوْ قَدَّمْتَ أَوْ أَخَّرْتَ جَازَ ، وَكَذَا لَوْ أَتَيْتَ بِالْفَاءِ مَوْضِعَ " ثُمَّ " فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ جَازَ أَنْ يُقْصَدَ التَّرْتِيبُ ، وَجَازَ أَنْ يُقْصَدَ التَّفْصِيلُ ، نَحْوُ تَوَضَّأَ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ . فَإِنْ أَرَدْتَ التَّرْتِيبَ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَإِنْ أَرَدْتَ التَّفْصِيلَ جَازَ . وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ ثُمَّ وَالْفَاءُ لِلتَّفْصِيلِ حَمْلًا عَلَى " أَوْ " فِي نَحْوِ قَوْلِك : الْجِسْمُ إمَّا سَاكِنٌ أَوْ مُتَحَرِّكٌ .
الْإِنْسَانُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى . قَالَ الشَّيْخُ : وَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12988ابْنِ بَرِّيٍّ مِنْ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ قَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ . الْمَبْحَثُ الثَّانِي : فِي اقْتِضَائِهَا التَّرَاخِيَ ، وَكَمَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ يُوجِبُ تَرَاخِيَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ وَالْمُهْلَةَ بَيْنَهُمَا ، وَعَدَمَ الْفَوْرِيَّةِ وَالْمُهْلَةِ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ
ابْنُ الْخَشَّابِ بِامْتِنَاعِ وُقُوعِ مَا بَعْدَهَا جَوَابًا لِلشَّرْطِ ، كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْفَاءِ ، فَلَا تَقُولُ : إنْ تَقُمْ ثُمَّ أَنَا أَقُومُ كَمَا قُلْت : إنْ تَقُمْ فَأَنَا أَقُومُ وَقَالَ
ابْنُ يَعِيشَ : وَلَمَّا تَرَاخَى لَفْظُهَا بِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا تَرَاخَى مَعْنَاهَا ; لِأَنَّ
[ ص: 234 ] قُوَّةَ اللَّفْظِ مُؤْذِنَةٌ بِقُوَّةِ الْمَعْنَى . قَالَ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تَرَاخِيَ مَعْنَاهَا يَقَعُ كَتَرَاخِي لَفْظِهَا ، وَهُوَ مَعْلُولٌ لَهُ . قَالَ : وَهُوَ عَكْسُ مَا وَجَدْتُهُ عَنْ
أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عُصْفُورٍ ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَعَرَّضَ لِبَيَانِ قَوْلِ
أَبِي عَلِيٍّ إنَّ " ثُمَّ " مِثْلُ الْفَاءِ إلَّا أَنَّ فِيهَا مُهْلَةً . قَالَ : فَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي التَّرْتِيبِ إلَّا أَنَّهُ تَرْتِيبٌ فِيهِ مُهْلَةٌ وَتَرَاخٍ ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا اخْتَصَّتْ بِمَعْنًى يَزِيدُ عَلَى مَعْنَى الْفَاءِ خُصَّ لَفْظُهَا بِلَفْظٍ أَزْيَدَ مِنْ لَفْظِ الْفَاءِ وَكَانَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَرْفٍ ، وَالْفَاءُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ اللَّفْظِ تَبَعًا لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى ، وَيَكُونُ اللَّفْظُ مُوَافِقًا لِمَا ذُكِرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13145ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ أَنَّ الْوَاوَ وَهِيَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْوَاوُ وَالْمِيمُ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَخْرَجِ ; إذْ الْفَاءُ مِنْ بَاطِنِ الشَّفَةِ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ مِنْ نَفْسِ الشَّفَةِ ، فَلِذَلِكَ جُعِلَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ تَجْمَعُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى ، وَخُصَّتْ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ غَيْرِهَا . وَلَمَّا اخْتَصَّتْ " ثُمَّ " بِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الْفَاءِ اخْتَصَّتْ بِالثَّاءِ الْمُقَارِبَةِ لِمَخْرَجِ الْفَاءِ لِتَدُلَّ عَلَى مَعْنًى ثَالِثٍ ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي اقْتِضَائِهَا التَّرَاخِيَ .
وَكَلَامُ
ابْنِ الْخَشَّابِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْمُفْرَدَاتِ وَأَنَّهُ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا سَبَقَ مِثْلُهُ فِي التَّرْتِيبِ . قَالَ : وَقَدْ يَتَجَرَّدُ عَنْ التَّرَاخِي إذَا كُرِّرَتْ عَلَى التَّعْظِيمِ وَالتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=17وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْمُ الدِّينِ } وَالْمَعْطُوفُ هُنَا هُوَ لَفْظُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَكَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=3كَلًّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلًّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ } وَالْمَعْطُوفَاتُ كُلُّهَا جُمَلٌ فِيهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : التَّرَاخِي ظَاهِرٌ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَأَخُّرِ الْعَوْدِ عَنْ الظِّهَارِ بِفَصْلٍ ، وَهُوَ زَمَنُ إمْكَانِ الطَّلَاقِ .
[ ص: 235 ]
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَثَرِ التَّرَاخِي ، فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ رَاجِعٌ إلَى التَّكَلُّمِ بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ الْمُطْلَقِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلًا بَعْدَ الْأَوَّلِ . وَقَالَ
صَاحِبَاهُ : رَاجِعٌ إلَى الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْلِ فِي الْمُتَكَلِّمِ لِمُرَاعَاةِ مَعْنَى الْعَطْفِ فِيهِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ مُنْفَصِلٌ حَقِيقَةً أَوْ حِسًّا ، فَيَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَذَلِكَ فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=11709_11763_20962قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ . فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا كَانَ فِي الْحُكْمِ مُنْقَطِعًا وَقَعَ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ ، وَيُلْغَى الْبَاقِي ، لِعَدَمِ الْمَحَلِّ ، كَمَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11763_20962قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَسَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَكَذَا هُنَا ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مُتَّصِلًا حُكْمًا تَعَلَّقَتْ جَمِيعًا بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عَمَلًا بِالتَّرَاخِي . الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ : إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلتَّرَاخِي فَلَا دَلِيلَ عَلَى مِقْدَارِهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ قَالَهُ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ . وَقَالَهُ غَيْرُهُ : الْمُرَادُ بِالتَّرَاخِي الزَّمَانِيُّ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي تَرَاخِي الرُّتْبَةِ أَوْ فِي تَرَاخِي الْأَخْبَارِ كَانَ مَجَازًا . وَقَالَ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ أَعْنِي التَّرَاخِيَ فِي الزَّمَانِ وَالرُّتْبَةِ وَالْأَخْبَارِ .
الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ : أَنَّ التَّرَاخِيَ قَدْ يَتَزَايَدُ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا قُلْت : جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ جَاءَ عَمْرٌو كَانَ أَدَلَّ عَلَى التَّرَاخِي مِنْ قَامَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو ، فَإِنْ تَغَايَرَ الْفِعْلَانِ فَقُلْت : قَامَ زَيْدٌ ثُمَّ انْطَلَقَ كَانَ كَالثَّانِي ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فَعَطَفَ أَوَّلًا بِالْفَاءِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا نُطَفًا فَجَعَلَ فِيهِمْ حَيَاةً عَقِبَ حَالَةِ كَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا ، ثُمَّ تَرَاخَى حَالَةَ إمَاتَتِهِمْ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِمْ وَآجَالِهِمْ الْمَقْسُومَةِ فَعَطَفَ الْإِمَاتَةَ ، ثُمَّ تَرَاخَى الْإِحْيَاءُ الْمُتَعَقِّبُ عَنْ الْإِمَاتَةِ بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْبَرْزَخِ فَعَطَفَ { يُحْيِيكُمْ } بِ ثُمَّ ، ثُمَّ تَرَاخَى الْإِحْيَاءُ لِلْبَعْثِ عَنْ الْإِمَاتَةِ بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْبَرْزَخِ فَعَطَفَ عَلَيْهِمْ بِ ثُمَّ ، ثُمَّ إلَيْهِ الرُّجُوعُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ .
[ ص: 236 ] قِيلَ : وَيَجِيءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=46ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ } قَالُوا : هِيَ فِيهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ ; لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ صِفَةُ ذَاتٍ ، وَهِيَ قَدِيمَةٌ ، وَالتَّعْقِيبُ بِالتَّرَاخِي لَا يُوصَفُ بِهِ الْقَدِيمُ . وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا صِفَةُ فِعْلٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ . وَقَدْ تَأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِوَاءِ هُنَا الِاسْتِعَارَةُ فَإِنَّهُ - تَعَالَى - فَرَغَ مِنْ إكْمَالِ الْخَلِيقَةِ وَأَمَرَ وَنَهَى وَكَلَّفَ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، وَالْمُرَادُ الْإِشَارَةُ إلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ إكْمَالِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ هَذَا الْمَعْنَى فَيَصِحُّ فِيهِ التَّعْقِيبُ .