[ ص: 2040 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير *
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب .
(26-27) يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( قل اللهم مالك الملك ) أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد،
nindex.php?page=treesubj&link=28783فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدرون عليها والصبر وعدم التنازع، قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم الآية.
فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين *
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=63وألف بين قلوبهم الآية. وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=45يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون *
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=46وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى: ( وتعز من تشاء ) بطاعتك ( وتذل من تشاء ) بمعصيتك ( إنك على كل شيء قدير ) لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك.
( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ) أي: تدخل هذا على هذا، وهذا على هذا، فينشأ عن ذلك من الفصول والضياء والنور والشمس والظل والسكون والانتشار ما هو من
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28874أكبر الأدلة على قدرة الله وعظمته وحكمته ورحمته ( وتخرج الحي من الميت ) كالفرخ من البيضة، وكالشجر من النوى، وكالزرع من بذره، وكالمؤمن من الكافر ( وتخرج الميت من الحي ) كالبيضة من الطائر، وكالنوى من الشجر، وكالحب من الزرع، وكالكافر من المؤمن، وهذا أعظم دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئا، فخلقه تعالى الأضداد، والضد من ضده بيان أنها مقهورة ( وترزق من تشاء بغير حساب ) أي: ترزق من تشاء رزقا واسعا من حيث لا يحتسب ولا يكتسب، ثم قال تعالى:
[ ص: 2041 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير *
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=29قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير *
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد .
(28-30) وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين، وتوعد على ذلك فقال: ( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) أي: فقد انقطع عن الله، وليس له في دين الله نصيب؛ لأن موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان، لأن الإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض فمن والى الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله ويفتنوا أولياءه خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51ومن يتولهم منكم فإنه منهم وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم، والميل إليهم والركون إليهم، وأنه لا يجوز أن يولى كافر ولاية من ولايات المسلمين، ولا يستعان به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين، قال الله تعالى: ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) أي: تخافوهم على أنفسكم فيحل لكم أن تفعلوا ما تعصمون به دماءكم من التقية باللسان وإظهار ما به تحصل التقية.
ثم قال تعالى: ( ويحذركم الله نفسه ) أي: فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه فيعاقبكم على ذلك ( وإلى الله المصير ) أي:
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30347مرجع العباد ليوم التناد، فيحصي أعمالهم ويحاسبهم عليها ويجازيهم، فإياكم أن تفعلوا من الأعمال القباح ما تستحقون به العقوبة، واعملوا ما به يحصل الأجر والمثوبة، ثم أخبر عن سعة علمه لما في النفوس خصوصا، ولما في السماء والأرض عموما، وعن كمال قدرته، ففيه إرشاد إلى تطهير القلوب واستحضار علم الله كل وقت فيستحي العبد من ربه أن يرى قلبه محلا لكل فكر رديء، بل يشغل أفكاره فيما يقرب إلى الله من تدبر آية من كتاب، أو سنة من أحاديث رسول الله، أو تصور وبحث في علم ينفعه، أو تفكر في مخلوقات الله ونعمه، أو نصح لعباد الله.
وفي ضمن إخبار الله عن علمه وقدرته الإخبار بما هو لازم ذلك من المجازاة على الأعمال، ومحل ذلك يوم القيامة، فهو الذي توفى به النفوس بأعمالها فلهذا قال: ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ).
[ ص: 2042 ] أي: كاملا موفرا لم ينقص مثقال ذرة، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره والخير: اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة صغيرها وكبيرها، كما أن السوء اسم جامع لكل ما يسخط الله من الأعمال السيئة صغيرها وكبيرها ( وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) أي: مسافة بعيدة، لعظم أسفها وشدة حزنها، فليحذر العبد من أعمال السوء التي لا بد أن يحزن عليها أشد الحزن، وليتركها وقت الإمكان قبل أن يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=27ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا *
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=28يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=38حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين فوالله لترك كل شهوة ولذة وإن عسر تركها على النفس في هذه الدار أيسر من معاناة تلك الشدائد واحتمال تلك الفضائح، ولكن العبد من ظلمه وجهله لا ينظر إلا الأمر الحاضر، فليس له عقل كامل يلحظ به عواقب الأمور فيقدم على ما ينفعه عاجلا وآجلا ويحجم عن ما يضره عاجلا وآجلا، ثم أعاد تعالى تحذيرنا نفسه رأفة بنا ورحمة لئلا يطول علينا الأمد فتقسو قلوبنا، وليجمع لنا بين الترغيب الموجب للرجاء والعمل الصالح، والترهيب الموجب للخوف وترك الذنوب، فقال: ( ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ) فنسأله أن يمن علينا بالحذر منه على الدوام، حتى لا نفعل ما يسخطه ويغضبه.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم .
(31) وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال: ( قل إن كنتم تحبون الله ) أي: ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى؛ لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين .
(32) وهذا أمر من الله تعالى لعباده بأعم الأوامر، وهو طاعته وطاعة رسوله التي يدخل بها الإيمان والتوحيد، وما هو من فروع ذلك من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، بل يدخل في طاعته وطاعة رسوله اجتناب ما نهى عنه؛ لأن اجتنابه امتثالا لأمر الله هو من طاعته، فمن أطاع الله ورسوله فأولئك هم المفلحون ( فإن تولوا ) أي: أعرضوا عن طاعة الله ورسوله فليس ثم أمر يرجعون إليه إلا الكفر وطاعة كل شيطان مريد
[ ص: 2043 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير فلهذا قال: ( فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم أشد العقوبة، وكأن في هذه الآية الكريمة بيانا وتفسيرا لاتباع رسوله، وأن ذلك بطاعة الله وطاعة رسوله، هذا هو الاتباع الحقيقي، ثم قال تعالى:
[ ص: 2040 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
(26-27) يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ) أَيْ: أَنْتَ الْمَلِكُ الْمَالِكُ لِجَمِيعِ الْمَمَالِكِ، فَصِفَةُ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَكَ، وَالْمَمْلَكَةُ كُلُّهَا عُلْوِيُّهَا وَسُفْلِيُّهَا لَكَ وَالتَّصْرِيفُ وَالتَّدْبِيرُ كُلُّهُ لَكَ، ثُمَّ فَصَّلَ بَعْضَ التَّصَارِيفِ الَّتِي انْفَرَدَ الْبَارِي تَعَالَى بِهَا، فَقَالَ: ( تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ) وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِنَ الْأَكَاسِرَةِ وَالْقَيَاصِرَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَيُؤْتِيهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ فَعَلَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ،
nindex.php?page=treesubj&link=28783فَحُصُولُ الْمُلْكِ وَنَزْعُهُ تَبَعٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ سُنَّتِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الْكَوْنِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ بَقَاءِ الْمُلْكِ وَحُصُولِهِ وَسَبَبُ زَوَالِهِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَا يُوجَدُ سَبَبٌ يَسْتَقِلُّ بِشَيْءٍ، بَلِ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا تَابِعَةٌ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَمِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْمُلْكِ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، الَّتِي مِنْهَا اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَاتِّفَاقُهُمْ، وَإِعْدَادُهُمُ الْآلَاتِ الَّتِي يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا وَالصَّبْرُ وَعَدَمُ التَّنَازُعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الْآيَةَ.
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ سَبَبٌ لِلِاسْتِخْلَافِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ *
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=63وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=45يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=46وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فَأَخْبَرَ أَنَّ ائْتِلَافَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَثَبَاتَهُمْ وَعَدَمَ تَنَازُعِهِمْ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَأَنْتَ إِذَا اسْتَقْرَأْتَ الدُّوَلَ الْإِسْلَامِيَّةَ وَجَدْتَ السَّبَبَ الْأَعْظَمَ فِي زَوَالِ مُلْكِهَا تَرْكَ الدِّينِ وَالتَّفَرُّقَ الَّذِي أَطْمَعَ فِيهِمُ الْأَعْدَاءَ وَجَعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ( وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ ) بِطَاعَتِكَ ( وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ) بِمَعْصِيَتِكَ ( إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْكَ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ بَلِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا طَوْعُ مَشِيئَتِكَ وَقُدْرَتِكَ.
( تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) أَيْ: تُدْخِلُ هَذَا عَلَى هَذَا، وَهَذَا عَلَى هَذَا، فَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْفُصُولِ وَالضِّيَاءِ وَالنُّورِ وَالشَّمْسِ وَالظِّلِّ وَالسُّكُونِ وَالِانْتِشَارِ مَا هُوَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28874أَكْبَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ( وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) كَالْفَرْخِ مِنَ الْبَيْضَةِ، وَكَالشَّجَرِ مِنَ النَّوَى، وَكَالزَّرْعِ مِنْ بَذْرِهِ، وَكَالْمُؤْمِنِ مِنَ الْكَافِرِ ( وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) كَالْبَيْضَةِ مِنَ الطَّائِرِ، وَكَالنَّوَى مِنَ الشَّجَرِ، وَكَالْحَبِّ مِنَ الزَّرْعِ، وَكَالْكَافِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَهَذَا أَعْظَمُ دَلِيلً عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مُسَخَّرَةٌ مُدَبَّرَةٌ لَا تَمْلِكُ مِنَ التَّدْبِيرِ شَيْئًا، فَخَلْقُهُ تَعَالَى الْأَضْدَادَ، وَالضِّدُّ مِنْ ضِدِّهِ بَيَانُ أَنَّهَا مَقْهُورَةٌ ( وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أَيْ: تَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ رِزْقًا وَاسِعًا مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَلَا يَكْتَسِبُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
[ ص: 2041 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ *
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=29قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ .
(28-30) وَهَذَا نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ بِالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ عَلَى أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ) أَيْ: فَقَدِ انْقَطَعَ عَنِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي دِينِ اللَّهِ نَصِيبٌ؛ لِأَنَّ مُوَالَاةَ الْكَافِرِينَ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَأْمُرُ بِمُوَالَاةِ اللَّهِ وَمُوَالَاةِ أَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فَمَنْ وَالَى الْكَافِرِينَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ وَيَفْتِنُوا أَوْلِيَاءَهُ خَرَجَ مِنْ حِزْبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَصَارَ مِنْ حِزْبِ الْكَافِرِينَ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى الِابْتِعَادِ عَنِ الْكُفَّارِ وَعَنْ مُعَاشَرَتِهِمْ وَصَدَاقَتِهِمْ، وَالْمَيْلِ إِلَيْهِمْ وَالرُّكُونِ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى كَافِرٌ وِلَايَةً مِنْ وِلَايَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ مَصَالِحُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) أَيْ: تَخَافُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا مَا تَعْصِمُونَ بِهِ دِمَاءَكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ بِاللِّسَانِ وَإِظْهَارِ مَا بِهِ تَحْصُلُ التَّقِيَّةُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) أَيْ: فَلَا تَتَعَرَّضُوا لِسَخَطِهِ بِارْتِكَابِ مَعَاصِيهِ فَيُعَاقِبُكُمْ عَلَى ذَلِكَ ( وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) أَيْ:
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30347مَرْجِعُ الْعِبَادِ لِيَوْمِ التَّنَادِ، فَيُحْصِي أَعْمَالَهُمْ وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا وَيُجَازِيهِمْ، فَإِيَّاكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الْقِبَاحِ مَا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْعُقُوبَةَ، وَاعْمَلُوا مَا بِهِ يُحَصَّلُ الْأَجْرُ وَالْمَثُوبَةُ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ سِعَةِ عِلْمِهِ لِمَا فِي النُّفُوسِ خُصُوصًا، وَلِمَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عُمُومًا، وَعَنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ، فَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى تَطْهِيرِ الْقُلُوبِ وَاسْتِحْضَارِ عِلْمِ اللَّهِ كُلَّ وَقْتٍ فَيَسْتَحِي الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَرَى قَلْبَهُ مَحَلًّا لِكُلِّ فِكْرٍ رَدِيءٍ، بَلْ يَشْغَلُ أَفْكَارَهُ فِيمَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ تَدَبُّرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ، أَوْ تَصَوُّرٍ وَبَحْثٍ فِي عِلْمٍ يَنْفَعُهُ، أَوْ تَفَكُّرٍ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَنِعَمِهِ، أَوْ نُصْحٍ لِعِبَادِ اللَّهِ.
وَفِي ضِمْنِ إِخْبَارِ اللَّهِ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ الْإِخْبَارُ بِمَا هُوَ لَازِمُ ذَلِكَ مِنَ الْمُجَازَاةِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ الَّذِي تُوَفَّى بِهِ النُّفُوسُ بِأَعْمَالِهَا فَلِهَذَا قَالَ: ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ).
[ ص: 2042 ] أَيْ: كَامِلًا مُوَفَّرًا لَمْ يَنْقُصْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَالْخَيْرُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، كَمَا أَنَّ السُّوءَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا ( وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ) أَيْ: مَسَافَةً بَعِيدَةً، لِعِظَمِ أَسَفِهَا وَشَدَّةِ حُزْنِهَا، فَلْيَحْذَرِ الْعَبْدُ مِنْ أَعْمَالِ السُّوءِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ يَحْزَنَ عَلَيْهَا أَشَدَّ الْحُزْنِ، وَلْيَتْرُكْهَا وَقْتَ الْإِمْكَانِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=27وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا *
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=28يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=38حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ فَوَاللَّهِ لَتَرْكُ كُلِّ شَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ وَإِنْ عَسُرَ تَرْكُهَا عَلَى النَّفْسِ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَيْسَرُ مِنْ مُعَانَاةِ تِلْكَ الشَّدَائِدِ وَاحْتِمَالِ تِلْكَ الْفَضَائِحِ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ لَا يَنْظُرُ إِلَّا الْأَمْرَ الْحَاضِرَ، فَلَيْسَ لَهُ عَقْلٌ كَامِلٌ يَلْحَظُ بِهِ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ فَيُقْدِمُ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ عَاجِلًا وَآجِلًا وَيُحْجِمُ عَنْ مَا يَضُرُّهُ عَاجِلًا وَآجِلًا، ثُمَّ أَعَادَ تَعَالَى تَحْذِيرَنَا نَفْسَهُ رَأْفَةً بِنَا وَرَحْمَةً لِئَلَّا يَطُولَ عَلَيْنَا الْأَمَدُ فَتَقْسُو قُلُوبُنَا، وَلِيَجْمَعَ لَنَا بَيْنَ التَّرْغِيبِ الْمُوجِبِ لِلرَّجَاءِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّرْهِيبِ الْمُوجِبِ لِلْخَوْفِ وَتَرْكِ الذُّنُوبِ، فَقَالَ: ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) فَنَسْأَلُهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْحَذَرِ مِنْهُ عَلَى الدَّوَامِ، حَتَّى لَا نَفْعَلَ مَا يُسْخِطُهُ وَيُغْضِبُهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
(31) وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا وُجُوبُ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَعَلَامَاتُهَا، وَنَتِيجَتُهَا، وَثَمَرَاتُهَا، فَقَالَ: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ) أَيِ: ادَّعَيْتُمْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ الْعَالِيَةَ، وَالرُّتْبَةَ الَّتِي لَيْسَ فَوْقَهَا رُتْبَةٌ فَلَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الصِّدْقِ فِيهَا، وَعَلَامَةُ الصِّدْقِ اتِّبَاعُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَمَنِ اتَّبَعَ الرَّسُولَ دَلَّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَبَّهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ ذَنَبَهُ، وَرَحِمَهُ وَسَدَّدَهُ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَتْبَعِ الرَّسُولَ فَلَيْسَ مُحِبًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَحَبَّتَهُ لِلَّهِ تُوجِبُ لَهُ اتِّبَاعَ رَسُولِهِ، فَمَا لَمْ يُوجِدْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى عَدَمِهَا وَأَنَّهُ كَاذِبٌ إِنِ ادَّعَاهَا، مَعَ أَنَّهَا عَلَى تَقْدِيرِ وَجُودِهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ بِدُونِ شَرْطِهَا، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ يُوزَنُ جَمِيعُ الْخَلْقِ، فَعَلَى حَسْبِ حَظِّهِمْ مِنَ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ يَكُونُ إِيمَانُهُمْ وَحُبُّهُمْ لِلَّهِ، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ نَقَصَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=32قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ .
(32) وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِأَعَمِّ الْأَوَامِرِ، وَهُوَ طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ الَّتِي يَدْخُلُ بِهَا الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ، وَمَا هُوَ مِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، بَلْ يَدْخُلُ فِي طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ اجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ هُوَ مِنْ طَاعَتِهِ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( فَإِنْ تَوَلَّوْا ) أَيْ: أَعْرَضُوا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَيْسَ ثَمَّ أَمْرٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ إِلَّا الْكُفْرَ وَطَاعَةَ كُلِّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ
[ ص: 2043 ] nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ فَلِهَذَا قَالَ: ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) بَلْ يُبْغِضُهُمْ وَيَمْقُتُهُمْ وَيُعَاقِبُهُمْ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، وَكَأَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بَيَانًا وَتَفْسِيرًا لِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، هَذَا هُوَ الِاتِّبَاعُ الْحَقِيقِيُّ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: