فصل :
[ مسألة ميراث الأخوات مع البنات ]
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=13751ميراث الأخوات مع البنات وأنهن عصبة ، فإن القرآن يدل عليه كما أوجبته السنة الصحيحة ، فإن الله - سبحانه - قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد }
[ ص: 275 ] وهذا دليل على أن الأخت ترث النصف مع عدم الولد ، وأنه هو يرث المال كله مع عدم ولدها ، وذلك يقتضي أن الأخت مع الولد لا يكون لها النصف مما ترك ، إذ لو كان كذلك لكان قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176ليس له ولد } زيادة في اللفظ ، ونقصا في المعنى ، وإيهاما لغير المراد ، فدل على أنها مع الولد لا ترث النصف ، والولد إما ذكر وإما أنثى ، فأما الذكر فإنه يسقطها كما يسقط الأخ بطريق الأولى .
ودل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } على أن الولد يسقطه كما يسقطها ، وأما الأنثى فقد دل القرآن على أنها إنما تأخذ النصف ولا تمنع الأخ عن النصف الباقي إذا كانت بنت وأخ ، بل دل القرآن مع السنة والإجماع أن الأخ يفوز بالنصف الباقي ، كما قال - تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=33ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1744ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر } وليس في القرآن ما ينفي ميراث الأخت مع إناث الولد بغير جهة الفرض ، وإنما صريحه ينفي أن يكون فرضها النصف مع الولد ، فبقي ههنا ثلاثة أقسام :
إما أن يفرض لها أقل من النصف ، وإما أن تحرم بالكلية ، وإما أن تكون عصبة ، والأول محال ، إذ ليس للأخت فرض مقدر غير النصف ، فلو فرضنا لها أقل منه لكان ذلك وضع شرع جديد ، فبقي إما الحرمان وإما التعصيب ، والحرمان لا سبيل إليه ، فإنها وأخاها في درجة واحدة ، وهي لا تزاحم البنت ، فإذا لم يسقط أخوها بالبنت لم تسقط هي بها أيضا ، فإنها لو سقطت بالبنت ولم يسقط أخوها بها لكان أقوى منها وأقرب إلى الميت ، وليس كذلك ، وأيضا فلو أسقطتها البنت إذا انفردت عن أخيها لأسقطتها مع أخيها ، فإن أخاها لا يزيدها قوة ، ولا يحصل لها نفعا في موضع واحد ، بل لا يكون إلا مضرا لها ضرر نقصان أو ضرر حرمان ، كما إذا خلفت زوجا وأما وأخوين لأم وأختا لأب وأم ، فإنها يفرض لها النصف عائلا ، وإن كان معها أخوها سقطا معا ، ولا تنتفع له في الفرائض في موضع واحد ، فلو أسقطتها البنت إذا انفردت لأسقطتها بطريق الأولى مع من يضعفها ولا يقويها ، وأيضا فإن البنت إذا لم تسقط ابن الأخ وابن العم وابن عم الأب والجد وإن بعد فأن لا تسقط الأخت مع قربها بطريق الأولى .
وأيضا فإن قاعدة الفرائض إسقاط البعيد بالقريب ، وتقديم الأقرب على الأبعد ، وهذا عكس ذلك فإنه يتضمن تقديم الأبعد جدا الذي بينه وبين الميت وسائط كثيرة على الأقرب الذي ليس بينه وبين الميت إلا واسطة الأب وحده ، فكيف يرث ابن عم جد الميت مثلا مع البنت وبينه وبين الميت وسائط كثيرة وتحرم الأخت القريبة التي ركضت معه في صلب أبيه ورحم أمه ؟ هذا من المحال الممتنع شرعا ، فهذا من جهة الميزان .
وأما من جهة فهم النص فإن الله - سبحانه - قال في الأخ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } ولم يمنع ذلك
[ ص: 276 ] ميراثه منها إذا كان الولد أنثى ، فهكذا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } لا ينفي أن ترث غير النصف مع إناث الولد أو ترث الباقي إذا كان نصفا ; لأن هذا غير الذي أعطاها إياه ، فرضا مع عدم الولد ، فتأمله فإنه ظاهر جدا ، وأيضا فالأقسام ثلاثة : إما أن يقال يفرض لها النصف مع البنت ، أو يقال تسقط معها بالكلية ، أو يقال تأخذ ما فضل بعد فرض البنت أو البنات ، والأول ممتنع بالنص والقياس ، فإن الله - سبحانه - إنما فرض لها النصف مع عدم الولد ، فلا يجوز إلغاء هذا الشرط وفرض النصف لها مع وجوده ، والله - سبحانه - إنما أعطاها النصف إذا كان الميت كلالة لا ولد له ولا والد ، فإذا كان له ولد لم يكن الميت كلالة فلا يفرض لها معه ، وأما القياس فإنها لو فرض لها النصف مع وجود البنت لنقصت البنت عن النصف إذا عالت الفريضة كزوجة أو زوج وبنت وأخت وإخوة ، والإخوة لا يزاحمون الأولاد لا بفرض ولا تعصيب ، فإن الأولاد أولى منهم ، فبطل فرض النصف ، وبطل سقوطها بما ذكرناه ، فتعين القسم الثالث وهو أن تكون عصبة لها ما بقي ، وهي أولى به من سائر العصبات الذين هم أبعد منها ، وبهذا جاءت السنة الصحيحة الصريحة التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافق قضاؤه كتاب ربه والميزان الذي أنزله مع كتابه ، وبذلك قضى الصحابة بعده
nindex.php?page=showalam&ids=10كابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل وغيرهما .
فإن قيل : لكن خرجتم عن قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1744ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر } فإذا أعطينا البنت فرضها وجب أن يعطى الباقي لابن الأخ أو العم أو ابنه دون الأخت ، فإنه رجل ذكر ، فأنتم عدلتم عن هذا النص وأعطيتموه الأنثى ، فكنا أسعد بالنص منكم ، وعملنا به وبقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعطى البنت النصف وبنت الابن السدس والباقي للأخت إذا لم يكن هناك أولى رجل ذكر ، فكانت الأخت عصبة ، وهذا توسط بين قولكم وبين قول من أسقط الأخت بالكلية .
وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبي محمد بن حزم ، وسقوطها بالكلية مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، أنبأ
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=233أبي سلمة : قيل
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : رجل ترك ابنته ، وأخته لأبيه ، وأمه ، فقال : لابنته النصف ولأمه السدس وليس لأخته مما ترك ، وهو لعصبته ، فقال له السائل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قضى بغير ذلك جعل للبنت النصف ، وللأخت النصف ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أأنتم أعلم أم الله ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر : فذكرت ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16446لابن طاوس فقال لي : أخبرني أبي أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقول : قال الله - عز وجل - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } فقلتم أنتم : لها النصف ، وإن كان له ولد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أمر ليس في كتاب الله ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وستجدونه في الناس كلهم ، ميراث الأخت مع البنت .
[ ص: 277 ] فالجواب أن نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها حق يصدق بعضها بعضا ، ويجب الأخذ بجميعها ، ولا يترك له نص إلا بنص آخر ناسخ له ، لا يترك بقياس ولا رأي ولا عمل أهل بلد ولا إجماع ، ومحال أن تجمع الأمة على خلاف نص له إلا أن يكون له نص آخر ينسخه ، فقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر } عام قد خص منه قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16662تحوز المرأة ثلاث مواريث : عتيقها ، ولقيطها ، وولدها الذي لاعنت عليه } " وأجمع الناس على أنها عصبة عتيقها ، واختلفوا في كونها عصبة لقيطها وولدها المنفي باللعان ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفصل بين المتنازعين ، فإذا خصت منه هذه الصور بالنص وبعضها مجمع عليه خصت منه هذه الصورة لما ذكرناه من الدلالة .
فإن قيل : قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611 : فلأولى رجل ذكر } إنما هو في الأقارب الوارثين بالنسب وهذا لا تخصيص فيه .
قيل فأنتم تقدمون المعتق على الأخت مع البنت ، وليس من الأقارب ، فخالفتم النصين معا ، وهو صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فلأولى رجل ذكر } " فأكده بالذكورة ليبين أن العاصب بنفسه المذكور هو الذكر دون الأنثى وأنه لم يرد بلفظ الرجل ما يتناول الذكر والأنثى كما في قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37552من وجد متاعه عند رجل قد أفلس } ونحوه مما يذكر فيه لفظ الرجل والحكم يعم النوعين ، وهو نظير قوله في حديث الصدقات {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23833فابن لبون ذكر } " ليبين أن المراد الذكر دون الأنثى ، ولم يتعرض في الحديث للعاصب بغيره ، فدل قضاؤه الثابت عنه في إعطاء الأخت مع البنت وبنت البنت ما بقي أن الأخت عصبة بغيرها ، فلا تنافي بينه وبين قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فلأولى رجل ذكر } بل هذا إذا لم يكن ثم عصبة بغيره ، بل كان العصبة عصبة بأنفسهم ، فيكون أولاهم وأقربهم إلى الميت أحقهم بالمال ، وأما إذا اجتمع العصبتان فقد دل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الصحيح أن تعصيب الأخت أولى من تعصيب من هو أبعد منها ، فإنه أعطاها الباقي ولم يعطه لابن عمه مع القطع ، فإن العرب بنو عم بعضهم لبعض ، فقريب وبعيد ، ولا سيما إن كان ما حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء عاما كليا ، فالأمر حينئذ يكون أظهر وأظهر .
فصل
ومما يبين صحة قول الجمهور أن - قوله تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } إنما يدل منطوقه على أنها ترث النصف مع عدم الولد ، والمفهوم إنما يقتضي أن الحكم في المسكوت ليس مماثلا للحكم في المنطوق ، فإذا كان فيه تفصيل حصل بذلك مقصود المخالفة ، فلا يجب أن يكون كل صورة من صور المسكوت مخالفة لكل صور
[ ص: 278 ] المنطوق ، ومن توهم ذلك فقد توهم باطلا ، فإن المفهوم إنما يدل بطريق التعليل أو بطريق التخصيص ، والحكم إذا ثبت لعلة فانتفت في بعض الصور أو جميعها جاز أن يخلفها علة أخرى .
وأما قصد التخصيص فإنه يحصل بالتفصيل ، وحينئذ فإذا نفينا إرثها مع ذكور الولد أو نفينا إرثها النصف فرضا مع إناثهم وفينا بدليل الخطاب .
فصل [
nindex.php?page=treesubj&link=13810المراد بأولى رجل ذكر في المواريث ]
ومما يبين أن المراد بقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فلأولى رجل ذكر } " العصبة بنفسه لا بغيره أنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=13816_28057كان بعد الفرائض إخوة وأخوات أو بنون وبنات أو بنات ابن وبنو ابن لم ينفرد الذكر بالباقي دون الإناث بالنص والإجماع ، فتعصيب الأخت بالبنت كتعصيبها بأخيها ، فإذا لم يكن قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فلأولى رجل ذكر } " موجبا لاختصاص أخيها دونها لم يكن موجبا لاختصاص ابن عم الجد بالباقي دونها .
يوضحه أنه لو كان معها أخوها لم تسقط ، وكان الباقي بعد فرض البنات بينها وبين أخيها . هذا ، وأخوها أقرب إلى الميت من الأعمام وبنيهم ، فإذا لم يسقطها الأخ فلأن لا يسقطها ابن عم الجد بطريق الأولى والأحرى ، وإذا لم يسقطها ورثت دونه ، لكونها أقرب منه ، بخلاف الأخ فإنها تشاركه ، لاستوائهما في القرب من الميت ، فهذا محض القياس والميزان الموافق لدلالة الكتاب ولقضاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذه الطريق فلا تخصيص في الحديث ، بل هو على عمومه ، وهذه الطريق أفقه وألطف .
