ومن باب الإشارة في الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء أي مما كان وما يكون فيفرق به بين المحق والمبطل والصادق والكاذب والمتبع والمبتدع، وقيل: كل شيء هو النبي صلى الله عليه وسلم كما قيل إنه عليه الصلاة والسلام
الإمام في قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=12وكل شيء أحصيناه في إمام مبين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون قال
السيادي : العدل رؤية المنة منه تعالى قديما وحديثا، والإحسان الاستقامة بشرط الوفاء إلى الأبد، وقيل: العدل أن لا يرى العبد فاترا عن طاعة مولاه مع عدم الالتفات إلى العوض، وإيتاء ذي القربى الإحسان إلى ذوي القرابة في المعرفة والمحبة والدين فيخدمهم بالصدق والشفقة ويؤدي إليهم حقهم، والفحشاء الاستهانة بالشريعة، والمنكر الإصرار على الذنب كيفما كان، والبغي ظلم العباد، وقيل: الفحشاء إضافة الأشياء إلى غيره تعالى ملكا وإيجادا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=91وأوفوا بعهد الله المأخوذ عليكم في عالم الأرواح بالبقاء على حكمه وهو الإعراض عن الغير والتجرد عن العلائق والعوائق في التوجه إليه تعالى إذا عاهدتم أي تذكرتموه بإشراق نور النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليكم وتذكيره إياكم قال
النصراباذي: العهود مختلفة فعهد العوام لزوم الظواهر وعهد الخواص حفظ السرائر وعهد خواص الخواص التخلي من من الكل لمن له الكل
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم من الصفات ينفد لمكان الحدوث
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وما عند الله باق لمكان القدم فالعبد الحقيقي من كان فانيا من أوصافه باقيا بما عند الله تعالى كذا في أسرار القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97من عمل صالحا من ذكر أو أنثى أي
[ ص: 261 ] عملا يوصله إلى كماله الذي يقتضيه استعداده
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97وهو مؤمن معتقد للحق اعتقادا جازما
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فلنحيينه حياة طيبة أي حياة حقيقية لا موت بعدها بالتجرد عن المواد البدنية والانخراط في سلك الأنوار القدسية والتلذذ بكمالات الصفات ومشاهدات التجليات الإفعالية والصفاتية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97ولنجزينهم أجرهم من جنات الصفات والأفعال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97بأحسن ما كانوا يعملون إذ عملهم يناسب صفاتهم التي هي مبادئ أفعالهم وأجرهم يناسب صفات الله تعالى التي هي مصادر أفعاله فانظر كم بينهما من التفاوت في الحسن، ويقال: الحياة الطيبة ما تكون مع المحبوب ومن هنا قيل:
كل عيش ينقضي ما لم يكن مع مليح ما لذاك العيش ملح
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=110ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم قال
سهل: هو إشارة إلى الذين رجعوا القهقرى في طريق سلوكهم ثم عادوا أي إن ربك للذين هجروا قرناء السوء من بعد أن ظهر لهم منهم الفتنة في صحبتهم ثم جاهدوا أنفسهم على ملازمة أهل الخير ثم صبروا معهم على ذلك ولم يرجعوا إلى ما كانوا عليه في الفتنة لساتر عليهم ما صدر منهم منعم عليهم بصنوف الإنعام، وقيل: إن ربك للذين هاجروا أي تباعدوا عن موطن النفس بترك المألوفات والمشتهيات من بعد ما فتنوا بها بحكم النشأة البشرية ثم جاهدوا في الله تعالى بالرياضات وسلوك طريقه سبحانه بالترقي في المقامات والتجريد عن التعلقات وصبروا عما تحب النفس وعلى ما تكرهه بالثبات في السير إن ربك لغفور يستر غواشي الصفات النفسانية رحيم بإفاضة الكمال والصفات القدسية ( ضرب الله مثلا) للنفس المستعدة القابلة لفيض القلب الثابتة في طريق اكتساب الفضائل الآمنة من خوف فواتها المطمئنة باعتقادها
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112يأتيها رزقها رغدا من العلوم والفضائل والأنوار
