[ ص: 1429 ] (8)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الأنفال مدنية
وآياتها خمس وسبعون
بسم الله الرحمن الرحيم
نعود الآن إلى القرآن المدني - بعد سورتي الأنعام والأعراف المكيتين - وقد سبقت منه في هذه الظلال - التي نسير فيها وفق ترتيب المصحف لا وفق ترتيب النزول - سور: البقرة، وآل عمران، والنساء والمائدة..
ذلك أن الترتيب الزمني للنزول لا يمكن القطع فيه الآن بشيء - اللهم إلا من ناحية أن هذا قرآن مكي وهذا قرآن مدني على وجه الإجمال، على ما في هذا من خلافات قليلة - فأما الترتيب الزمني المقطوع به من ناحية زمن نزول كل آية أو كل مجموعة من الآيات أو كل سورة، فيكاد يكون متعذرا ولا يكاد يجد الإنسان فيه اليوم شيئا مستيقنا - إلا في آيات معدودات تتوافر بشأنها الروايات أو تقطع بشأنها بعض الروايات..
وعلى كل ما في محاولة تتبع آيات القرآن وسوره وفق الترتيب الزمني للنزول من قيمة، ومن مساعدة على تصور منهج الحركة الإسلامية ومراحلها وخطواتها، فإن قلة اليقين في هذا الترتيب تجعل الأمر شاقا كما أنها تجعل النتائج التي يتوصل إليها تقريبية ظنية، وليست نهائية يقينية.. وقد تترتب على هذه النتائج الظنية التقريبية نتائج أخرى خطيرة.. لذلك آثرت في هذه الظلال أن أعرض القرآن بترتيب سوره في المصحف العثماني مع محاولة الإلمام بالملابسات التاريخية لكل سورة - على وجه الإجمال والترجيح - والاستئناس بهذا في إيضاح الجو والملابسات المحيطة بالنص - على وجه الإجمال والترجيح أيضا - على النحو الذي سبق في التعريف بالسور الماضية في هذه الطبعة الجديدة من الظلال.. وعلى هذا النحو نمضي - بعون الله - في هذه السورة..
نزلت سورة الأنفال التي نعرض لها هنا بعد سورة البقرة.. نزلت في غزوة
بدر الكبرى في شهر رمضان من العام الثاني للهجرة بعد تسعة عشر شهرا من الهجرة على الأرجح.. ولكن القول بأن هذه السورة نزلت بعد سورة البقرة لا يمثل حقيقة نهائية. فسورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة بل إن منها ما نزل في أوائل العهد
بالمدينة، ومنها ما نزل في أواخر هذا العهد. وبين هذه الأوائل وهذه الأواخر نحو تسع سنوات! ومن المؤكد أن سورة الأنفال نزلت بين هذين الموعدين وأن سورة البقرة قبلها وبعدها ظلت مفتوحة تنزل الآيات ذوات العدد منها بين هذين الموعدين وتضم إليها وفق الأمر النبوي التوقيفي. ولكن المعول عليه في قولهم: إن هذه السورة نزلت بعد هذه السورة، هو نزول أوائل السور. كما ذكرنا ذلك في التعريف بسورة البقرة .
[ ص: 1430 ] وفي بعض الروايات أن الآيات من 30 إلى غاية 36 من سورة الأنفال مكية.. وهي هذه الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=31وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا: قد سمعنا. لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32وإذ قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون، ولكن أكثرهم لا يعلمون. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=36إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ..
ولعل الذي دعا أصحاب هذه الروايات إلى القول بمكية هذه الآيات أنها تتحدث عن أمور كانت في
مكة قبل الهجرة.. ولكن هذا ليس بسبب.. فإن هناك كثيرا من الآيات المدنية تتحدث عن أمور كانت في
مكة قبل الهجرة. وفي هذه السورة نفسها آية: 26 قبل هذه الآيات تتحدث عن مثل هذا الشأن:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس، فآواكم وأيدكم بنصره، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ..
كما أن الآية: 36 وهي الأخيرة من تلك الآيات تتحدث عن أمر كان بعد
بدر، خاص بإنفاق المشركين أموالهم للتجهيز لغزوة
أحد: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=36إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ..
والروايات التي تذكر أن هذه الآيات مكية ذكرت في سبب النزول مناسبة هي محل اعتراض. فقد جاء فيها:
أن أبا طالب قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يأتمر به قومك؟ قال: يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني! فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: ربي. قال: نعم الرب ربك. فاستوص به خيرا! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا استوصي به! بل هو يستوصي بي خيرا! فنزلت: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك .. الآية..
وقد ذكر
ابن كثير هذه الرواية واعترض عليها بقوله: " وذكر
أبي طالب في هذا غريب جدا، بل منكر. لأن هذه الآية مدنية. ثم إن هذه القصة، واجتماع
قريش على هذا الائتمار، والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل، إنما كانت ليلة الهجرة سواء. وذلك بعد موت
أبي طالب بنحو من ثلاث سنين. لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بسبب موت عمه
أبي طالب، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه " ..
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق. عن
عبد الله ابن أبي نجيح. عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد. عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - وعنه كذلك من طريق آخر - حديثا طويلا عن تبييت
قريش ومكرهم هذا، جاء في نهايته قوله: " .. وأذن الله له عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه - بعد قدومه
المدينة - " الأنفال " يذكره نعمه عليه، وبلاءه عنده:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله. والله خير الماكرين ..
وهذه الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - هي التي تتفق مع السياق القرآني قبل هذه الآيات وبعدها.
من تذكير الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين بما أسلف إليهم من فضله في معرض تحريضهم على الجهاد في سبيل الله والاستجابة لما يدعوهم إليه منه والثبات يوم الزحف.. إلى آخر ما تعالجه السورة من هذا
[ ص: 1431 ] الأمر كما سنبين.. والقول بأن هذه الآيات مدنية كالسورة كلها هو الأولى..
وبعد، فإنه من أجل مثل هذه الملابسات في الروايات الواردة عن أسباب النزول، آثرنا المنهج الذي جرينا عليه في عرض القرآن الكريم كما هو ترتيب السور في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان - رضي الله عنه - لا وفق ترتيب النزول الذي لا سبيل اليوم فيه إلى يقين.. مع محاولة الاستئناس بأسباب النزول وملابساته قدر ما يستطاع.
والله المستعان..
[ ص: 1429 ] (8)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْأَنْفَالِ مَدَنِيَّةٌ
وَآيَاتُهَا خَمْسٌ وَسَبْعُونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
نَعُودُ الْآنَ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ - بَعْدَ سُورَتَيِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ الْمَكِّيَّتَيْنِ - وَقَدْ سَبَقَتْ مِنْهُ فِي هَذِهِ الظِّلَالِ - الَّتِي نَسِيرُ فِيهَا وَفْقَ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ لَا وَفْقَ تَرْتِيبِ النُّزُولِ - سُوَرُ: الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ..
ذَلِكَ أَنَّ التَّرْتِيبَ الزَّمَنِيَّ لِلنُّزُولِ لَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ فِيهِ الْآنَ بِشَيْءٍ - اللَّهُمَّ إِلَّا مِنْ نَاحِيَةِ أَنَّ هَذَا قُرْآنٌ مَكِّيٌّ وَهَذَا قُرْآنٌ مَدَنِيٌّ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ، عَلَى مَا فِي هَذَا مِنْ خِلَافَاتٍ قَلِيلَةٍ - فَأَمَّا التَّرْتِيبُ الزَّمَنِيُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ مِنْ نَاحِيَةِ زَمَنِ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ أَوْ كُلِّ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الآيَاتِ أَوْ كُلِّ سُورَةٍ، فَيَكَادُ يَكُونُ مُتَعَذِّرًا وَلَا يَكَادُ يَجِدُ الْإِنْسَانُ فِيهِ الْيَوْمَ شَيْئًا مُسْتَيْقَنًا - إِلَّا فِي آيَاتٍ مَعْدُودَاتٍ تَتَوَافَرُ بِشَأْنِهَا الرِّوَايَاتُ أَوْ تَقْطَعُ بِشَأْنِهَا بَعْضُ الرِّوَايَاتِ..
وَعَلَى كُلِّ مَا فِي مُحَاوَلَةٍ تَتْبَعُ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَسُورَهُ وَفْقَ التَّرْتِيبِ الزَّمَنِيِّ لِلنُّزُولِ مِنْ قِيمَةٍ، وَمِنْ مُسَاعَدَةٍ عَلَى تَصَوُّرِ مَنْهَجِ الْحَرَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَمَرَاحِلِهَا وَخُطُوَاتِهَا، فَإِنَّ قِلَّةَ الْيَقِينِ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ تَجْعَلُ الْأَمْرَ شَاقًّا كَمَا أَنَّهَا تَجْعَلُ النَّتَائِجَ الَّتِي يَتَوَصَّلُ إِلَيْهَا تَقْرِيبِيَّةً ظَنِّيَّةً، وَلَيْسَتْ نِهَائِيَّةً يَقِينِيَّةً.. وَقَدْ تَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ النَّتَائِجِ الظَّنِّيَّةِ التَّقْرِيبِيَّةِ نَتَائِجُ أُخْرَى خَطِيرَةٌ.. لِذَلِكَ آثَرْتُ فِي هَذِهِ الظِّلَالِ أَنْ أَعْرِضَ الْقُرْآنَ بِتَرْتِيبِ سُوَرِهِ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ مَعَ مُحَاوَلَةِ الْإِلْمَامِ بِالْمُلَابَسَاتِ التَّارِيخِيَّةِ لِكُلِّ سُورَةٍ - عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ وَالتَّرْجِيحِ - وَالِاسْتِئْنَاسِ بِهَذَا فِي إِيضَاحِ الْجَوِّ وَالْمُلَابَسَاتِ الْمُحِيطَةِ بِالنَّصِّ - عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ وَالتَّرْجِيحِ أَيْضًا - عَلَى النَّحْوِ الَّذِي سَبَقَ فِي التَّعْرِيفِ بِالسُّوَرِ الْمَاضِيَةِ فِي هَذِهِ الطَّبْعَةِ الْجَدِيدَةِ مِنَ الظِّلَالِ.. وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ نَمْضِي - بِعَوْنِ اللَّهِ - فِي هَذِهِ السُّورَةِ..
نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ الَّتِي نَعْرِضُ لَهَا هُنَا بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.. نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ الْعَامِ الثَّانِي لِلْهِجْرَةِ بَعْدَ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْأَرْجَحِ.. وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَا يُمَثِّلُ حَقِيقَةً نِهَائِيَّةً. فَسُورَةُ الْبَقَرَةِ لَمْ تَنْزِلْ دُفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ إِنَّ مِنْهَا مَا نَزَلَ فِي أَوَائِلِ الْعَهْدِ
بِالْمَدِينَةِ، وَمِنْهَا مَا نَزَلَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْعَهْدِ. وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَوَائِلِ وَهَذِهِ الْأَوَاخِرِ نَحْوُ تِسْعِ سَنَوَاتٍ! وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ سُورَةَ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَوْعِدَيْنِ وَأَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا ظَلَّتْ مَفْتُوحَةً تَنْزِلُ الْآيَاتُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ مِنْهَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَوْعِدَيْنِ وَتُضَمُّ إِلَيْهَا وَفْقَ الْأَمْرِ النَّبَوِيِّ التَّوْقِيفِيِّ. وَلَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ السُّورَةِ، هُوَ نُزُولُ أَوَائِلِ السُّوَرِ. كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ .
[ ص: 1430 ] وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْآيَاتِ مِنْ 30 إِلَى غَايَةِ 36 مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ مَكِّيَّةٌ.. وَهِيَ هَذِهِ الْآيَاتُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=31وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا: قَدْ سَمِعْنَا. لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32وَإِذْ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ، أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ، إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً، فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=36إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ..
وَلَعَلَّ الَّذِي دَعَا أَصْحَابَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِلَى الْقَوْلِ بِمَكِّيَّةِ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ أُمُورٍ كَانَتْ فِي
مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.. وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِسَبَبٍ.. فَإِنَّ هُنَاكَ كَثِيرًا مِنَ الآيَاتِ الْمَدَنِيَّةِ تَتَحَدَّثُ عَنْ أُمُورٍ كَانَتْ فِي
مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ نَفْسِهَا آيَةُ: 26 قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ تَتَحَدَّثُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الشَّأْنِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ، تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ، فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ..
كَمَا أَنَّ الْآيَةَ: 36 وَهِيَ الْأَخِيرَةُ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ تَتَحَدَّثُ عَنْ أَمْرٍ كَانَ بَعْدَ
بَدْرٍ، خَاصٍّ بِإِنْفَاقِ الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَهُمْ لِلتَّجْهِيزِ لِغَزْوَةِ
أُحُدٍ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=36إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ..
وَالرِّوَايَاتُ الَّتِي تَذْكُرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مَكِّيَّةٌ ذُكِرَتْ فِي سَبَبِ النُّزُولِ مُنَاسَبَةً هِيَ مَحَلُّ اعْتِرَاضٍ. فَقَدْ جَاءَ فِيهَا:
أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَأْتَمِرُ بِهِ قَوْمُكَ؟ قَالَ: يُرِيدُونَ أَنْ يَسْحَرُونِي وَيَقْتُلُونِي وَيُخْرِجُونِي! فَقَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: رَبِّي. قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ. فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنَا اسْتَوْصِي بِهِ! بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي خَيْرًا! فَنَزَلَتْ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ .. الْآيَةُ..
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ كَثِيرٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: " وَذِكْرُ
أَبِي طَالِبٍ فِي هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا، بَلْ مُنْكَرٌ. لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَاجْتِمَاعَ
قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الِائْتِمَارِ، وَالْمُشَاوَرَةَ عَلَى الْإِثْبَاتِ أَوِ النَّفْيِ أَوِ الْقَتْلِ، إِنَّمَا كَانَتْ لَيْلَةَ الْهِجْرَةِ سَوَاءً. وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ
أَبِي طَالِبٍ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ. لَمَّا تَمَكَّنُوا مِنْهُ وَاجْتَرَءُوا عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَوْتِ عَمِّهِ
أَبِي طَالِبٍ، الَّذِي كَانَ يَحُوطُهُ وَيَنْصُرُهُ وَيَقُومُ بِأَعْبَائِهِ " ..
وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ. عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ. عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ. عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - وَعَنْهُ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ - حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ تَبْيِيتِ
قُرَيْشٍ وَمَكْرِهِمْ هَذَا، جَاءَ فِي نِهَايَتِهِ قَوْلُهُ: " .. وَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ - بَعْدَ قُدُومِهِ
الْمَدِينَةَ - " الْأَنْفَالَ " يُذَكِّرُهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ. وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ..
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هِيَ الَّتِي تَتَّفِقُ مَعَ السِّيَاقِ الْقُرْآنِيِّ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَبَعْدَهَا.
مِنْ تَذْكِيرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَسْلَفَ إِلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ فِي مَعْرِضِ تَحْرِيضِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالِاسْتِجَابَةِ لِمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْهُ وَالثَّبَاتِ يَوْمَ الزَّحْفِ.. إِلَى آخِرِ مَا تُعَالِجُهُ السُّورَةُ مِنْ هَذَا
[ ص: 1431 ] الْأَمْرِ كَمَا سَنُبَيِّنُ.. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مَدَنِيَّةٌ كَالسُّورَةِ كُلِّهَا هُوَ الْأَوْلَى..
وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ مِثْلِ هَذِهِ الْمُلَابَسَاتِ فِي الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ، آثَرْنَا الْمَنْهَجَ الَّذِي جَرَيْنَا عَلَيْهِ فِي عَرْضِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَمَا هُوَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ فِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا وَفْقَ تَرْتِيبِ النُّزُولِ الَّذِي لَا سَبِيلَ الْيَوْمِ فِيهِ إِلَى يَقِينٍ.. مَعَ مُحَاوَلَةِ الِاسْتِئْنَاسِ بِأَسْبَابِ النُّزُولِ وَمُلَابَسَاتِهِ قَدْرَ مَا يُسْتَطَاعُ.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ..