nindex.php?page=treesubj&link=18003_18086_18184_18191_18669_24554_27521_28662_32468_32502_32503_32633_32660_33306_34134_34405_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا [ ص: 1673 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما
في الآيات السابقة من أول السورة وردت أحكام الأسرة، وواجبات الأقوياء فيها بالنسبة لضعفائها، والدعائم التي تقوم عليها، والحقوق المتبادلة بين آحادها، وأشير إلى الآفات التي قد تعروها، ثم بينت عناصر تكوينها سليمة، وأشير إلى المعاملات المالية بينها من غير تفضيل، ثم بين علاج ما يكون بين الزوجين من أسباب النزاع التي قد تهدد المودة الواصلة بينهما بالقطع، وفي هذه الآيات ذكر سبحانه الأسس التي تقوم عليها المعاملات العامة والخاصة، وذكر وجوب الإحسان إلى كل من يتصل بالشخص بقرابة أو جوار، ثم بين حال الذين يقطعون العلاقات بين الناس، وبين سبحانه وتعالى أن
nindex.php?page=treesubj&link=28675أساس التعامل الفاضل هو عبادة الله تعالى وحده، من غير إشراك، وأن أساس التعامل الفاسد هو أن يريد الشخص بعبادته غرضا من أغراض الدنيا من غير اتجاه إليه سبحانه، ومراعاة حق الناس عليه.
ولذا قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا هذا أول الخط الذي يسير فيه الفاضل في علاقته بالله وبالناس، وهو أول الخط المستقيم، والعبادة معناها: خلوص النفس لله تعالى، والاتجاه إليه وحده، والإخلاص في كل ما يعمل
[ ص: 1674 ] لله تعالى، وهي بهذا المعنى تشمل العبادات من صلاة وحج وصوم، وصدقات. والصلاة لب العبادة، وهي ذات صور مختلفة في الديانات، ولكنها في صميمها لا تكون صلاة إلا إذا تحققت فيها الضراعة التامة، والاتجاه إلى الله وحده، وعدم الانشغال عنه سبحانه بأي عرض من أعراض الدنيا. وهذه هي العبادات المفروضة، وبعدها يكون الاتجاه إلى الله تعالى في كل مقصد وعمل، ولا يحس بالالتجاء إلا له، فالدعاء له وحده، لا يشرك معه أحدا في دعائه، ولذلك ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=665663الدعاء مخ العبادة " . ويلي هذه المرتبة في سمو العبادة ألا يفعل الأعمال إلا لله، ولا يحب إلا في الله ولا يبغض إلا في الله. وهذه المرتبة يصورها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "
لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله " .
هذه هي العبادة، أو إشارات إلى أنواعها ومراتبها. وإن الأخذ بها يجعل كل الأعمال في دائرة الفضيلة، وينير البصيرة، وإن نقيض العبادة الخالصة لله تعالى الشرك، وهو منهي عنه.
nindex.php?page=treesubj&link=29437وكما أن العبادة مراتب فالشرك مراتب أيضا، أعلاها الشرك الأعظم، وهو اعتقاد شريك لله تعالى في ألوهيته واستحقاقه للعبودية، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ويليه أن يعتقد أن أحدا ينفع ويضر من دون الله، وال التجاء إلى غير الله والخضوع لغير الله وبغير ما أمر الله تعالى.
والمرتبة الثالثة الإشراك في القربات، بأن يصلي مرائيا، أو يزكي مباهيا، أو يصوم متعاليا، ولا يقصد وجه الله بصومه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=944205من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " ، ويسمى هذا النوع الشرك الخفي. وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=680708إن أخوف ما أتخوف [ ص: 1675 ] أمتي: الإشراك بالله، أما إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا، ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية " .
وإن النهي عن الشرك يشمل الإشراك بالله في أي شيء أو أي حال، ولذا قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36ولا تشركوا به شيئا أي شيء وعلى أي نحو كان، سواء أكان شركا ظاهرا أم كان شركا خفيا. وإن الإشراك في كل صوره يضعف الضمير، والإيمان بالله يقوي الضمير، وإن أول مظاهر قوة الضمير التي توجدها عبادة الله وحده، البر بالناس، ولذا عقب طلب البر والإحسان بالنهي عن الإشراك، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين وقد قرن الله سبحانه وتعالى النهي عن الإشراك بالإحسان إلى الوالدين، ومن وليهما، وقد جاء في آيات أخرى ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=19806_18011الإحسان بالوالدين فقط بعد النهي عن الإشراك، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا لأن أحق من يستحق الإرضاء بعد الله الوالدان، ولا يستحق غيرهما بعد الله الشكر، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أن اشكر لي ولوالديك وقال عليه الصلاة والسلام: "
رضاء الرب من رضا الوالدين، وسخطه في سخط الوالدين " ، والإحسان إلى الوالدين بالصحبة الكريمة، وسد حاجتهما، والقول الحسن، وعدم التململ من حياتهما إن بلغا الكبر، وتعبا تعب الشيخوخة، وصارت حياتهما عبئا على أولادهما، ولذا قال سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا nindex.php?page=treesubj&link=19805والإحسان إلى ذي القربى من هذا الصنف، فعلى القريب أن يحسن بقريبه، بسد حاجته، ويكرم صحبته، ويصله ولو قاطعه، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673369ليس [ ص: 1676 ] الواصل بالمكافئ إنما الواصل من يصل رحمه عند القطيعة " ، ويكون في عونه دائما في دفع الملمات، والمواساة في الشدائد.
nindex.php?page=treesubj&link=19814والإحسان باليتيم، يكون بإيوائه، والعطف الذي يقوم مقام عطف أبيه، وسد حاجاته، والاختلاط به بالرحمة، فيجعله مع أولاده مختلطا بهم، مؤتنسا معهم، ويسوي بينهم وبينه، لكي ينشأ أليفا مألوفا مع المجتمع الذي يعيش فيه، وقد ورد في الأثر: "
إن خير بيوت المسلمين بيت يكرم فيه يتيم، وشر بيت من بيوت المسلمين بيت يقهر فيه يتيم " ، وإن قهر اليتيم وإذلاله ينشئه نافرا شاذا، فيكون عدوا للجماعة لا يألفها، ويكون منه الإجرام، والإيذاء، وقد قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=9فأما اليتيم فلا تقهر
والمساكين هم الفقراء والذين لا طاقة لهم على عمل، لمرض مزمن أو شيخوخة فانية، أو آفة في جسمهم تجعلهم غير قادرين، أو تعطل لا يجدون معه عملا يعملون، والإحسان بهم سد حاجاتهم، وكفالة الراحة لهم.
وبعد أن بين سبحانه الإحسان اللازم المطلوب الذي لا مناص عنه، وهو دفع الآفات الاجتماعية، اتجه إلى الإحسان إلى المجتمع القريب، والإحسان في المعاملة بشكل عام، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36والجار ذي القربى هو الجار الذي يتصل بالإنسان بصلة الرحم والقرابة، وهذا له مع
nindex.php?page=treesubj&link=18086حق الجوار حق الرحم، فقد ثبت له الإحسان من ناحيتين:
[ ص: 1677 ] إحداهما: من ناحية القرابة، فهو داخل في ذي القربى، والثانية: الجوار، وقد يقول قائل: لماذا أمر بالإحسان به في الجوار مع أنه مذكور في القرابة؟ والجواب عن ذلك أن الجوار قد يوجد احتكاكا، تكون معه الشحناء، فللحرص على بقاء المودة الواصلة، نبه - سبحانه - إلى أن الجوار يوثق الإحسان ولا يباعده، فهو يجعله أوجب وألزم.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36والجار الجنب هو الجار الذي يكون مسكنه أو متجره، أو مزرعته بجنبك، والإحسان إليه بألا يكون منه أذى له بأي نوع من أنواع الأذى، فلا يزعجه في أمنه، ولا يمنع الماء عنه، ولا يرسل إليه الماء غير الصالح، ويلقي عليه مزابل بيته. ثم من الإحسان به مواساته في شدائده، ومعاونته في حاجاته، وأن يحفظ سره، ولا يكشف عورته، ولا يعلن منه ما يخفى على الناس. ومن الإحسان إليه أن يهدي إليه ما يعجز عن شرائه لأولاده من حلوى وفاكهة ونحو ذلك. وإن
nindex.php?page=treesubj&link=19811_19810الإحسان إلى الجار هو الأمر الذي يدعو إليه التآلف الإسلامي في المجتمعات الصغيرة، وقد أكثر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحث على الإحسان بالجار .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36والصاحب بالجنب هو الصاحب الذي يكون بجنبك في عمل أو سفر، أو طريق، أو مركب، وقد قال جار الله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في ذلك: " الصاحب بالجنب هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا في سفر، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد، أو غير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه. فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان " وإن من
nindex.php?page=treesubj&link=28855الإحسان إلى الصاحب الذي يكون بجنبك، ألا تؤذيه بمنظر كريه أو ريح كريهة، وأن تحافظ على الحياء في مجلسك،
[ ص: 1678 ] فلا تجعل نعلك يحف بثيابه أو بحيث يؤذيه، وأن تعاونه إن كان محتاجا إلى معاونتك.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وابن السبيل هو المنقطع عن أهله ولا مال له، فكأن الطريق تبناه، والإحسان إليه بإيوائه وإطعامه وتسهيل الحياة له حتى يعود إلى أهله. وقد أوجب الإسلام إعداد مأوى لهؤلاء من بيت مال الزكاة، وإمدادهم بالطعام والكساء حتى يثوبوا إلى أهلهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وما ملكت أيمانكم هم العبيد والإماء الذين ملكت رقابهم في الحروب العادلة، فهم في سيطرة المالك لهم، وكأن رقابهم في يمينه يسيرها كما شاء. والإحسان إليهم يكون من مالكهم بالإطعام والكساء والمأوى، وعدم إيذائهم بأي نوع من أنواع الأذى، فلا يضربون، ولا يلطمون، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650029من كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه " .
وفى سبيل الإحسان بهم نهى النبي عن أن يقول المالك عبدي وأمتي، فقال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=689950لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، بل ليقل: فتاي وفتاتي " ، ونهى عن ضربهم: "
nindex.php?page=treesubj&link=24554_20058_19406من لطم عبده فكفارته عتقه " ، وقال بعض الحنابلة: إنه بمجرد اللطم يكون عتيقا.
[ ص: 1679 ] وهنا بحث لفظي في الكلمة السامية:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وبالوالدين إحسانا فقد قالوا: إن " أحسن " تتعدى بنفسها وذلك بالنسبة للأعمال، ومن ذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=30إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يحسنه " وقول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : " الناس أبناء ما يحسنون " . ويتعدى بـ الباء " ، وبـ " إلى " وبـ " اللام " ، وتكون بمعنى الإنعام والإكرام. وقالوا: إنها في تعديها بالباء تكون بمعنى الإكرام مع الاتصال والمودة والقرب ممن أحسن إليه.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا المختال هو ذو الخيلاء أي: الكبر؛ وذلك لأن المتكبر يتخيل لنفسه من الصفات والسجايا والأفعال ما ليس فيه، فيستعلي على الناس، والفخور هو الذي يكثر من ذكر مزاياه ويبالغ فيها، ويحب أن يحمد بما لم يفعل. وإن هذين الوصفين يتلازمان، فحيث كان الكبر كان الفخر الكاذب، والله تعالى لا يحب هؤلاء؛ لأنهم يستنكفون عن الاتصال بالناس، ويغمطون حقوق الناس، ولا يقومون بحق النعمة التي أنعم الله بها عليهم، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "
nindex.php?page=treesubj&link=18670_18672_24623الكبر بطر النعمة وغمط الناس " .
وكان ذكر ذلك النص الكريم بعد طلب الإحسان؛ للإشارة إلى أن المتصف بهاتين الصفتين لا يمكن أن يكون محسنا لأحد - هو إيذاء بصفاته وبأفعاله، وهو مصدر الشر والتفرق في الجماعات، وقد بين الله سبحانه وتعالى حقيقتهم بأوصافهم، وذكرها سبحانه وتعالى صفة صفة، فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=18003_18086_18184_18191_18669_24554_27521_28662_32468_32502_32503_32633_32660_33306_34134_34405_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا [ ص: 1673 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا
فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ وَرَدَتْ أَحْكَامُ الْأُسْرَةِ، وَوَاجِبَاتُ الْأَقْوِيَاءِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِضُعَفَائِهَا، وَالدَّعَائِمُ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا، وَالْحُقُوقُ الْمُتَبَادَلَةِ بَيْنَ آحَادِهَا، وَأُشِيرَ إِلَى الْآفَاتِ الَّتِي قَدْ تَعْرُوهَا، ثُمَّ بَيَّنَتْ عَنَاصِرَ تَكْوِينِهَا سَلِيمَةً، وَأُشِيرَ إِلَى الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ بَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ، ثُمَّ بَيَّنَ عِلَاجَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ النِّزَاعِ الَّتِي قَدْ تُهَدِّدُ الْمَوَدَّةَ الْوَاصِلَةَ بَيْنَهُمَا بِالْقَطْعِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْأُسُسَ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْمُعَامَلَاتُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، وَذَكَرَ وُجُوبَ الْإِحْسَانِ إِلَى كُلِّ مَنْ يَتَّصِلُ بِالشَّخْصِ بِقَرَابَةٍ أَوْ جِوَارٍ، ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28675أَسَاسَ التَّعَامُلِ الْفَاضِلَ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكٍ، وَأَنَّ أَسَاسَ التَّعَامُلِ الْفَاسِدِ هُوَ أَنْ يُرِيدَ الشَّخْصُ بِعِبَادَتِهِ غَرَضًا مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ اتِّجَاهٍ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَمُرَاعَاةِ حَقِّ النَّاسِ عَلَيْهِ.
وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا هَذَا أَوَّلُ الْخَطِّ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ الْفَاضِلُ فِي عَلَاقَتِهِ بِاللَّهِ وَبِالنَّاسِ، وَهُوَ أَوَّلُ الْخَطِّ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْعِبَادَةُ مَعْنَاهَا: خُلُوصُ النَّفْسِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالِاتِّجَاهُ إِلَيْهِ وَحْدَهُ، وَالْإِخْلَاصُ فِي كُلِّ مَا يَعْمَلُ
[ ص: 1674 ] لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تَشْمَلُ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَلَاةٍ وَحَجٍّ وَصَوْمٍ، وَصَدَقَاتٍ. وَالصَّلَاةُ لُبُّ الْعِبَادَةِ، وَهِيَ ذَاتُ صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الدِّيَانَاتِ، وَلَكِنَّهَا فِي صَمِيمِهَا لَا تَكُونُ صَلَاةً إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَتْ فِيهَا الضَّرَاعَةُ التَّامَّةُ، وَالِاتِّجَاهُ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَعَدَمُ الِانْشِغَالِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ بِأَيِّ عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا. وَهَذِهِ هِيَ الْعِبَادَاتُ الْمَفْرُوضَةُ، وَبَعْدَهَا يَكُونُ الِاتِّجَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَقْصِدٍ وَعَمَلٍ، وَلَا يَحُسُّ بِالِالْتِجَاءِ إِلَّا لَهُ، فَالدُّعَاءُ لَهُ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ مَعَهُ أَحَدًا فِي دُعَائِهِ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=665663الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ " . وَيَلِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ فِي سُمُوِّ الْعِبَادَةِ أَلَّا يَفْعَلَ الْأَعْمَالَ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُحِبَّ إِلَّا فِي اللَّهِ وَلَا يُبْغِضَ إِلَّا فِي اللَّهِ. وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ يُصَوِّرُهَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ الشَّيْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ " .
هَذِهِ هِيَ الْعِبَادَةُ، أَوْ إِشَارَاتٌ إِلَى أَنْوَاعِهَا وَمَرَاتِبِهَا. وَإِنَّ الْأَخْذَ بِهَا يَجْعَلُ كُلَّ الْأَعْمَالِ فِي دَائِرَةِ الْفَضِيلَةِ، وَيُنِيرُ الْبَصِيرَةَ، وَإِنَّ نَقِيضَ الْعِبَادَةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى الشِّرْكُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
nindex.php?page=treesubj&link=29437وَكَمَا أَنَّ الْعِبَادَةَ مَرَاتِبُ فَالشِّرْكُ مَرَاتِبُ أَيْضًا، أَعْلَاهَا الشِّرْكُ الْأَعْظَمُ، وَهُوَ اعْتِقَادُ شَرِيكٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعُبُودِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَلِيهِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ أَحَدًا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالِ الْتِجَاءُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ وَالْخُضُوعُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَبِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ الْإِشْرَاكُ فِي الْقُرُبَاتِ، بِأَنْ يُصَلِّيَ مُرَائِيًا، أَوْ يُزَكِّيَ مُبَاهِيًا، أَوْ يَصُومَ مُتَعَالِيًا، وَلَا يَقْصِدَ وَجْهَ اللَّهِ بِصَوْمِهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=944205مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ " ، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ. وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=680708إِنْ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ [ ص: 1675 ] أُمَّتِي: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا، وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً " .
وَإِنَّ النَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ يَشْمَلُ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَوْ أَيِّ حَالٍ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَيَّ شَيْءٍ وَعَلَى أَيٍّ نَحْوٍ كَانَ، سَوَاءٌ أَكَانَ شِرْكًا ظَاهِرًا أَمْ كَانَ شِرْكًا خَفِيًّا. وَإِنَّ الْإِشْرَاكَ فِي كُلِّ صُوَرِهِ يُضْعِفُ الضَّمِيرَ، وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ يُقَوِّي الضَّمِيرَ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَظَاهِرِ قُوَّةِ الضَّمِيرِ الَّتِي تُوجِدُهَا عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، الْبِرُّ بِالنَّاسِ، وَلِذَا عَقَّبَ طَلَبَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ بِالنَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّهْيَ عَنِ الْإِشْرَاكِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَمَنْ وَلِيَهُمَا، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=19806_18011الْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ فَقَطْ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَاكِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا لِأَنَّ أَحَقَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِرْضَاءَ بَعْدَ اللَّهِ الْوَالِدَانِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُمَا بَعْدَ اللَّهِ الشُّكْرَ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "
رِضَاءُ الرَّبِّ مِنْ رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسُخْطُهُ فِي سُخْطِ الْوَالِدَيْنِ " ، وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ بِالصُّحْبَةِ الْكَرِيمَةِ، وَسَدِّ حَاجَتِهِمَا، وَالْقَوْلِ الْحَسَنِ، وَعَدَمِ التَّمَلْمُلِ مِنْ حَيَاتِهِمَا إِنْ بَلَغَا الْكِبَرَ، وَتَعِبَا تَعَبَ الشَّيْخُوخَةِ، وَصَارَتْ حَيَاتُهُمَا عِبْئًا عَلَى أَوْلَادِهِمَا، وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا nindex.php?page=treesubj&link=19805وَالْإِحْسَانُ إِلَى ذِي الْقُرْبَى مِنْ هَذَا الصِّنْفِ، فَعَلَى الْقَرِيبِ أَنْ يُحْسِنَ بِقَرِيبِهِ، بِسَدِّ حَاجَتِهِ، وَيُكْرِمَ صُحْبَتَهُ، وَيَصِلَهُ وَلَوْ قَاطَعَهُ، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673369لَيْسَ [ ص: 1676 ] الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ إِنَّمَا الْوَاصِلُ مَنْ يَصِلُ رَحِمَهُ عِنْدَ الْقَطِيعَةِ " ، وَيَكُونُ فِي عَوْنِهِ دَائِمًا فِي دَفْعِ الْمُلِمَّاتِ، وَالْمُوَاسَاةِ فِي الشَّدَائِدِ.
nindex.php?page=treesubj&link=19814وَالْإِحْسَانُ بِالْيَتِيمِ، يَكُونُ بِإِيوَائِهِ، وَالْعَطْفِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ عَطْفِ أَبِيهِ، وَسَدِّ حَاجَاتِهِ، وَالِاخْتِلَاطِ بِهِ بِالرَّحْمَةِ، فَيَجْعَلُهُ مَعَ أَوْلَادِهِ مُخْتَلِطًا بِهِمْ، مُؤْتَنِسًا مَعَهُمْ، وَيُسَوِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، لِكَيْ يَنْشَأَ أَلِيفًا مَأْلُوفًا مَعَ الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَثَرِ: "
إِنَّ خَيْرَ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ يُكْرَمُ فِيهِ يَتِيمٌ، وَشَرُّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ يَقْهَرُ فِيهِ يَتِيمٌ " ، وَإِنَّ قَهْرَ الْيَتِيمِ وَإِذْلَالَهُ يُنْشِئُهُ نَافِرًا شَاذًّا، فَيَكُونُ عَدُوًّا لِلْجَمَاعَةِ لَا يَأْلَفُهَا، وَيَكُونُ مِنْهُ الْإِجْرَامُ، وَالْإِيذَاءُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=9فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ
وَالْمَسَاكِينُ هُمُ الْفُقَرَاءُ وَالَّذِينَ لَا طَاقَةَ لَهُمْ عَلَى عَمَلٍ، لِمَرَضٍ مُزْمِنٍ أَوْ شَيْخُوخَةٍ فَانِيَةٍ، أَوْ آفَةٍ فِي جِسْمِهِمْ تَجْعَلُهُمْ غَيْرَ قَادِرِينَ، أَوْ تَعَطُّلٍ لَا يَجِدُونَ مَعَهُ عَمَلًا يَعْمَلُونَ، وَالْإِحْسَانُ بِهِمْ سَدُّ حَاجَاتِهِمْ، وَكَفَالَةُ الرَّاحَةِ لَهُمْ.
وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ الْإِحْسَانَ اللَّازِمَ الْمَطْلُوبَ الَّذِي لَا مَنَاصَ عَنْهُ، وَهُوَ دَفْعُ الْآفَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، اتَّجَهَ إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُجْتَمَعِ الْقَرِيبِ، وَالْإِحْسَانِ فِي الْمُعَامَلَةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى هُوَ الْجَارُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْقَرَابَةِ، وَهَذَا لَهُ مَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=18086حَقِّ الْجِوَارِ حَقُّ الرَّحِمِ، فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ الْإِحْسَانُ مِنْ نَاحِيَتَيْنِ:
[ ص: 1677 ] إِحْدَاهُمَا: مِنْ نَاحِيَةِ الْقَرَابَةِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي ذِي الْقُرْبَى، وَالثَّانِيَةُ: الْجِوَارُ، وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: لِمَاذَا أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ بِهِ فِي الْجِوَارِ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْقَرَابَةِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْجِوَارَ قَدْ يُوجِدُ احْتِكَاكًا، تَكُونُ مَعَهُ الشَّحْنَاءُ، فَلِلْحِرْصِ عَلَى بَقَاءِ الْمَوَدَّةِ الْوَاصِلَةِ، نَبَّهَ - سُبْحَانَهُ - إِلَى أَنَّ الْجِوَارَ يُوَثِّقُ الْإِحْسَانَ وَلَا يُبَاعِدُهُ، فَهُوَ يَجْعَلُهُ أَوْجَبَ وَأَلْزَمَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَالْجَارِ الْجُنُبِ هُوَ الْجَارُ الَّذِي يَكُونُ مَسْكَنُهُ أَوْ مَتْجَرُهُ، أَوْ مَزْرَعَتُهُ بِجَنْبِكَ، وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِ بِأَلَّا يَكُونَ مِنْهُ أَذًى لَهُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى، فَلَا يُزْعِجُهُ فِي أَمْنِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمَاءَ عَنْهُ، وَلَا يُرْسِلُ إِلَيْهِ الْمَاءَ غَيْرَ الصَّالِحِ، وَيُلْقِي عَلَيْهِ مَزَابِلَ بَيْتِهِ. ثُمَّ مِنَ الْإِحْسَانِ بِهِ مُوَاسَاتُهُ فِي شَدَائِدِهِ، وَمُعَاوَنَتُهُ فِي حَاجَاتِهِ، وَأَنْ يَحْفَظَ سِرَّهُ، وَلَا يَكْشِفَ عَوْرَتَهُ، وَلَا يُعْلِنَ مِنْهُ مَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ. وَمِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَا يَعْجِزُ عَنْ شِرَائِهِ لِأَوْلَادِهِ مِنْ حَلْوَى وَفَاكِهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19811_19810الْإِحْسَانَ إِلَى الْجَارِ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ التَّآلُفُ الْإِسْلَامِيُّ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الصَّغِيرَةِ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحَثِّ عَلَى الْإِحْسَانِ بِالْجَارِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هُوَ الصَّاحِبُ الَّذِي يَكُونُ بِجَنْبِكَ فِي عَمَلٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ طَرِيقٍ، أَوْ مَرْكِبٍ، وَقَدْ قَالَ جَارَ اللَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي ذَلِكَ: " الصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ هُوَ الَّذِي صَحِبَكَ بِأَنْ حَصَلَ بِجَنْبِكَ إِمَّا رَفِيقًا فِي سَفَرٍ، وَإِمَّا شَرِيكًا فِي تَعَلُّمِ عِلْمٍ أَوْ حِرْفَةٍ، وَإِمَّا قَاعِدًا إِلَى جَنْبِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَدْنَى صُحْبَةٍ الْتَأَمَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْعَى ذَلِكَ الْحَقَّ وَلَا تَنْسَاهُ وَتَجْعَلَهُ ذَرِيعَةً إِلَى الْإِحْسَانِ " وَإِنَّ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28855الْإِحْسَانِ إِلَى الصَّاحِبِ الَّذِي يَكُونُ بِجَنْبِكَ، أَلَّا تُؤْذِيَهُ بِمَنْظَرٍ كَرِيهٍ أَوْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ، وَأَنْ تُحَافِظَ عَلَى الْحَيَاءِ فِي مَجْلِسِكَ،
[ ص: 1678 ] فَلَا تَجْعَلْ نَعْلَكَ يَحُفُّ بِثِيَابِهِ أَوْ بِحَيْثُ يُؤْذِيهِ، وَأَنْ تُعَاوِنَهُ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى مُعَاوَنَتِكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَابْنِ السَّبِيلِ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ أَهْلِهِ وَلَا مَالَ لَهُ، فَكَأَنَّ الطَّرِيقَ تَبَنَّاهُ، وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِ بِإِيوَائِهِ وَإِطْعَامِهِ وَتَسْهِيلِ الْحَيَاةِ لَهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى أَهْلِهِ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْإِسْلَامُ إِعْدَادَ مَأْوًى لِهَؤُلَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الزَّكَاةِ، وَإِمْدَادَهُمْ بِالطَّعَامِ وَالْكِسَاءِ حَتَّى يَثُوبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ هُمُ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ الَّذِينَ مُلِكَتْ رِقَابُهُمْ فِي الْحُرُوبِ الْعَادِلَةِ، فَهُمْ فِي سَيْطَرَةِ الْمَالِكِ لَهُمْ، وَكَأَنَّ رِقَابَهُمْ فِي يَمِينِهِ يُسَيِّرُهَا كَمَا شَاءَ. وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ يَكُونُ مِنْ مَالِكِهِمْ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسَاءِ وَالْمَأْوَى، وَعَدَمِ إِيذَائِهِمْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى، فَلَا يُضْرَبُونَ، وَلَا يُلْطَمُونَ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650029مَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلِيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ " .
وَفَى سَبِيلِ الْإِحْسَانِ بِهِمْ نَهَى النَّبِيُّ عَنْ أَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ عَبْدِي وَأَمَتِي، فَقَالَ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=689950لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، بَلْ لِيَقُلْ: فَتَايَ وَفَتَاتِي " ، وَنَهَى عَنْ ضَرْبِهِمْ: "
nindex.php?page=treesubj&link=24554_20058_19406مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ " ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ بِمُجَرَّدِ اللَّطْمِ يَكُونُ عَتِيقًا.
[ ص: 1679 ] وَهُنَا بَحْثٌ لَفْظِيٌّ فِي الْكَلِمَةِ السَّامِيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ " أَحْسَنَ " تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَعْمَالِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=30إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُحْسِنَهُ " وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " النَّاسُ أَبْنَاءُ مَا يُحْسِنُونَ " . وَيَتَعَدَّى بِـ الْبَاءِ " ، وَبِـ " إِلَى " وَبِـ " اللَّامِ " ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ وَالْإِكْرَامِ. وَقَالُوا: إِنَّهَا فِي تَعَدِّيهَا بِالْبَاءِ تَكُونُ بِمَعْنَى الْإِكْرَامِ مَعَ الِاتِّصَالِ وَالْمَوَدَّةِ وَالْقُرْبِ مِمَّنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا الْمُخْتَالُ هُوَ ذُو الْخُيَلَاءِ أَيِ: الْكِبْرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَتَخَيَّلُ لِنَفْسِهِ مِنَ الصِّفَاتِ وَالسَّجَايَا وَالْأَفْعَالِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَسْتَعْلِي عَلَى النَّاسِ، وَالْفَخُورُ هُوَ الَّذِي يُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ مَزَايَاهُ وَيُبَالِغُ فِيهَا، وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ. وَإِنَّ هَذَيْنَ الْوَصْفَيْنِ يَتَلَازَمَانِ، فَحَيْثُ كَانَ الْكِبْرُ كَانَ الْفَخْرُ الْكَاذِبُ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَنْكِفُونَ عَنِ الِاتِّصَالِ بِالنَّاسِ، وَيَغْمِطُونَ حُقُوقَ النَّاسِ، وَلَا يَقُومُونَ بِحَقِّ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "
nindex.php?page=treesubj&link=18670_18672_24623الْكِبْرُ بَطَرُ النِّعْمَةِ وَغَمْطُ النَّاسِ " .
وَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ النَّصِّ الْكَرِيمِ بَعْدَ طَلَبِ الْإِحْسَانِ؛ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُحْسِنًا لِأَحَدٍ - هُوَ إِيذَاءٌ بِصِفَاتِهِ وَبِأَفْعَالِهِ، وَهُوَ مَصْدَرُ الشَّرِّ وَالتَّفَرُّقِ فِي الْجَمَاعَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَقِيقَتَهُمْ بِأَوْصَافِهِمْ، وَذَكَرَهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِفَةً صِفَةً، فَقَالَ: