ثانيا: الأخوة الإسلامية
- وأما الإخوة الإسلامية فدعامة أساسية من الدعائم التي يقوم عليها الدين، ويتربى عليها المسلمون، ولذا ذكر الله أخوة الدين ، باعتبارها: أعظم النعم التي أمتن بها على المسلمين في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103 ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هـم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) (آل عمران:103- 105) .
- أعظم النعم التي امتن بها الله على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62 ( هـو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=63وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) (الأنفال:62-63)
[ ص: 38 ] ( وذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى ذاته فـئة من المسلمين فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ ) [1] .
- من أسباب إقامة أمر الدين؛ ذلك أن الاجتماع على إقامة الدين هـي وصية الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة ومن سبقها من أمم الأنبياء،
كما قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13 ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) (الشورى:13) .
لقد «بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين، والألفة والجماعة، وترك الفرقـة والمخـالفة»
[2] ، كما أن في ذلك توجـيها بأن لا تتفرقوا «عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كما اختلف اليهود والنصارى، أو كما كنتم متفرقين فى الجاهلية يحارب بعضكم بعضا»
[3] .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نعمة الاجـتماع والألفـة والأخـوة في أظهر ما يجتمع عليه المسلمون
( فقال: «اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه ) [4] ؛ أي: «اقرأوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة تقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة، وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة»
[5] .
[ ص: 39 ] والأخوة في الدين حقيقة قاطعة، ترد إليها كل مسألة ظنية محتملة، فالإسلام آخى بين المسلميـن ووحدهم، فهو: « بمعنى تحالف شامل لكل المسلمين، يقتضي التناصر والتعاون بينهم على من قصد بعضهم بظلم»
[6] ؛
لقولـه تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10 ( إنما المؤمنون إخوة ) (الحجرات:10) ،
وقولـه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71 ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) (التوبة:71) .
( وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. ) [7] ،
( وقولـه صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ) [8] ،
( وقوله صلى الله عليه وسلم : «المسلم أخو المسلم، لا يظلمـه، ولا يخـذله، ولا يحقره. ) [9] ،
( وقوله صلى الله عليه وسلم : «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخـطب على خطبة أخيه حتى يذر. ) [10] ،
( وقوله صلى الله عليه وسلم : « المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم. ) [11] .
فمن توفرت فيه هـذه الصفات الإيمانية بحسب ظاهره كان أخا لكل مؤمن، ووجب على كل مؤمن أن يقوم بحقوقه، وإن لم يجر بينهما عقد خاص، فإن الله ورسوله قد عقدا الأخوة بينهما بما سبق.
والمؤمن الذي تثبت له أخوة الإيمان هـو « الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: »
[ ص: 40 ] ( من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته ) [12] ، ففي هـذا الحديث المحكم: «أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك»
[13] .
ويتفرع عن هـذا الأساس أسس أخرى، منها:
1 - النصوص من الآيات والأحاديث التي وردت في الأخوة الإيمانية أو تحدثت عن الجماعة ولزومها إنما وردت في الأخوة العامة، ولا يحل لأحد أن ينزلها على الأخوة الخاصة مع مصادرة مدلوها العام، أو أن يستدل بها على أخوة لحزب أو تنظيم أو جماعة إسلامية، أو مذهب فكري، أو فقهي.
2 - مشروعية الأخوة الخاصة بحيث تحكمها الأخوة العامة، الأخوة الإسلامية العامة مقدمة على كل إخاء جزئي، أو عقد تحالف خاص في حال التعارض، والأصل أن الأخوة الخاصة إنما تكون لزيادة التثبيت على مبادئ الإسلام والقيام بها، وعلى رأس تلك المبادئ التي يلزم القيام بها النصح للمسلمين والقيام بحقوقهم، فإذا كانت هـذه الحقيقة مستقرة فلا بأس من الإخاء الخاص في ضوء ذلك كما قال
النووي : المؤاخاة في الإسلام، والمحالفة على طاعة الله، والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق، هـذا باق لم ينسخ... وهذا معـنى
( قوله صلى الله عليه وسلم : «وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ) ، وأما
( قوله صلى الله عليه وسلم : «لا حلف في الإسلام ) فالمراد به: حلف التوارث ، والحلف على ما منع الشرع منه»
[14] .
[ ص: 41 ] 3- الأخوة الإسلامية العامة ثابتة بحقوقها وواجباتها، مهما ظهر من اختلاف فرعي بين المسلمين، فالأخوة الإسلامية ولزوم جماعة المسلمين، والحرص على بقاء ذات البين متسامية عالية يهيمن عليها الحب، وتطغى عليها الألفة ركيزة من ركائز الدين، وشعيرة عامة من شعائره:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1 ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) (الأنفال:1) ،
ولذا
( قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. ) [15] ،
( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) [16] ،
( وقال: « ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هـي الحالقة . ) [17] .
ومن ثم فإن حقوق المسلم على المسلم ثابتة، مهما اختلف معه في وجهة نظر، أو مسألة فرعية، ومن حقوقه عليه أن ينصحه مع اصطحاب الرفق والحب واللين والحكمة والموعظة الحسنة حال خلافه في مسألة فيها دليل شرعي على خلاف ما ذهب إليه.
وعند حدوث اجتهادات في مسألة محتملة تتفاوت فيها المدارك، وتتجاذبها الأدلة فلزوم الجماعة حقيقة قاطـعة، تـقدم عـلى ما قد
[ ص: 42 ] يثيره الاخـتلاف الطبعي بين المسلميـن، فلا يثيـر الاختلاف رغبة تفرق، وإرادة بغض.
ومن الحوادث التي تنسحب عليها هـذه القاعدة، ما جـاء
( عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة ، فقالوا: إنك قد نزلت بين أظهرنا، فأوثق لنا حتى نأتيك وتؤمنا. فأوثق لهم فأسلموا، قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب ولا نكون مائة، وأمرنا أن نغير على حي من بني كنانة إلى جنب جهينة، فأغرنا عليهم، وكانوا كثيرا، فلجأنا إلى جهينة فمنعونا، وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقلنا: إنما نقاتل من أخرجنا من البلد الحرام في الشهر الحرام. فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ فقال بعضنا: نأتي نبي الله صلى الله عليه وسلم فنخبره. وقال قوم: لا، بل نقيم هـاهنا. وقلت أنا في أناس معي: لا بل نأتي عير قريش فنقتطعها. فانطلقنا إلى العير وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئا فهو له، فانطلقنا إلى العير وانطلق أصحابنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر، فقام غضبانا محمر الوجه، فقال: «أذهبتم من عندي جميعا وجئتم متفرقين؟ إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش.» فبعث علينا عبد الله بن جحش الأسدي ، فكان أول أمير أمر في الإسلام ) [18] .
فقد اختلف الصحابة هـنا على ثلاثة اجتهادات، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كره تفرقهم، وعدم اجتماعهم.
إن الأخوة الخاصة توثق القيام بواجبات الإسلام القطعية، ومنها أخوة
[ ص: 43 ] المسلمين العامة، ذلك أن الأصل في عقد الأخوة الخاصة -وهي التي كان يسلكها أتباع المذاهب قديما، وأتباع الجماعات والأحزاب حديثا، وأصحاب الصداقات الخاصة عموما- أن تكون أول أبجدياتها القيام بواجبات الإسلام، وعلى رأسها التزام حقوق المسلمين عموما، وهي الحقوق التي وجبت بمقتضى الأخوة الإيمانية التى أثبتها الله جل جلاله بين المؤمنين عموما، «فهذه الحقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنـزلة التزام الصلاة والزكاة والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله، وهذه ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة»
[19] .
«فمن كان قائما بواجب الإيمان كان أخا لكل مؤمن، ووجب على كل مؤمن أن يقوم بحقوقه وإن لم يجر بينهما عقد خاص، فإن الله ورسوله قد عقدا الأخوة بينهما»
[20] .
واجتماع بعض المسلميـن على طـاعة الله ضـمن إطار خاص لا يسقط حقوق الأخوة العامة، ولا يسول لهم «التعصب لمن دخل فى حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل فى حزبهم؛ سواء كان على الحق أو الباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان»
[21] .
[ ص: 44 ]
ثانيًا: الأخوة الإسلامية
- وأما الإخوة الإسلامية فدعامة أساسية من الدعائم التي يقوم عليها الدين، ويتربى عليها المسلمون، ولذا ذكر الله أخوة الدين ، باعتبارها: أعظم النعم التي أمتن بها على المسلمين في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103 ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهِ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هـُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (آل عمران:103- 105) .
- أعظم النعم التي امتن بها الله على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=62 ( هـُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=63وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (الأنفال:62-63)
[ ص: 38 ] ( وذكَّر النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى ذاته فـئة من المسلمين فقال: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ ) [1] .
- من أسباب إقامة أمر الدين؛ ذلك أن الاجتماع على إقامة الدين هـي وصية الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة ومن سبقها من أمم الأنبياء،
كما قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13 ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينِ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) (الشورى:13) .
لقد «بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين، والألفة والجماعة، وترك الفُرْقـة والمخـالفة»
[2] ، كما أن في ذلك توجـيهًا بأن لا تتفرقوا «عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كما اختلف اليهود والنصارى، أو كما كنتم متفرقين فى الجاهلية يحارب بعضكم بعضًا»
[3] .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نعمة الاجـتماع والألفـة والأخـوة في أظهر ما يجتمع عليه المسلمون
( فقال: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ ) [4] ؛ أي: «اقرأوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهةٍ تقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للأُلفة، وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفُرْقة»
[5] .
[ ص: 39 ] والأخوة في الدين حقيقة قاطعة، تُرد إليها كل مسألة ظنية محتملة، فالإسلام آخى بين المسلميـن ووحَّدهم، فهو: « بمعنى تحالف شامل لكل المسلمين، يقتضي التناصر والتعاون بينهم على من قصد بعضهم بظلم»
[6] ؛
لقولـه تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10 ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (الحجرات:10) ،
وقولـه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71 ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (التوبة:71) .
( وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. ) [7] ،
( وقولـه صلى الله عليه وسلم : «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. ) [8] ،
( وقوله صلى الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُـهُ، وَلا يَخْـذُلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ. ) [9] ،
( وقوله صلى الله عليه وسلم : «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فَلا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْـطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ. ) [10] ،
( وقوله صلى الله عليه وسلم : « الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ. ) [11] .
فمن توفرت فيه هـذه الصفات الإيمانية بحسب ظاهره كان أخًا لكل مؤمن، ووجب على كل مؤمن أن يقوم بحقوقه، وإن لم يجر بينهما عقد خاص، فإن الله ورسوله قد عقدا الأخوة بينهما بما سبق.
والمؤمن الذي تثبت له أخوة الإيمان هـو « الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: »
[ ص: 40 ] ( مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ ) [12] ، ففي هـذا الحديث المحكم: «أن أمور الناس محمولةٌ على الظاهر، فمن أظهر شِعار الدين أُجْرِيت عليه أحكام أهله ما لم يَظْهر منه خلاف ذلك»
[13] .
ويتفرع عن هـذا الأساس أسس أخرى، منها:
1 - النصوص من الآيات والأحاديث التي وردت في الأخوة الإيمانية أو تحدثت عن الجماعة ولزومها إنما وردت في الأخوة العامة، ولا يحل لأحد أن يُنْزلها على الأخوة الخاصة مع مُصادرة مدلوها العام، أو أن يستدل بها على أخوةٍ لحزب أو تنظيم أو جماعة إسلامية، أو مذهب فكري، أو فقهي.
2 - مشروعية الأخوة الخاصة بحيث تحكمها الأخوة العامة، الأخوة الإسلامية العامة مقدمة على كل إخاءٍ جزئي، أو عقد تحالفٍ خاص في حال التعارض، والأصل أن الأخوة الخاصة إنما تكون لزيادة التثبيت على مبادئ الإسلام والقيام بها، وعلى رأس تلك المبادئ التي يُلْزَم القيام بها النصحُ للمسلمين والقيام بحقوقهم، فإذا كانت هـذه الحقيقة مستقرة فلا بأس من الإخاء الخاص في ضوء ذلك كما قال
النووي : المؤاخاة في الإسلام، والمحالفة على طاعة الله، والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق، هـذا باق لم يُنسخ... وهذا معـنى
( قوله صلى الله عليه وسلم : «وأيما حِلْف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ) ، وأما
( قوله صلى الله عليه وسلم : «لا حلف في الإسلام ) فالمراد به: حلف التوارث ، والحلف على ما منَع الشرع منه»
[14] .
[ ص: 41 ] 3- الأخوة الإسلامية العامة ثابتة بحقوقها وواجباتها، مهما ظهر من اختلاف فرعي بين المسلمين، فالأخوة الإسلامية ولزوم جماعة المسلمين، والحرص على بقاء ذات البَيْن متساميةً عاليةً يُهَيْمِن عليها الحب، وتطغى عليها الألفة ركيزةٌ من ركائز الدين، وشعيرةٌ عامةٌ من شعائره:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1 ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) (الأنفال:1) ،
ولذا
( قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. ) [15] ،
( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) [16] ،
( وقال: « أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هـِيَ الْحَالِقَةُ . ) [17] .
ومن ثم فإن حقوق المسلم على المسلم ثابتة، مهما اختلَف معه في وجهة نظرٍ، أو مسألةٍ فرعيةٍ، ومن حقوقه عليه أن ينصحه مع اصطحاب الرفق والحب واللين والحكمة والموعظة الحسنة حال خلافه في مسألةٍ فيها دليل شرعي على خلاف ما ذهب إليه.
وعند حدوث اجتهاداتٍ في مسألةٍ محتملةٍ تتفاوت فيها المدارك، وتتجاذبها الأدلة فلُزُومُ الجماعة حقيقةٌ قاطـعة، تـقدم عـلى ما قد
[ ص: 42 ] يثيره الاخـتلاف الطبعي بين المسلميـن، فلا يثيـر الاختلاف رغبة تفرق، وإرادة بغض.
ومن الحوادث التي تنسحب عليها هـذه القاعدة، ما جـاء
( عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا. فَأَوْثَقَ لَهُمْ فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ وَلا نَكُونُ مِائَةً، وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إِلَى جَنْبِ جُهَيْنَةَ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا كَثِيرًا، فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ فَمَنَعُونَا، وَقَالُوا: لِمَ تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَام؟ِ فَقُلْنَا: إِنَّمَا نُقَاتِلُ مَنْ أَخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: مَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: نَأْتِي نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُخْبِرُهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لا، بَلْ نُقِيمُ هـَاهُنَا. وَقُلْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مَعِي: لا بَلْ نَأْتِي عِيرَ قُرَيْشٍ فَنَقْتَطِعُهَا. فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَانْطَلَقَ أَصْحَابُنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَامَ غَضْبَانًا مُحْمَرَّ الْوَجْهِ، فَقَالَ: «أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ؟ إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ، لأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ، أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ.» فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الأَسَدِيَّ ، فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أُمِّرَ فِي الإِسْلامِ ) [18] .
فقد اختلف الصحابة هـنا على ثلاثة اجتهادات، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كره تفرقهم، وعدم اجتماعهم.
إن الأخوة الخاصة توثق القيام بواجبات الإسلام القطعية، ومنها أخوة
[ ص: 43 ] المسلمين العامة، ذلك أن الأصل في عقد الأخوة الخاصة -وهي التي كان يسلكها أتباع المذاهب قديمًا، وأتباع الجماعات والأحزاب حديثًا، وأصحاب الصداقات الخاصة عمومًا- أن تكون أول أبجدياتها القيام بواجبات الإسلام، وعلى رأسها التزام حقوق المسلمين عمومًا، وهي الحقوق التي وجبت بمقتضى الأخوة الإيمانية التى أثبتها الله جل جلاله بين المؤمنين عمومًا، «فهذه الحقوق واجبةٌ بنفس الإيمان، والتزامها بمنـزلة التزام الصلاة والزكاة والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أَوْجبَ اللهُ ورسوله، وهذه ثابتةٌ لكل مؤمن على كل مؤمن وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة»
[19] .
«فمن كان قائمًا بواجب الإيمان كان أخًا لكل مؤمن، ووجب على كل مؤمن أن يقوم بحقوقه وإن لم يجر بينهما عقد خاص، فإن الله ورسوله قد عقدا الأخوة بينهما»
[20] .
واجتماع بعض المسلميـن على طـاعة الله ضـمن إطارٍ خاص لا يُسْقِطُ حقوق الأخوة العامة، ولا يُسوِّل لهم «التعصب لمن دخل فى حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل فى حزبهم؛ سواء كان على الحق أو الباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان»
[21] .
[ ص: 44 ]