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112من كل مكان من جميع جهات الطرق البدنية كالحواس والجوارح والآلات ومن جهة القلب
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فكفرت بأنعم الله ظهرت بصفاتها بطرا وإعجابا بزينتها ونظرا إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانية عن تلك الأنوار ومالت إلى الأمور السفلية وانقطع إمداد القلب عنها وانقلبت المعاني الواردة عليها من طرق الحس هيئات غاسقة من صور المحسوسات التي انجذبت إليها
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فأذاقها الله لباس الجوع بانقطاع مدد المعاني والفضائل والأنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112بما كانوا يصنعون من كفران أنعم الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113ولقد جاءهم رسول منهم أي من جنسهم وهي القوة الفكرية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113فكذبوه بما ألقى إليهم من المعاني المعقولة والآراء الصادقة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113فأخذهم العذاب أي عذاب الحرمان والاحتجاب
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113وهم ظالمون في حالة ظلمهم وترفعهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إن إبراهيم كان أمة لاجتماع ما تفرق في غيره من الصفات الكاملة فيه وكذا كل نبي ولذا جاء في الخبر على ما قيل: لو وزنت بأمتي لرجحت بهم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120قانتا لله مطيعا له سبحانه على أكمل وجه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120حنيفا مائلا عن كل ما سواه تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120ولم يك من المشركين بنسبة شيء إلى غيره سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شاكرا لأنعمه مستعملا لها على ما ينبغي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121اجتباه اختاره بلا واسطة عمل لكونه من الذين سبقت لهم الحسنى فتقدم كشوفهم على سلوكهم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121وهداه بعد الكشف
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121إلى صراط مستقيم وهو مقام الإرشاد والدعوة ينعون به مقام الفرق بعد الجمع
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وآتيناه في الدنيا حسنة وهي الذكر الجميل والملك العظيم والنبوة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وإنه في الآخرة قيل أي في عالم الأرواح
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122لمن الصالحين المتمكنين في مقام الاستقامة وقيل أي يوم القيامة لمن الصالحين للجلوس على بساط القرب والمشاهدة بلا حجاب وهذا لدفع توهم أن ما أوتيه في الدنيا ينقص مقامه في العقبى كما قيل إن مقام الولي المشهور دون الولي الذي في زوايا الحمول، وإليه الإشارة بقولهم: الشهرة آفة، وقد نص
[ ص: 262 ] على ذلك الشعراني في بعض كتبه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وهم اليهود واختاروه لأنه اليوم الذي انتهت به أيام الخلق فكان بزعمهم أنسب لترك الأعمال الدنيوية وهو على ما قال
الشيخ الأكبر قدس سره في الفتوحات يوم الأبد الذي لا انقضاء له فليله في جهنم ونهاره في الجنة واختيار النصارى ليوم الأحد لأنه أول يوم اعتنى الله تعالى فيه بخلق الخلق فكان بزعمهم أولى بالتفرغ لعبادة الله تعالى وشكره سبحانه، وقد هدى الله تعالى لما هو أعظم من ذلك وهو يوم الجمعة الذي أكمل الله تعالى به الخلق وظهرت فيه حكمة الاقتداء بخلق الإنسان الذي خلق على صورة الرحمن فكان أولى بأن يتفرغ فيه الإنسان للعبادة والشكر من ذينك اليومين وسبحان من خلق فهدى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين لما في ذلك من قهر النفس الموجب لترقيها إلى أعلى المقامات
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر وما صبرك إلا بالله قيل: الصبر أقسام: صبر لله تعالى، وصبر في الله تعالى، وصبر مع الله تعالى، وصبر عن الله تعالى، وصبر بالله تعالى،
