أما الرابع : وهو
nindex.php?page=treesubj&link=21617إقامة الحجة على استحالة الخطأ على الأمة ، وفيه الشأن كله وكونه حجة إنما يعلم بكتاب أو سنة متواترة أو عقل ، أما الإجماع فلا يمكن إثبات الإجماع به . وقد طمعوا في التلقي من الكتاب والسنة والعقل وأقواها السنة ونحن نذكر المسالك الثلاثة .
المسلك الأول : التمسك بالكتاب ، وذلك قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس } الآية . وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } ومفهومه : أن ما اتفقتم فيه فهو حق ، وقوله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } مفهومه : إن اتفقتم فهو حق .
فهذه كلها ظواهر لا تنص على الغرض ، بل لا تدل أيضا دلالة الظواهر . وأقواها قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=115ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } فإن ذلك يوجب اتباع سبيل المؤمنين . وهذا ما تمسك به
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقد أطنبنا في كتاب تهذيب الأصول في توجيه الأسئلة على الآية ودفعها .
والذي نراه أن الآية ليست نصا في الغرض ، بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته ودفع الأعداء عنه نوله ما تولى ، فكأنه لم يكتف بترك المشاقة حتى تنضم إليه متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه والانقياد له فيما يأمر وينهى . وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم ، فإن لم يكن ظاهرا فهو محتمل .
ولو فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية بذلك لقبل ولم يجعل ذلك رفعا للنص ، كما لو فسر المشاقة بالموافقة واتباع سبيل المؤمنين بالعدول عن سبيلهم .
المسلك الثاني ، وهو الأقوى : التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم : {
لا تجتمع أمتي على الخطأ } . وهذا من حيث اللفظ أقوى وأدل على المقصود ، ولكن ليس بالمتواتر كالكتاب ، والكتاب متواتر ، لكن ليس بنص .
فطريق تقرير الدليل أن
نقول : تظاهرت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة مع اتفاق المعنى في
nindex.php?page=treesubj&link=21620_21617_25028عصمة هذه الأمة من الخطأ ، واشتهر على لسان المرموقين والثقات من الصحابة
nindex.php?page=showalam&ids=2كعمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة بن اليمان وغيرهم ممن يطول ذكره من نحو قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30024لا تجتمع أمتي على الضلالة } ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42622ولم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة }
[ ص: 139 ] و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19871سألت الله تعالى أن لا يجمع أمتي على الضلالة فأعطانيها } ، و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36532من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من وراءهم } و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11096إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد } ، وقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43755يد الله مع الجماعة ولا يبالي الله بشذوذ من شذ } و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30218لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم } وروي : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31754لا يضرهم خلاف من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء ومن خرج عن الجماعة أو فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن فارق الجماعة ومات فميتته جاهلية } .
وهذه الأخبار لم تزل ظاهرة في الصحابة والتابعين إلى زماننا هذا لم يدفعها أحد من أهل النقل من سلف الأمة وخلفها ، بل هي مقبولة من موافقي الأمة ومخالفيها ، ولم تزل الأمة تحتج بها في أصول الدين وفروعه . فإن قيل : فما وجه الحجة ، ودعوى التواتر في آحاد هذه الأخبار غير ممكن ونقل الآحاد لا يفيد العلم ؟
قلنا : في تقرير وجه الحجة طريقان : أحدهما : أن ندعي العلم الضروري بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عظم شأن هذه الأمة وأخبر عن عصمتها عن الخطأ بمجموع هذه الأخبار المتفرقة وإن لم تتواتر آحادها ، وبمثل ذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى العلم بشجاعة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وسخاوة
حاتم وفقه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وخطابة
الحجاج وميل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من نسائه وتعظيمه صحابته وثنائه عليهم وإن لم تكن آحاد الأخبار فيها متواترة ، بل يجوز الكذب على كل واحد منها لو جردنا النظر إليه ولا يجوز على المجموع .
وذلك يشبه ما يعلم من مجموع قرائن آحادها لا ينفك عن الاحتمال ، ولكن ينتفي الاحتمال عن مجموعها حتى يحصل العلم الضروري . الطريق الثاني : أن لا ندعي علم الاضطرار بل علم الاستدلال من وجهين ، الأول : أن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين يتمسكون بها في إثبات الإجماع ولا يظهر أحد فيها خلافا وإنكارا إلى زمان
nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام ، ويستحيل في مستقر العادة توافق الأمم في أعصار متكررة على التسليم لما لم تقم الحجة بصحته مع اختلاف الطباع وتفاوت الهمم والمذاهب في الرد والقبول ، ولذلك لم ينفك حكم ثبت بأخبار الآحاد عن خلاف مخالف وإبداء تردد فيه .
الوجه : أن المحتجين بهذه الأخبار أثبتوا بها أصلا مقطوعا به وهو الإجماع الذي يحكم به على كتاب الله تعالى وعلى السنة المتواترة ، ويستحيل في العادة التسليم لخبر يرفع به الكتاب المقطوع به إلا إذا استند إلى مستند مقطوع به ، فأما رفع المقطوع بما ليس بمقطوع فليس معلوما ، حتى لا يتعجب متعجب ولا يقول قائل : كيف ترفعون الكتاب القاطع بإجماع مستند إلى خبر غير معلوم الصحة ؟ وكيف تذهل عنه جميع الأمة إلى زمان
nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام فيختص بالتنبه له ؟ هذا وجه الاستدلال ، وللمنكرين في معارضته ثلاثة مقامات : الرد والتأويل والمعارضة
المقام الأول : في الرد ، وفيه أربعة أسئلة :
السؤال الأول : قولهم : لعل واحدا خالف هذه الأخبار وردها ولم ينقل إلينا .
قلنا : هذا أيضا تحيله العادة إذ الإجماع أعظم أصول الدين ، فلو خالف فيه مخالف لعظم الأمر فيه واشتهر الخلاف ، إذ لم يندرس
nindex.php?page=treesubj&link=21617_20703_21684خلاف الصحابة في دية الجنين ومسألة الحرام وحد الشرب . فكيف اندرس الخلاف في أصل عظيم يلزم فيه التضليل والتبديع لمن أخطأ في نفيه وإثباته ؟ وكيف اشتهر خلاف
nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام مع سقوط
[ ص: 140 ] قدره وخسة رتبته وخفي خلاف أكابر الصحابة والتابعين ؟ هذا مما لا يتسع له عقل أصلا .
السؤال الثاني : قالوا : قد استدللتم بالخبر على الإجماع ، ثم استدللتم بالإجماع على صحة الخبر ، فهب أنهم أجمعوا على الصحة فما الدليل على أن ما أجمعوا على صحته فهو صحيح وهل النزاع إلا فيه ؟
قلنا : لا ، بل استدللنا على الإجماع بالخبر وعلى صحة الخبر بخلو الأعصار عن المدافعة والمخالفة له مع أن العادة تقتضي إنكار إثبات أصل قاطع يحكم به على القواطع بخبر غير معلوم الصحة ، فعلمنا بالعادة كون الخبر مقطوعا به لا بالإجماع ، والعادة أصل يستفاد منها معارف ، فإن بها يعلم بطلان
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684دعوى معارضة القرآن واندراسها ، وبها يعلم بطلان
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684دعوى نص الإمامة ،
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684وإيجاب صلاة الضحى ، وصوم شوال ، وأن ذلك لو كان لاستحال في العادة السكوت عنه .
السؤال الثالث : قالوا : بم تنكرون على من يقول لعلهم أثبتوا الإجماع لا بهذه الأخبار بل بدليل آخر ؟
قلنا : قد ظهر منهم الاحتجاج بهذه الأخبار في المنع من
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684مخالفة الجماعة وتهديد من يفارق الجماعة ويخالفها . وهذا أولى من أن يقال لو كان لهم فيه مستند لظهر وانتشر ، فإنه قد نقل تمسكهم أيضا بالآيات .
السؤال الرابع : قولهم : لما علمت الصحابة صحة هذه الأخبار لم لم يذكروا طريق صحتها للتابعين حتى كان ينقطع الارتياب ويشاركونهم في العلم ؟
قلنا : لأنهم علموا تعريفه عليه السلام عصمة هذه الأمة بمجموع قرائن وأمارات وتكريرات ألفاظ وأسباب دلت ضرورة على قصده إلى بيان نفي الخطأ عن هذه الأمة ، وتلك القرائن لا تدخل تحت الحكاية ولا تحيط بها العبارات ، ولو حكوها لتطرق إلى آحادها احتمالات ، فاكتفوا بعلم التابعين بأن
nindex.php?page=treesubj&link=21470_21616_21684الخبر المشكوك فيه لا يثبت به أصل مقطوع به ويقع التسليم في العادة به ، فكانت العادة في حق التابعين أقوى من الحكاية .
المقام الثاني : في التأويل . ولهم تأويلات ثلاثة ، الأول : قوله : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30024لا تجتمع أمتي على ضلالة } ينبئ عن الكفر والبدعة فلعله أراد عصمة جميعهم عن الكفر : بالتأويل والشبهة ، وقوله " على الخطأ " لم يتواتر ، وإن صح فالخطأ عام يمكن حمله على الكفر .
قلنا : الضلال في وضع اللسان لا يناسب الكفر ، قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7ووجدك ضالا فهدى } وقال تعالى إخبارا عن
موسى : عليه السلام : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=20فعلتها إذا وأنا من الضالين } وما أراد من الكافرين بل أراد من المخطئين ، يقال : ضل فلان عن الطريق وضل سعي فلان كل ذلك الخطأ ، كيف وقد فهم ضرورة من هذه الألفاظ تعظيم شأن هذه الأمة وتخصيصها بهذه الفضيلة ؟ أما
nindex.php?page=treesubj&link=21385_21684العصمة عن الكفر فقد أنعم بها في حق
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي وزيد على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام لأنهم ماتوا على الحق ، وكم من آحاد عصموا عن الكفر حتى ماتوا ، فأي خاصية للأمة ؟ فدل أنه أراد ما لم يعصم عنه الآحاد من سهو وخطأ وكذب يعصم عنه الأمة تنزيلا لجميع الأمة منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في العصمة عن الخطأ في الدين ، أما في غير الدين من إنشاء حرب وصلح وعمارة بلدة فالعموم يقتضي
nindex.php?page=treesubj&link=21385_21684العصمة للأمة عنه أيضا ، ولكن ذلك مشكوك فيه وأمر الدين مقطوع بوجوب العصمة فيه كما في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه أخطأ في أمر تأبير النخل ثم قال : {
أنتم أعرف بأمر دنياكم وأنا أعرف بأمر دينكم }
[ ص: 141 ]
التأويل الثاني : قولهم غاية هذا أن يكون عاما يوجب العصمة عن كل خطأ ، ويحتمل أن يكون المراد به بعض أنواع الخطأ من الشهادة في الآخرة ، أو ما يوافق النص المتواتر أو يوافق دليل العقل دون ما يكون بالاجتهاد والقياس .
قلنا : لا ذاهب من الأمة إلى هذا التفصيل ، إذ ما دل من العقل على تجويز الخطأ عليهم في شيء دل على تجويز في شيء آخر ، وإذا لم يكن فارق لم يكن تخصيص بالتحكم دون دليل ولم يكن تخصيص أولى من تخصيص ، وقد ذم من خالف الجماعة وأمر بالموافقة ، فلو لم يكن ما فيه العصمة معلوما استحال الاتباع إلا إن ثبت العصمة مطلقا ، وبه ثبتت فضيلة الأمة وشرفها ، فأما العصمة عن البعض دون البعض فهذا يثبت لكل كافر فضلا عن المسلم ، إذ ما من شخص يخطئ في كل شيء بل كل إنسان فإنه يعصم عن الخطأ في بعض الأشياء .
التأويل الثالث : أن أمته صلى الله عليه وسلم كل من آمن به إلى يوم القيامة ، فجملة هؤلاء من أول الإسلام إلى آخر عمر الدنيا لا يجتمعون على خطأ بل كل حكم انقضى على اتفاق أهل الأعصار كلها بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق ، إذ الأمة عبارة عن الجميع ، كيف والذين ماتوا في زماننا هم من الأمة ؟ وإجماع من بعدهم ليس إجماع جميع الأمة ، بدليل أنهم لو كانوا قد خالفوا ثم ماتوا لم ينعقد بعدهم إجماع وقبلنا من الأمة من خالف وإن كان قد مات ، فكذلك إذا لم يوافقوا .
قلنا : كما لا يجوز أن يراد بالأمة المجانين والأطفال والسقط والمجتن وإن كانوا من الأمة ، فلا يجوز أن يراد به الميت والذي لم يخلق بعد ، بل الذي يفهم قوم يتصور منهم اختلاف واجتماع ، ولا يتصور الاجتماع والاختلاف من المعدوم والميت .
والدليل عليه أنه أمر باتباع الجماعة وذم من شذ عن الموافقة ، فإن كان المراد به ما ذكروه فإنما يتصور الاتباع والمخالفة في القيامة لا في الدنيا ، فيعلم قطعا أن المراد به إجماع يمكن خرقه ومخالفته في الدنيا ، وذلك هم الموجودون في كل عصر . أما إذا مات فيبقى أثر خلافه ، فإن مذهبه لا يموت بموته . وسيأتي فيه كلام شاف إن شاء الله تعالى .
المقام الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=21684المعارضة بالآيات والأخبار .
أما الآيات فكل ما فيها منع من الكفر والردة والفعل الباطل فهو عام مع الجميع ، فإن لم يكن ذلك ممكنا فكيف نهوا عنه ؟ كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وأمثال ذلك .
قلنا : ليس هذا نهيا لهم عن الاجتماع بل نهي للآحاد ، وإن كان كل واحد على حياله داخلا في النهي وإن سلم فليس من شرط النهي وقوع المنهي عنه ولا جواز وقوعه ، فإن الله تعالى علم أن جميع المعاصي لا تقع منهم ونهاهم عن الجميع وخلاف المعلوم غير واقع وقال لرسوله : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لئن أشركت ليحبطن عملك } ، وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فلا تكونن من الجاهلين } وقد علم أنه قد عصمه منهم ، وأن ذلك لا يقع .
وأما الأخبار فقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16133بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ } وقوله : عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18601خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى إن الرجل ليحلف وما يستحلف ويشهد وما يستشهد } وكقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30539لا تقوم الساعة إلا على شرار أمتي }
[ ص: 142 ] قلنا : هذا وأمثاله يدل على كثرة العصيان والكذب ولا يدل على أنه لا يبقى متمسك بالحق ، ولا يناقض قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30218لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله وحتى يظهر الدجال } كيف ولا تجري هذه الأخبار في الصحة والظهور مجرى الأحاديث التي تمسكنا بها ؟
المسلك الثالث : التمسك بالطريق المعنوي .
وبيانه أن
nindex.php?page=treesubj&link=21617الصحابة إذا قضوا بقضية وزعموا أنهم قاطعون بها فلا يقطعون بها إلا عن مستند قاطع ، وإذا كثروا كثرة تنتهي إلى حد التواتر فالعادة تحيل عليهم قصد الكذب وتحيل عليهم الغلط حتى لا يتنبه واحد منهم للمحق في ذلك وإلى أن القطع بغير دليل قاطع خطأ ، فقطعهم في غير محل القطع محال في العادة .
فإن قضوا عن اجتهاد واتفقوا عليه فيعلم أن التابعين كانوا يشددون النكير على مخالفيهم ويقطعون به ، وقطعهم بذلك قطع في غير محل القطع فلا يكون ذلك أيضا إلا عن قاطع ، وإلا فيستحيل في العادة أن يشذ عن جميعهم الحق مع كثرتهم حتى لا يتنبه واحد منهم للحق .
وكذلك نعلم أن التابعين لو أجمعوا على شيء أنكر تابعو التابعين على المخالف وقطعوا بالإنكار ، وهو قطع في غير محل القطع فالعادة تحيل ذلك إلا عن قاطع وعلى مساق هذا قالوا لو
nindex.php?page=treesubj&link=21654رجع أهل الحل والعقد إلى عدد ينقص عن عدد التواتر فلا يستحيل عليهم الخطأ في العادة ولا تعمد الكذب لباعث عليه فلا حجة فيه .
وهذه الطريقة ضعيفة عندنا لأن منشأ الخطأ إما تعمد الكذب وإما ظنهم ما ليس بقاطع قاطعا ، والأول غير جائز على عدد التواتر ، وأما الثاني : فجائز ، فقد قطع
اليهود ببطلان نبوة
عيسى ومحمد عليهما السلام وهم أكثر من عدد التواتر ، وهو قطع في غير محل القطع لكن ظنوا ما ليس بقاطع قاطعا .
والمنكرون لحدوث العالم والنبوات والمرتكبون لسائر أنواع البدع والضلالات عددهم بالغ مبلغ عدد التواتر ويحصل الصدق بإخبارهم ، ولكن أخطئوا بالقطع في غير محل القطع . وهذا القائل يلزمه أن يجعل
nindex.php?page=treesubj&link=21622إجماع اليهود والنصارى حجة ولا تخصيص لهذه الأمة ، وقد أجمعوا على بطلان دين الإسلام فإن قيل : هذا تمسك بالعادة ، وأنتم في نصرة المسلك الثاني استروحتم إلى العادة وهذا عين الأول .
قلنا : العادة لا تحيل على عدد التواتر أن يظنوا ما بقاطع قاطعا ، وعن هذا
قلنا :
nindex.php?page=treesubj&link=21439شرط خبر التواتر أن يستند إلى محسوس والعادة تحيل الانقياد والسكوت عمن دفع الكتاب والسنة المتواترة بإجماع دليله خبر مظنون غير مقطوع به وكل ما هو ضروري يعلم بالحس أو بقرينة الحال أو بالبديهة فمنهاجه واحد ويتفق الناس على دركه والعادة الذهول عنه على أهل التواتر وما هو نظري فطرقه مختلفة ، فلا يستحيل في العادة أن يجتمع أهل التواتر على الغلط فيه ، فهذا هو الفرق بين المسلكين .
فإن قيل : اعتمادكم في هذا المسلك الثاني أن ما أجمعوا عليه حق وليس بخطأ فالدليل على وجوب اتباعه
nindex.php?page=treesubj&link=21619_22291وكل مجتهد مصيب للحق ولا يجب على مجتهد آخر اتباعه والشاهد المزور مبطل ويجب على القاضي اتباعه ؟ فوجوب الاتباع شيء وكون الشيء حقا غيره .
قلنا أجمعت الأمة على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=21619اتباع الإجماع وإنه من الحق الذي يجب اتباعه ، وبحسب كونهم محقين في قولهم يجب اتباع الإجماع ، ثم
نقول كل حق علم كونه حقا فالأصل فيه وجوب
[ ص: 143 ] الاتباع ،
nindex.php?page=treesubj&link=22311والمجتهد يجب اتباعه إلا على المجتهد الذي هو محق أيضا فقدم حق حصل باجتهاده على ما حصل باجتهاد غيره في حقه والشاهد المزور لو علم كونه مزورا لم يتبع .
ويدل عليه أيضا ذمة من خالف الجماعة وأنه ذكر هذا في معرض الثناء على الأمة ، ولا يتحقق ذلك إلا بوجوب الاتباع وإلا فلا يبقى له معنى ، إلا إنهم محقون إذا أصابوا دليل الحق ، وذلك جائز في حق واحد من أفراد المؤمنين فليس فيه مدح وتخصيص ألبتة .
أَمَّا الرَّابِعُ : وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=21617إقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْأُمَّةِ ، وَفِيهِ الشَّأْنُ كُلُّهُ وَكَوْنُهُ حُجَّةً إنَّمَا يُعْلَمُ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ عَقْلٍ ، أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِهِ . وَقَدْ طَمِعُوا فِي التَّلَقِّي مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَأَقْوَاهَا السُّنَّةُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمَسَالِكَ الثَّلَاثَةَ .
الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ : التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } الْآيَةَ . وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ } وَمَفْهُومُهُ : أَنَّ مَا اتَّفَقْتُمْ فِيهِ فَهُوَ حَقٌّ ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59وَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } مَفْهُومُهُ : إنْ اتَّفَقْتُمْ فَهُوَ حَقٌّ .
فَهَذِهِ كُلُّهَا ظَوَاهِرُ لَا تَنُصُّ عَلَى الْغَرَضِ ، بَلْ لَا تَدُلُّ أَيْضًا دَلَالَةَ الظَّوَاهِرِ . وَأَقْوَاهَا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=115وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ اتِّبَاعَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . وَهَذَا مَا تَمَسَّك بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَقَدْ أَطْنَبْنَا فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْأُصُولِ فِي تَوْجِيهِ الْأَسْئِلَةِ عَلَى الْآيَةِ وَدَفْعِهَا .
وَاَلَّذِي نَرَاهُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْغَرَضِ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّ مَنْ يُقَاتِلْ الرَّسُولَ وَيُشَاقِّهِ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُشَايَعَتِهِ وَنُصْرَتِهِ وَدَفْعِ الْأَعْدَاءِ عَنْهُ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِتَرْكِ الْمُشَاقَّةِ حَتَّى تَنْضَمَّ إلَيْهِ مُتَابَعَةُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي نُصْرَتِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ وَالِانْقِيَادِ لَهُ فِيمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى . وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فَهُوَ مُحْتَمَلٌ .
وَلَوْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَةَ بِذَلِكَ لَقُبِلَ وَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ رَفْعًا لِلنَّصِّ ، كَمَا لَوْ فَسَّرَ الْمُشَاقَّةَ بِالْمُوَافَقَةِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعُدُولِ عَنْ سَبِيلِهِمْ .
الْمَسْلَكُ الثَّانِي ، وَهُوَ الْأَقْوَى : التَّمَسُّك بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ } . وَهَذَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَقْوَى وَأَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِالْمُتَوَاتِرِ كَالْكِتَابِ ، وَالْكِتَابُ مُتَوَاتِرٌ ، لَكِنْ لَيْسَ بِنَصٍّ .
فَطَرِيقُ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ أَنْ
نَقُولَ : تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21620_21617_25028عِصْمَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ الْخَطَأِ ، وَاشْتُهِرَ عَلَى لِسَانِ الْمَرْمُوقِينَ وَالثِّقَاتِ مِنْ الصَّحَابَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=2كَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=21وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَطُولُ ذِكْرُهُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30024لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ } ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42622وَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ }
[ ص: 139 ] وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19871سَأَلْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ فَأَعْطَانِيهَا } ، وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36532مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْكُنَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ } وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11096إنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ } ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43755يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُبَالِي اللَّهُ بِشُذُوذِ مَنْ شَذَّ } وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30218لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ } وَرُوِيَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31754لَا يَضُرُّهُمْ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ إلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ، وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ } .
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ لَمْ تَزَلْ ظَاهِرَةً فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى زَمَانِنَا هَذَا لَمْ يَدْفَعْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا ، بَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْ مُوَافِقِي الْأُمَّةِ وَمُخَالِفِيهَا ، وَلَمْ تَزَلْ الْأُمَّةُ تَحْتَجُّ بِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ . فَإِنْ قِيلَ : فَمَا وَجْهُ الْحُجَّةِ ، وَدَعْوَى التَّوَاتُرِ فِي آحَادِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَنَقْلُ الْآحَادِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ ؟
قُلْنَا : فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ الْحُجَّةِ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ نَدَّعِيَ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَظَّمَ شَأْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَخْبَرَ عَنْ عِصْمَتِهَا عَنْ الْخَطَأِ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَوَاتَرْ آحَادُهَا ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ نَجِدُ أَنْفُسَنَا مُضْطَرِّينَ إلَى الْعِلْمِ بِشَجَاعَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَسَخَاوَةِ
حَاتِمٍ وَفِقْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَخَطَابَةِ
الْحَجَّاجِ وَمَيْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَتَعْظِيمِهِ صَحَابَتَهُ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ آحَادُ الْأَخْبَارِ فِيهَا مُتَوَاتِرَةً ، بَلْ يَجُوزُ الْكَذِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَوْ جَرَّدْنَا النَّظَرَ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَجْمُوعِ .
وَذَلِكَ يُشْبِهُ مَا يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِ قَرَائِنَ آحَادِهَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ الِاحْتِمَالِ ، وَلَكِنْ يَنْتَفِي الِاحْتِمَالُ عَنْ مَجْمُوعِهَا حَتَّى يَحْصُلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ . الطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنْ لَا نَدَّعِيَ عِلْمَ الِاضْطِرَارِ بَلْ عِلْمَ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ ، الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ لَمْ تَزَلْ مَشْهُورَةً بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا فِي إثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ وَلَا يُظْهِرُ أَحَدٌ فِيهَا خِلَافًا وَإِنْكَارًا إلَى زَمَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=15414النَّظَّامِ ، وَيَسْتَحِيلُ فِي مُسْتَقَرِّ الْعَادَةِ تَوَافُقُ الْأُمَمِ فِي أَعْصَارٍ مُتَكَرِّرَةٍ عَلَى التَّسْلِيمِ لِمَا لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ بِصِحَّتِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الطِّبَاعِ وَتَفَاوُتِ الْهِمَمِ وَالْمَذَاهِبِ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْفَكَّ حُكْمٌ ثَبَتَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ عَنْ خِلَافِ مُخَالِفٍ وَإِبْدَاءِ تَرَدُّدٍ فِيهِ .
الْوَجْهُ : أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَثْبَتُوا بِهَا أَصْلًا مَقْطُوعًا بِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، وَيَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ التَّسْلِيمُ لِخَبَرٍ يُرْفَعُ بِهِ الْكِتَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ إلَّا إذَا اسْتَنَدَ إلَى مُسْتَنَدٍ مَقْطُوعٍ بِهِ ، فَأَمَّا رَفْعُ الْمَقْطُوعِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْطُوعٍ فَلَيْسَ مَعْلُومًا ، حَتَّى لَا يَتَعَجَّبَ مُتَعَجِّبٌ وَلَا يَقُولَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَرْفَعُونَ الْكِتَابَ الْقَاطِعَ بِإِجْمَاعٍ مُسْتَنِدٍ إلَى خَبَرٍ غَيْرِ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ ؟ وَكَيْفَ تَذْهَلُ عَنْهُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ إلَى زَمَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=15414النَّظَّامِ فَيُخْتَصُّ بِالتَّنَبُّهِ لَهُ ؟ هَذَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ ، وَلِلْمُنْكِرِينَ فِي مُعَارَضَتِهِ ثَلَاثَةُ مَقَامَاتٍ : الرَّدُّ وَالتَّأْوِيلُ وَالْمُعَارَضَةُ
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ : فِي الرَّدِّ ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَسْئِلَةٍ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُمْ : لَعَلَّ وَاحِدًا خَالَفَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّهَا وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا .
قُلْنَا : هَذَا أَيْضًا تُحِيلُهُ الْعَادَةُ إذْ الْإِجْمَاعُ أَعْظَمُ أُصُولِ الدِّينِ ، فَلَوْ خَالَفَ فِيهِ مُخَالِفٌ لَعَظُمَ الْأَمْرُ فِيهِ وَاشْتَهَرَ الْخِلَافُ ، إذْ لَمْ يَنْدَرِسْ
nindex.php?page=treesubj&link=21617_20703_21684خِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ وَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ وَحَدِّ الشُّرْبِ . فَكَيْفَ انْدَرَسَ الْخِلَافُ فِي أَصْلٍ عَظِيمٍ يَلْزَمُ فِيهِ التَّضْلِيلُ وَالتَّبْدِيعُ لِمَنْ أَخْطَأَ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ ؟ وَكَيْفَ اشْتَهَرَ خِلَافُ
nindex.php?page=showalam&ids=15414النَّظَّامِ مَعَ سُقُوطِ
[ ص: 140 ] قَدْرِهِ وَخِسَّةِ رُتْبَتِهِ وَخَفِيَ خِلَافُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ؟ هَذَا مِمَّا لَا يَتَّسِعُ لَهُ عَقْلٌ أَصْلًا .
السُّؤَالُ الثَّانِي : قَالُوا : قَدْ اسْتَدْلَلْتُمْ بِالْخَبَرِ عَلَى الْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ اسْتَدْلَلْتُمْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ ، فَهَبْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الصِّحَّةِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَهَلْ النِّزَاعُ إلَّا فِيهِ ؟
قُلْنَا : لَا ، بَلْ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى الْإِجْمَاعِ بِالْخَبَرِ وَعَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ بِخُلُوِّ الْأَعْصَارِ عَنْ الْمُدَافَعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ لَهُ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي إنْكَارَ إثْبَاتِ أَصْلٍ قَاطِعٍ يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْقَوَاطِعِ بِخَبَرٍ غَيْرِ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ ، فَعَلِمْنَا بِالْعَادَةِ كَوْنَ الْخَبَرِ مَقْطُوعًا بِهِ لَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْعَادَةُ أَصْلٌ يُسْتَفَادُ مِنْهَا مَعَارِفُ ، فَإِنَّ بِهَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684دَعْوَى مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ وَانْدِرَاسُهَا ، وَبِهَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684دَعْوَى نَصِّ الْإِمَامَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684وَإِيجَابِ صَلَاةِ الضُّحَى ، وَصَوْمِ شَوَّالٍ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ لَاسْتَحَالَ فِي الْعَادَةِ السُّكُوتُ عَنْهُ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : قَالُوا : بِمَ تُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَعَلَّهُمْ أَثْبَتُوا الْإِجْمَاعَ لَا بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ بَلْ بِدَلِيلٍ آخَرَ ؟
قُلْنَا : قَدْ ظَهَرَ مِنْهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي الْمَنْعِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=21617_21684مُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ وَتَهْدِيدِ مَنْ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ وَيُخَالِفُهَا . وَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُسْتَنَدٌ لَظَهَرَ وَانْتَشَرَ ، فَإِنَّهُ قَدْ نُقِلَ تَمَسُّكُهُمْ أَيْضًا بِالْآيَاتِ .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُمْ : لَمَّا عَلِمَتْ الصَّحَابَةُ صِحَّةَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ لِمَ لَمْ يَذْكُرُوا طَرِيقَ صِحَّتِهَا لِلتَّابِعِينَ حَتَّى كَانَ يَنْقَطِعُ الِارْتِيَابُ وَيُشَارِكُونَهُمْ فِي الْعِلْمِ ؟
قُلْنَا : لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا تَعْرِيفَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِصْمَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمَجْمُوعِ قَرَائِنَ وَأَمَارَاتٍ وَتَكْرِيرَاتِ أَلْفَاظٍ وَأَسْبَابٍ دَلَّتْ ضَرُورَةً عَلَى قَصْدِهِ إلَى بَيَانِ نَفْيِ الْخَطَأِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَتِلْكَ الْقَرَائِنُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحِكَايَةِ وَلَا تُحِيطُ بِهَا الْعِبَارَاتُ ، وَلَوْ حَكَوْهَا لَتَطَرَّقَ إلَى آحَادِهَا احْتِمَالَاتٌ ، فَاكْتَفَوْا بِعِلْمِ التَّابِعِينَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21470_21616_21684الْخَبَرَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَيَقَعُ التَّسْلِيمُ فِي الْعَادَةِ بِهِ ، فَكَانَتْ الْعَادَةُ فِي حَقِّ التَّابِعِينَ أَقْوَى مِنْ الْحِكَايَةِ .
الْمَقَامُ الثَّانِي : فِي التَّأْوِيلِ . وَلَهُمْ تَأْوِيلَاتٌ ثَلَاثَةٌ ، الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30024لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ } يُنَبِّئُ عَنْ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ عِصْمَةَ جَمِيعِهِمْ عَنْ الْكُفْرِ : بِالتَّأْوِيلِ وَالشُّبْهَةِ ، وَقَوْلُهُ " عَلَى الْخَطَأِ " لَمْ يَتَوَاتَرْ ، وَإِنْ صَحَّ فَالْخَطَأُ عَامٌّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْكُفْرِ .
قُلْنَا : الضَّلَالُ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ لَا يُنَاسِبُ الْكُفْرَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } وَقَالَ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ
مُوسَى : عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=20فَعَلْتُهَا إذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ } وَمَا أَرَادَ مِنْ الْكَافِرِينَ بَلْ أَرَادَ مِنْ الْمُخْطِئِينَ ، يُقَالُ : ضَلَّ فُلَانٌ عَنْ الطَّرِيقِ وَضَلَّ سَعْيُ فُلَانٍ كُلُّ ذَلِكَ الْخَطَأُ ، كَيْفَ وَقَدْ فُهِمَ ضَرُورَةً مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَعْظِيمُ شَأْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَخْصِيصُهَا بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ ؟ أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=21385_21684الْعِصْمَةُ عَنْ الْكُفْرِ فَقَدْ أُنْعِمَ بِهَا فِي حَقِّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيٍّ وَزَيْدٍ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=15414النَّظَّامِ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْحَقِّ ، وَكَمْ مِنْ آحَادٍ عُصِمُوا عَنْ الْكُفْرِ حَتَّى مَاتُوا ، فَأَيُّ خَاصِّيَّةٍ لِلْأُمَّةِ ؟ فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُعْصَمْ عَنْهُ الْآحَادُ مِنْ سَهْوٍ وَخَطَأٍ وَكَذِبٍ يُعْصَمُ عَنْهُ الْأُمَّةُ تَنْزِيلًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَنْزِلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِصْمَةِ عَنْ الْخَطَأِ فِي الدِّينِ ، أَمَّا فِي غَيْرِ الدِّينِ مِنْ إنْشَاءِ حَرْبٍ وَصُلْحٍ وَعِمَارَةِ بَلْدَةٍ فَالْعُمُومُ يَقْتَضِي
nindex.php?page=treesubj&link=21385_21684الْعِصْمَةَ لِلْأُمَّةِ عَنْهُ أَيْضًا ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَأَمْرُ الدِّينِ مَقْطُوعٌ بِوُجُوبِ الْعِصْمَةِ فِيهِ كَمَا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي أَمْرِ تَأْبِيرِ النَّخْلِ ثُمَّ قَالَ : {
أَنْتُمْ أَعْرَفُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ وَأَنَا أَعْرَفُ بِأَمْرِ دِينِكُمْ }
[ ص: 141 ]
التَّأْوِيلُ الثَّانِي : قَوْلُهُمْ غَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَامًّا يُوجِبُ الْعِصْمَةَ عَنْ كُلِّ خَطَأٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ مَا يُوَافِقُ النَّصَّ الْمُتَوَاتِرَ أَوْ يُوَافِقُ دَلِيلَ الْعَقْلِ دُونَ مَا يَكُونُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ .
قُلْنَا : لَا ذَاهِبَ مِنْ الْأُمَّةِ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ، إذْ مَا دَلَّ مِنْ الْعَقْلِ عَلَى تَجْوِيزِ الْخَطَأِ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ دَلَّ عَلَى تَجْوِيزٍ فِي شَيْءٍ آخَرَ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَارِقٌ لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصٌ بِالتَّحَكُّمِ دُونَ دَلِيلٍ وَلَمْ يَكُنْ تَخْصِيصٌ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصٍ ، وَقَدْ ذُمَّ مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ وَأُمِرَ بِالْمُوَافَقَةِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا فِيهِ الْعِصْمَةُ مَعْلُومًا اسْتَحَالَ الِاتِّبَاعُ إلَّا إنْ ثَبَتَ الْعِصْمَةُ مُطْلَقًا ، وَبِهِ ثَبَتَتْ فَضِيلَةُ الْأُمَّةِ وَشَرَفُهَا ، فَأَمَّا الْعِصْمَةُ عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذَا يَثْبُتُ لِكُلِّ كَافِرٍ فَضْلًا عَنْ الْمُسْلِمِ ، إذْ مَا مِنْ شَخْصٍ يُخْطِئُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلْ كُلُّ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُعْصَمُ عَنْ الْخَطَأِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ .
التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ : أَنَّ أُمَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَجُمْلَةُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إلَى آخَرِ عُمْرِ الدُّنْيَا لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى خَطَأٍ بَلْ كُلُّ حُكْمٍ انْقَضَى عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ كُلِّهَا بَعْدَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ ، إذْ الْأُمَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ ، كَيْفَ وَاَلَّذِينَ مَاتُوا فِي زَمَانِنَا هُمْ مِنْ الْأُمَّةِ ؟ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيْسَ إجْمَاعَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا قَدْ خَالَفُوا ثُمَّ مَاتُوا لَمْ يَنْعَقِدْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعٌ وَقَبْلَنَا مِنْ الْأُمَّةِ مَنْ خَالَفَ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ ، فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُوَافِقُوا .
قُلْنَا : كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأُمَّةِ الْمَجَانِينُ وَالْأَطْفَالُ وَالسَّقْطُ وَالْمُجْتَنُّ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْأُمَّةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَيْتُ وَاَلَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ ، بَلْ الَّذِي يُفْهَمُ قَوْمٌ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ اخْتِلَافٌ وَاجْتِمَاعٌ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الِاجْتِمَاعُ وَالِاخْتِلَافُ مِنْ الْمَعْدُومِ وَالْمَيِّتِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْجَمَاعَةِ وَذَمِّ مَنْ شَذَّ عَنْ الْمُوَافَقَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الِاتِّبَاعُ وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْقِيَامَةِ لَا فِي الدُّنْيَا ، فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إجْمَاعٌ يُمْكِنُ خَرْقُهُ وَمُخَالَفَتُهُ فِي الدُّنْيَا ، وَذَلِكَ هُمْ الْمَوْجُودُونَ فِي كُلِّ عَصْرٍ . أَمَّا إذَا مَاتَ فَيَبْقَى أَثَرُ خِلَافِهِ ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِهِ . وَسَيَأْتِي فِيهِ كَلَامٌ شَافٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الْمَقَامُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21684الْمُعَارَضَةُ بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ .
أَمَّا الْآيَاتُ فَكُلُّ مَا فِيهَا مَنْعٌ مِنْ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِعْلِ الْبَاطِلِ فَهُوَ عَامٌّ مَعَ الْجَمِيعِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا فَكَيْفَ نُهُوا عَنْهُ ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .
قُلْنَا : لَيْسَ هَذَا نَهْيًا لَهُمْ عَنْ الِاجْتِمَاعِ بَلْ نَهْيٌ لِلْآحَادِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِيَالِهِ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ وَإِنْ سَلِمَ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ النَّهْيِ وُقُوعُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا جَوَازُ وُقُوعِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي لَا تَقَعُ مِنْهُمْ وَنَهَاهُمْ عَنْ الْجَمِيعِ وَخِلَافُ الْمَعْلُومِ غَيْرُ وَاقِعٍ وَقَالَ لِرَسُولِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } ، وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ } وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ عَصَمَهُ مِنْهُمْ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ .
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16133بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ } وَقَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18601خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيَحْلِفُ وَمَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدُ وَمَا يُسْتَشْهَدُ } وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30539لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا عَلَى شِرَارِ أُمَّتِي }
[ ص: 142 ] قُلْنَا : هَذَا وَأَمْثَالُهُ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْعِصْيَانِ وَالْكَذِبِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى مُتَمَسِّكٌ بِالْحَقِّ ، وَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30218لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَحَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ } كَيْفَ وَلَا تَجْرِي هَذِهِ الْأَخْبَارُ فِي الصِّحَّةِ وَالظُّهُورِ مَجْرَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَمَسَّكْنَا بِهَا ؟
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ : التَّمَسُّكُ بِالطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيِّ .
وَبَيَانُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21617الصَّحَابَةُ إذَا قَضَوْا بِقَضِيَّةٍ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَاطِعُونَ بِهَا فَلَا يَقْطَعُونَ بِهَا إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ قَاطِعٍ ، وَإِذَا كَثُرُوا كَثْرَةً تَنْتَهِي إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ فَالْعَادَةُ تُحِيلُ عَلَيْهِمْ قَصْدَ الْكَذِبِ وَتُحِيلُ عَلَيْهِمْ الْغَلَطَ حَتَّى لَا يَتَنَبَّهَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِلْمُحِقِّ فِي ذَلِكَ وَإِلَى أَنَّ الْقَطْعَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ خَطَأٌ ، فَقَطْعُهُمْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ مُحَالٌ فِي الْعَادَةِ .
فَإِنْ قَضَوْا عَنْ اجْتِهَادٍ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَيُعْلَمُ أَنَّ التَّابِعِينَ كَانُوا يُشَدِّدُونَ النَّكِيرَ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَيَقْطَعُونَ بِهِ ، وَقَطْعُهُمْ بِذَلِكَ قَطْعٌ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا إلَّا عَنْ قَاطِعٍ ، وَإِلَّا فَيَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَشِذَّ عَنْ جَمِيعِهِمْ الْحَقُّ مَعَ كَثْرَتِهِمْ حَتَّى لَا يَتَنَبَّهَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِلْحَقِّ .
وَكَذَلِكَ نَعْلَمُ أَنَّ التَّابِعِينَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ أَنْكَرَ تَابِعُو التَّابِعِينَ عَلَى الْمُخَالِفِ وَقَطَعُوا بِالْإِنْكَارِ ، وَهُوَ قَطْعٌ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْقَطْعِ فَالْعَادَةُ تُحِيلُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ وَعَلَى مَسَاقِ هَذَا قَالُوا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=21654رَجَعَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ إلَى عَدَدٍ يَنْقُصُ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فَلَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ الْخَطَأُ فِي الْعَادَةِ وَلَا تَعَمُّدُ الْكَذِبِ لِبَاعِثٍ عَلَيْهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ .
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ ضَعِيفَةٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ مَنْشَأَ الْخَطَأِ إمَّا تَعَمُّدُ الْكَذِبِ وَإِمَّا ظَنُّهُمْ مَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ قَاطِعًا ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ ، وَأَمَّا الثَّانِي : فَجَائِز ، فَقَدْ قَطَعَ
الْيَهُودُ بِبُطْلَانِ نُبُوَّةِ
عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ ، وَهُوَ قَطْعٌ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْقَطْعِ لَكِنْ ظَنُّوا مَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ قَاطِعًا .
وَالْمُنْكِرُونَ لِحُدُوثِ الْعَالَمِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالْمُرْتَكِبُونَ لِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ عَدَدُهُمْ بَالِغٌ مَبْلَغَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ وَيَحْصُلُ الصِّدْقُ بِإِخْبَارِهِمْ ، وَلَكِنْ أَخْطَئُوا بِالْقَطْعِ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْقَطْعِ . وَهَذَا الْقَائِلُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=21622إجْمَاعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حُجَّةً وَلَا تَخْصِيصَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَانِ دَيْنِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قِيلَ : هَذَا تَمَسُّكٌ بِالْعَادَةِ ، وَأَنْتُمْ فِي نُصْرَةِ الْمَسْلَكِ الثَّانِي اسْتَرْوَحْتُمْ إلَى الْعَادَةِ وَهَذَا عَيْنُ الْأَوَّلِ .
قُلْنَا : الْعَادَةُ لَا تُحِيلُ عَلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَظُنُّوا مَا بِقَاطِعٍ قَاطِعًا ، وَعَنْ هَذَا
قُلْنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=21439شَرْطُ خَبَرِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى مَحْسُوسٍ وَالْعَادَةُ تُحِيلُ الِانْقِيَادَ وَالسُّكُوتَ عَمَّنْ دَفَعَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ بِإِجْمَاعٍ دَلِيلُهُ خَبَرٌ مَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَكُلُّ مَا هُوَ ضَرُورِيٌّ يُعْلَمُ بِالْحِسِّ أَوْ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَوْ بِالْبَدِيهَةِ فَمِنْهَاجُهُ وَاحِدٌ وَيَتَّفِقُ النَّاسُ عَلَى دَرْكِهِ وَالْعَادَةُ الذُّهُولُ عَنْهُ عَلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ وَمَا هُوَ نَظَرِيٌّ فَطُرُقُهُ مُخْتَلِفَةٌ ، فَلَا يَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ التَّوَاتُرِ عَلَى الْغَلَطِ فِيهِ ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : اعْتِمَادُكُمْ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ الثَّانِي أَنَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ حَقٌّ وَلِيس بِخَطَأٍ فَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=21619_22291وَكُلّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ لِلْحَقِّ وَلَا يَجِبُ عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ اتِّبَاعُهُ وَالشَّاهِدُ الْمُزَوِّرُ مُبْطِلٌ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي اتِّبَاعُهُ ؟ فَوُجُوبُ الِاتِّبَاعِ شَيْءٌ وَكَوْنُ الشَّيْءِ حَقًّا غَيْرُهُ .
قُلْنَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=21619اتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّهُ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ ، وَبِحَسْبِ كَوْنِهِمْ مُحِقِّينَ فِي قَوْلِهِمْ يَجِبُ اتِّبَاعُ الْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ
نَقُولُ كُلُّ حَقٍّ عُلِمَ كَوْنُهُ حَقًّا فَالْأَصْلُ فِيهِ وُجُوبُ
[ ص: 143 ] الِاتِّبَاعِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22311وَالْمُجْتَهِدُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ إلَّا عَلَى الْمُجْتَهِدِ الَّذِي هُوَ مُحِقٌّ أَيْضًا فَقُدِّمَ حَقٌّ حَصَلَ بِاجْتِهَادِهِ عَلَى مَا حَصَلَ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ فِي حَقِّهِ وَالشَّاهِدُ الْمُزَوِّرُ لَوْ عُلِمَ كَوْنُهُ مُزَوِّرًا لَمْ يُتَّبَعْ .
وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا ذِمَّةُ مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ وَأَنَّهُ ذُكِرَ هَذَا فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَى الْأُمَّةِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِوُجُوبِ الِاتِّبَاعِ وَإِلَّا فَلَا يَبْقَى لَهُ مَعْنًى ، إلَّا إنَّهُمْ مُحِقُّونَ إذَا أَصَابُوا دَلِيلَ الْحَقِّ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي حَقِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَتَخْصِيصٌ أَلْبَتَّةَ .