(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة ) .
لما ذكر أن للأولين سنة وهي الإهلاك نبههم
nindex.php?page=treesubj&link=32016_32438بتذكير حال الأولين ، فإنهم كانوا مارين على ديارهم رائين لآثارهم ، وأملهم كان فوق أملهم ، وعملهم كان دون عملهم ، أما الأول فلطول أعمارهم وشدة اقتدارهم ، وأما عملهم فلأنهم لم يكذبوا مثل
محمد ولا
محمدا وأنتم يا أهل مكة كذبتم
محمدا ومن تقدمه ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44وكانوا أشد منهم قوة ) قد ذكرناه في سورة الروم ، بقي فيه أبحاث :
الأول : قال هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=9كانوا أشد ) من غير واو ، وقال ههنا بالواو فما الفرق ؟ نقول : قول القائل : أما رأيت زيدا كيف أكرمني ، وأعظم منك ، يفيد أن القائل يخبره بأن زيدا أعظم ، وإذا قال : أما رأيته كيف أكرمني هو أعظم منك يفيد أنه تقرر أن كلا المعنيين حاصل عند السامع ، كأنه رآه أكرمه ، ورآه أكبر منه ، ولا شك أن هذه العبارة الأخيرة تفيد كون الأمر الثاني في الظهور مثل الأول بحيث لا يحتاج إلى إعلام من المتكلم ولا إخبار ، إذا علمت هذا فنقول : المذكور ههنا كونهم أشد منهم قوة لا غير ، ولعل ذلك كان ظاهرا عندهم ، فقال بالواو أي نظركم كما يقع على عاقبة أمرهم يقع على قوتهم ، وأما هناك فالمذكور أشياء كثيرة فإنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=9كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها ) ( الروم : 9 ) وفي موضع آخر قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=82أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض ) ( غافر : 82 ) ولعل علمهم لم يحصل
[ ص: 33 ] بإثارتهم الأرض أو بكثرتهم ولكن نفس القوة ورجحانهم فيما عليهم كان معلوما عندهم ، فإن كل طائفة تعتقد فيمن تقدمهم أنهم أقوى منهم ولا نزاع فيه .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون بيانا لهم أي أن
nindex.php?page=treesubj&link=33679_33677_28781الأولين مع شدة قوتهم ما أعجزوا الله وما فاتوه فهم أولى بأن لا يعجزوه .
والثاني : أن يكون قطعا لأطماع الجهال ، فإن قائلا لو قال : هب أن الأولين كانوا أشد قوة وأطول أعمارا لكنا نستخرج بذكائنا ما يزيد على قواهم ، ونستعين بأمور أرضية لها خواص أو كواكب سماوية لها آثار فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما ) بأفعالهم وأقوالهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44قديرا ) على إهلاكهم واستئصالهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) .
لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لِلْأَوَّلِينَ سُنَّةً وَهِيَ الْإِهْلَاكُ نَبَّهَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=32016_32438بِتَذْكِيرِ حَالِ الْأَوَّلِينَ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَارِّينَ عَلَى دِيَارِهِمْ رَائِينَ لِآثَارِهِمْ ، وَأَمَلُهُمْ كَانَ فَوْقَ أَمَلِهِمْ ، وَعَمَلُهُمْ كَانَ دُونَ عَمَلِهِمْ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِطُولِ أَعْمَارِهِمْ وَشِدَّةِ اقْتِدَارِهِمْ ، وَأَمَّا عَمَلُهُمْ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوا مِثْلَ
مُحَمَّدٍ وَلَا
مُحَمَّدًا وَأَنْتُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ كَذَّبْتُمْ
مُحَمَّدًا وَمَنْ تَقَدَّمَهُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الرُّومِ ، بَقِيَ فِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=9كَانُوا أَشَدَّ ) مِنْ غَيْرِ وَاوٍ ، وَقَالَ هَهُنَا بِالْوَاوِ فَمَا الْفَرْقُ ؟ نَقُولُ : قَوْلُ الْقَائِلِ : أَمَا رَأَيْتَ زَيْدًا كَيْفَ أَكْرَمَنِي ، وَأَعْظَمُ مِنْكَ ، يُفِيدُ أَنَّ الْقَائِلَ يُخْبِرُهُ بِأَنَّ زَيْدًا أَعْظَمُ ، وَإِذَا قَالَ : أَمَا رَأَيْتَهُ كَيْفَ أَكْرَمَنِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْكَ يُفِيدُ أَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَاصِلٌ عِنْدَ السَّامِعِ ، كَأَنَّهُ رَآهُ أَكْرَمَهُ ، وَرَآهُ أَكْبَرَ مِنْهُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْأَخِيرَةَ تُفِيدُ كَوْنَ الْأَمْرِ الثَّانِي فِي الظُّهُورِ مِثْلَ الْأَوَّلِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعْلَامٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا إِخْبَارٍ ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْمَذْكُورُ هَهُنَا كَوْنُهُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً لَا غَيْرَ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَهُمْ ، فَقَالَ بِالْوَاوِ أَيْ نَظَرُكُمْ كَمَا يَقَعُ عَلَى عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ يَقَعُ عَلَى قُوَّتِهِمْ ، وَأَمَّا هُنَاكَ فَالْمَذْكُورُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=9كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا ) ( الرُّومِ : 9 ) وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=82أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ) ( غَافِرٍ : 82 ) وَلَعَلَّ عِلْمَهُمْ لَمْ يَحْصُلْ
[ ص: 33 ] بِإِثَارَتِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ بِكَثْرَتِهِمْ وَلَكِنْ نَفْسُ الْقُوَّةِ وَرُجْحَانُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِمْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ ، فَإِنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَعْتَقِدُ فِيمَنْ تَقَدَّمَهُمْ أَنَّهُمْ أَقْوَى مِنْهُمْ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لَهُمْ أَيْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_33677_28781الْأَوَّلِينَ مَعَ شِدَّةِ قُوَّتِهِمْ مَا أَعْجَزُوا اللَّهَ وَمَا فَاتُوهُ فَهُمْ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُعْجِزُوهُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ قَطْعًا لِأَطْمَاعِ الْجُهَّالِ ، فَإِنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ : هَبْ أَنَّ الْأَوَّلِينَ كَانُوا أَشَدَّ قُوَّةً وَأَطْوَلَ أَعْمَارًا لَكِنَّا نَسْتَخْرِجُ بِذَكَائِنَا مَا يَزِيدُ عَلَى قُوَاهُمْ ، وَنَسْتَعِينُ بِأُمُورٍ أَرْضِيَّةٍ لَهَا خَوَاصُّ أَوْ كَوَاكِبَ سَمَاوِيَّةٍ لَهَا آثَارٌ فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا ) بِأَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=44قَدِيرًا ) عَلَى إِهْلَاكِهِمْ وَاسْتِئْصَالِهِمْ .