[ ص: 381 ] سورة المائدة
قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=17047_19860_25012_25507_28723_30532_30857_32672_34090_34294_34297_34322_34370_3441_34513_3489_3679_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب
إن البر يطلق باعتبار معنيين:
أحدهما: باعتبار معاملة الخلق بالإحسان إليهم، وربما خص بالإحسان إلى الوالدين، فيقال: بر الوالدين، ويطلق كثيرا على الإحسان إلى الخلق عموما، وقد صنف
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك كتابا سماه: "كتاب البر والصلة"، وكذلك في "صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري "، و"جامع
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ": "كتاب البر والصلة"، ويتضمن هذا الكتاب الإحسان إلى الخلق عموما، ويقدم فيه بر الوالدين على غيرهما .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم ، عن أبيه، عن جده،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664189أنه قال: يا رسول الله من أبر; قال: "أمك "، قال: ثم من؟ قال: "ثم أباك "، قال: ثم من؟ قال: "ثم الأقرب فالأقرب " . ومن هذا المعنى: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687895 "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" .
وفي "المسند"
nindex.php?page=hadith&LINKID=886594أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن بر الحج، فقال: "إطعام الطعام، وإفشاء السلام" . وفي رواية أخرى: "وطيب الكلام" . [ ص: 382 ] وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما يقول: البر شيء هين: وجه طليق وكلام لين
وإذا قرن البر بالتقوى، كما في قوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى فقد يكون
nindex.php?page=treesubj&link=32469المراد بالبر: معاملة الخلق بالإحسان، وبالتقوى: معاملة الحق بفعل طاعته، واجتناب محرماته، وقد يكون أريد بالبر: فعل الواجبات، وبالتقوى: اجتناب المحرمات، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2ولا تعاونوا على الإثم والعدوان قد يراد بالإثم: المعاصي، وبالعدوان: ظلم الخلق، وقد يراد بالإثم: ما هو محرم في نفسه كالزنى، والسرقة، وشرب الخمر . وبالعدوان: تجاوز ما أذن فيه إلى ما نهي عنه مما جنسه مأذون فيه، كقتل من أبيح قتله لقصاص، ومن لا يباح، وأخذ زيادة على الواجب من الناس في الزكاة ونحوها، ومجاوزة الجلد الذي أمر به في الحدود ونحو ذلك .
والمعنى الثاني من معنى البر: أن يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة . كقوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الإيمان، فتلا هذه الآية . فالبر بهذا المعنى يدخل فيه جميع الطاعات الباطنة كالإيمان بالله وملائكته
[ ص: 383 ] وكتبه ورسله، والطاعات الظاهرة كإنفاق الأموال فيما يحبه الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والوفاء بالعهد، والصبر على الأقدار، كالمرض والفقر، وعلى الطاعات، كالصبر عند لقاء العدو .
[ ص: 381 ] سُورَةُ الْمَائِدَةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=17047_19860_25012_25507_28723_30532_30857_32672_34090_34294_34297_34322_34370_3441_34513_3489_3679_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
إِنَّ الْبَرَّ يُطْلِقُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِاعْتِبَارِ مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا خُصَّ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، فَيُقَالُ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَيُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ عُمُومًا، وَقَدْ صَنَّفَ
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابْنُ الْمُبَارَكِ كِتَابًا سَمَّاهُ: "كِتَابَ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ"، وَكَذَلِكَ فِي "صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ "، وَ"جَامِعُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيِّ ": "كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ"، وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْكِتَابُ الْإِحْسَانَ إِلَى الْخَلْقِ عُمُومًا، وَيُقَدَّمُ فِيهِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى غَيْرِهِمَا .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15579بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664189أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ; قَالَ: "أُمُّكَ "، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبَاكَ "، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ " . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687895 "الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ" .
وَفِي "الْمُسْنَدِ"
nindex.php?page=hadith&LINKID=886594أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ بِرِّ الْحَجِّ، فَقَالَ: "إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ" . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "وَطَيِّبُ الْكَلَامِ" . [ ص: 382 ] وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: الْبِرُّ شَيْءٌ هَيِّنٌ: وَجْهٌ طَلِيقٌ وَكَلَامٌ لَيِّنٌ
وَإِذَا قُرِنَ الْبِرُّ بِالتَّقْوَى، كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَقَدْ يَكُونُ
nindex.php?page=treesubj&link=32469الْمُرَادُ بِالْبِرِّ: مُعَامَلَةَ الْخَلْقِ بِالْإِحْسَانِ، وَبِالتَّقْوَى: مُعَامَلَةَ الْحَقِّ بِفِعْلِ طَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مُحَرَّمَاتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أُرِيدَ بِالْبَرِّ: فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ، وَبِالتَّقْوَى: اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ قَدْ يُرَادُ بِالْإِثْمِ: الْمَعَاصِي، وَبِالْعُدْوَانِ: ظُلْمُ الْخَلْقِ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْإِثْمِ: مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِهِ كَالزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ . وَبِالْعُدْوَانِ: تَجَاوُزُ مَا أَذِنَ فِيهِ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ مِمَّا جِنْسُهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، كَقَتْلِ مَنْ أُبِيحَ قَتْلُهُ لِقِصَاصٍ، وَمَنْ لَا يُبَاحُ، وَأَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى الْوَاجِبِ مِنَ النَّاسِ فِي الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، وَمُجَاوَزَةُ الْجَلْدِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فِي الْحُدُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ مَعْنَى الْبِرِّ: أَنْ يُرَادَ بِهِ فِعْلُ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ . كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ . فَالْبِرُّ بِهَذَا الْمَعْنَى يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ الْبَاطِنَةِ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
[ ص: 383 ] وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالطَّاعَاتِ الظَّاهِرَةِ كَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ فِيمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَقْدَارِ، كَالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ، وَعَلَى الطَّاعَاتِ، كَالصَّبْرِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ .