[ ص: 239 ] المجلد الثاني من تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن لجامعه الفقير إلى الله:
عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن سعدي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين آمين.
[ ص: 240 ] [ ص: 241 ] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا قال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19257_19860_30578_5366_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون nindex.php?page=treesubj&link=30539_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131واتقوا النار التي أعدت للكافرين nindex.php?page=treesubj&link=28328_34096_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=132وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون nindex.php?page=treesubj&link=19860_19863_29694_30387_30415_30494_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين nindex.php?page=treesubj&link=19546_19797_20043_32470_32487_34291_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين nindex.php?page=treesubj&link=19718_19721_20025_29694_30479_30527_30538_32064_34139_34298_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون nindex.php?page=treesubj&link=29694_30386_30387_30538_34141_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين
(130) تقدم في مقدمة هذا التفسير أن العبد ينبغي له مراعاة الأوامر والنواهي في نفسه وفي غيره، وأن الله تعالى إذا أمره بأمر وجب عليه -أولا- أن يعرف حده، وما هو الذي أمر به ليتمكن بذلك من امتثاله، فإذا عرف ذلك اجتهد، واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره، بحسب قدرته وإمكانه، وكذلك إذا نهي عن أمر عرف حده، وما يدخل فيه وما لا يدخل، ثم اجتهد واستعان بربه في تركه، وأن هذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر الإلهية والنواهي، وهذه الآيات الكريمات قد اشتملت على أوامر وخصال من خصال الخير، أمر الله بها وحث على فعلها، وأخبر عن جزاء أهلها، وعلى نواه حث على تركها.
ولعل الحكمة -والله أعلم- في إدخال هذه الآيات أثناء قصة
"أحد" أنه قد تقدم أن الله تعالى وعد عباده المؤمنين، أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم على أعدائهم، وخذل الأعداء عنهم، كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا .
[ ص: 242 ] ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم... الآيات.
فكأن النفوس اشتاقت إلى معرفة خصال التقوى، التي يحصل بها النصر والفلاح والسعادة، فذكر الله في هذه الآيات أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب أولى وأحرى.
ويدل على ما قلنا أن الله ذكر لفظ "التقوى" في هذه الآيات ثلاث مرات: مرة مطلقة وهي قول:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أعدت للمتقين ومرتين مقيدتين، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130واتقوا الله nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131واتقوا النار .
فقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يا أيها الذين آمنوا nindex.php?page=treesubj&link=21074_28803كل ما في القرآن من قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الأمر، واجتناب ذلك النهي; لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح، فنهاهم عن أكل الربا أضعافا مضاعفة، وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية من أنه إذا حل الدين، على المعسر ولم يحصل منه شيء، قالوا له: إما أن تقضي ما عليك من الدين، وإما أن نزيد في المدة، ونزيد ما في ذمتك، فيضطر الفقير ويستدفع غريمه ويلتزم ذلك، اغتناما لراحته الحاضرة، فيزداد -بذلك- ما في ذمته أضعافا مضاعفة، من غير نفع وانتفاع.
ففي قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130أضعافا مضاعفة تنبيه على شدة شناعته بكثرته، وتنبيه لحكمة تحريمه، وأن تحريم الربا حكمته أن الله منع منه لما فيه من الظلم.
وذلك أن الله أوجب إنظار المعسر، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة، فإلزامه بما فوق ذلك ظلم متضاعف، فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه، لأن تركه من موجبات التقوى، والفلاح متوقف على التقوى، فلهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130واتقوا الله لعلكم تفلحون .
(131)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131واتقوا النار التي أعدت للكافرين بترك ما يوجب دخولها، من الكفر والمعاصي، على اختلاف درجاتها، فإن المعاصي كلها- وخصوصا المعاصي الكبار- تجر إلى الكفر، بل هي من خصال الكفر الذي أعد الله النار لأهله، فترك المعاصي ينجي من النار، ويقي من سخط الجبار، وأفعال الخير والطاعة توجب رضا الرحمن، ودخول الجنان، وحصول الرحمة، ولهذا قال: (132)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=132وأطيعوا الله والرسول بفعل الأوامر امتثالا واجتناب النواهي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=132لعلكم ترحمون .
فطاعة الله وطاعة رسوله، من أسباب حصول الرحمة كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة الآيات.
[ ص: 243 ] (133) ثم أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها.