nindex.php?page=treesubj&link=19571فالصبر بالله تعالى هو من لوازم الإيمان وأول درجات الإسلام وهو حبس النفس عن الجزع عند فوات مرغوب أو وقوع مكروه وهو من فضائل الأخلاق الموهوبة من فضل الله تعالى لأهل دينه وطاعته المقتضية للثواب الجزيل. والصبر في الله تعالى هو الثبات في سلوك طريق الحق وتوطين النفس على المجاهدة بالاختيار وترك المألوفات واللذات وتحمل البليات وقوة العزيمة في التوجه إلى منبع الكمالات وهو من مقامات السالكين يهبه الله تعالى لمن يشاء من أهل الطريقة، والصبر مع الله تعالى هو لأهل الحضور والكشف عند التجرد عن ملابس الأفعال والصفات والتعرض لتجليات الجمال والجلال وتوارد واردات الأنس والهيبة فهو بحضور القلب لمن كان له قلب والاحتراس عن الغفلة والغيبة عند التلوينات بظهور النفس، وهو أشق على النفس من الضرب على الهام وإن كان لذيذا جدا، والصبر عن الله تعالى هو لأهل العيان والمشاهدة من العشاق المشتاقين المتقلبين في أطوار التجلي والاستتار المنخلعين عن الناسوت المتنورين بنور اللاهوت ما بقي لهم قلب ولا وصف كلما لاح لهم نور من سبحات أنوار الجمال احترقوا وتفانوا وكلما ضرب لهم حجاب ورد وجودهم تشويقا وتعظيما ذاقوا من ألم الشوق وحرقة الفرقة ما عيل به صبرهم وتحقق موتهم، والصبر بالله تعالى هو لأهل التمكين في مقام الاستقامة الذين أفناهم الله تعالى بالكلية وما ترك عليهم شيئا من بقية الآنية والاثنينية ثم وهب لهم وجودا من ذاته حتى قاموا به وفعلوا بصفاته وهو من أخلاق الله تعالى ليس لأحد فيه نصيب، ولهذا بعد أن أمر سبحانه به نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بين له عليه الصلاة والسلام إنك لا تباشره إلا بي ولا تطيقه إلا بقوتي ثم قال سبحانه له صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تحزن عليهم فالكل مني
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تك في ضيق مما يمكرون لانشراح صدرك بي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إن الله مع الذين اتقوا بقاياهم وفنوا فيه سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128والذين هم محسنون بشهود الوحدة في الكثرة وهؤلاء الذين لا يحجبهم الفرق عن الجمع ولا الجمع عن الفرق ويسعهم مراعاة الحق والخلق، وذكر
الطيبي أن التقوى في الآية بمنزلة التوبة للعارف والإحسان بمنزلة السير والسلوك في الأحوال والمقامات إلى أن ينتهي إلى محو الرسم والوصول إلى مخدع الأنس، هذا والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل فنسأله جل شأنه أن يهدينا إليه ويوفقنا للعلم النافع لديه ويفتح لنا خزائن الأسرار ويحفظنا من شر الأشرار بحرمة القرآن العظيم والرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم.
وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الْآيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ مِمَّا كَانَ وَمَا يَكُونُ فَيُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ وَالْمُتَّبِعِ وَالْمُبْتَدِعِ، وَقِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قِيلَ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
الْإِمَامُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=12وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قَالَ
السِّيَادِيُّ : الْعَدْلُ رُؤْيَةُ الْمِنَّةِ مِنْهُ تَعَالَى قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَالْإِحْسَانُ الِاسْتِقَامَةُ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ إِلَى الْأَبَدِ، وَقِيلَ: الْعَدْلُ أَنْ لَا يُرَى الْعَبْدُ فَاتِرًا عَنْ طَاعَةِ مَوْلَاهُ مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْعِوَضِ، وَإِيتَاءُ ذِي الْقُرْبَى الْإِحْسَانُ إِلَى ذَوِي الْقَرَابَةِ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالدِّينِ فَيَخْدِمُهُمْ بِالصِّدْقِ وَالشَّفَقَةِ وَيُؤَدِّي إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَالْفَحْشَاءُ الِاسْتِهَانَةُ بِالشَّرِيعَةِ، وَالْمُنْكَرُ الْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالْبَغْيُ ظُلْمُ الْعِبَادِ، وَقِيلَ: الْفَحْشَاءُ إِضَافَةُ الْأَشْيَاءِ إِلَى غَيْرِهِ تَعَالَى مِلْكًا وَإِيجَادًا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=91وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ الْمَأْخُوذِ عَلَيْكُمْ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ بِالْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْغَيْرِ وَالتَّجَرُّدُ عَنِ الْعَلَائِقِ وَالْعَوَائِقِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ تَعَالَى إِذَا عَاهَدْتُمْ أَيْ تَذَكَّرْتُمُوهُ بِإِشْرَاقِ نُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ وَتَذْكِيرِهِ إِيَّاكُمْ قَالَ
النَّصْرَابَاذِيُّ: الْعُهُودُ مُخْتَلِفَةٌ فَعَهْدُ الْعَوَامِّ لُزُومُ الظَّوَاهِرِ وَعَهْدُ الْخَوَاصِّ حِفْظُ السَّرَائِرِ وَعَهْدُ خَوَاصِّ الْخَوَاصِّ التَّخَلِّي مِنْ مِنَ الْكُلِّ لِمَنْ لَهُ الْكُلُّ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الصِّفَاتِ يَنْفَدُ لِمَكَانِ الْحُدُوثِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ لِمَكَانِ الْقِدَمِ فَالْعَبْدُ الْحَقِيقِيُّ مَنْ كَانَ فَانِيًا مِنْ أَوْصَافِهِ بَاقِيًا بِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي أَسْرَارِ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مَنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَيْ
[ ص: 261 ] عَمَلًا يُوصِلُهُ إِلَى كَمَالِهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ اسْتِعْدَادُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97وَهُوَ مُؤْمِنٌ مُعْتَقِدٌ لِلْحَقِّ اعْتِقَادًا جَازِمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً أَيْ حَيَاةً حَقِيقِيَّةً لَا مَوْتَ بَعْدَهَا بِالتَّجَرُّدِ عَنِ الْمَوَادِّ الْبَدَنِيَّةِ وَالِانْخِرَاطِ فِي سِلْكِ الْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ وَالتَّلَذُّذِ بِكِمَالَاتِ الصِّفَاتِ وَمُشَاهَدَاتِ التَّجَلِّيَاتِ الْإِفْعَالِيَّةِ وَالصِّفَاتِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ مِنْ جَنَّاتِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِذْ عَمَلُهُمْ يُنَاسِبُ صِفَاتِهِمُ الَّتِي هِيَ مَبَادِئُ أَفْعَالِهِمْ وَأَجْرُهُمْ يُنَاسِبُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ مَصَادِرُ أَفْعَالِهِ فَانْظُرْ كَمْ بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ فِي الْحُسْنِ، وَيُقَالُ: الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ مَا تَكُونُ مَعَ الْمَحْبُوبِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ:
كُلُّ عَيْشٍ يَنْقَضِي مَا لَمْ يَكُنْ مَعَ مَلِيحٍ مَا لِذَاكَ الْعَيْشِ مِلْحُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=110ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ قَالَ
سَهْلٌ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الَّذِينَ رَجَعُوا الْقَهْقَرَى فِي طَرِيقِ سُلُوكِهِمْ ثُمَّ عَادُوا أَيْ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينِ هَجَرُوا قُرَنَاءَ السُّوءِ مِنْ بَعْدِ أَنْ ظَهَرَ لَهُمْ مِنْهُمُ الْفِتْنَةُ فِي صُحْبَتِهِمْ ثُمَّ جَاهَدُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مُلَازَمَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ ثُمَّ صَبَرُوا مَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْفِتْنَةِ لِسَاتِرٍ عَلَيْهِمْ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مُنْعِمٌ عَلَيْهِمْ بِصُنُوفِ الْإِنْعَامِ، وَقِيلَ: إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينِ هَاجَرُوا أَيْ تَبَاعَدُوا عَنْ مَوْطِنِ النَّفْسِ بِتَرْكِ الْمَأْلُوفَاتِ وَالْمُشْتَهِيَاتِ مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا بِهَا بِحُكْمِ النَّشْأَةِ الْبَشَرِيَّةِ ثُمَّ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ تَعَالَى بِالرِّيَاضَاتِ وَسُلُوكِ طَرِيقِهِ سُبْحَانَهُ بِالتَّرَقِّي فِي الْمَقَامَاتِ وَالتَّجْرِيدِ عَنَ التَّعَلُّقَاتِ وَصَبَرُوا عَمَّا تُحِبُّ النَّفْسُ وَعَلَى مَا تَكْرَهُهُ بِالثَّبَاتِ فِي السَّيْرِ إِنَّ رَبَّكَ لَغَفُورٌ يَسْتُرُ غَوَاشِي الصِّفَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ رَحِيمٌ بِإِفَاضَةِ الْكَمَالِ وَالصِّفَاتِ الْقُدْسِيَّةِ ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا) لِلنَّفْسِ الْمُسْتَعِدَّةِ الْقَابِلَةِ لِفَيْضِ الْقَلْبِ الثَّابِتَةِ فِي طَرِيقِ اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ الْآمِنَةِ مِنْ خَوْفِ فَوَاتِهَا الْمُطَمْئِنَةِ بِاعْتِقَادِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنَ الْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَنْوَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112مِنْ كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الطُّرُقِ الْبَدَنِيَّةِ كَالْحَوَاسِّ وَالْجَوَارِحِ وَالْآلَاتِ وَمِنْ جِهَةِ الْقَلْبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ظَهَرَتْ بِصِفَاتِهَا بَطَرًا وَإِعْجَابًا بِزِينَتِهَا وَنَظَرًا إِلَى ذَاتِهَا بِبَهْجَتِهَا وَبَهَائِهَا فَاحْتَجَبَتْ بِصِفَاتِهَا الظَّلْمَانِيَّةِ عَنْ تِلْكَ الْأَنْوَارِ وَمَالَتْ إِلَى الْأُمُورِ السُّفْلِيَّةِ وَانْقَطَعَ إِمْدَادُ الْقَلْبِ عَنْهَا وَانْقَلَبَتِ الْمَعَانِي الْوَارِدَةُ عَلَيْهَا مِنْ طُرُقِ الْحِسِّ هَيْئَاتٍ غَاسِقَةً مِنْ صُوَرِ الْمَحْسُوسَاتِ الَّتِي انْجَذَبَتْ إِلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ بِانْقِطَاعِ مَدَدِ الْمَعَانِي وَالْفَضَائِلِ وَالْأَنْوَارِ مِنَ الْقَلْبِ وَالْخَوْفِ مِنْ زَوَالِ مُقْتَنِيَاتِهَا مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالْمَأْلُوفَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ كُفْرَانِ أَنْعُمِ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ جِنْسِهِمْ وَهِيَ الْقُوَّةُ الْفِكْرِيَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113فَكَذَّبُوهُ بِمَا أَلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ وَالْآرَاءِ الصَّادِقَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ أَيْ عَذَابُ الْحِرْمَانِ وَالِاحْتِجَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113وَهُمْ ظَالِمُونَ فِي حَالَةِ ظُلْمِهِمْ وَتَرَفُّعِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْفَضِيلَةِ وَنَقْصِهِمْ لِحُقُوقِ صَاحِبِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً لِاجْتِمَاعِ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ فِيهِ وَكَذَا كُلُّ نَبِيٍّ وَلِذَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ عَلَى مَا قِيلَ: لَوْ وُزِنْتُ بِأُمَّتِي لَرَجَحْتُ بِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120قَانِتًا لِلَّهِ مُطِيعًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120حَنِيفًا مَائِلًا عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِنِسْبَةِ شَيْءٍ إِلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شَاكِرًا لِأَنْعَمِهِ مُسْتَعْمِلًا لَهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121اجْتَبَاهُ اخْتَارَهُ بِلَا وَاسِطَةِ عَمَلٍ لِكَوْنِهِ مِنَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الْحُسْنَى فَتَقَدَّمَ كُشُوفُهُمْ عَلَى سُلُوكِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121وَهَدَاهُ بَعْدَ الْكَشْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَهُوَ مَقَامُ الْإِرْشَادِ وَالدَّعْوَةِ يَنْعُونَ بِهِ مَقَامَ الْفَرْقِ بَعْدَ الْجَمْعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَهِيَ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ وَالْمُلْكُ الْعَظِيمُ وَالنُّبُوَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ قِيلَ أَيْ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122لَمِنَ الصَّالِحِينَ الْمُتَمَكِّنِينَ فِي مَقَامِ الِاسْتِقَامَةِ وَقِيلَ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنِ الصَّالِحِينَ لِلْجُلُوسِ عَلَى بِسَاطِ الْقُرْبِ وَالْمُشَاهَدَةِ بِلَا حِجَابٍ وَهَذَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَا أُوتِيَهُ فِي الدُّنْيَا يَنْقُصُ مَقَامُهُ فِي الْعُقْبَى كَمَا قِيلَ إِنَّ مَقَامَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُورِ دُونَ الْوَلِيِّ الَّذِي فِي زَوَايَا الْحُمُولِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِمْ: الشُّهْرَةُ آفَةٌ، وَقَدْ نَصَّ
[ ص: 262 ] عَلَى ذَلِكَ الشَّعَرَانِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُمُ الْيَهُودُ وَاخْتَارُوهُ لِأَنَّهُ الْيَوْمَ الَّذِي انْتَهَتْ بِهِ أَيَّامُ الْخَلْقِ فَكَانَ بِزَعْمِهِمْ أَنْسَبَ لِتَرْكِ الْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَهُوَ عَلَى مَا قَالَ
الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي الْفُتُوحَاتِ يَوْمَ الْأَبَدِ الَّذِي لَا انْقِضَاءَ لَهُ فَلَيْلُهُ فِي جَهَنَّمَ وَنَهَارُهُ فِي الْجَنَّةِ وَاخْتِيَارُ النَّصَارَى لِيَوْمِ الْأَحَدِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ اعْتَنَى اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِخَلْقِ الْخَلْقِ فَكَانَ بِزَعْمِهِمْ أَوْلَى بِالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ هَدَى اللَّهُ تَعَالَى لِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الَّذِي أَكْمَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْخَلْقَ وَظَهَرَتْ فِيهِ حِكْمَةُ الِاقْتِدَاءِ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ الَّذِي خُلِقَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ فَكَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَفَرَّغَ فِيهِ الْإِنْسَانُ لِلْعِبَادَةِ وَالشُّكْرِ مِنْ ذَيْنِكَ الْيَوْمَيْنِ وَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ فَهَدَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَهْرِ النَّفْسِ الْمُوجِبِ لِتَرَقِّيهَا إِلَى أَعْلَى الْمَقَامَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ قِيلَ: الصَّبْرُ أَقْسَامٌ: صَبْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَصَبْرٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَصَبْرٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَصَبْرٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصَبْرٌ بِاللَّهِ تَعَالَى،
nindex.php?page=treesubj&link=19571فَالصَّبْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ وَأَوَّلُ دَرَجَاتِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْجَزَعِ عِنْدَ فَوَاتِ مَرْغُوبٍ أَوْ وُقُوعِ مَكْرُوهٍ وَهُوَ مِنْ فَضَائِلِ الْأَخْلَاقِ الْمَوْهُوبَةِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ دِينِهِ وَطَاعَتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ. وَالصَّبْرُ فِي اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الثَّبَاتُ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْحَقِّ وَتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الْمُجَاهَدَةِ بِالِاخْتِيَارِ وَتَرْكِ الْمَأْلُوفَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَتَحَمُّلِ الْبَلِيَّاتِ وَقُوَّةِ الْعَزِيمَةِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى مَنْبَعِ الْكِمَالَاتِ وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ السَّالِكِينَ يَهَبُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ، وَالصَّبْرُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ لِأَهْلِ الْحُضُورِ وَالْكَشْفِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ مَلَابِسِ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ وَالتَّعَرُّضِ لِتَجَلِّيَاتِ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ وَتَوَارُدِ وَارِدَاتِ الْأُنْسِ وَالْهَيْبَةُ فَهُوَ بِحُضُورِ الْقَلْبِ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ وَالِاحْتِرَاسُ عَنِ الْغَفْلَةِ وَالْغَيْبَةِ عِنْدَ التَّلْوِينَاتِ بِظُهُورِ النَّفْسِ، وَهُوَ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنَ الضَّرْبِ عَلَى الْهَامِّ وَإِنْ كَانَ لَذِيذًا جِدًّا، وَالصَّبْرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ لِأَهْلِ الْعِيَانِ وَالْمُشَاهَدَةِ مِنَ الْعُشَّاقِ الْمُشْتَاقِينَ الْمُتَقَلِّبِينَ فِي أَطْوَارِ التَّجَلِّي وَالِاسْتِتَارِ الْمُنْخَلِعِينَ عَنِ النَّاسُوتِ الْمُتَنَوِّرِينَ بِنُورِ اللَّاهُوتِ مَا بَقِيَ لَهُمْ قَلْبٌ وَلَا وَصْفٌ كُلَّمَا لَاحَ لَهُمْ نُورٌ مِنْ سَبَحَاتِ أَنْوَارِ الْجَمَالِ احْتَرَقُوا وَتَفَانَوْا وَكُلَّمَا ضُرِبَ لَهُمْ حِجَابٌ وَرُدَّ وَجُودُهُمْ تَشْوِيقًا وَتَعْظِيمًا ذَاقُوا مِنْ أَلَمِ الشَّوْقِ وَحُرْقَةِ الْفِرْقَةِ مَا عِيلَ بِهِ صَبْرُهُمْ وَتَحَقَّقَ مَوْتُهُمْ، وَالصَّبْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى هُوَ لِأَهْلِ التَّمْكِينِ فِي مَقَامِ الِاسْتِقَامَةِ الَّذِينَ أَفْنَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكُلِّيَّةِ وَمَا تَرَكَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ بَقِيَّةِ الْآنِيَةِ وَالِاثْنَيْنِيَّةِ ثُمَّ وَهَبَ لَهُمْ وُجُودًا مِنْ ذَاتِهِ حَتَّى قَامُوا بِهِ وَفَعَلُوا بِصِفَاتِهِ وَهُوَ مِنْ أَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ نَصِيبٌ، وَلِهَذَا بَعْدَ أَنْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّكَ لَا تُبَاشِرُهُ إِلَّا بِي وَلَا تُطِيقُهُ إِلَّا بِقُوَّتِي ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ فَالْكُلُّ مِنِّي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ لِانْشِرَاحِ صَدْرِكَ بِي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا بَقَايَاهُمْ وَفَنُوا فِيهِ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ بِشُهُودِ الْوَحْدَةِ فِي الْكَثْرَةِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَحْجُبُهُمُ الْفَرْقُ عَنِ الْجَمْعِ وَلَا الْجَمْعُ عَنِ الْفَرْقِ وَيَسَعُهُمْ مُرَاعَاةُ الْحَقِّ وَالْخَلْقِ، وَذَكَرَ
الطَّيِّبِيُّ أَنَّ التَّقْوَى فِي الْآيَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ لِلْعَارِفِ وَالْإِحْسَانَ بِمَنْزِلَةِ السِّيَرِ وَالسُّلُوكِ فِي الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَحْوِ الرَّسْمِ وَالْوُصُولِ إِلَى مَخْدَعِ الْأُنْسِ، هَذَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ فَنَسْأَلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ أَنْ يَهْدِيَنَا إِلَيْهِ وَيُوَفِّقَنَا لِلْعِلْمِ النَّافِعِ لَدَيْهِ وَيَفْتَحَ لَنَا خَزَائِنَ الْأَسْرَارِ وَيَحْفَظَنَا مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ بِحُرْمَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالرَّسُولِ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَكْمَلُ التَّسْلِيمِ.