ولما تقدم من الأمر بالسلم والتهديد على الزلل عنه ما يقتضي لزومه حتما كان كأنه قيل: ما فعل من خوطب بهذه الأوامر وقمع بتلك الزواجر؟ فقيل: أبى أكثرهم، فقيل: إن هذا لعجب! ما الذي صدهم؟ فقيل: تقدير العزيز الذي لا يخالف مراده الحكيم الذي يدق عن الأفكار استدراجه، فقيل: كيف يتصور من العاقل كفر النعمة؟ فبين أن سبب ذلك غالبا الترفع والتعظم والكبر والبطر فرحا بما في اليد وركونا إليه وإعراضا عما خبئ في خزائن الله في حجب القدرة فقال مستأنفا بانيا للمفعول دلالة على ضعف عقولهم بأنهم يغترون بكل مزين
nindex.php?page=treesubj&link=19860_28723_29680_30532_32024_34092_34201_34308_34310_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212زين
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : من التزيين بما منه الزينة.
[ ص: 195 ] وهي بهجة العين التي لا تخلص إلى باطن المزين - انتهى.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212للذين كفروا حتى بدلوا النعمة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212الحياة الدنيا لحضورها فألهتهم عن غائب الآخرة.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : ففي ضمنه إشعار بأن استحسان بهجة الدنيا كفر ما من حيث إن نظر العقل والإيمان يبصر طيتها ويشهد جيفتها فلا يغتر بزينتها وهي آفة الخلق في انقطاعهم عن الحق، وأبهم تعالى المزين في هذه الآية ليشمل أدنى التزيين الواقع على لسان الشيطان وأخفى التزيين الذي يكون من استدراج الله كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108كذلك زينا لكل أمة عملهم
ولما ذكر ذلك بين حالهم عنده فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212ويسخرون أي والحال أنهم لا يزالون يسخرون أي يوقعون السخرية، وهي استزراء
[ ص: 196 ] العقل هزؤا. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : هي استزراء العقل معنى بمنزلة الاستسخار في الفعل حسا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212من الذين آمنوا لما هم فيه من الضعف والحاجة لإعراضهم عن الدنيا رغبة فيما عند الله لما وهبهم الله سبحانه وتعالى من العلم الخارق لتلك الحجب الكاشف لأستار المغيب ولأن الله يزوي عنهم الدنيا ويحميهم منها رغبة بهم عنها لكرامتهم عليه كما يحمي الإنسان حبيبه الطعام والشراب إن كان مريضا لكرامته عليه فصار الكفار بهذا التزيين مع ما بوأناهم من الهوان بأنواع التهديد التي لا مرية في قدرتنا عليها مشغولين بلعاعة من العيش فهم راضون بأحوالهم مسرورون بها بحيث إنهم لا ينظرون في عاقبة بل مع الحالة الراهنة فيهزؤون بأهل الحق متعامين عن البينات معرضين عن التهديد تاركين الاستبصار بأحوال بني إسرائيل .
ولما كان الاستسخار بذوي الأقدار مرا وللنفوس مضرا قال تعالى مبشرا بانقلاب الأمر في دار الخلد مرغبا في التقوى بعد الإيمان:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212والذين اتقوا أي آمنوا خوفا من الله تعالى، فأخرج المنافقين والذين يمكن دخولهم في الجملة الماضية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212فوقهم في
[ ص: 197 ] الرزق والرتبة والمكان بدليل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199أفيضوا وآية
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=51إني كان لي قرين وكل أمر سار
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212يوم القيامة فهم يضحكون منهم جزاء بما كانوا يفعلون.
ولما كان تبدل الأحوال قريبا عندهم من المحال كان كأنه قيل في تقريب ذلك: برزق من عند الله يرزقهموه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212والله بعز سلطانه وجلال عظمته وباهر كرمه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212يرزق من يشاء أي في الدنيا وفي الآخرة ولو كان أفقر الناس وأعجزهم.
ولما كان الإعطاء جزافا لا يكون إلا عن كثرة وبكثرة قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212بغير حساب أي رزقا لا يحد ولا يعد، لأن كل ما دخله الحد فهو محصور متناه يعد، وفي هذه الأمة من لا يحاسبه الله على ما آتاه فهي في
[ ص: 198 ] حقه على حقيقتها من هذه الحيثية.
وَلَمَّا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِالسِّلْمِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الزَّلَلِ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي لُزُومَهُ حَتْمًا كَانَ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا فَعَلَ مَنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ وَقُمِعَ بِتِلْكَ الزَّوَاجِرِ؟ فَقِيلَ: أَبَى أَكْثَرُهُمْ، فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ! مَا الَّذِي صَدَّهُمْ؟ فَقِيلَ: تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يُخَالَفُ مُرَادُهُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَدِقُّ عَنِ الْأَفْكَارِ اسْتِدْرَاجُهُ، فَقِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنَ الْعَاقِلِ كُفْرُ النِّعْمَةِ؟ فَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ غَالِبًا التَّرَفُّعُ وَالتَّعَظُّمُ وَالْكِبْرُ وَالْبَطَرُ فَرِحًا بِمَا فِي الْيَدِ وَرُكُونًا إِلَيْهِ وَإِعْرَاضًا عَمَّا خُبِّئَ فِي خَزَائِنِ اللَّهِ فِي حَجْبِ الْقُدْرَةِ فَقَالَ مُسْتَأْنِفًا بَانِيًا لِلْمَفْعُولِ دَلَالَةً عَلَى ضَعْفِ عُقُولِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَغْتَرُّونَ بِكُلِّ مُزَيَّنٍ
nindex.php?page=treesubj&link=19860_28723_29680_30532_32024_34092_34201_34308_34310_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212زُيِّنَ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : مِنَ التَّزْيِينِ بِمَا مِنْهُ الزِّينَةُ.
[ ص: 195 ] وَهِيَ بَهْجَةُ الْعَيْنِ الَّتِي لَا تَخْلُصُ إِلَى بَاطِنِ الْمُزَيَّنِ - انْتَهَى.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212لِلَّذِينَ كَفَرُوا حَتَّى بَدَّلُوا النِّعْمَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لِحُضُورِهَا فَأَلْهَتْهُمْ عَنْ غَائِبِ الْآخِرَةِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : فَفِي ضِمْنِهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ اسْتِحْسَانَ بَهْجَةِ الدُّنْيَا كُفْرٌ مَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَظَرَ الْعَقْلِ وَالْإِيمَانِ يُبَصِّرُ طَيَّتَهَا وَيَشْهَدُ جِيفَتَهَا فَلَا يَغْتَرُّ بِزِينَتِهَا وَهِيَ آفَةُ الْخَلْقِ فِي انْقِطَاعِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَأَبْهَمَ تَعَالَى الْمُزَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِيَشْمَلَ أَدْنَى التَّزْيِينِ الْوَاقِعِ عَلَى لِسَانِ الشَّيْطَانِ وَأَخْفَى التَّزْيِينَ الَّذِي يَكُونُ مِنِ اسْتِدْرَاجِ اللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ
وَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ بَيَّنَ حَالَهُمْ عِنْدَهُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212وَيَسْخَرُونَ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يَسْخَرُونَ أَيْ يُوقِعُونَ السُّخْرِيَةَ، وَهِيَ اسْتِزْرَاءُ
[ ص: 196 ] الْعَقْلِ هُزُؤًا. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : هِيَ اسْتِزْرَاءُ الْعَقْلِ مَعْنًى بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِسْخَارِ فِي الْفِعْلِ حِسًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الدُّنْيَا رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ لِمَا وَهَبَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الْعِلْمِ الْخَارِقِ لِتِلْكَ الْحُجُبِ الْكَاشِفِ لِأَسْتَارِ الْمَغِيبِ وَلِأَنَّ اللَّهَ يَزْوِي عَنْهُمُ الدُّنْيَا وَيَحْمِيهِمْ مِنْهَا رَغْبَةً بِهِمْ عَنْهَا لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا يَحْمِي الْإِنْسَانُ حَبِيبَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ إِنْ كَانَ مَرِيضًا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ الْكُفَّارُ بِهَذَا التَّزْيِينِ مَعَ مَا بَوَّأْنَاهُمْ مِنَ الْهَوَانِ بِأَنْوَاعِ التَّهْدِيدِ الَّتِي لَا مِرْيَةَ فِي قُدْرَتِنَا عَلَيْهَا مَشْغُولِينَ بِلُعَاعَةٍ مِنَ الْعَيْشِ فَهُمْ رَاضُونَ بِأَحْوَالِهِمْ مَسْرُورُونَ بِهَا بِحَيْثُ إِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِي عَاقِبَةٍ بَلْ مَعَ الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَهْزَؤُونَ بِأَهْلِ الْحَقِّ مُتَعَامِينَ عَنِ الْبَيِّنَاتِ مُعْرِضِينَ عَنِ التَّهْدِيدِ تَارِكِينَ الِاسْتِبْصَارَ بِأَحْوَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ .
وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِسْخَارُ بِذَوِي الْأَقْدَارِ مُرًّا وَلِلنُّفُوسِ مُضِرًّا قَالَ تَعَالَى مُبَشِّرًا بِانْقِلَابِ الْأَمْرِ فِي دَارِ الْخُلْدِ مُرَغِّبًا فِي التَّقْوَى بَعْدَ الْإِيمَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212وَالَّذِينَ اتَّقَوْا أَيْ آمَنُوا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَخْرَجَ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ يُمْكِنُ دُخُولُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ الْمَاضِيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212فَوْقَهُمْ فِي
[ ص: 197 ] الرِّزْقِ وَالرُّتْبَةِ وَالْمَكَانِ بِدَلِيلٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199أَفِيضُوا وَآيَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=51إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ وَكُلِّ أَمْرٍ سَارٍّ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهُمْ يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ.
وَلَمَّا كَانَ تَبَدُّلُ الْأَحْوَالِ قَرِيبًا عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُحَالِ كَانَ كَأَنَّهُ قِيلَ فِي تَقْرِيبِ ذَلِكَ: بِرِزْقٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَرْزُقُهُمُوهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212وَاللَّهُ بِعِزِّ سُلْطَانِهِ وَجَلَالِ عَظَمَتِهِ وَبَاهِرِ كَرَمِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَوْ كَانَ أَفْقَرَ النَّاسِ وَأَعْجَزَهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ الْإِعْطَاءُ جُزَافًا لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ كَثْرَةٍ وَبِكَثْرَةٍ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=212بِغَيْرِ حِسَابٍ أَيْ رِزْقًا لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَدُّ، لِأَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَهُ الْحَدُّ فَهُوَ مَحْصُورٌ مُتَنَاهٍ يُعَدُّ، وَفِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ لَا يُحَاسِبُهُ اللَّهُ عَلَى مَا آتَاهُ فَهِيَ فِي
[ ص: 198 ] حَقِّهِ عَلَى حَقِيقَتِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ.