[ ص: 230 ] سورة مريم قال شيخ الإسلام رحمه الله فصل "
nindex.php?page=treesubj&link=28990سورة مريم " مضمونها : تحقيق عبادة الله وحده وأن خواص الخلق هم عباده فكل كرامة ودرجة رفيعة في هذه الإضافة وتضمنت الرد على الغالين الذين زادوا في النسبة إلى الله حتى نسبوا إليه
عيسى بطريق الولادة والرد على المفرطين في تحقيق العبادة وما فيها من الكرامة وجحدوا نعم الله التي أنعم بها على عباده المصطفين .
افتتحها بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2271&ayano=19ذكر رحمة ربك عبده زكريا } وندائه ربه نداء خفيا وموهبته له
يحيى ثم قصة
مريم وابنها
nindex.php?page=treesubj&link=29647_29434_29705_28990وقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=2299&ayano=19إني عبد الله } . . إلخ بين فيها الرد على الغلاة في
المسيح وعلى الجفاة النافين عنه ما أنعم الله به عليه ; ثم أمر نبيه بذكر
إبراهيم وما دعا إليه من عبادة الله وحده ونهيه إياه عن عبادة الشيطان وموهبته
[ ص: 231 ] له
إسحاق ويعقوب وأنه جعل له لسان صدق عليا وهو الثناء الحسن وأخبر عن
يحيى وعيسى وإبراهيم ببر الوالدين مع التوحيد وذكر
موسى وموهبته له أخاه
هارون نبيا كما وهب
يحيى لزكريا وعيسى لمريم وإسحاق لإبراهيم .
فهذه السورة " سورة المواهب " وهي ما وهبه الله لأنبيائه من الذرية الطيبة والعمل الصالح والعلم النافع ثم ذكر ذرية
آدم لأجل
إدريس {
nindex.php?page=tafseer&surano=2327&ayano=19وممن حملنا مع نوح } وهو
إبراهيم ومن ذرية
إبراهيم وإسرائيل إلى آخر القصة .
ثم قال :
nindex.php?page=treesubj&link=28990 { nindex.php?page=tafseer&surano=2328&ayano=19فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } الآية . فهذه حال المفرطين في عبادة الله ثم استثنى التائبين وبين أن الجنة لمن تاب وأن جنات عدن وعدها الرحمن عباده بالغيب وهم أهل تحقيق العبادة ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2332&ayano=19تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2334&ayano=19فاعبده واصطبر لعبادته } .
ثم ذكر حال منكري المعاد وحال من جعل له الأولاد وقرن بينهما فيما رواه
البخاري من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597696كذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك وشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك } الحديث . {
nindex.php?page=tafseer&surano=2335&ayano=19ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } ثم ذكر إقسامه على
[ ص: 232 ] حشدهم والشياطين وإحضارهم حول جهنم جثيا وفيها دلالة على أن المخبر عن خبر يحصل في المستقبل لا يكون إلا بطريقين : إما اطلاعه على الغيب وهو العلم بما سيكون ; وإما أن يكون قد اتخذ عند الرحمن عهدا والله موف بعهده فالأول علم بالخبر والثاني علم بالأمر . الأول علم بالكلمات الكونية والثاني علم بالكلمات الدينية وهذا الذي أقسم أنه يأتي يوم المعاد ما ذكر كاذب في قسمه فإنه ليس له اطلاع على الغيب ولا اتخذ عند الرحمن عهدا .
وهذا كما قيل في إجابة الدعاء : أنه تارة يكون لصحة الاعتقاد وهو مطابقة الخبر وتارة لكمال الطاعة وهو موافقة الأمر كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=195&ayano=2فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي } . فذكر حال من تمنى على الله الباطل بلا علم بالواقع ولا اتخاذ عهد بالمشروع .
ثم ذكر حال الذين قالوا اتخذ الرحمن ولدا فنفى الولادة عن نفسه ورد على من أثبتها وأثبت المودة ردا على من أنكرها فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2365&ayano=19سيجعل لهم الرحمن ودا } أي يحبهم ; ويحببهم إلى عباده وقد وافق ذلك ما في الصحيحين : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11200إذا أحب الله العبد نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض }
[ ص: 233 ] وقال في البغض عكس ذلك .
وفي قول
إبراهيم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2316&ayano=19إنه كان بي حفيا } وقوله في
موسى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2321&ayano=19وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } وما ذكره للمؤمنين من المودة : إثبات لما ينكره الجاحدون من محبة الله وتكليمه كما في الأول نفي لما يثبته المفترون من اتخاذ الولد .
[ ص: 230 ] سُورَةُ مَرْيَمَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ "
nindex.php?page=treesubj&link=28990سُورَةُ مَرْيَمَ " مَضْمُونُهَا : تَحْقِيقُ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنَّ خَوَاصَّ الْخَلْقِ هُمْ عِبَادُهُ فَكُلُّ كَرَامَةٍ وَدَرَجَةٍ رَفِيعَةٍ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ وَتَضَمَّنَتْ الرَّدَّ عَلَى الْغَالِينَ الَّذِينَ زَادُوا فِي النِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ حَتَّى نَسَبُوا إلَيْهِ
عِيسَى بِطَرِيقِ الْوِلَادَةِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُفْرِطِينَ فِي تَحْقِيقِ الْعِبَادَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْكَرَامَةِ وَجَحَدُوا نِعَمَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ الْمُصْطَفِينَ .
افْتَتَحَهَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2271&ayano=19ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا } وَنِدَائِهِ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا وَمَوْهِبَتِهِ لَهُ
يَحْيَى ثُمَّ قِصَّةِ
مَرْيَمَ وَابْنِهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29647_29434_29705_28990وَقَوْلِهِ : { nindex.php?page=tafseer&surano=2299&ayano=19إنِّي عَبْدُ اللَّهِ } . . إلَخْ بَيَّنَ فِيهَا الرَّدَّ عَلَى الْغُلَاةِ فِي
الْمَسِيحِ وَعَلَى الْجُفَاةِ النَّافِينَ عَنْهُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ ; ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِذِكْرِ
إبْرَاهِيمَ وَمَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَنَهْيِهِ إيَّاهُ عَنْ عِبَادَةِ الشَّيْطَانِ وَمَوْهِبَتِهِ
[ ص: 231 ] لَهُ
إسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا وَهُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَأَخْبَرَ عَنْ
يَحْيَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ مَعَ التَّوْحِيدِ وَذَكَرَ
مُوسَى وَمَوْهِبَتَهُ لَهُ أَخَاهُ
هَارُونَ نَبِيًّا كَمَا وَهَبَ
يَحْيَى لِزَكَرِيَّا وَعِيسَى لِمَرْيَمَ وَإِسْحَاقَ لِإِبْرَاهِيمَ .
فَهَذِهِ السُّورَةُ " سُورَةُ الْمَوَاهِبِ " وَهِيَ مَا وَهَبَهُ اللَّهُ لِأَنْبِيَائِهِ مِنْ الذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ ثُمَّ ذَكَرَ ذُرِّيَّةَ
آدَمَ لِأَجْلِ
إدْرِيسَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2327&ayano=19وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } وَهُوَ
إبْرَاهِيمُ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ
إبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28990 { nindex.php?page=tafseer&surano=2328&ayano=19فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ } الْآيَةُ . فَهَذِهِ حَالُ الْمُفَرِّطِينَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ ثُمَّ اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْجَنَّةَ لِمَنْ تَابَ وَأَنَّ جَنَّاتِ عَدْنٍ وَعَدَهَا الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ وَهُمْ أَهْلُ تَحْقِيقِ الْعِبَادَةِ ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2332&ayano=19تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2334&ayano=19فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } .
ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ مُنْكِرِي الْمَعَادِ وَحَالَ مَنْ جَعَلَ لَهُ الْأَوْلَادَ وَقَرَنَ بَيْنَهُمَا فِيمَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597696كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ } الْحَدِيثُ . {
nindex.php?page=tafseer&surano=2335&ayano=19وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا } ثُمَّ ذَكَرَ إقْسَامَهُ عَلَى
[ ص: 232 ] حَشْدِهِمْ وَالشَّيَاطِينِ وَإِحْضَارِهِمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ خَبَرٍ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقَيْنِ : إمَّا اطِّلَاعُهُ عَلَى الْغَيْبِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا سَيَكُونُ ; وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا وَاَللَّهُ مُوفٍ بِعَهْدِهِ فَالْأَوَّلُ عِلْمٌ بِالْخَبَرِ وَالثَّانِي عِلْمٌ بِالْأَمْرِ . الْأَوَّلُ عِلْمٌ بِالْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالثَّانِي عِلْمٌ بِالْكَلِمَاتِ الدِّينِيَّةِ وَهَذَا الَّذِي أَقْسَمَ أَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْمَعَادِ مَا ذَكَرَ كَاذِبٌ فِي قَسَمِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى الْغَيْبِ وَلَا اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا .
وَهَذَا كَمَا قِيلَ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ : أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ لِصِحَّةِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ وَتَارَةً لِكَمَالِ الطَّاعَةِ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=195&ayano=2فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي } . فَذَكَرَ حَالَ مَنْ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْبَاطِلَ بِلَا عِلْمٍ بِالْوَاقِعِ وَلَا اتِّخَاذِ عَهْدٍ بِالْمَشْرُوعِ .
ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا فَنَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَهَا وَأَثْبَتَ الْمَوَدَّةَ رَدًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2365&ayano=19سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } أَيْ يُحِبُّهُمْ ; وَيُحَبِّبُهُمْ إلَى عِبَادِهِ وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11200إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبَّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ : إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ }
[ ص: 233 ] وَقَالَ فِي الْبُغْضِ عَكْسَ ذَلِكَ .
وَفِي قَوْلِ
إبْرَاهِيمَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2316&ayano=19إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } وَقَوْلِهِ فِي
مُوسَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2321&ayano=19وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } وَمَا ذَكَرَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْمَوَدَّةِ : إثْبَاتٌ لِمَا يُنْكِرُهُ الْجَاحِدُونَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَتَكْلِيمِهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ نَفْيٌ لِمَا يُثْبِتُهُ الْمُفْتَرُونَ مِنْ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ .