[ ص: 506 ] nindex.php?page=treesubj&link=19605_30489_32413_34383_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون nindex.php?page=treesubj&link=16905_16989_28270_28640_28723_29694_30504_32210_32445_33217_33220_34354_34385_34386_34390_545_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم
* * *
بين الله سبحانه وتعالى أننا فيما أباحه الله لنا لا نتبع خطوات الذي يغوينا بتحريم ما أحل لنا ، وذكر حال المشركين في اعتقاداتهم ثم بين بعد ذلك ما أحله وما حرمه ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم وكان النداء إلى الناس الذين كان منهم من اتبع خطوات الشيطان ، أما الآن فالخطاب للمؤمنين خاصة ، وهم لا يتبعون خطوات الشيطان إنما يتبعون شرع الرحمن .
الأمر هنا للإباحة ، والإباحة بالجزء ، أي لنا أن نتخير من الطيبات ، وعلينا أن نتناول ما نحب لا ما لا نحب ، من غير أن نحرم على أنفسنا شيئا كما تلونا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وبالنسبة لمجموعة الأوقات فالأكل من الطيبات فرض ، فهو وإن كان مباحا بالجزء مطلوب بالكل ،
nindex.php?page=treesubj&link=18580ليس لأحد أن يترك الأكل من الطيبات فإن ذلك يكون حراما ، ويؤدي إلى الهلاك كما ذكرنا في ماضي قولنا .
والطيبات هي ما تستطيبه النفوس ، ويكون حلالا ، والأكل منه مطلوب لتقوى الأجسام ولتقوى العقول والنفوس في ذاتها ، ولتقوى للجهاد في سبيله وبشرط أن تكون حلالا ، وحرم الله الخبائث التي تكون في ذاتها مستقذرة كالخنزير والميتة أو التي تكون من كسب حرام كالربا والسحت ، وأكل مال الناس بالباطل . وإن من
[ ص: 507 ] أعظم القربات بعد تقوى الله ، طلب الطيبات الحلال . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661923إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" .
ولقد أردف الله سبحانه وتعالى الأمر بالأكل من الطيبات بالأمر بالشكر ; لأن هذه الإباحة للطيبات نعمة ، والنعمة توجب الشكر من المنعم ، الذي أباح ومكن ، والشكر يكون بترك المعاصي ولزوم الطاعات والتقوى والتقرب إليه سبحانه وتعالى ، وطلب رضوانه ، ويقول سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7لئن شكرتم لأزيدنكم ولقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=664780الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر " .
وإن هذه المباحات نعم الله تعالى في هذه الدنيا يسأل عن حقها وعن شكرها ، فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=8ثم لتسألن يومئذ عن النعيم وإن الشكر هو الطاعات الكاملة ، والعمل الصالح ، وإن ذلك شريعة الرسائل الإلهية كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172كلوا من طيبات ما رزقناكم أضيفت الطيبات ، وهي إضافة تشير إلى المصدر ، وهو إنعام المنعم ; لأن الطيبات مما رزق الله تعالى ، ومما تمكن عباده منه ، فكان هنا نعمتان أنعم الله تعالى بهما ، وهما : نعمة الرزق والعطاء ، ونعمة الإباحة للطيبات ، وكان الشكر على النعمتين واجبا .
ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172واشكروا لله أي اشكروا الله ، وقد بينا أن " شكر " تتعدى باللام ، وهو الأفصح ، وتتعدى بنفسها ، وإن الشكر ملازم للعبادة أو هو منها ، أو
[ ص: 508 ] هو هي ، ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172إن كنتم إياه تعبدون أي إن كنتم تعبدونه وحدي من غير إشراك غير ، وتقديم الضمير على الفعل للإشارة إلى اختصاصه تعالى بالعبادة وحده ، اللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمائك وراضين في السراء والضراء .
بعد أن ذكر الله ما أحله من طيبات بين ما حرمه من خبائث سواء أكانت هذه الخبائث حسية أم كانت معنوية ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم
حرم الله تعالى ثلاثة أشياء من الخبائث الحسية ، وهي
nindex.php?page=treesubj&link=23988_518_531_545الميتة والدم ولحم الخنزير ، ومن الخبائث المعنوية ما أهل به لغير الله ، أي ما ذبح لصنم ونحو ذلك .
والميتة هي التي ماتت حتف أنفها من غير ذبح شرعي ، وتشمل النطيحة والمتردية ، ولذا قال في الخبائث المحرمة في سورة المائدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون
وإنه يدخل في الميتة كل ما مات من غير أن يسال دمه ولو بسبب من العباد أو السبع ، فيدخل في الميتة المنخنقة التي ماتت بالخنق من غير ذبح يسيل دمها ، والموقوذة التي رميت حتى ماتت ، والنطيحة التي ماتت بنطح ولم يسل لها دم ، والمتردية وهي التي تردت في حفرة أو بئر فماتت بهذا التردي ، ولم تذبح وما أكل السبع بعضه ، ولم يذبح فإنه أيضا يكون محرما ، وحرم الاستقسام بالأزلام وهي أقداح الميسر كما حرم الذبح على النصب ، وحرمت هذه الأشياء لا لخبث في ذاتها ولكن لما اقترن بذبحها وهو النصب ، كما حرم الاستقسام بالأزلام فهي في ذاتها طيبة حسيا ، ولكن لازمها خبث معنوي وهو ما يقترن بها من ميسر ، والقرآن الكريم قد حصر التحريم في هذه الأشياء المذكورة فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة وإنما أداة من أدوات القصر ، أي حرمت هذه الأشياء من النعم التي هي البقر
[ ص: 509 ] والإبل والغنم وغيرها مما يشبهها آكلة العشب كالغزال والأوعال ، أما سباع البهائم كالأسد والذئب وغيرها فهي محرمة بذاتها ، لأن لحمها لا يؤكل وتعافه النفوس المستقيمة ، فالحصر في التحريم ، إنما هو بالنسبة للنعم وما يشبهها من آكلة العشب ، والمحرمات هي الميتة ويدخل فيها كما سبق من القول المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا أن يذكى بأن يبقى بعد أكله حيا ، فيذكى والتذكية إسالة الدم .
والميتة يبقى فيها الدم ، فبمضي الزمن يفسد أجزاء جسمها وتتعفن ببقائه فيها فيفسد لحمها وتسارع إليها الجراثيم المفسدة ، فتكون خبيثة وتتحول من لحم طيب إلى لحم خبيث ، ويدخل في ذلك الموقوذة والمنخنقة والمتردية والنطيحة والدم ، والمراد به الدم المسفوح ، أي السائل ، وليس المتجمد بأصل تكوينه وإن كان التكوين من الدم وهو الكبد والطحال ، والدم المسفوح يسارع إليه الفساد وهو ثقيل الهضم وهو يفسد الجسم والنفس ، وإنما قيد الدم بالمسفوح ، لأنه صرح في آية الأنعام بأن المحرم هو الدم المسفوح فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنـزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به
ومن المقررات أن المطلق يحمل على المقيد إذا اتحد الحكم والسبب ، فيجمل الدم المذكور في الآية التي نتكلم في معناها على المقيد في آية الأنعام ، والدم يسارع إليه الفساد وأكله يربي القسوة وهو ثقيل الهضم .
nindex.php?page=treesubj&link=33217_515_16890ولحم الخنزير ذكر الله تعالى في القرآن أنه رجس أي قذر يحتوي على كل ما يضر البنية الإنسانية ، وقد ثبت بالتجربة أنه أثقل طعام على المعدة ، والمعدة بيت الداء ، وثبت أنه يحوي من الديدان ما يضر الجسم ، وأنه يحدث فقد الشهوة ، ويوجد أعراضا عصبية ، ويظن كثيرون أنه مورد من موارد داء السرطان العضال . وما أهل لغير الله تعالى به ، والإهلال رفع الصوت بذكر الله تعالى عند الذبح ، والإهلال لغير الله تعالى بأن يذكر عند الذبح أنه لصنم أو وثن أو نار أو نحو ذلك ،
[ ص: 510 ] ويدخل في ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=16989ما ذبح على النصب التي كانت تقام للأوثان وتذبح الذبائح عليها .
وقد بين سبحانه وتعالى أن ذلك عند الاختيار ، وأما عند الاضطرار فإنها يرفع عنها الإثم ; ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه أي من كان في حال ضرورة ، بحيث تتعرض الحياة للهلاك إذا لم يأكل شيئا من هذه المحرمات ، فإنه لا إثم عليه إذا أكل ، ويكون واجبا عليه أن يأكل إن لم يجد غيرها ; لأن ضرر الموت أشد من ضرر الأكل ، والضرر القليل يتحمل في سبيل دفع الضرر الكبير ، ولقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حال الضرورة لمن سأله عن ذلك ، فقال : "
أن يأتي الصبوح والغبوق ولا تجد ما تأكله " ، ولقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم
ولقد قيد الله تعالى رفع الإثم ، فقال تعالت كلماته :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173غير باغ ولا عاد أي غير طالب لها تبتغي إشباع رغبتك ، كأن يكون في عطش شديد ولم يجد إلا خمرا ، فيشربها مبتغيا لها لا يقصد دفع الضرورة ولكن يرغب فيها ، وكمن يكون في حال ضرورة فيكون بين يديه الميتة والخنزير فيبتغي الخنزير اشتهاء له ورغبة فيه ، ولا عاد أي غير متجاوز حد الضرورة ، والضرورة تدفع بأقل قدر فلا يتجاوزه ، فيتعدى ما رفع الله تعالى الإثم عنه .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير أنهما قالا في معنى باغ وعاد ، غير باغ على المسلمين ولا عاد عليهم ، فيدخل في الباغي والعادي الخارج على السلطان العادل وقاطع الطريق ، وبهذا أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أحد قوليه فمن
nindex.php?page=treesubj&link=16906كان مضطرا للطعام ولا يجد [ ص: 511 ] إلا بعض هذه المحرمات وكان خارجا في معصية فإنه لا يترخص له في أكل واحد من هذه المحرمات ; لأن وقوع الضرورة بسبب معصية ، والمعصية لا تحل المحرم .
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، والرأي الثاني عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن الرخصة قائمة وسببها ليس هو المعصية أو غير المعصية ، وإنما سببها الاضطرار والخشية من الهلاك والمعصية في قتل النفس أشد من المعصية في الخروج على الأحكام ; ولأن الجهة منفكة ; فرفع الإثم لدفع الجوع والظلم في العصيان فلا خلط بينهما ، ومن المقررات أن الظالم في معصية لا يحرم من حقوقه في ناحية أخرى ، وإلا كان ظلما والظالم لا يظلم ، ولكن يقتص منه في موضع ظلمه ، هذا وإن الرخصة نتيجتها أن يرفع الإثم لا أن تباح الميتة وأخواتها ، ولكن قرروا أنه في حال الضرورة هذا يكون الأكل مطلوبا طلبا حتميا بحيث يأثم إن لم يأكل ، لأن عدم الأخذ بالرخصة قتل للنفس والله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما
ولقد ختم الله تعالى النص الكريم بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إن الله غفور رحيم
هذا النص السامي فيه تسجيل لرحمة الله تعالى ، ولغفرانه في الدنيا والآخرة ما يرتكب إن كان بقصد حفظ النفس من التلف ، وكان من غفرانه أن رفع الإثم وسببه قائم عن
nindex.php?page=treesubj&link=16905_23988المضطر إلى أكل المحرمات ، وكان من رحمته أن أباح هذه الطيبات ، وإن حرم الخبائث ، فتحريم الخبائث لأضرارها ، وإباحة الطيبات لنفعها من رحمته سبحانه ، إذ إن الشريعة الغراء قامت على جلب ما هو نافع ودفع ما هو ضار ، وكان من رحمته جلت قدرته أن رفع الإثم عند الاضطرار .
وقبل أن ننتقل إلى آياته البينات نقرر أمرين . أولهما : ما قرره بعض العلماء ذوي النظر الثاقب أن الجوع الشديد يجعل الجسم يستطيع تناول هذه الخبائث الضارة إذ الجوع يذهب بأضرارها ، أو لا يجعلها تؤثر بالأذى في الجسم ما دام لا يتعدى حد الضرورة ، فإن تعداها كان الضرر المؤكد من هذه الخبائث . الثاني : إن هذه المحرمات إنما هي في حيوانات البر والنعم كما قررنا ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=17055صيد البحر فإنه حلال كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما جعل الله طعامنا حلالا طيبا ، وهنيئا مريئا .
* * *
[ ص: 506 ] nindex.php?page=treesubj&link=19605_30489_32413_34383_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=treesubj&link=16905_16989_28270_28640_28723_29694_30504_32210_32445_33217_33220_34354_34385_34386_34390_545_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْـزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
* * *
بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّنَا فِيمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَنَا لَا نَتَّبِعُ خُطُوَاتِ الَّذِي يُغْوِينَا بِتَحْرِيمِ مَا أُحِلَّ لَنَا ، وَذَكَرَ حَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي اعْتِقَادَاتِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَلَّهُ وَمَا حَرَّمَهُ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَكَانَ النِّدَاءُ إِلَى النَّاسِ الَّذِينَ كَانَ مِنْهُمْ مَنِ اتَّبَعَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ، أَمَّا الْآنَ فَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً ، وَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ شَرْعَ الرَّحْمَنِ .
الْأَمْرُ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ ، وَالْإِبَاحَةُ بِالْجُزْءِ ، أَيْ لَنَا أَنْ نَتَخَيَّرَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَتَنَاوَلَ مَا نُحِبُّ لَا مَا لَا نُحِبُّ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ نُحَرِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا شَيْئًا كَمَا تَلَوْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَبِالنِّسْبَةِ لِمَجْمُوعَةِ الْأَوْقَاتِ فَالْأَكْلُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَرْضٌ ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا بِالْجُزْءِ مَطْلُوبٌ بِالْكُلِّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18580لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَرَامًا ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَاضِي قَوْلِنَا .
وَالطَّيِّبَاتُ هِيَ مَا تَسْتَطِيبُهُ النُّفُوسُ ، وَيَكُونُ حَلَالًا ، وَالْأَكْلُ مِنْهُ مَطْلُوبٌ لِتَقْوَى الْأَجْسَامُ وَلِتَقْوَى الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ فِي ذَاتِهَا ، وَلِتَقْوَى لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَبِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ حَلَالًا ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الْخَبَائِثَ الَّتِي تَكُونُ فِي ذَاتِهَا مُسْتَقْذِرَةً كَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ أَوِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ كَسْبٍ حَرَامٍ كَالرِّبَا وَالسُّحْتِ ، وَأَكْلِ مَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ . وَإِنَّ مِنْ
[ ص: 507 ] أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ ، طَلَبَ الطَّيِّبَاتِ الْحَلَالِ . وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661923إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا" .
وَلَقَدْ أَرْدَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَمْرَ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ بِالْأَمْرِ بِالشُّكْرِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْإِبَاحَةَ لِلطَّيِّبَاتِ نِعْمَةٌ ، وَالنِّعْمَةُ تُوجِبُ الشُّكْرَ مِنَ الْمُنْعِمِ ، الَّذِي أَبَاحَ وَمَكَّنَ ، وَالشُّكْرُ يَكُونُ بِتَرْكِ الْمَعَاصِي وَلُزُومِ الطَّاعَاتِ وَالتَّقْوَى وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَطَلَبِ رِضْوَانِهِ ، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=664780الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ " .
وَإِنَّ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يُسْأَلُ عَنْ حَقِّهَا وَعَنْ شُكْرِهَا ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=8ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ وَإِنَّ الشُّكْرَ هُوَ الطَّاعَاتُ الْكَامِلَةُ ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ، وَإِنَّ ذَلِكَ شَرِيعَةُ الرَّسَائِلِ الْإِلَهِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ أُضِيفَتِ الطَّيِّبَاتُ ، وَهِيَ إِضَافَةٌ تُشِيرُ إِلَى الْمَصْدَرِ ، وَهُوَ إِنْعَامُ الْمُنْعِمِ ; لِأَنَّ الطَّيِّبَاتِ مِمَّا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمِمَّا تَمَكَّنَ عِبَادُهُ مِنْهُ ، فَكَانَ هُنَا نِعْمَتَانِ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا ، وَهُمَا : نِعْمَةُ الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ ، وَنِعْمَةُ الْإِبَاحَةِ لِلطَّيِّبَاتِ ، وَكَانَ الشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَتَيْنِ وَاجِبًا .
وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172وَاشْكُرُوا لِلَّهِ أَيِ اشْكُرُوا اللَّهَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ " شَكَرَ " تَتَعَدَّى بِاللَّامِ ، وَهُوَ الْأَفْصَحُ ، وَتَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا ، وَإِنَّ الشُّكْرَ مُلَازِمٌ لِلْعِبَادَةِ أَوْ هُوَ مِنْهَا ، أَوْ
[ ص: 508 ] هُوَ هِيَ ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَهُ وَحْدِي مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكِ غَيْرٍ ، وَتَقْدِيمُ الضَّمِيرِ عَلَى الْفِعْلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اخْتِصَاصِهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنَعْمَائِكَ وَرَاضِينَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ .
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللَّهُ مَا أَحَلَّهُ مِنْ طَيِّبَاتٍ بَيَّنَ مَا حَرَّمَهُ مِنْ خَبَائِثَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْخَبَائِثُ حِسِّيَّةً أَمْ كَانَتْ مَعْنَوِيَّةً ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْـزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ مِنَ الْخَبَائِثِ الْحِسِّيَّةِ ، وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=23988_518_531_545الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ، وَمِنَ الْخَبَائِثِ الْمَعْنَوِيَّةِ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، أَيْ مَا ذُبِحَ لِصَنَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَالْمَيْتَةُ هِيَ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِنْ غَيْرِ ذِبْحٍ شَرْعِيٍّ ، وَتَشْمَلُ النَّطِيحَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْـزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
وَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ كُلُّ مَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَالَ دَمُهُ وَلَوْ بِسَبَبٍ مِنَ الْعِبَادِ أَوِ السَّبُعِ ، فَيَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ الْمُنْخَنِقَةُ الَّتِي مَاتَتْ بِالْخَنْقِ مِنْ غَيْرِ ذِبْحٍ يُسِيلُ دَمَهَا ، وَالْمَوْقُوذَةُ الَّتِي رُمِيَتْ حَتَّى مَاتَتْ ، وَالنَّطِيحَةُ الَّتِي مَاتَتْ بِنَطْحٍ وَلَمْ يَسِلْ لَهَا دَمٌ ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَهِيَ الَّتِي تَرَدَّتْ فِي حُفْرَةٍ أَوْ بِئْرٍ فَمَاتَتْ بِهَذَا التَّرَدِّي ، وَلَمْ تُذْبَحْ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ بِعَضِّهِ ، وَلَمْ يُذْبَحْ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَكُونُ مُحَرَّمًا ، وَحَرَّمَ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ وَهِيَ أَقْدَاحُ الْمَيْسِرِ كَمَا حَرَّمَ الذَّبْحَ عَلَى النُّصُبِ ، وَحُرِّمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا لِخُبْثٍ فِي ذَاتِهَا وَلَكِنْ لِمَا اقْتَرَنَ بِذَبْحِهَا وَهُوَ النُّصُبُ ، كَمَا حَرَّمَ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ فَهِيَ فِي ذَاتِهَا طَيِّبَةٌ حِسِّيًّا ، وَلَكِنْ لَازَمَهَا خُبْثٌ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ مَيْسِرٍ ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ قَدْ حَصَرَ التَّحْرِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَإِنَّمَا أَدَاةٌ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَصْرِ ، أَيْ حُرِّمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي هِيَ الْبَقَرُ
[ ص: 509 ] وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُشْبِهُهَا آكِلَةَ الْعُشْبِ كَالْغَزَالِ وَالْأَوْعَالِ ، أَمَّا سِبَاعُ الْبَهَائِمِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَغَيْرِهَا فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِذَاتِهَا ، لِأَنَّ لَحْمَهَا لَا يُؤْكَلُ وَتَعَافُهُ النُّفُوسُ الْمُسْتَقِيمَةُ ، فَالْحَصْرُ فِي التَّحْرِيمِ ، إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّعَمِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ آكِلَةِ الْعُشْبِ ، وَالْمُحَرَّمَاتُ هِيَ الْمَيْتَةُ وَيَدْخُلُ فِيهَا كَمَا سَبَقَ مِنَ الْقَوْلِ الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا أَنْ يُذَكَّى بِأَنْ يَبْقَى بَعْدَ أَكْلِهِ حَيًّا ، فَيُذَكَّى وَالتَّذْكِيَةُ إِسَالَةُ الدَّمِ .
وَالْمَيْتَةُ يَبْقَى فِيهَا الدَّمُ ، فَبِمُضِيِّ الزَّمَنِ يَفْسُدُ أَجْزَاءُ جِسْمِهَا وَتَتَعَفَّنُ بِبَقَائِهِ فِيهَا فَيَفْسُدُ لَحْمُهَا وَتُسَارِعُ إِلَيْهَا الْجَرَاثِيمُ الْمُفْسِدَةُ ، فَتَكُونُ خَبِيثَةً وَتَتَحَوَّلُ مِنْ لَحْمٍ طَيِّبٍ إِلَى لَحْمٍ خَبِيثٍ ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَوْقُوذَةُ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالدَّمُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ ، أَيِ السَّائِلُ ، وَلَيْسَ الْمُتَجَمِّدُ بِأَصْلِ تَكْوِينِهِ وَإِنْ كَانَ التَّكْوِينُ مِنَ الدَّمِ وَهُوَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ ، وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ يُسَارِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ وَهُوَ ثَقِيلُ الْهَضْمِ وَهُوَ يُفْسِدُ الْجِسْمَ وَالنَّفْسَ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الدَّمَ بِالْمَسْفُوحِ ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْـزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
وَمِنَ الْمُقَرَّرَاتِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ ، فَيُجْمَلُ الدَّمُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِي مَعْنَاهَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ ، وَالدَّمُ يُسَارِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ وَأَكْلُهُ يُرَبِّي الْقَسْوَةَ وَهُوَ ثَقِيلُ الْهَضْمِ .
nindex.php?page=treesubj&link=33217_515_16890وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ رِجْسٌ أَيْ قَذِرٌ يَحْتَوِي عَلَى كُلِّ مَا يَضُرُّ الْبِنْيَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّهُ أَثْقَلُ طَعَامٍ عَلَى الْمَعِدَةِ ، وَالْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ ، وَثَبَتَ أَنَّهُ يَحْوِي مِنَ الدِّيدَانِ مَا يَضُرُّ الْجِسْمَ ، وَأَنَّهُ يُحْدِثُ فَقْدَ الشَّهْوَةِ ، وَيُوجِدُ أَعْرَاضًا عَصَبِيَّةً ، وَيَظُنُّ كَثِيرُونَ أَنَّهُ مَوْرِدٌ مِنْ مَوَارِدِ دَاءِ السَّرَطَانِ الْعُضَالِ . وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ ، وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الذَّبْحِ ، وَالْإِهْلَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَ الذَّبْحِ أَنَّهُ لِصَنَمٍ أَوْ وَثَنٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ،
[ ص: 510 ] وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=16989مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ الَّتِي كَانَتْ تُقَامُ لِلْأَوْثَانِ وَتُذْبَحُ الذَّبَائِحُ عَلَيْهَا .
وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ فَإِنَّهَا يُرْفَعُ عَنْهَا الْإِثْمُ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أَيْ مَنْ كَانَ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ ، بِحَيْثُ تَتَعَرَّضُ الْحَيَاةُ لِلْهَلَاكِ إِذَا لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ ، فَإِنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِذَا أَكَلَ ، وَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا ; لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَوْتِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْأَكْلِ ، وَالضَّرَرُ الْقَلِيلُ يُتَحَمَّلُ فِي سَبِيلِ دَفْعِ الضَّرَرِ الْكَبِيرِ ، وَلَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ الضَّرُورَةِ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : "
أَنْ يَأْتِيَ الصَّبُوحُ وَالْغَبُوقُ وَلَا تَجِدُ مَا تَأْكُلُهُ " ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
وَلَقَدْ قَيَّدَ اللَّهُ تَعَالَى رَفْعَ الْإِثْمِ ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ أَيْ غَيْرَ طَالِبٍ لَهَا تَبْتَغِي إِشْبَاعَ رَغْبَتِكَ ، كَأَنْ يَكُونَ فِي عَطَشٍ شَدِيدٍ وَلَمْ يَجِدْ إِلَّا خَمْرًا ، فَيَشْرَبُهَا مُبْتَغِيًا لَهَا لَا يَقْصِدُ دَفْعَ الضَّرُورَةِ وَلَكِنْ يَرْغَبُ فِيهَا ، وَكَمَنَ يَكُونُ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ فَيَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمِيتَةُ وَالْخِنْزِيرُ فَيَبْتَغِي الْخِنْزِيرَ اشْتِهَاءً لَهُ وَرَغْبَةً فِيهِ ، وَلَا عَادٍ أَيْ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ حَدَّ الضَّرُورَةِ ، وَالضَّرُورَةُ تُدْفَعُ بِأَقَلِّ قَدْرٍ فَلَا يَتَجَاوَزُهُ ، فَيَتَعَدَّى مَا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِثْمَ عَنْهُ .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَابْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي مَعْنَى بَاغٍ وَعَادٍ ، غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَادٍ عَلَيْهِمْ ، فَيَدْخُلُ فِي الْبَاغِي وَالْعَادِي الْخَارِجُ عَلَى السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ ، وَبِهَذَا أَخَذَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16906كَانَ مُضْطَرًّا لِلطَّعَامِ وَلَا يَجِدُ [ ص: 511 ] إِلَّا بَعْضَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَكَانَ خَارِجًا فِي مَعْصِيَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَرَخَّصُ لَهُ فِي أَكْلِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ ; لِأَنَّ وُقُوعَ الضَّرُورَةِ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُحِلُّ الْمُحَرَّمَ .
