منهج لسانيات النص وتحليل الخطاب
- تحول الأنساق المعرفية:
لقد اقتضى تحول الأنساق المعرفية
[1] وتطورها وحركيتها الانتقال من نحو الجملة إلى علم لغة النص أو لسانيات النص، ومن النظرة الجزئية للخطاب وما يرافق ذلك من هيمنة الوقوف عند حدود الكلمة المفردة والحالة المبتسرة إلى النظرة الكلية الشاملة للنص المكتوب والخطاب المنجز، وإلى التحليل النقدي للخطاب، وأصبح تجاوز الجزئي إلى الكلي طريقة في التناول ومنهجا في التحليل، وسمة من سمات الفكر والثقافة في هذا العصر، يكشف الأدب بأجناسه وإبداعاته ونصوصه، ويبرهن على نصيته وكليته وتناسق أجزائه وانسجامها. فقد أحرزت اللسانيات النصية وتحليل الخطاب والأسلوبية والشعرية الحديثة والتحليل التداولي للخطاب تقدما معرفيا ومنهجيا؛ إذ أتاحت للباحثين والقراء أن يقفوا في النص المدروس على عناصر وخصائص وعـلاقات لم يكن بوسعهم الوقوف عليها بنحو الجملة
[ ص: 30 ] أو لسـانيات الجملة. وهكذا أصبحنا في الوقت الراهن أمام ظاهرة جديدة أو سمة فارقة تميز البحث النصي اليوم، إنها ظاهرة تعدد المعارف أو التداخل المعرفي على مستوى التركيب والدلالة والتداوليات، التي تستلزم من المحلل دراية واسعة في فروع معرفية كثيرة، وتفرض بناء بنية تحليلية متماسكة ومنسجمة تدرج تعدد المعارف وتداخلها، أي تفرض "الحاجة الملحة إلى علم جديد أو اتجاه بحثي يمكنه احتواء هذا التداخل المعرفي الشديد"
[2] .
لسانيات النص تؤدي إلى اكتشاف بلاغة الخطاب والوقوف على جمالياته وقيمه البلاغية المتجددة، التي لا يقوى نحو الجمل المحدود على استخراجها، وأتاحت لسانيات النص الانفتاح على مجالات معرفية وثقافية مختلفة، ولم تعد دراسة اللغة منحصرة في دائرة الأصوات والتركيب؛ ولكنها في ظل لسانيات النص وتحليل الخطاب انفتحت على الأنساق المعرفية؛ لأن اللغات الإنسانية تمثل مرتكزا رئيسا للثقافة ومرآة حقيقية لها
[3] . فانفتاح النسق اللساني على ميادين معرفية مختلفة، يمكن من استيعاب النص وتناوله بالدراسة الشاملة التي تحيط بأجزائه ومؤلفاته.
[ ص: 31 ]
مَنهجُ لسانياتِ النّصّ وتَحليل الخِطاب
- تحوُّلُ الأنساقِ المعرفيّة:
لقَد اقْتَضى تَحوُّل الأنْساق المعرفيّةِ
[1] وتطوُّرُها وحركيّتُها الانتقالَ من نحو الجُملَةِ إلى علم لُغَةِ النّصّ أو لسانياتِ النّصّ، ومن النظرَةِ الجُزئيّةِ للخطابِ وما يُرافقُ ذلِك من هيْمَنَةِ الوُقوفِ عندَ حُدودِ الكلمةِ المُفرَدَةِ والحالَةِ المُبْتسَرةِ إلى النّظرَةِ الكلّيّةِ الشّاملةِ للنّصّ المكتوبِ والخِطابِ المُنجَزِ، وإلى التّحليلِ النّقديّ للخطاب، وأصبحَ تَجاوُزُ الجُزئيِّ إلى الكُلّيّ طريقةً في التّناوُلِ ومنهجًا في التّحليلِ، وسمةً من سماتِ الفكرِ والثّقافَةِ في هذا العصرِ، يكشفُ الأدبَ بأجناسِه وإبداعاتِه ونُصوصِه، ويُبرهنُ على نصّيتِه وكلّيتِه وتَناسُقِ أجزائه وانْسجامها. فقَد أحرزَت اللسانياتُ النصّيّةُ وتحليلُ الخطابِ والأسلوبيّةُ والشّعريّةُ الحَديثَةُ والتّحليلُ التّداوُليّ للخطابِ تقدُّمًا معرِفيًا ومنهجيًا؛ إذ أتاحَت للباحثينَ والقُرّاءِ أن يقفوا في النّصّ المَدْروسِ على عناصرَ وخَصائصَ وعـلاقاتٍ لم يكنِْ بوُسعهِم الوُقوف عليْها بنحو الجُملَةِ
[ ص: 30 ] أو لسـانياتِ الجُملَة. وهكذا أصبحْنا في الوقتِ الرّاهنِ أمامَ ظاهرَةِ جَديدةٍ أو سمةٍ فارقةٍ تميزُ البَحْثَ النّصّيَّ اليومَ، إنّها ظاهرةُ تعدُّدِ المَعارِفِ أو التَّداخُلِ المعرفيّ على مُستَوى التّركيبِ والدّلالةِ والتّداوليّاتِ، التي تستلزمُ من المُحلِّلِ درايةً واسعةٍ في فُروعٍ معرفيّةٍ كثيرةٍ، وتفرِضُ بِناءَ بنيةٍ تحليليّةٍ مُتماسكةٍ ومنسجمةٍ تُدرجُ تعدّدَ المَعارفِ وتَداخُلها، أي تفْرضُ "الحاجَة المُلحّة إلى علمٍ جَديدٍ أو اتّجاهٍ بَحثيٍّ يُمكنُه احْتواءُ هذا التَّداخُلِ المَعرفيّ الشّديدِ"
[2] .
لسانيات النّصّ تُؤدّي إلى اكتشافِ بلاغَةِ الخطابِ والوُقوفِ على جمالياتِه وقِيَمِه البَلاغيّةِ المُتجدّدةِ، التي لا يَقْوى نَحوُ الجُملِ المَحْدودُ على استخْراجِها، وأتاحَت لسانياتُ النّصّ الانفتاحَ على مجالاتٍ معرفيّةٍ وثَقافيّةٍ مُختلفةٍ، ولم تَعُد دراسةُ اللّغَةِ منحصرةً في دائرَةِ الأصواتِ والتّركيبِ؛ ولكنّها في ظلِّ لسانياتِ النّصّ وتَحليلِ الخِطابِ انفَتَحَت على الأنساقِ المعرفيّةِ؛ لأنّ اللّغاتِ الإنسانيّةَ تمثّلُ مرتكَزًا رئيسًا للثّقافَةِ ومرآةً حقيقيّةً لها
[3] . فانفتاحُ النَّسقِ اللّسانيّ على مَيادينَ معرفيّةٍ مُختلفةٍ، يُمكِّنُ من اسْتيعابِ النُّص وتَناوُلِه بالدّراسَةِ الشّاملَةِ التي تُحيطُ بأجْزائه ومُؤلِّفاتِه.
[ ص: 31 ]