(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) .
[ ص: 8 ] اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم عند الدعاء إلى اتباع ما أنزل الله تركوا النظر والتدبر ، وأخلدوا إلى التقليد ، وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ) ضرب لهم هذا المثل تنبيها للسامعين لهم أنهم إنما وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب ترك الإصغاء ، وقلة الاهتمام بالدين ، فصيرهم من هذا الوجه بمنزل الأنعام ، ومثل هذا المثل يزيد السامع معرفة بأحوال الكفار ، ويحقر إلى الكافر نفسه إذا سمع ذلك ، فيكون كسرا لقلبه ، وتضييقا لصدره ، حيث صيره كالبهيمة ، فيكون في ذلك نهاية الزجر والردع لمن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقه في التقليد ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : نعق الراعي بالغنم إذا صاح بها ، وأما نغق الغراب فبالغين المعجمة .
المسألة الثانية : للعلماء من أهل التأويل في هذه الآية طريقان :
أحدهما : تصحيح المعنى بالإضمار في الآية .
والثاني : إجراء الآية على ظاهرها من غير إضمار .
أما الذين أضمروا فذكروا وجوها :
الأول : وهو قول
الأخفش والزجاج nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة ، كأنه قال : ومثل من يدعو الذين كفروا إلى الحق كمثل الذي ينعق ، فصار الناعق الذي هو الراعي بمنزلة الداعي إلى الحق ، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام وسائر الدعاة إلى الحق ، وصار الكفار بمنزلة الغنم المنعوق بها ، ووجه التشبيه أن البهيمة تسمع الصوت ولا تفهم المراد ، وهؤلاء الكفار كانوا يسمعون صوت الرسول وألفاظه ، وما كانوا ينتفعون بها وبمعانيها ، لا جرم حصل وجه التشبيه .
الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=28675_32110مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم من الأوثان كمثل الناعق في دعائه ما لا يسمع كالغنم ، وما يجري مجراه من الكلام ، والبهائم لا تفهم : فشبه الأصنام في أنها لا تفهم بهذه البهائم ، فإذا كان لا شك أن ههنا المحذوف هو المدعو ، وفي القول الذي قبله المحذوف هو الداعي ، وفيه سؤال ، وهو أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171إلا دعاء ونداء ) لا يساعد عليه ؛ لأن الأصنام لا تسمع شيئا .
الثالث : قال
ابن زيد : مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه عند الجبل ، فإنه لا يسمع إلا صدى صوته فإذا قال : يا زيد يسمع من الصدى : يا زيد . فكذلك هؤلاء الكفار إذا دعوا هذه الأوثان لا يسمعون إلا ما تلفظوا به من الدعاء والنداء .
الطريق الثاني : في الآية وهو إجراؤها على ظاهرها من غير إضمار وفيه وجهان :
أحدهما : أن يقول : مثل الذين كفروا في قلة عقلهم في عبادتهم لهذه الأوثان ، كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم فكما أنه يقضى على ذلك الراعي بقلة العقل ، فكذا ههنا .
الثاني : مثل الذين كفروا في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم ، كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم ، فكما أن الكلام مع البهائم عبث عديم الفائدة ، فكذا التقليد عبث عديم الفائدة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171صم بكم عمي ) فاعلم أنه تعالى لما شبههم بالبهائم زاد في تبكيتهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171صم بكم عمي ) لأنهم صاروا بمنزلة الصم في أن الذي سمعوه كأنهم لم يسمعوه ، وبمنزلة البكم في أن لا يستجيبوا لما دعوا إليه ، وبمنزلة العمي من حيث إنهم أعرضوا عن الدلائل فصاروا كأنهم لم يشاهدوها ، قال النحويون (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171صم ) أي هم صم وهو رفع على الذم ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171فهم لا يعقلون ) فالمراد العقل الاكتسابي ؛ لأن العقل المطبوع كان حاصلا لهم ، قال : العقل عقلان مطبوع ومسموع .
ولما كان طريق اكتساب العقل المكتسب هو الاستعانة بهذه القوى الثلاثة فلما أعرضوا عنها فقدوا العقل المكتسب ، ولهذا قيل : من فقد حسا فقد علما .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) .
[ ص: 8 ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ إِلَى اتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَرَكُوا النَّظَرَ وَالتَّدَبُّرَ ، وَأَخْلَدُوا إِلَى التَّقْلِيدِ ، وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) ضَرَبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ تَنْبِيهًا لِلسَّامِعِينَ لَهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ بِسَبَبِ تَرْكِ الْإِصْغَاءِ ، وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِالدِّينِ ، فَصَيَّرَهُمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلِ الْأَنْعَامِ ، وَمِثْلُ هَذَا الْمَثَلِ يَزِيدُ السَّامِعَ مَعْرِفَةً بِأَحْوَالِ الْكُفَّارِ ، وَيُحَقِّرُ إِلَى الْكَافِرِ نَفْسَهُ إِذَا سَمِعَ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ كَسْرًا لِقَلْبِهِ ، وَتَضْيِيقًا لِصَدْرِهِ ، حَيْثُ صَيَّرَهُ كَالْبَهِيمَةِ ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ نِهَايَةُ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ لِمَنْ يَسْمَعُهُ عَنْ أَنْ يَسْلُكَ مِثْلَ طَرِيقِهِ فِي التَّقْلِيدِ ، وَهَهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : نَعَقَ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ إِذَا صَاحَ بِهَا ، وَأَمَّا نَغَقَ الْغُرَابُ فَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِلْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَرِيقَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَصْحِيحُ الْمَعْنَى بِالْإِضْمَارِ فِي الْآيَةِ .
وَالثَّانِي : إِجْرَاءُ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ إِضْمَارٍ .
أَمَّا الَّذِينَ أَضْمَرُوا فَذَكَرُوا وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ
الْأَخْفَشِ وَالزَّجَّاجِ nindex.php?page=showalam&ids=13436وَابْنِ قُتَيْبَةَ ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَمَثَلُ مَنْ يَدْعُو الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى الْحَقِّ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ، فَصَارَ النَّاعِقُ الَّذِي هُوَ الرَّاعِي بِمَنْزِلَةِ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ ، وَهُوَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَائِرُ الدُّعَاةِ إِلَى الْحَقِّ ، وَصَارَ الْكُفَّارُ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَمِ الْمَنْعُوقِ بِهَا ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْبَهِيمَةَ تَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا تَفْهَمُ الْمُرَادَ ، وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ كَانُوا يَسْمَعُونَ صَوْتَ الرَّسُولِ وَأَلْفَاظَهُ ، وَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَبِمَعَانِيهَا ، لَا جَرَمَ حَصَلَ وَجْهُ التَّشْبِيهِ .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=28675_32110مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتَهُمْ مِنَ الْأَوْثَانِ كَمَثَلِ النَّاعِقِ فِي دُعَائِهِ مَا لَا يَسْمَعُ كَالْغَنَمِ ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنَ الْكَلَامِ ، وَالْبَهَائِمُ لَا تَفْهَمُ : فَشَبَّهُ الْأَصْنَامَ فِي أَنَّهَا لَا تَفْهَمُ بِهَذِهِ الْبَهَائِمِ ، فَإِذَا كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ هَهُنَا الْمَحْذُوفَ هُوَ الْمَدْعُوُّ ، وَفِي الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ الْمَحْذُوفُ هُوَ الدَّاعِي ، وَفِيهِ سُؤَالٌ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ) لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا .
الثَّالِثُ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتَهُمْ كَمَثَلِ النَّاعِقِ فِي دُعَائِهِ عِنْدَ الْجَبَلِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ إِلَّا صَدَى صَوْتِهِ فَإِذَا قَالَ : يَا زَيْدُ يَسْمَعُ مِنَ الصَّدَى : يَا زَيْدُ . فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ إِذَا دَعَوْا هَذِهِ الْأَوْثَانَ لَا يَسْمَعُونَ إِلَّا مَا تَلَفَّظُوا بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ وَالنِّدَاءِ .
الطَّرِيقُ الثَّانِي : فِي الْآيَةِ وَهُوَ إِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ إِضْمَارٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقُولَ : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قِلَّةِ عَقْلِهِمْ فِي عِبَادَتِهِمْ لِهَذِهِ الْأَوْثَانِ ، كَمَثَلِ الرَّاعِي إِذَا تَكَلَّمَ مَعَ الْبَهَائِمِ فَكَمَا أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى ذَلِكَ الرَّاعِي بِقِلَّةِ الْعَقْلِ ، فَكَذَا هَهُنَا .
الثَّانِي : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي اتِّبَاعِهِمْ آبَاءَهُمْ وَتَقْلِيدِهِمْ لَهُمْ ، كَمَثَلِ الرَّاعِي إِذَا تَكَلَّمَ مَعَ الْبَهَائِمِ ، فَكَمَا أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْبَهَائِمِ عَبَثٌ عَدِيمُ الْفَائِدَةِ ، فَكَذَا التَّقْلِيدُ عَبَثٌ عَدِيمُ الْفَائِدَةِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَبَّهَهُمْ بِالْبَهَائِمِ زَادَ فِي تَبْكِيتِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ الصُّمِّ فِي أَنَّ الَّذِي سَمِعُوهُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ ، وَبِمَنْزِلَةِ الْبُكْمِ فِي أَنْ لَا يَسْتَجِيبُوا لِمَا دُعُوا إِلَيْهِ ، وَبِمَنْزِلَةِ الْعُمْيِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنِ الدَّلَائِلِ فَصَارُوا كَأَنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوهَا ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171صُمٌّ ) أَيْ هُمْ صُمٌّ وَهُوَ رَفْعٌ عَلَى الذَّمِّ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) فَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الِاكْتِسَابِيُّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ الْمَطْبُوعَ كَانَ حَاصِلًا لَهُمْ ، قَالَ : الْعَقْلُ عَقْلَانِ مَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ .
وَلَمَّا كَانَ طَرِيقُ اكْتِسَابِ الْعَقْلِ الْمُكْتَسَبِ هُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِهَذِهِ الْقُوَى الثَّلَاثَةِ فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْهَا فَقَدُوا الْعَقْلَ الْمُكْتَسَبَ ، وَلِهَذَا قِيلَ : مَنْ فَقَدَ حِسًّا فَقَدَ عِلْمًا .