( قال : وقد دلهم المعاش بأسباب فيها حكمة بالغة ) يعني أن كل أحد لا يتمكن من تعلم جميع ما يحتاج إليه في عمره ، فلو اشتغل بذلك فني عمره قبل أن يتعلم وما لم يتعلم لا يمكنه أنه يحصل لنفسه ، وقد تعلقت به مصالح المعيشة فيسر الله تعالى على كل واحد منهم تعلم نوع من ذلك حتى يتوصل إلى ما يحتاج إليه من ذلك النوع بعلمه فيتوصل غيره إلى ما يحتاج إليه من ذلك بعلمه أيضا وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15069المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا }
وبيان هذا في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } الآية ، يعني أن الفقير محتاج إلى مال الغني والغني يحتاج إلى عمل الفقير فهنا أيضا الزارع يحتاج إلى عمل النساج ليحصل اللباس لنفسه والنساج يحتاج إلى عمل الزارع ليحصل الطعام والقطن الذي يكون منه اللباس لنفسه ثم
[ ص: 265 ] كل واحد منهما فيما يقيم من العمل يكون معينا لغيره فيما هو قربة وطاعة ، فإن التمكن من إقامة القربة بهذا يحصل فيدخل تحت قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى } وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81755إن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم } وسواء أقام ذلك العمل بعوض شرطه عليه أو بغير عوض ، فإذا كان قصده ما بينا كان في عمله معنى الطاعة لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12419إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى } ، فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=24475_27212_19487_28272نوى العامل بعمله التمكن من إقامة الطاعة أو تمكين أخيه من ذلك كان مثابا على عمله باعتبار نيته بمنزلة المتناكحين إذا قصدا بفعلهما ابتغاء الولد وتكثير عباد الله تعالى وأمة الرسول صلى الله عليه وسلم كان لهما الثواب على عملهما ، وإن كان ذلك الفعل لقضاء الشهوة في الأصل ولكن بالنية يصير معنى القربة أصلا ويصير قضاء الشهوة تبعا فهذا مثله
( قَالَ : وَقَدْ دَلَّهُمْ الْمَعَاشُ بِأَسْبَابٍ فِيهَا حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَعَلُّمِ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عُمْرِهِ ، فَلَوْ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ فَنِيَ عُمْرُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَمَا لَمْ يَتَعَلَّمْ لَا يُمْكِنُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْمَعِيشَةِ فَيَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَعَلُّمَ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَتَوَصَّلَ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ بِعِلْمِهِ فَيَتَوَصَّلُ غَيْرُهُ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ أَيْضًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15069الْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا }
وَبَيَانُ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } الْآيَةَ ، يَعْنِي أَنَّ الْفَقِيرَ مُحْتَاجٌ إلَى مَالِ الْغَنِيِّ وَالْغَنِيَّ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلِ الْفَقِيرِ فَهُنَا أَيْضًا الزَّارِعُ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلِ النَّسَّاجِ لِيُحَصِّلَ اللِّبَاسَ لِنَفْسِهِ وَالنَّسَّاجُ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلِ الزَّارِعِ لِيُحَصِّلَ الطَّعَامَ وَالْقُطْنَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ اللِّبَاسُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ
[ ص: 265 ] كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُقِيمُ مِنْ الْعَمَلِ يَكُونُ مُعِينًا لِغَيْرِهِ فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ ، فَإِنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ بِهَذَا يَحْصُلُ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81755إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ } وَسَوَاءٌ أَقَامَ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِعِوَضٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، فَإِذَا كَانَ قَصْدُهُ مَا بَيَّنَّا كَانَ فِي عَمَلِهِ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12419إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } ، فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24475_27212_19487_28272نَوَى الْعَامِلُ بِعَمَلِهِ التَّمَكُّنَ مِنْ إقَامَةِ الطَّاعَةِ أَوْ تَمْكِينِ أَخِيهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُثَابًا عَلَى عَمَلِهِ بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ إذَا قَصَدَا بِفِعْلِهِمَا ابْتِغَاءَ الْوَلَدِ وَتَكْثِيرَ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُمَا الثَّوَابُ عَلَى عَمَلِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنْ بِالنِّيَّةِ يَصِيرُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ أَصْلًا وَيَصِيرُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ تَبَعًا فَهَذَا مِثْلُهُ