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ ، وَالرَّأْيُ الثَّانِي عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرُّخْصَةَ قَائِمَةٌ وَسَبَبَهَا لَيْسَ هُوَ الْمَعْصِيَةُ أَوْ غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ ، وَإِنَّمَا سَبَبُهَا الِاضْطِرَارُ وَالْخَشْيَةُ مِنَ الْهَلَاكِ وَالْمَعْصِيَةُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الْأَحْكَامِ ; وَلِأَنَّ الْجِهَةَ مُنْفَكَّةٌ ; فَرَفْعُ الْإِثْمِ لِدَفْعِ الْجُوعِ وَالظُّلْمُ فِي الْعِصْيَانِ فَلَا خَلْطَ بَيْنَهُمَا ، وَمِنَ الْمُقَرَّرَاتِ أَنَّ الظَّالِمَ فِي مَعْصِيَةٍ لَا يُحْرَمُ مِنْ حُقُوقِهِ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى ، وَإِلَّا كَانَ ظُلْمًا وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ ، وَلَكِنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ ظُلْمِهِ ، هَذَا وَإِنَّ الرُّخْصَةَ نَتِيجَتُهَا أَنْ يُرْفَعَ الْإِثْمُ لَا أَنْ تُبَاحَ الْمَيْتَةُ وَأَخَوَاتُهَا ، وَلَكِنْ قَرَّرُوا أَنَّهُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ هَذَا يَكُونُ الْأَكْلُ مَطْلُوبًا طَلَبًا حَتْمِيًّا بِحَيْثُ يَأْثَمُ إِنْ لَمْ يَأْكُلْ ، لِأَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ قَتْلٌ لِلنَّفْسِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
وَلَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّصَّ الْكَرِيمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
هَذَا النَّصُّ السَّامِي فِيهِ تَسْجِيلٌ لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِغُفْرَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا يُرْتَكَبُ إِنْ كَانَ بِقَصْدِ حِفْظِ النَّفْسِ مِنَ التَّلَفِ ، وَكَانَ مِنْ غُفْرَانِهِ أَنَّ رَفْعَ الْإِثْمِ وَسَبَبِهِ قَائِمٌ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=16905_23988الْمُضْطَرِّ إِلَى أَكْلِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَكَانَ مِنْ رَحْمَتِهِ أَنْ أَبَاحَ هَذِهِ الطَّيِّبَاتِ ، وَإِنْ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ ، فَتَحْرِيمُ الْخَبَائِثِ لِأَضْرَارِهَا ، وَإِبَاحَةُ الطَّيِّبَاتِ لِنَفْعِهَا مِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ ، إِذْ إِنَّ الشَّرِيعَةَ الْغَرَّاءَ قَامَتْ عَلَى جَلْبِ مَا هُوَ نَافِعٌ وَدَفْعِ مَا هُوَ ضَارٌّ ، وَكَانَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ رَفَعَ الْإِثْمَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ .
وَقَبْلَ أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى آيَاتِهِ الْبَيِّنَاتِ نُقَرِّرُ أَمْرَيْنِ . أَوَّلُهُمَا : مَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ذَوِي النَّظَرِ الثَّاقِبِ أَنَّ الْجُوعَ الشَّدِيدَ يَجْعَلُ الْجِسْمَ يَسْتَطِيعُ تَنَاوُلَ هَذِهِ الْخَبَائِثِ الضَّارَّةِ إِذِ الْجُوعُ يَذْهَبُ بِأَضْرَارِهَا ، أَوْ لَا يَجْعَلُهَا تُؤَثِّرُ بِالْأَذَى فِي الْجِسْمِ مَا دَامَ لَا يَتَعَدَّى حَدَّ الضَّرُورَةِ ، فَإِنْ تَعَدَّاهَا كَانَ الضَّرَرُ الْمُؤَكَّدُ مِنْ هَذِهِ الْخَبَائِثِ . الثَّانِي : إِنَّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ إِنَّمَا هِيَ فِي حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَالنِّعَمِ كَمَا قَرَّرْنَا ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=17055صَيْدُ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا جَعَلَ اللَّهُ طَعَامَنَا حَلَالًا طَيِّبًا ، وَهَنِيئًا مَرِيئًا .
* * *