(134) ثم وصف المتقين وأعمالهم، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الذين ينفقون في السراء والضراء أي: في حال عسرهم ويسرهم، إن أيسروا أكثروا من النفقة، وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والكاظمين الغيظ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق الموجب للانتقام بالقول والفعل- هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والعافين عن الناس يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فمن عفا وأصلح فأجره على الله .
ثم ذكر حالة أعم من غيرها، وأحسن وأعلى وأجل، وهي الإحسان، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والله يحب المحسنين والإحسان نوعان:
nindex.php?page=treesubj&link=19801_19803الإحسان في عبادة الخالق. والإحسان إلى المخلوق.
فالإحسان في عبادة الخالق فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19799_19798_19804الإحسان إلى المخلوق، فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم، ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم، فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، ووعظ غافلهم، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم، والسعي في جمع كلمتهم، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم، فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى، واحتمال الأذى، كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات، فمن قام بهذه الأمور، فقد قام بحق الله وحق عبيده.
[ ص: 244 ] ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم، فقال: (135)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم أي: صدر منهم أعمال سيئة كبيرة، أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين، فسألوه المغفرة لذنوبهم، والستر لعيوبهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، فلهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون .
(136)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أولئك ؛ الموصوفون بتلك الصفات
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136جزاؤهم مغفرة من ربهم تزيل عنهم كل محذور
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136وجنات تجري من تحتها الأنهار فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والبهاء، والخير والسرور، والقصور والمنازل الأنيقة العاليات، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136خالدين فيها لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا ولا يغير ما هم فيه من النعيم،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136ونعم أجر العاملين عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا ف "عند الصباح يحمد القوم السرى" وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملا موفرا.
وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة، على أن الأعمال تدخل في الإيمان، خلافا للمرجئة، ووجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية، التي في سورة الحديد، نظير هذه الآيات، وهي قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله، وهنا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أعدت للمتقين ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية، فدل على أن هؤلاء المتقين هم الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون.
ثم قال تعالى:
[ ص: 239 ] الْمُجَلَّدُ الثَّانِي مِنْ تَيْسِيرِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الرَّحْمَنِ لِجَامِعِهِ الْفَقِيرِ إِلَى اللَّهِ:
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَاصِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِيٍّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ آمِينَ.
[ ص: 240 ] [ ص: 241 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19257_19860_30578_5366_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30539_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28328_34096_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=132وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19860_19863_29694_30387_30415_30494_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19546_19797_20043_32470_32487_34291_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19718_19721_20025_29694_30479_30527_30538_32064_34139_34298_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=29694_30386_30387_30538_34141_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
(130) تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي لَهُ مُرَاعَاةُ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَمَرَهُ بِأَمْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ -أَوَّلًا- أَنْ يَعْرِفَ حَدَّهُ، وَمَا هُوَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ لِيَتَمَكَّنَ بِذَلِكَ مِنَ امْتِثَالِهِ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ اجْتَهَدَ، وَاسْتَعَانَ بِاللَّهِ عَلَى امْتِثَالِهِ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ، بِحَسْبِ قُدْرَتِهِ وَإِمْكَانِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا نُهِيَ عَنْ أَمْرٍ عَرَفَ حَدَّهُ، وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ وَمَا لَا يَدْخُلُ، ثُمَّ اجْتَهَدَ وَاسْتَعَانَ بِرَبِّهِ فِي تَرْكِهِ، وَأَنَّ هَذَا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوَامِرِ الْإِلَهِيَّةِ وَالنَّوَاهِي، وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَوَامِرَ وَخِصَالٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ، أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَحَثَّ عَلَى فِعْلِهَا، وَأَخْبَرَ عَنْ جَزَاءِ أَهْلِهَا، وَعَلَى نَوَاهٍ حَثَّ عَلَى تَرْكِهَا.
وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ -وَاللَّهَ أَعْلَمُ- فِي إِدْخَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ أَثْنَاءَ قِصَّةِ
"أُحُدٍ" أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا وَاتَّقَوْا نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَخَذَّلَ الْأَعْدَاءَ عَنْهُمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا .
[ ص: 242 ] ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ... الْآيَاتِ.
فَكَأَنَّ النُّفُوسَ اشْتَاقَتْ إِلَى مَعْرِفَةِ خِصَالِ التَّقْوَى، الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا النَّصْرُ وَالْفَلَاحُ وَالسَّعَادَةُ، فَذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَهَمَّ خِصَالِ التَّقْوَى الَّتِي إِذَا قَامَ الْعَبْدُ بِهَا فَقِيَامُهُ بِغَيْرِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ لَفْظَ "التَّقْوَى" فِي هَذِهِ الْآيَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: مَرَّةً مُطْلَقَةً وَهِيَ قَوْلُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ وَمَرَّتَيْنِ مُقَيَّدَتَيْنِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130وَاتَّقُوا اللَّهَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131وَاتَّقُوا النَّارَ .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا nindex.php?page=treesubj&link=21074_28803كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا افْعَلُوا كَذَا، أَوِ اتْرُكُوا كَذَا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السَّبَبُ الدَّاعِي وَالْمُوجِبُ لِامْتِثَالِ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَاجْتِنَابِ ذَلِكَ النَّهْيِ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ الْكَامِلُ بِمَا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهِ، الْمُسْتَلْزِمُ لِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أَكْلِ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَذَلِكَ هُوَ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ لَا يُبَالِي بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، عَلَى الْمُعْسِرِ وَلَمْ يُحَصَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالُوا لَهُ: إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ مَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، وَإِمَّا أَنْ نَزِيدَ فِي الْمُدَّةِ، وَنَزِيدَ مَا فِي ذِمَّتِكَ، فَيُضْطَرُّ الْفَقِيرُ وَيَسْتَدْفِعُ غَرِيمَهُ وَيَلْتَزِمُ ذَلِكَ، اغْتِنَامًا لِرَاحَتِهِ الْحَاضِرَةِ، فَيَزْدَادُ -بِذَلِكَ- مَا فِي ذِمَّتِهِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ وَانْتِفَاعٍ.
فَفِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً تَنْبِيهٌ عَلَى شِدَّةِ شَنَاعَتِهِ بِكَثْرَتِهِ، وَتَنْبِيهٌ لِحِكْمَةِ تَحْرِيمِهِ، وَأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا حِكْمَتُهُ أَنَّ اللَّهَ مَنَعَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ، وَبَقَاءَ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَإِلْزَامُهُ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ ظُلْمٌ مُتَضَاعِفٌ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُتَّقِي تَرْكُهُ وَعَدَمُ قُرْبَانِهِ، لِأَنَّ تَرْكَهُ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّقْوَى، وَالْفَلَاحُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّقْوَى، فَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
(131)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=131وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ بِتَرْكِ مَا يُوجِبُ دُخُولَهَا، مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهَا، فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا- وَخُصُوصًا الْمَعَاصِيَ الْكِبَارَ- تَجُرُّ إِلَى الْكُفْرِ، بَلْ هِيَ مِنْ خِصَالِ الْكُفْرِ الَّذِي أَعَدَّ اللَّهُ النَّارَ لِأَهْلِهِ، فَتَرْكُ الْمَعَاصِي يُنْجِي مِنَ النَّارِ، وَيَقِي مِنْ سَخَطِ الْجَبَّارِ، وَأَفْعَالُ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ تُوجِبُ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَدُخُولَ الْجِنَانِ، وَحُصُولَ الرَّحْمَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: (132)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=132وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ بِفِعْلِ الْأَوَامِرِ امْتِثَالًا وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=132لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .
فَطَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، مِنْ أَسْبَابِ حُصُولِ الرَّحْمَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الْآيَاتِ.
[ ص: 243 ] (133) ثُمَّ أَمَرَهُمْ تَعَالَى بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى مَغْفِرَتِهِ وَإِدْرَاكِ جَنَّتِهِ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَكَيْفَ بِطُولِهَا، الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُتَّقِينَ، فَهُمْ أَهْلُهَا وَأَعْمَالُ التَّقْوَى هِيَ الْمُوَصِّلَةُ إِلَيْهَا.
(134) ثُمَّ وَصَفَ الْمُتَّقِينَ وَأَعْمَالَهُمْ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ أَيْ: فِي حَالِ عُسْرِهِمْ وَيُسْرِهِمْ، إِنْ أَيْسَرُوا أَكْثَرُوا مِنَ النَّفَقَةِ، وَإِنْ أَعْسَرُوا لَمْ يَحْتَقِرُوا مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ قَلَّ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أَيْ: إِذَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ أَذِيَّةٌ تُوجِبُ غَيْظَهُمْ -وَهُوَ امْتِلَاءُ قُلُوبِهِمْ مِنَ الْحَنَقِ الْمُوجِبِ لِلِانْتِقَامِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ- هَؤُلَاءِ لَا يَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ، بَلْ يَكْظِمُونَ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْغَيْظِ، وَيَصْبِرُونَ عَنْ مُقَابَلَةِ الْمُسِيءِ إِلَيْهِمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ يَدْخُلُ فِي الْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ، الْعَفْوُ عَنْ كُلِّ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَالْعَفْوُ أَبْلَغُ مِنَ الْكَظْمِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ مَعَ السَّمَاحَةِ عَنِ الْمُسِيءِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ تَحَلَّى بِالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَتَخَلَّى عَنِ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَمِمَّنْ تَاجَرَ مَعَ اللَّهِ، وَعَفَا عَنْ عِبَادِ اللَّهِ رَحْمَةً بِهِمْ، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ، وَكَرَاهَةً لِحُصُولِ الشَّرِّ عَلَيْهِمْ، وَلِيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَكُونَ أَجْرُهُ عَلَى رَبِّهِ الْكَرِيمِ، لَا عَلَى الْعَبْدِ الْفَقِيرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ حَالَةً أَعَمَّ مِنْ غَيْرِهَا، وَأَحْسَنَ وَأَعْلَى وَأَجَلَّ، وَهِيَ الْإِحْسَانُ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالْإِحْسَانُ نَوْعَانِ:
nindex.php?page=treesubj&link=19801_19803الْإِحْسَانُ فِي عِبَادَةِ الْخَالِقِ. وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمَخْلُوقِ.
فَالْإِحْسَانُ فِي عِبَادَةِ الْخَالِقِ فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ".
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19799_19798_19804الْإِحْسَانُ إِلَى الْمَخْلُوقِ، فَهُوَ إِيصَالُ النَّفْعِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ إِلَيْهِمْ، وَدَفْعُ الشَّرِّ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ عَنْهُمْ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَعْلِيمُ جَاهِلِهِمْ، وَوَعْظُ غَافِلِهِمْ، وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ، وَالسَّعْيُ فِي جَمْعِ كَلِمَتِهِمْ، وَإِيصَالُ الصَّدَقَاتِ وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ إِلَيْهِمْ، عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَتَبَايُنِ أَوْصَافِهِمْ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَذْلُ النَّدَى وَكَفُّ الْأَذَى، وَاحْتِمَالُ الْأَذَى، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمُتَّقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَمَنْ قَامَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَامَ بِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ عَبِيدِهِ.
[ ص: 244 ] ثُمَّ ذَكَرَ اعْتِذَارَهُمْ لِرَبِّهِمْ مِنْ جِنَايَاتِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ، فَقَالَ: (135)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْ: صَدَرَ مِنْهُمْ أَعْمَالٌ سَيِّئَةٌ كَبِيرَةٌ، أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ، بَادَرُوا إِلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَذَكَرُوا رَبَّهُمْ، وَمَا تَوَعَّدَ بِهِ الْعَاصِينَ وَوَعَدَ بِهِ الْمُتَّقِينَ، فَسَأَلُوهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِهِمْ، وَالسَّتْرَ لِعُيُوبِهِمْ، مَعَ إِقْلَاعِهِمْ عَنْهَا وَنَدَمِهِمْ عَلَيْهَا، فَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ .
(136)
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أُولَئِكَ ؛ الْمَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ تُزِيلُ عَنْهُمْ كُلَّ مَحْذُورٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ وَالْبَهَاءِ، وَالْخَيْرِ وَالسُّرُورِ، وَالْقُصُورِ وَالْمَنَازِلِ الْأَنِيقَةِ الْعَالِيَاتِ، وَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ الْبَهِيَّةِ، وَالْأَنْهَارِ الْجَارِيَاتِ فِي تِلْكَ الْمَسَاكِنِ الطَّيِّبَاتِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَحَوَّلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَبْغُونَ بِهَا بَدَلًا وَلَا يُغَيَّرُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ عَمِلُوا لِلَّهِ قَلِيلًا فَأُجِرُوا كَثِيرًا فَ "عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى" وَعِنْدَ الْجَزَاءِ يَجِدُ الْعَامِلُ أَجْرَهُ كَامِلًا مُوَفَّرًا.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ مِنْ أَدِلَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ، خِلَافًا لِلْمُرْجِئَةِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ إِنَّمَا يَتِمُّ بِذِكْرِ الْآيَةِ، الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ، نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَهِيَ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا إِلَّا لَفْظُ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَهُنَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ثُمَّ وَصَفَ الْمُتَّقِينَ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ هُمُ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هُمْ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: