ولما ثبت إعظام الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يفتات عليه بأن يتأهب ما هو وظيفته من التقدم في الأمور وقطع المهمات، فلا يكلم إلا جوابا أو سؤالا في أمر ضروري لا يمكن تأخيره، وكان من يكلمه لذلك ربما رفع صوته رفعا الأولى به غيره مما هو دونه، وكان من جملة أحواله أن يوحى إليه بالأمور العظيمة، وكان رفع الصوت إذ ذاك من المشوشات في حسن التلقي للوحي مع ما فيه من قلة الاحترام والإخلاء بالإجلال والإعظام، قال ذاكرا لثاني الأقسام، وهو ما كان النظر فيه إلى مقامه صلى الله عليه وسلم بالقصد الأول،
[ ص: 356 ] مستنتجا مما مضى من وصفه بالرسالة الدالة على النبوة، آمرا بحفظ حرمته ومراعاة الأدب في خدمته وصحبته بتبجيله وتفخيمه، وإعزازه وتعظيمه، مكررا لندائهم بما ألزموا أنفسهم به من طاعته بتصديقه واستدعاء لتجديد الاستنصار وتطرية الندب إلى الإنصات وإشارة إلى أن المنادى له أمر يستحق أن يفرد بالنداء ويستقل بالتوصية:
nindex.php?page=treesubj&link=30515_31155_32338_32359_32461_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يا أيها الذين آمنوا مكررا للتعبير بالأدنى من أسنان القلوب للتنبيه على أن فاعل مثل هذه المنهيات والمحتاج فيها إلى التنبيه بالنهي قد فعل من هذا حاله
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2لا ترفعوا أصواتكم أي: في شيء من الأشياء
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2فوق صوت النبي أي: الذي يتلقى عن الله، وتلقيه عنه متوقع في كل وقت، وهذا يدل على أن أذى العلماء الذين هيأهم الله لتلقي فهم دينه عنه شديد جدا؛ فإن تكدير أوقاتهم يمنعهم عن كثير من ذلك.
ولما بين ما في ذلك لأجل النبوة، بين ما ينبغي في نفسه من المزية فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2ولا تجهروا له بالقول أي: إذا كلمتموه سواء كان ذلك بمثل صوته أو أخفض من صوته؛ فإن ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء، ويوقر
[ ص: 357 ] الكبراء. ولما شمل هذا كل جهر مخصوص، وهو ما يكون مسقطا للمزية، قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2كجهر بعضكم لبعض أي: فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره. ولما نهى عن ذلك، بين ضرره فقال مبينا أن من الأعمال ما يحبط ولا يدرى أنه محبط، ليكون العامل كالماشي في طريق خطر لا [يزال] يتوقى خطره ويديم حذره:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أن أي: النهي لأجل [خشية] أن
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2تحبط أي: تفسد فتسقط
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أعمالكم أي: التي [هي] الأعمال بالحقيقة وهي الحسنات كلها
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2وأنتم لا تشعرون أي: بأنها حبطت، فإن ذلك إذا اجترأ الإنسان عليه استخف به وإذا استخف به واظب عليه، وإذا واظب عليه أوشك أن يستخف بالمخاطب فيكفر وهو لا يشعر.
وَلَمَّا ثَبَتَ إِعْظَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لَا يُفْتَاتَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَأَهَّبَ مَا هُوَ وَظِيفَتُهُ مِنَ التَّقَدُّمِ فِي الْأُمُورِ وَقَطْعِ الْمُهِمَّاتِ، فَلَا يُكَلَّمُ إِلَّا جَوَابًا أَوْ سُؤَالًا فِي أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ، وَكَانَ مَنْ يُكَلِّمُهُ لِذَلِكَ رُبَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا الْأَوْلَى بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا هُوَ دُونَهُ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِهِ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ، وَكَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ إِذْ ذَاكَ مِنَ الْمُشَوِّشَاتِ فِي حُسْنِ التَّلَقِّي لِلْوَحْيِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الِاحْتِرَامِ وَالْإِخْلَاءِ بِالْإِجْلَالِ وَالْإِعْظَامِ، قَالَ ذَاكِرًا لِثَانِي الْأَقْسَامِ، وَهُوَ مَا كَانَ النَّظَرُ فِيهِ إِلَى مَقَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ،
[ ص: 356 ] مُسْتَنْتِجًا مِمَّا مَضَّى مِنْ وَصْفِهِ بِالرِّسَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى النُّبُوَّةِ، آمِرًا بِحِفْظِ حُرْمَتِهِ وَمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ فِي خِدْمَتِهِ وَصُحْبَتِهِ بِتَبْجِيلِهِ وَتَفْخِيمِهِ، وَإِعْزَازِهِ وَتَعْظِيمِهِ، مُكَرِّرًا لِنِدَائِهِمْ بِمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ بِتَصْدِيقِهِ وَاسْتِدْعَاءٍ لِتَجْدِيدِ الِاسْتِنْصَارِ وَتَطْرِيَةِ النَّدْبِ إِلَى الْإِنْصَاتِ وَإِشَارَةٍ إِلَى أَنَّ الْمُنَادَى لَهُ أَمْرٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالنِّدَاءِ وَيَسْتَقِلَّ بِالتَّوْصِيَةِ:
nindex.php?page=treesubj&link=30515_31155_32338_32359_32461_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مُكَرِّرًا لِلتَّعْبِيرِ بِالْأَدْنَى مِنْ أَسْنَانِ الْقُلُوبِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمُحْتَاجَ فِيهَا إِلَى التَّنْبِيهِ بِالنَّهْيِ قَدْ فَعَلَ مَنْ هَذَا حَالُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ أَيْ: فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ أَيِ: الَّذِي يَتَلَقَّى عَنِ اللَّهِ، وَتَلَقِّيهِ عَنْهُ مُتَوَقَّعٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَذَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هَيَّأَهُمُ اللَّهُ لِتَلَقِّي فَهْمِ دِينِهِ عَنْهُ شَدِيدٌ جِدًّا؛ فَإِنَّ تَكْدِيرَ أَوْقَاتِهِمْ يَمْنَعُهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَمَّا بَيَّنَ مَا فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ النُّبُوَّةِ، بَيَّنَ مَا يَنْبَغِي فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمَزِيَّةِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ أَيْ: إِذَا كَلَّمْتُمُوهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِمِثْلِ صَوْتِهِ أَوْ أَخْفِضَ مِنْ صَوْتِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا يَهَابُ بِهِ الْعُظَمَاءُ، وَيُوَقَّرُ
[ ص: 357 ] الْكُبَرَاءُ. وَلَمَّا شَمِلَ هَذَا كُلَّ جَهْرٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْمَزِيَّةِ، قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَيْ: فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَمَّا نَهَى عَنْ ذَلِكَ، بَيَّنَ ضَرَرَهُ فَقَالَ مُبَيِّنًا أَنَّ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُحْبِطُ وَلَا يُدْرَى أَنَّهُ مُحْبِطٌ، لِيَكُونَ الْعَامِلُ كَالْمَاشِي فِي طَرِيقٍ خَطِرٍ لَا [يَزَالُ] يَتَوَقَّى خَطَرَهُ وَيُدِيمُ حَذَرَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أَنْ أَيِ: النَّهْيَ لِأَجْلِ [خَشْيَةِ] أَنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2تَحْبَطَ أَيْ: تَفْسُدَ فَتَسْقُطَ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2أَعْمَالُكُمْ أَيِ: الَّتِي [هِيَ] الْأَعْمَالُ بِالْحَقِيقَةِ وَهِيَ الْحَسَنَاتُ كُلُّهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَيْ: بِأَنَّهَا حَبِطَتْ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا اجْتَرَأَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ اسْتَخَفَّ بِهِ وَإِذَا اسْتَخَفَّ بِهِ وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا وَاظَبَ عَلَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالْمُخَاطَبِ فَيَكْفُرَ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.