يوضح ذلك أن قاعدة الفرائض أن جنس أهل الفروض فيها مقدمون على جنس العصبة ، سواء كان ذا فرض محض أو كان له مع فرضه تعصيب في حال إما بنفسه وإما بغيره ، والأخوات من جنس أهل الفرائض ، فيجب تقديمهن على من هو أبعد منهن ممن لا يرث إلا بالتعصيب المحض كالأعمام وبنيهم وبني الإخوة ، والاستدلال بهذا الحديث على حرمانهن مع البنات كالاستدلال على حرمانهن مع إخوتهن وحرمان بنات الابن ، بل البنات أنفسهن مع إخوتهن ، وهذا باطل بالنص ، والإجماع ، فكذا الآخر .
ومما يوضحه أنا رأينا قاعدة الفرائض أن البعيد من العصبات يعصب من هو أقرب منه إذا لم يكن له فرض ، كما إذا كان بنات وبنات ابن وأسفل منهن ابن ابن ابن فإنه يعصبهن
[ ص: 279 ] فيحصل لهن الميراث بعد أن كن محرومات ، وأما أن البعيد من العصبات يمنع الأقرب من الميراث بعد أن كان وارثا فهذا ممتنع شرعا وعقلا ، وهو عكس قاعدة الشريعة ، والله الموفق .
وفي الحديث مسلك آخر ، وهو أن قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1744ألحقوا الفرائض بأهلها } المراد به من كان من أهلها في الجملة ، وإن لم يكن في هذه الحال من أهلها كما في اللفظ الآخر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13733اقسموا المال بين أهل الفرائض } وهذا أعم من كونه من أهل الفرائض بالقوة أو بالفعل ، فإذا كانوا كلهم من أهل الفرائض بالفعل كان الباقي للعصبة ، وإن كان فيهم من هو من أهل الفرائض بالقوة وإن حجب عن الفرض بغيره دخل في اللفظ الأول وإن لم يكن لأولى رجل ذكر معه شيء ، وإنما يكون له إذا كان أهل الفرائض مطلقا معدومين ، والله أعلم .
فَصْلٌ :
[ مَسْأَلَةُ مِيرَاثِ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=13751مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ وَأَنَّهُنَّ عَصَبَةٌ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا أَوْجَبَتْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ }
[ ص: 275 ] وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأُخْتَ تَرِثُ النِّصْفَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ ، وَأَنَّهُ هُوَ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ مَعَ عَدَمِ وَلَدِهَا ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُخْتَ مَعَ الْوَلَدِ لَا يَكُونُ لَهَا النِّصْفُ مِمَّا تَرَكَ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } زِيَادَةً فِي اللَّفْظِ ، وَنَقْصًا فِي الْمَعْنَى ، وَإِيهَامًا لِغَيْرِ الْمُرَادِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَعَ الْوَلَدِ لَا تَرِثُ النِّصْفَ ، وَالْوَلَدُ إمَّا ذَكَرٌ وَإِمَّا أُنْثَى ، فَأَمَّا الذَّكَرُ فَإِنَّهُ يُسْقِطُهَا كَمَا يُسْقِطُ الْأَخَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَدَلَّ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُسْقِطُهُ كَمَا يُسْقِطُهَا ، وَأَمَّا الْأُنْثَى فَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَأْخُذُ النِّصْفَ وَلَا تَمْنَعُ الْأَخَ عَنْ النِّصْفِ الْبَاقِي إذَا كَانَتْ بِنْتٌ وَأَخٌ ، بَلْ دَلَّ الْقُرْآنُ مَعَ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْأَخَ يَفُوزُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=33وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1744أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَنْفِي مِيرَاثَ الْأُخْتِ مَعَ إنَاثِ الْوَلَدِ بِغَيْرِ جِهَةِ الْفَرْضِ ، وَإِنَّمَا صَرِيحُهُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ فَرْضُهَا النِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ ، فَبَقِيَ هَهُنَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ :
إمَّا أَنْ يُفْرَضَ لَهَا أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ ، وَإِمَّا أَنْ تُحْرَمَ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَصَبَةً ، وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ ، إذْ لَيْسَ لِلْأُخْتِ فَرْضٌ مُقَدَّرٌ غَيْرُ النِّصْفِ ، فَلَوْ فَرَضْنَا لَهَا أَقَلَّ مِنْهُ لَكَانَ ذَلِكَ وَضْعَ شَرْعٍ جَدِيدٍ ، فَبَقِيَ إمَّا الْحِرْمَانَ وَإِمَّا التَّعْصِيبَ ، وَالْحِرْمَانُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، فَإِنَّهَا وَأَخَاهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ لَا تُزَاحِمُ الْبِنْتَ ، فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ أَخُوهَا بِالْبِنْتِ لَمْ تَسْقُطْ هِيَ بِهَا أَيْضًا ، فَإِنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ بِالْبِنْتِ وَلَمْ يَسْقُطْ أَخُوهَا بِهَا لَكَانَ أَقْوَى مِنْهَا وَأَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَأَيْضًا فَلَوْ أَسْقَطَتْهَا الْبِنْتُ إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ أَخِيهَا لَأَسْقَطَتْهَا مَعَ أَخِيهَا ، فَإِنَّ أَخَاهَا لَا يَزِيدُهَا قُوَّةً ، وَلَا يُحَصِّلُ لَهَا نَفْعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا مُضِرًّا لَهَا ضَرَرَ نُقْصَانٍ أَوْ ضَرَرَ حِرْمَانٍ ، كَمَا إذَا خَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَإِنَّهَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ عَائِلًا ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَخُوهَا سَقَطَا مَعًا ، وَلَا تَنْتَفِعُ لَهُ فِي الْفَرَائِضِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، فَلَوْ أَسْقَطَتْهَا الْبِنْتُ إذَا انْفَرَدَتْ لَأَسْقَطَتْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مَعَ مَنْ يُضَعِّفُهَا وَلَا يُقَوِّيهَا ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبِنْتَ إذَا لَمْ تُسْقِطُ ابْنَ الْأَخِ وَابْنَ الْعَمِّ وَابْنَ عَمِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ بَعُدَ فَأَنْ لَا تُسْقِطَ الْأُخْتَ مَعَ قُرْبِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَاعِدَةَ الْفَرَائِضِ إسْقَاطُ الْبَعِيدِ بِالْقَرِيبِ ، وَتَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ عَلَى الْأَبْعَدِ ، وَهَذَا عَكْسُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَقْدِيمُ الْأَبْعَدِ جِدًّا الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ وَسَائِطُ كَثِيرَةٌ عَلَى الْأَقْرَبِ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ إلَّا وَاسِطَةُ الْأَبِ وَحْدَهُ ، فَكَيْفَ يَرِثُ ابْنُ عَمِّ جَدِّ الْمَيِّتِ مَثَلًا مَعَ الْبِنْتِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ وَسَائِطُ كَثِيرَةٌ وَتُحْرَمُ الْأُخْتُ الْقَرِيبَةُ الَّتِي رَكَضَتْ مَعَهُ فِي صُلْبِ أَبِيهِ وَرَحِمِ أُمِّهِ ؟ هَذَا مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ شَرْعًا ، فَهَذَا مِنْ جِهَةِ الْمِيزَانِ .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ فَهْمِ النَّصِّ فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - قَالَ فِي الْأَخِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ
[ ص: 276 ] مِيرَاثَهُ مِنْهَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى ، فَهَكَذَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } لَا يَنْفِي أَنْ تَرِثَ غَيْرَ النِّصْفِ مَعَ إنَاثِ الْوَلَدِ أَوْ تَرِثَ الْبَاقِيَ إذَا كَانَ نِصْفًا ; لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهَا إيَّاهُ ، فَرْضًا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ ، فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ جِدًّا ، وَأَيْضًا فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ : إمَّا أَنْ يُقَالَ يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْبِنْتِ ، أَوْ يُقَالَ تَسْقُطُ مَعَهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، أَوْ يُقَالَ تَأْخُذُ مَا فَضَلَ بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ أَوْ الْبَنَاتِ ، وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - إنَّمَا فَرَضَ لَهَا النِّصْفَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ ، فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ هَذَا الشَّرْطِ وَفَرْضُ النِّصْفِ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - إنَّمَا أَعْطَاهَا النِّصْفَ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ كَلَالَةً لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ كَلَالَةً فَلَا يُفْرَضُ لَهَا مَعَهُ ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِنَّهَا لَوْ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ مَعَ وُجُودِ الْبِنْتِ لَنَقَصَتْ الْبِنْتُ عَنْ النِّصْفِ إذَا عَالَتْ الْفَرِيضَةُ كَزَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأُخْتٍ وَإِخْوَةٍ ، وَالْإِخْوَةُ لَا يُزَاحِمُونَ الْأَوْلَادَ لَا بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ ، فَإِنَّ الْأَوْلَادَ أَوْلَى مِنْهُمْ ، فَبَطَلَ فَرْضُ النِّصْفِ ، وَبَطَلَ سُقُوطُهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ ، فَتَعَيَّنَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عَصَبَةً لَهَا مَا بَقِيَ ، وَهِيَ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ مِنْهَا ، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَافَقَ قَضَاؤُهُ كِتَابَ رَبِّهِ وَالْمِيزَانَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مَعَ كِتَابِهِ ، وَبِذَلِكَ قَضَى الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10كَابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=32وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِمَا .
فَإِنْ قِيلَ : لَكِنْ خَرَجْتُمْ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1744أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } فَإِذَا أَعْطَيْنَا الْبِنْتَ فَرْضَهَا وَجَبَ أَنْ يُعْطَى الْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ أَوْ الْعَمِّ أَوْ ابْنِهِ دُونَ الْأُخْتِ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ ذَكَرٌ ، فَأَنْتُمْ عَدَلْتُمْ عَنْ هَذَا النَّصِّ وَأَعْطَيْتُمُوهُ الْأُنْثَى ، فَكُنَّا أَسْعَدَ بِالنَّصِّ مِنْكُمْ ، وَعَمِلْنَا بِهِ وَبِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَعْطَى الْبِنْتَ النِّصْفَ وَبِنْتَ الِابْنِ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ، فَكَانَتْ الْأُخْتُ عَصَبَةً ، وَهَذَا تَوَسُّطٌ بَيْنَ قَوْلِكُمْ وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ الْأُخْتَ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=12418إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ ، وَسُقُوطُهَا بِالْكُلِّيَّةِ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنْبَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17124مَعْمَرٌ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=233أَبِي سَلَمَةَ : قِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ : رَجُلٌ تَرَكَ ابْنَتَهُ ، وَأُخْتَهُ لِأَبِيهِ ، وَأُمَّهُ ، فَقَالَ : لِابْنَتِهِ النِّصْفُ وَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَلَيْسَ لِأُخْتِهِ مِمَّا تَرَكَ ، وَهُوَ لِعَصَبَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ قَضَى بِغَيْرِ ذَلِكَ جَعَلَ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17124مَعْمَرٌ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16446لِابْنِ طَاوُسٍ فَقَالَ لِي : أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ : لَهَا النِّصْفُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَتَجِدُونَهُ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ ، مِيرَاثُ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ .
[ ص: 277 ] فَالْجَوَابُ أَنَّ نُصُوصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهَا حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَيَجِبُ الْأَخْذُ بِجَمِيعِهَا ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ نَصٌّ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ نَاسِخٍ لَهُ ، لَا يُتْرَكُ بِقِيَاسٍ وَلَا رَأْيٍ وَلَا عَمَلِ أَهْلِ بَلَدٍ وَلَا إجْمَاعٍ ، وَمُحَالٌ أَنْ تُجْمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِ نَصٍّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نَصٌّ آخَرُ يَنْسَخُهُ ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } عَامٌّ قَدْ خُصَّ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16662تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ مَوَارِيثَ : عَتِيقُهَا ، وَلَقِيطُهَا ، وَوَلَدُهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ } " وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةُ عَتِيقِهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا عَصَبَةَ لَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ ، فَإِذَا خُصَّتْ مِنْهُ هَذِهِ الصُّوَرُ بِالنَّصِّ وَبَعْضُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ خُصَّتْ مِنْهُ هَذِهِ الصُّورَةُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلَالَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611 : فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } إنَّمَا هُوَ فِي الْأَقَارِبِ الْوَارِثِينَ بِالنَّسَبِ وَهَذَا لَا تَخْصِيصَ فِيهِ .
قِيلَ فَأَنْتُمْ تُقَدِّمُونَ الْمُعْتِقَ عَلَى الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَقَارِبِ ، فَخَالَفْتُمْ النَّصَّيْنِ مَعًا ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } " فَأَكَّدَهُ بِالذُّكُورَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْعَاصِبَ بِنَفْسِهِ الْمَذْكُورَ هُوَ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِ الرَّجُلِ مَا يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37552مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ } وَنَحْوِهِ مِمَّا يُذْكَرُ فِيهِ لَفْظُ الرَّجُلِ وَالْحُكْمُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الصَّدَقَاتِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23833فَابْنُ لَبُونِ ذَكَرٍ } " لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْحَدِيثِ لِلْعَاصِبِ بِغَيْرِهِ ، فَدَلَّ قَضَاؤُهُ الثَّابِتُ عَنْهُ فِي إعْطَاءِ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الْبِنْتِ مَا بَقِيَ أَنَّ الْأُخْتَ عَصَبَةٌ بِغَيْرِهَا ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } بَلْ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ ، بَلْ كَانَ الْعَصَبَةُ عَصَبَةً بِأَنْفُسِهِمْ ، فَيَكُونُ أَوْلَاهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ أَحَقَّهُمْ بِالْمَالِ ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ الْعَصَبَتَانِ فَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ الصَّحِيحُ أَنَّ تَعْصِيبَ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ تَعْصِيبِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ أَعْطَاهَا الْبَاقِيَ وَلَمْ يُعْطِهِ لِابْنِ عَمِّهِ مَعَ الْقَطْعِ ، فَإِنَّ الْعَرَبَ بَنُو عَمٍّ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ، فَقَرِيبٌ وَبَعِيدٌ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَا حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاءً عَامًّا كُلِّيًّا ، فَالْأَمْرُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَظْهَرَ وَأَظْهَرَ .
فَصْلٌ
وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ - قَوْله تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } إنَّمَا يَدُلُّ مَنْطُوقُهُ عَلَى أَنَّهَا تَرِثُ النِّصْفَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ ، وَالْمَفْهُومُ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْكُوتِ لَيْسَ مُمَاثِلًا لِلْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ حَصَلَ بِذَلِكَ مَقْصُودُ الْمُخَالَفَةِ ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْمَسْكُوتِ مُخَالِفَةً لِكُلِّ صُوَرِ
[ ص: 278 ] الْمَنْطُوقِ ، وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بَاطِلًا ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَدُلُّ بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ ، وَالْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ فَانْتَفَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَوْ جَمِيعُهَا جَازَ أَنْ يَخْلُفَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى .
وَأَمَّا قَصْدُ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالتَّفْصِيلِ ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا نَفَيْنَا إرْثَهَا مَعَ ذُكُورِ الْوَلَدِ أَوْ نَفَيْنَا إرْثَهَا النِّصْفَ فَرْضًا مَعَ إنَاثِهِمْ وَفَّيْنَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ .
فَصْلٌ [
nindex.php?page=treesubj&link=13810الْمُرَادُ بِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ فِي الْمَوَارِيثِ ]
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } " الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=13816_28057كَانَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ أَوْ بَنُونَ وَبَنَاتٌ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ وَبَنُو ابْنٍ لَمْ يَنْفَرِدْ الذَّكَرُ بِالْبَاقِي دُونَ الْإِنَاثِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، فَتَعْصِيبُ الْأُخْتِ بِالْبِنْتِ كَتَعْصِيبِهَا بِأَخِيهَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } " مُوجِبًا لِاخْتِصَاصِ أَخِيهَا دُونَهَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِاخْتِصَاصِ ابْنِ عَمِّ الْجَدِّ بِالْبَاقِي دُونَهَا .
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهَا أَخُوهَا لَمْ تَسْقُطْ ، وَكَانَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبَنَاتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَخِيهَا . هَذَا ، وَأَخُوهَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ ، فَإِذَا لَمْ يُسْقِطْهَا الْأَخُ فَلَأَنْ لَا يُسْقِطَهَا ابْنُ عَمِّ الْجَدِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى ، وَإِذَا لَمْ يُسْقِطْهَا وَرِثَتْ دُونَهُ ، لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ ، بِخِلَافِ الْأَخِ فَإِنَّهَا تُشَارِكُهُ ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ مِنْ الْمَيِّتِ ، فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْمِيزَانِ الْمُوَافِقِ لِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَلِقَضَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ فَلَا تَخْصِيصَ فِي الْحَدِيثِ ، بَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَفْقَهُ وَأَلْطَفُ .
يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْفَرَائِضِ أَنَّ جِنْسَ أَهْلِ الْفُرُوضِ فِيهَا مُقَدَّمُونَ عَلَى جِنْسِ الْعَصَبَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَا فَرْضٍ مَحْضٍ أَوْ كَانَ لَهُ مَعَ فَرْضِهِ تَعْصِيبٌ فِي حَالٍ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ ، وَالْأَخَوَاتُ مِنْ جِنْسِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُنَّ عَلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُنَّ مِمَّنْ لَا يَرِثُ إلَّا بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْضِ كَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ وَبَنِي الْإِخْوَةِ ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حِرْمَانِهِنَّ مَعَ الْبَنَاتِ كَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى حِرْمَانِهِنَّ مَعَ إخْوَتِهِنَّ وَحِرْمَانِ بَنَاتِ الِابْنِ ، بَلْ الْبَنَاتِ أَنْفُسِهِنَّ مَعَ إخْوَتِهِنَّ ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالنَّصِّ ، وَالْإِجْمَاعِ ، فَكَذَا الْآخَرُ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَنَّا رَأَيْنَا قَاعِدَةَ الْفَرَائِضِ أَنَّ الْبَعِيدَ مِنْ الْعَصَبَاتِ يُعَصِّبُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرْضٌ ، كَمَا إذَا كَانَ بَنَاتٌ وَبَنَاتُ ابْنٍ وَأَسْفَلُ مِنْهُنَّ ابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ
[ ص: 279 ] فَيَحْصُلُ لَهُنَّ الْمِيرَاثُ بَعْدَ أَنْ كُنَّ مَحْرُومَاتٍ ، وَأَمَّا أَنَّ الْبَعِيدَ مِنْ الْعَصَبَاتِ يَمْنَعُ الْأَقْرَبَ مِنْ الْمِيرَاثِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَارِثًا فَهَذَا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا وَعَقْلًا ، وَهُوَ عَكْسُ قَاعِدَةِ الشَّرِيعَةِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَفِي الْحَدِيثِ مَسْلَكٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1744أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا } الْمُرَادُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13733اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ } وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ بِالْقُوَّةِ أَوْ بِالْفِعْلِ ، فَإِذَا كَانُوا كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ بِالْفِعْلِ كَانَ الْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ بِالْقُوَّةِ وَإِنْ حُجِبَ عَنْ الْفَرْضِ بِغَيْرِهِ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ مَعَهُ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ إذَا كَانَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ مُطْلَقًا مَعْدُومِينَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .