فصل :
[
nindex.php?page=treesubj&link=24692_24695_5367الحكمة في الفرق بين اتحاد الجنس واختلافه في تحريم الربا ]
وأما قوله : " وحرم
nindex.php?page=treesubj&link=25365بيع مد حنطة بمد وحفنة ، وجوز بيعه بقفيز شعير " فهذا من محاسن الشريعة التي لا يهتدي إليها إلا أولو العقول الوافرة ، ونحن نشير إلى حكمة ذلك إشارة بحسب عقولنا الضعيفة وعباراتنا القاصرة ، وشرع الرب تعالى وحكمته فوق عقولنا وعباراتنا ، فنقول : [ الربا نوعان جلي وخفي والجلي النسيئة ] .
nindex.php?page=treesubj&link=5367_23758الربا نوعان : جلي وخفي ، فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم ، والخفي حرم ; لأنه ذريعة إلى الجلي ; فتحريم الأول قصدا ، وتحريم الثاني وسيلة : فأما الجلي فربا النسيئة ، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ، مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال ، وكلما أخره زاد في المال ، حتى تصير المائة عنده آلافا مؤلفة ; وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج ; فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصبر عليه بزيادة يبذلها له تكلف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس ، ويدافع من وقت إلى وقت ، فيشتد ضرره ، وتعظم مصيبته ، ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده ، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له ، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه ، فيأكل مال أخيه بالباطل ، ويحصل أخوه على غاية الضرر ، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرم الربا ، ولعن آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه ، وآذن من لم يدعه بحربه وحرب رسوله ، ولم يجئ مثل هذا الوعيد في كبيرة غيره ، ولهذا كان من أكبر الكبائر ، وسئل الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن الربا الذي لا شك فيه فقال : هو أن يكون له دين فيقول له : أتقضي أم تربي ؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل ; وقد جعل الله سبحانه الربا ضد الصدقة ، فالمرابي ضد المتصدق ، قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يمحق الله الربا ويربي الصدقات } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين }
[ ص: 104 ] ثم ذكر الجنة التي أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء ، وهؤلاء ضد المرابين ، فنهى سبحانه عن الربا الذي هو ظلم للناس ، وأمر بالصدقة التي هي إحسان إليهم .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنما الربا في النسيئة } ومثل هذا يراد به حصر الكمال وأن الربا الكامل إنما هو في النسيئة ، كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أولئك هم المؤمنون حقا } وكقول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : " إنما العالم الذي يخشى الله " .
فَصْلٌ :
[
nindex.php?page=treesubj&link=24692_24695_5367الْحِكْمَةُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَحَرَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=25365بَيْعَ مُدَّ حِنْطَةٍ بِمُدٍّ وَحَفْنَةٍ ، وَجَوَّزَ بَيْعَهُ بِقَفِيزِ شَعِيرٍ " فَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا إلَّا أُولُو الْعُقُولِ الْوَافِرَةِ ، وَنَحْنُ نُشِيرُ إلَى حِكْمَةِ ذَلِكَ إشَارَةً بِحَسَبِ عُقُولِنَا الضَّعِيفَةِ وَعِبَارَاتِنَا الْقَاصِرَةِ ، وَشَرْعُ الرَّبِّ تَعَالَى وَحِكْمَتُهُ فَوْقَ عُقُولِنَا وَعِبَارَاتِنَا ، فَنَقُولُ : [ الرِّبَا نَوْعَانِ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ وَالْجَلِيُّ النَّسِيئَةُ ] .
nindex.php?page=treesubj&link=5367_23758الرِّبَا نَوْعَانِ : جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ ، فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ ، وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ ; لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجَلِيِّ ; فَتَحْرِيمُ الْأَوَّلِ قَصْدًا ، وَتَحْرِيمُ الثَّانِي وَسِيلَةً : فَأَمَّا الْجَلِيُّ فَرِبَا النَّسِيئَةِ ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، مِثْلُ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَالِ ، حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً ; وَفِي الْغَالِبِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مُعْدَمٌ مُحْتَاجٌ ; فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ ، وَيُدَافِعَ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ ، فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ ، وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ ، وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ ، فَيَرْبُو الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ ، وَيَزِيدُ مَالُ الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ مِنْهُ لِأَخِيهِ ، فَيَأْكُلُ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ ، وَيَحْصُلُ أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ ، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا ، وَلَعَنَ آكِلَهُ وَمُؤَكِّلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَآذَنَ مَنْ لَمْ يَدَعْهُ بِحَرْبِهِ وَحَرْبِ رَسُولِهِ ، وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ فِي كَبِيرَةٍ غَيْرَهُ ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَنْ الرِّبَا الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ فَقَالَ : هُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ فَيَقُولُ لَهُ : أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي ؟ فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ زَادَهُ فِي الْمَالِ وَزَادَهُ هَذَا فِي الْأَجَلِ ; وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الرِّبَا ضِدَّ الصَّدَقَةِ ، فَالْمُرَابِي ضِدُّ الْمُتَصَدِّقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }
[ ص: 104 ] ثُمَّ ذَكَرَ الْجَنَّةَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَهَؤُلَاءِ ضِدُّ الْمُرَابِينَ ، فَنَهَى سُبْحَانَهُ عَنْ الرِّبَا الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ لِلنَّاسِ ، وَأَمَرَ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ إحْسَانٌ إلَيْهِمْ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } وَمِثْلُ هَذَا يُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْكَمَالِ وَأَنَّ الرِّبَا الْكَامِلَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّسِيئَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } وَكَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : " إنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ " .