ولما أظهرت هذه السورة بعمومها، وهذه الآيات بخصوصها، من شرف الرسول ما بهر العقول، لأجل ما وقع للمنافق من التجرؤ على ذلك الجناب الأشم، والمنصب الأتم، وعلم منه أن له صلى الله عليه وسلم في كل أمره وجميع شأنه خصوصية ليست لغيره، صرح بذلك تفخيما للشأن، وتعظيما للمقام، ليتأدب من ناضل عن المنافق، أو توانى في أمره فقصر عن مدى أهل السوابق، فقال منبها على أن المصائب سبب لإظهار المناقب أو إشهار المعايب
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30532_30563_32460_34144_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تجعلوا أي أيها الذين آمنوا
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63دعاء الرسول أي لكم الذي يوقعه
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63بينكم [ ص: 325 ] ولو على سبيل العموم، في وجوب الامتثال
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63كدعاء بعضكم بعضا فإن أمره عظيم، ومخالفته استحلالا كفر، ولا تجعلوا أيضا دعاءكم إياه كدعاء بعضكم لبعض بمجرد الاسم، بل تأدبوا معه بالتفخيم والتبجيل والتعظيم كما سن الله بنحو: يا أيها النبي، ويا أيها الرسول، مع إظهار الأدب في هيئة القول والفعل بخفض الصوت والتواضع.
ولما كان بعضهم يظهر المؤالفة، ويبطن المخالفة، حذر من ذلك بشمول علمه وتمام قدرته، فقال معللا مؤكدا محققا معلما بتجديد تعليق العلم الشهودي كلما جدد أحد خيانة لدوام اتصافه بإحاطة العلم من غير نظر إلى زمان:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63قد يعلم الله أي الحائز لجميع صفات المجد إن ظننتم أن ما تفعلونه من التستر يخفي أمركم على رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو سبحانه يعلم
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63الذين يتسللون وعين أهل التوبيخ بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63منكم أي يتكلفون سل أنفسهم ليجعلوا ذهابهم في غاية الخفاء
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لواذا أي تسللا مستخفين به بتستر بعضهم فيه ببعض; يقال: لاذ بالشيء لوذا ولواذا وملاوذة: استتر وتحصن، فهو مصدر لتسلل من غير لفظه، ولعله أدخل "قد" على المضارع ليزيد أهل التحقيق تحقيقا، ويفتح لأهل الريب إلى الاحتمال طريقا، فإنه يكفي في الخوف من النكال طروق الاحتمال; وسبب عن علمه قوله:
[ ص: 326 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر أي يوقع الحذر
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63الذين يخالفون أي يوقعون مخالفته بالذهاب مجاوزين معرضين
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63عن أمره أي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى خلافه
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أن تصيبهم فتنة أي شيء يخالطهم في الدنيا فيحيل أمورهم إلى غير الحالة المحبوبة التي كانوا عليها
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أو يصيبهم عذاب أليم في الآخرة، وهذا يدل على أن الأمر للوجوب حتى يصرف عنه صارف، لترتيب العقاب على الإخلال به، لأن التحذير من العقاب إنما يكون بعد قيام المقتضي لنزول العذاب.
وَلَمَّا أَظْهَرَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِعُمُومِهَا، وَهَذِهِ الْآيَاتُ بِخُصُوصِهَا، مِنْ شَرَفِ الرَّسُولِ مَا بَهَرَ الْعُقُولَ، لِأَجْلِ مَا وَقَعَ لِلْمُنَافِقِ مِنَ التَّجَرُّؤِ عَلَى ذَلِكَ الْجَنَابِ الْأَشَمِّ، وَالْمَنْصِبِ الْأَتَمِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ خُصُوصِيَّةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ تَفْخِيمًا لِلشَّأْنِ، وَتَعْظِيمًا لِلْمَقَامِ، لِيَتَأَدَّبَ مَنْ نَاضَلَ عَنِ الْمُنَافِقِ، أَوْ تَوَانَى فِي أَمْرِهِ فَقَصَرَ عَنْ مَدَى أَهْلِ السَّوَابِقِ، فَقَالَ مُنَبِّهًا عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ سَبَبٌ لِإِظْهَارِ الْمَنَاقِبِ أَوْ إِشْهَارِ الْمَعَايِبِ
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30532_30563_32460_34144_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تَجْعَلُوا أَيِ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63دُعَاءَ الرَّسُولِ أَيْ لَكُمُ الَّذِي يُوقِعُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63بَيْنَكُمْ [ ص: 325 ] وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ، فِي وُجُوبِ الِامْتِثَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا فَإِنَّ أَمْرَهُ عَظِيمٌ، وَمُخَالَفَتَهُ اسْتِحْلَالًا كُفْرٌ، وَلَا تَجْعَلُوا أَيْضًا دُعَاءَكُمْ إِيَّاهُ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ، بَلْ تَأَدَّبُوا مَعَهُ بِالتَّفْخِيمِ وَالتَّبْجِيلِ وَالتَّعْظِيمِ كَمَا سَنَّ اللَّهُ بِنَحْوِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، مَعَ إِظْهَارِ الْأَدَبِ فِي هَيْئَةِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ وَالتَّوَاضُعِ.
وَلَمَّا كَانَ بَعْضُهُمْ يُظْهِرُ الْمُؤَالَفَةَ، وَيُبْطِنُ الْمُخَالَفَةَ، حَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ بِشُمُولِ عِلْمِهِ وَتَمَامِ قُدْرْتِهِ، فَقَالَ مُعَلِّلًا مُؤَكِّدًا مُحَقِّقًا مُعْلِمًا بِتَجْدِيدِ تَعْلِيقِ الْعِلْمِ الشُّهُودِيِّ كُلَّمَا جَدَّدَ أَحَدٌ خِيَانَةً لِدَوَامِ اتِّصَافِهِ بِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى زَمَانٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَيِ الْحَائِزُ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْمَجْدِ إِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ مَا تَفْعَلُونَهُ مِنَ التَّسَتُّرِ يُخْفِي أَمْرَكُمْ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ يَعْلَمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ وَعَيَّنَ أَهْلَ التَّوْبِيخِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63مِنْكُمْ أَيْ يَتَكَلَّفُونَ سَلَّ أَنْفُسِهِمْ لِيَجْعَلُوا ذَهَابَهُمْ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لِوَاذًا أَيْ تَسَلُّلًا مُسْتَخْفِينَ بِهِ بِتَسَتُّرِ بَعْضِهِمْ فِيهِ بِبَعْضٍ; يُقَالُ: لَاذَ بِالشَّيْءِ لَوْذًا وَلِوَاذًا وَمُلَاوَذَةً: اسْتَتَرَ وَتَحَصَّنَ، فَهُوَ مَصْدَرٌ لِتَسَلَّلَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، وَلَعَلَّهُ أَدْخَلَ "قَدْ" عَلَى الْمُضَارِعِ لِيَزِيدَ أَهْلَ التَّحْقِيقِ تَحْقِيقًا، وَيَفْتَحَ لِأَهْلِ الرَّيْبِ إِلَى الِاحْتِمَالِ طَرِيقًا، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي الْخَوْفِ مِنَ النَّكَالِ طُرُوقُ الِاحْتِمَالِ; وَسَبَّبَ عَنْ عِلْمِهِ قَوْلَهُ:
[ ص: 326 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ أَيْ يُوقِعِ الْحَذَرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63الَّذِينَ يُخَالِفُونَ أَيْ يُوقِعُونَ مُخَالَفَتَهُ بِالذَّهَابِ مُجَاوِزِينَ مُعْرِضِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63عَنْ أَمْرِهِ أَيْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى خِلَافِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَيْ شَيْءٌ يُخَالِطُهُمْ فِي الدُّنْيَا فَيُحِيلُ أُمُورَهُمْ إِلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الْمَحْبُوبَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ حَتَّى يَصْرِفَ عَنْهُ صَارِفٌ، لِتَرْتِيبِ الْعِقَابِ عَلَى الْإِخْلَالِ بِهِ، لِأَنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ الْعِقَابِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِنُزُولِ الْعَذَابِ.