nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا: راعنا. وقولوا: انظرنا، واسمعوا، وللكافرين عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل؟ ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره، إن الله على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=110وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، إن الله بما تعملون بصير ..
يتجه الخطاب في مطلع هذا الدرس إلى الذين آمنوا يناديهم بالصفة التي تميزهم، والتي تربطهم بربهم ونبيهم، والتي تستجيش في نفوسهم الاستجابة والتلبية.
وبهذه الصفة ينهاهم أن يقولوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104راعنا - من الرعاية والنظر - وأن يقولوا بدلا منها مرادفها في اللغة العربية:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104انظرنا .. ويأمرهم بالسمع بمعنى الطاعة، ويحذرهم من مصير الكافرين وهو العذاب الأليم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا: راعنا وقولوا انظرنا. واسمعوا. وللكافرين عذاب أليم .
وتذكر الروايات أن السبب في ذلك النهي عن كلمة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104راعنا .. أن سفهاء اليهود كانوا يميلون ألسنتهم
[ ص: 101 ] في نطق هذا اللفظ، وهم يوجهونه للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يؤدي معنى آخر مشتقا من الرعونة. فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي - صلى الله عليه وسلم - مواجهة، فيحتالون على سبه - صلوات الله وسلامه عليه - عن هذا الطريق الملتوي، الذي لا يسلكه إلا صغار السفهاء! ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته. كي يفوتوا على اليهود غرضهم الصغير السفيه! واستخدام مثل هذه الوسيلة من اليهود يشي بمدى غيظهم وحقدهم، كما يشي بسوء الأدب، وخسة الوسيلة، وانحطاط السلوك. والنهي الوارد بهذه المناسبة يوحي برعاية الله لنبيه وللجماعة المسلمة، ودفاعه - سبحانه - عن أوليائه، بإزاء كل كيد وكل قصد شرير من أعدائهم الماكرين.
ثم
nindex.php?page=treesubj&link=32423يكشف للمسلمين عما تكنه لهم صدور اليهود حولهم من الشر والعداء، وعما تنغل به قلوبهم من الحقد والحسد، بسبب ما اختصهم به الله من الفضل. ليحذروا أعداءهم، ويستمسكوا بما يحسدهم هؤلاء الأعداء عليه من الإيمان، ويشكروا فضل الله عليهم ويحفظوه:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم. والله يختص برحمته من يشاء. والله ذو الفضل العظيم ..
ويجمع القرآن بين أهل الكتاب والمشركين في الكفر .. وكلاهما كافر بالرسالة الأخيرة فهما على قدم سواء من هذه الناحية; وكلاهما يضمر للمؤمنين الحقد والضغن، ولا يود لهم الخير. وأعظم ما يكرهونه للمؤمنين هو هذا الدين. هو أن يختارهم الله لهذا الخير وينزل عليهم هذا القرآن، ويحبوهم بهذه النعمة، ويعهد إليهم بأمانة العقيدة في الأرض، وهي الأمانة الكبرى في الوجود.
ولقد سبق الحديث عن حقدهم وغيظهم من أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، حتى لقد بلغ بهم الغيظ أن يعلنوا عداءهم
لجبريل - عليه السلام - إذ كان ينزل بالوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105والله يختص برحمته من يشاء ..
فالله أعلم حيث يجعل رسالته ; فإذا اختص بها
محمدا - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين به، فقد علم - سبحانه - أنه وأنهم أهل لهذا الاختصاص.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105والله ذو الفضل العظيم ..
وليس أعظم من نعمة النبوة والرسالة; وليس أعظم من نعمة الإيمان والدعوة إليه. وفي هذا التلميح ما يستجيش في قلوب الذين آمنوا الشعور بضخامة العطاء وجزالة الفضل، وفي التقرير الذي سبقه عما يضمره الذين كفروا للذين آمنوا ما يستجيش الشعور بالحذر والحرص الشديد.. وهذا الشعور وذاك ضروريان للوقوف في وجه حملة البلبلة والتشكيك التي قادها - ويقودها - اليهود ، لتوهين العقيدة في نفوس المؤمنين، وهي الخير الضخم الذي ينفسونه على المسلمين! وكانت الحملة - كما أسلفنا - تتعلق بنسخ بعض الأوامر والتكاليف . وبخاصة عند تحويل القبلة إلى الكعبة.
الأمر الذي أبطل حجتهم على المسلمين:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ..
وسواء كانت المناسبة هي مناسبة تحويل القبلة - كما يدل سياق هذه الآيات وما بعدها - أم كانت مناسبة
[ ص: 102 ] أخرى من تعديل بعض الأوامر والتشريعات والتكاليف، التي كانت تتابع نمو الجماعة المسلمة، وأحوالها المتطورة. أم كانت خاصة بتعديل بعض الأحكام التي وردت في التوراة مع تصديق القرآن في عمومه للتوراة..
سواء كانت هذه أم هذه أم هذه، أم هي جميعا المناسبة التي اتخذها اليهود ذريعة للتشكيك في صلب العقيدة..
فإن القرآن يبين هنا بيانا حاسما في شأن النسخ والتعديل; وفي القضاء على تلك الشبهات التي أثارتها يهود، على عادتها وخطتها في محاربة هذه العقيدة بشتى الأساليب.
فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال - في فترة الرسالة - هو لصالح البشرية، ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها. والله خالق الناس، ومرسل الرسل، ومنزل الآيات، هو الذي يقدر هذا. فإذا نسخ آية ألقاها في عالم النسيان - سواء كانت آية مقروءة تشتمل حكما من الأحكام، أو آية بمعنى علامة وخارقة تجيء لمناسبة حاضرة وتطوى كالمعجزات المادية التي جاء بها الرسل - فإنه يأتي بخير منها أو مثلها! ولا يعجزه شيء. وهو مالك كل شيء، وصاحب الأمر كله في السماوات وفي الأرض.. ومن ثم تجيء هذه التعقيبات:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ..
والخطاب هنا للمؤمنين يحمل رائحة التحذير، ورائحة التذكير بأن الله هو وليهم وناصرهم وليس لهم من دونه ولي ولا نصير ... ولعل هذا كان بسبب انخداع بعضهم بحملة اليهود التضليلية; وبلبلة أفكارهم بحججهم الخادعة; وإقدامهم على توجيه أسئلة للرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تتفق مع الثقة واليقين.
يدل على هذا ما جاء في الآية التالية من صريح التحذير والاستنكار:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ..
فهو استنكار لتشبه بعض المؤمنين بقوم
موسى في تعنتهم ، وطلبهم للبراهين والخوارق، وإعناتهم لرسولهم كلما أمرهم بأمر أو أبلغهم بتكليف، على نحو ما حكى السياق عنهم في مواضع كثيرة..
وهو تحذير لهم من نهاية هذا الطريق، وهي الضلال، واستبدال الكفر بالإيمان، وهي النهاية التي صار إليها بنو إسرائيل . كما أنها هي النهاية التي يتمنى اليهود لو قادوا إليها المسلمين!
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا، حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ..
وذلك ما يفعله الحقد اللئيم بالنفوس.. الرغبة في سلب الخير الذي يهتدي إليه الآخرون..لماذا؟
لا لأن هذه النفوس الشريرة لا تعلم. ولكنها لأنها تعلم!
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ..
nindex.php?page=treesubj&link=18716_18717_18735والحسد هو ذلك الانفعال الأسود الخسيس الذي فاضت به نفوس اليهود تجاه الإسلام والمسلمين، وما زالت تفيض، وهو الذي انبعثت منه دسائسهم وتدبيراتهم كلها وما تزال. وهو الذي يكشفه القرآن للمسلمين ليعرفوه، ويعرفوا أنه السبب الكامن وراء كل جهود اليهود لزعزعة العقيدة في نفوسهم; وردهم بعد ذلك إلى الكفر الذي كانوا فيه، والذي أنقذهم الله منه بالإيمان، وخصهم بهذا بأعظم الفضل وأجل النعمة التي تحسدهم عليها يهود ! وهنا - في اللحظة التي تتجلى فيها هذه الحقيقة، وتنكشف فيها النية السيئة والحسد اللئيم - هنا يدعو القرآن المؤمنين إلى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد، والشر بالشر، ويدعوهم إلى الصفح والعفو حتى يأتي الله
[ ص: 103 ] بأمره، وقتما يريد:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره. إن الله على كل شيء قدير ..
وامضوا في طريقكم التي اختارها الله لكم، واعبدوا ربكم وادخروا عنده حسناتكم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=110وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله. إن الله بما تعملون بصير ..
وهكذا.. يوقظ السياق القرآني وعي الجماعة المسلمة ويركزه على مصدر الخطر، ومكمن الدسيسة; ويعبئ مشاعر المسلمين تجاه النوايا السيئة والكيد اللئيم والحسد الذميم.. ثم يأخذهم بهذه الطاقة المعبأة المشحونة كلها إلى جناب الله; ينتظرون أمره، ويعلقون تصرفهم بإذنه.. وإلى أن يحين هذا الأمر يدعوهم إلى العفو والسماحة، لينقذ قلوبهم من نتن الحقد والضغينة. ويدعها طيبة في انتظار الأمر من صاحب الأمر والمشيئة..
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا: رَاعِنَا. وَقُولُوا: انْظُرْنَا، وَاسْمَعُوا، وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مِنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهَ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ؟ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، إِنَّ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=110وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهِ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ..
يَتَّجِهُ الْخِطَابُ فِي مَطْلَعِ هَذَا الدَّرْسِ إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا يُنَادِيهِمْ بِالصِّفَةِ الَّتِي تُمَيِّزُهُمْ، وَالَّتِي تَرْبُطُهُمْ بِرَبِّهِمْ وَنَبِيِّهِمْ، وَالَّتِي تَسْتَجِيشُ فِي نُفُوسِهِمُ الِاسْتِجَابَةَ وَالتَّلْبِيَةَ.
وَبِهَذِهِ الصِّفَةِ يَنْهَاهُمْ أَنْ يَقُولُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104رَاعِنَا - مِنَ الرِّعَايَةِ وَالنَّظَرِ - وَأَنْ يَقُولُوا بَدَلًا مِنْهَا مُرَادِفَهَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104انْظُرْنَا .. وَيَأْمُرُهُمْ بِالسَّمْعِ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ مَصِيرِ الْكَافِرِينَ وَهُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا: رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا. وَاسْمَعُوا. وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
وَتَذْكُرُ الرِّوَايَاتُ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ عَنْ كَلِمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104رَاعِنَا .. أَنَّ سُفَهَاءَ الْيَهُودِ كَانُوا يُمِيلُونَ أَلْسِنَتَهُمْ
[ ص: 101 ] فِي نُطْقِ هَذَا اللَّفْظِ، وَهُمْ يُوَجِّهُونَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُؤَدِّيَ مَعْنًى آخَرَ مُشْتَقًّا مِنَ الرُّعُونَةِ. فَقَدْ كَانُوا يَخْشَوْنَ أَنْ يَشْتُمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَاجَهَةً، فَيَحْتَالُونَ عَلَى سَبِّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْمُلْتَوِي، الَّذِي لَا يَسْلُكُهُ إِلَّا صِغَارُ السُّفَهَاءِ! وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ النَّهْيُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَنِ اللَّفْظِ الَّذِي يَتَّخِذُهُ الْيَهُودُ ذَرِيعَةً، وَأُمِرُوا أَنْ يَسْتَبْدِلُوا بِهِ مُرَادِفَهُ فِي الْمَعْنَى، الَّذِي لَا يَمْلِكُ السُّفَهَاءُ تَحْرِيفَهُ وَإِمَالَتَهُ. كَيْ يُفَوِّتُوا عَلَى الْيَهُودِ غَرَضَهُمُ الصَّغِيرَ السَّفِيهَ! وَاسْتِخْدَامُ مِثْلِ هَذِهِ الْوَسِيلَةِ مِنَ الْيَهُودِ يَشِي بِمَدَى غَيْظِهِمْ وَحِقْدِهِمْ، كَمَا يَشِي بِسُوءِ الْأَدَبِ، وَخِسَّةِ الْوَسِيلَةِ، وَانْحِطَاطِ السُّلُوكِ. وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ يُوحِي بِرِعَايَةِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ وَلِلْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَدِفَاعِهِ - سُبْحَانَهُ - عَنْ أَوْلِيَائِهِ، بِإِزَاءِ كُلِّ كَيْدٍ وَكُلِّ قَصْدٍ شِرِّيرٍ مِنْ أَعْدَائِهِمُ الْمَاكِرِينَ.
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32423يَكْشِفُ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَّا تُكِنُّهُ لَهُمْ صُدُورُ الْيَهُودِ حَوْلَهُمْ مِنَ الشَّرِّ وَالْعَدَاءِ، وَعَمَّا تُنْغَلُ بِهِ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، بِسَبَبِ مَا اخْتَصَّهُمْ بِهِ اللَّهُ مِنَ الْفَضْلِ. لِيَحْذَرُوا أَعْدَاءَهُمْ، وَيَسْتَمْسِكُوا بِمَا يَحْسُدُهُمْ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَيَشْكُرُوا فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظُوهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ. وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مِنْ يَشَاءُ. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ..
وَيَجْمَعُ الْقُرْآنُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي الْكُفْرِ .. وَكِلَاهُمَا كَافِرٌ بِالرِّسَالَةِ الْأَخِيرَةِ فَهُمَا عَلَى قَدَمٍ سَوَاءٌ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ; وَكِلَاهُمَا يُضْمِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْحِقْدَ وَالضَّغْنَ، وَلَا يَوَدُّ لَهُمُ الْخَيْرَ. وَأَعْظَمُ مَا يَكْرَهُونَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ هُوَ هَذَا الدِّينُ. هُوَ أَنَّ يَخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِهَذَا الْخَيْرِ وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآنُ، وَيَحْبُوهُمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وَيَعْهَدَ إِلَيْهِمْ بِأَمَانَةِ الْعَقِيدَةِ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ الْأَمَانَةُ الْكُبْرَى فِي الْوُجُودِ.
وَلَقَدْ سَبَقَ الْحَدِيثُ عَنْ حِقْدِهِمْ وَغَيْظِهِمْ مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ مَنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، حَتَّى لَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الْغَيْظُ أَنْ يُعْلِنُوا عَدَاءَهُمْ
لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذْ كَانَ يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ..
فَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ; فَإِذَا اخْتَصَّ بِهَا
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فَقَدْ عَلِمَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ وَأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِهَذَا الِاخْتِصَاصِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ..
وَلَيْسَ أَعْظَمَ مِنْ نِعْمَةِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ; وَلَيْسَ أَعْظَمَ مِنْ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا التَّلْمِيحِ مَا يَسْتَجِيشُ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ آمَنُوا الشُّعُورَ بِضَخَامَةِ الْعَطَاءِ وَجَزَالَةِ الْفَضْلِ، وَفِي التَّقْرِيرِ الَّذِي سَبَقَهُ عَمَّا يُضْمِرُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا مَا يَسْتَجِيشُ الشُّعُورَ بِالْحَذَرِ وَالْحِرْصِ الشَّدِيدِ.. وَهَذَا الشُّعُورُ وَذَاكَ ضَرُورِيَّانِ لِلْوُقُوفِ فِي وَجْهِ حَمَلَةِ الْبَلْبَلَةِ وَالتَّشْكِيكِ الَّتِي قَادَهَا - وَيَقُودُهَا - الْيَهُودُ ، لِتَوْهِينِ الْعَقِيدَةِ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ الْخَيْرُ الضَّخْمُ الَّذِي يُنَفِّسُونَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ! وَكَانَتِ الْحَمْلَةُ - كَمَا أَسْلَفْنَا - تَتَعَلَّقُ بِنَسْخِ بَعْضِ الْأَوَامِرِ وَالتَّكَالِيفِ . وَبِخَاصَّةٍ عِنْدُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
الْأَمْرُ الَّذِي أَبْطَلَ حُجَّتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ..
وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمُنَاسِبَةُ هِيَ مُنَاسِبَةُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ - كَمَا يَدُلُّ سِيَاقُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا - أَمْ كَانَتْ مُنَاسَبَةً
[ ص: 102 ] أُخْرَى مِنْ تَعْدِيلِ بَعْضِ الْأَوَامِرِ وَالتَّشْرِيعَاتِ وَالتَّكَالِيفِ، الَّتِي كَانَتْ تُتَابِعُ نُمُوَّ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَأَحْوَالَهَا الْمُتَطَوِّرَةَ. أَمْ كَانَتْ خَاصَّةً بِتَعْدِيلِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي التَّوْرَاةِ مَعَ تَصْدِيقِ الْقُرْآنِ فِي عُمُومِهِ لِلتَّوْرَاةِ..
سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ أَمْ هَذِهِ أَمْ هَذِهِ، أَمْ هِيَ جَمِيعًا الْمُنَاسَبَةُ الَّتِي اتَّخَذَهَا الْيَهُودُ ذَرِيعَةً لِلتَّشْكِيكِ فِي صُلْبِ الْعَقِيدَةِ..
فَإِنَّ الْقُرْآنَ يُبَيِّنُ هُنَا بَيَانًا حَاسِمًا فِي شَأْنِ النَّسْخِ وَالتَّعْدِيلِ; وَفِي الْقَضَاءِ عَلَى تِلْكَ الشُّبُهَاتِ الَّتِي أَثَارَتْهَا يَهُودُ، عَلَى عَادَتِهَا وَخَطَّتْهَا فِي مُحَارَبَةِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ بِشَتَّى الْأَسَالِيبِ.
فَالتَّعْدِيلُ الْجُزْئِيُّ وَفْقَ مُقْتَضَيَاتِ الْأَحْوَالِ - فِي فَتْرَةِ الرِّسَالَةِ - هُوَ لِصَالِحِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلِتَحْقِيقِ خَيْرٍ أَكْبَرَ تَقْتَضِيهِ أَطْوَارُ حَيَاتِهَا. وَاللَّهُ خَالِقُ النَّاسِ، وَمُرْسِلُ الرُّسُلِ، وَمُنْزِلُ الْآيَاتِ، هُوَ الَّذِي يُقَدِّرُ هَذَا. فَإِذَا نَسَخَ آيَةً أَلْقَاهَا فِي عَالَمِ النِّسْيَانِ - سَوَاءٌ كَانَتْ آيَةً مَقْرُوءَةً تَشْتَمِلُ حُكْمًا مِنَ الْأَحْكَامِ، أَوْ آيَةً بِمَعْنَى عَلَامَةٍ وَخَارِقَةٍ تَجِيءُ لِمُنَاسَبَةٍ حَاضِرَةٍ وَتُطْوَى كَالْمُعْجِزَاتِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرُّسُلُ - فَإِنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا! وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. وَهُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَصَاحِبُ الْأَمْرِ كُلِّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ.. وَمِنْ ثَمَّ تَجِيءُ هَذِهِ التَّعْقِيبَاتُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهَ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ..
وَالْخِطَابُ هُنَا لِلْمُؤْمِنِينَ يَحْمِلُ رَائِحَةَ التَّحْذِيرِ، وَرَائِحَةَ التَّذْكِيرِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ ... وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ بِسَبَبِ انْخِدَاعِ بَعْضِهِمْ بِحَمْلَةِ الْيَهُودِ التَّضْلِيلِيَّةِ; وَبَلْبَلَةِ أَفْكَارِهِمْ بِحُجَجِهِمُ الْخَادِعَةِ; وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى تَوْجِيهِ أَسْئِلَةٍ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَتَّفِقُ مَعَ الثِّقَةِ وَالْيَقِينِ.
يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ مِنْ صَرِيحِ التَّحْذِيرِ وَالِاسْتِنْكَارِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ..
فَهُوَ اسْتِنْكَارٌ لِتَشَبُّهِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْمِ
مُوسَى فِي تَعَنُّتِهِمْ ، وَطَلَبِهِمْ لِلْبَرَاهِينِ وَالْخَوَارِقِ، وَإِعْنَاتِهِمْ لِرَسُولِهِمْ كُلَّمَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ أَوْ أَبْلَغَهُمْ بِتَكْلِيفٍ، عَلَى نَحْوِ مَا حَكَى السِّيَاقُ عَنْهُمْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ..
وَهُوَ تَحْذِيرٌ لَهُمْ مِنْ نِهَايَةِ هَذَا الطَّرِيقِ، وَهِيَ الضَّلَالُ، وَاسْتِبْدَالُ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ، وَهِيَ النِّهَايَةُ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ . كَمَا أَنَّهَا هِيَ النِّهَايَةُ الَّتِي يَتَمَنَّى الْيَهُودُ لَوْ قَادُوا إِلَيْهَا الْمُسْلِمِينَ!
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا، حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ..
وَذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ الْحِقْدُ اللَّئِيمُ بِالنُّفُوسِ.. الرَّغْبَةُ فِي سَلْبِ الْخَيْرِ الَّذِي يَهْتَدِي إِلَيْهِ الْآخَرُونَ..لِمَاذَا؟
لَا لِأَنَّ هَذِهِ النُّفُوسَ الشِّرِّيرَةَ لَا تَعْلَمُ. وَلَكِنَّهَا لِأَنَّهَا تَعْلَمُ!
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ..
nindex.php?page=treesubj&link=18716_18717_18735وَالْحَسَدُ هُوَ ذَلِكَ الِانْفِعَالُ الْأَسْوَدُ الْخَسِيسُ الَّذِي فَاضَتْ بِهِ نُفُوسُ الْيَهُودِ تُجَاهَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَمَا زَالَتْ تَفِيضُ، وَهُوَ الَّذِي انْبَعَثَتْ مِنْهُ دَسَائِسُهُمْ وَتَدْبِيرَاتُهُمْ كُلُّهَا وَمَا تَزَالُ. وَهُوَ الَّذِي يَكْشِفُهُ الْقُرْآنُ لِلْمُسْلِمِينَ لِيَعْرِفُوهُ، وَيَعْرِفُوا أَنَّهُ السَّبَبُ الْكَامِنُ وَرَاءَ كُلِّ جُهُودِ الْيَهُودِ لِزَعْزَعَةِ الْعَقِيدَةِ فِي نُفُوسِهِمْ; وَرَدِّهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَالَّذِي أَنْقَذَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِالْإِيمَانِ، وَخَصَّهُمْ بِهَذَا بِأَعْظَمِ الْفَضْلِ وَأَجَلِّ النِّعْمَةِ الَّتِي تَحْسُدُهُمْ عَلَيْهَا يَهُودُ ! وَهُنَا - فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي تَتَجَلَّى فِيهَا هَذِهِ الْحَقِيقَةُ، وَتَنْكَشِفُ فِيهَا النِّيَّةُ السَّيِّئَةُ وَالْحَسَدُ اللَّئِيمُ - هُنَا يَدْعُو الْقُرْآنُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الِارْتِفَاعِ عَنْ مُقَابَلَةِ الْحِقْدِ بِالْحِقْدِ، وَالشَّرِّ بِالشَّرِّ، وَيَدْعُوهُمُ إِلَى الصَّفْحِ وَالْعَفْوِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
[ ص: 103 ] بِأَمْرِهِ، وَقْتَمَا يُرِيدُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. إِنَّ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..
وَامْضُوا فِي طَرِيقِكُمُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ لَكُمْ، وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَادَّخِرُوا عِنْدَهُ حَسَنَاتِكُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=110وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهِ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ..
وَهَكَذَا.. يُوقِظُ السِّيَاقُ الْقُرْآنِيُّ وَعْيَ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ وَيُرَكِّزُهُ عَلَى مَصْدَرِ الْخَطَرِ، وَمَكْمَنِ الدَّسِيسَةِ; وَيُعَبِئُ مَشَاعِرَ الْمُسْلِمِينَ تُجَاهَ النَّوَايَا السَّيِّئَةِ وَالْكَيْدِ اللَّئِيمِ وَالْحَسَدِ الذَّمِيمِ.. ثُمَّ يَأْخُذُهُمْ بِهَذِهِ الطَّاقَةِ الْمُعَبَّأَةِ الْمَشْحُونَةِ كُلِّهَا إِلَى جَنَابِ اللَّهِ; يَنْتَظِرُونَ أَمْرَهُ، وَيُعَلِّقُونَ تَصَرُّفَهُمْ بِإِذْنِهِ.. وَإِلَى أَنْ يَحِينَ هَذَا الْأَمْرُ يَدْعُوهُمُ إِلَى الْعَفْوِ وَالسَّمَاحَةِ، لِيُنْقِذَ قُلُوبَهُمْ مَنْ نَتَنِ الْحِقْدِ وَالضَّغِينَةِ. وَيَدَعُهَا طَيِّبَةً فِي انْتِظَارِ الْأَمْرِ مِنْ صَاحِبِ الْأَمْرِ وَالْمَشِيئَةِ..