(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ) .
وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير تأكيد لبيان تقليدهم يعني يقولون عندما تتلى عليهم الآيات البينات : هذا رجل كاذب ، وقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=43إفك مفترى ) من غير برهان ولا كتاب أنزل عليهم ولا رسول أرسل إليهم ، فالآيات البينات لا تعارض إلا بالبراهين العقلية ، ولم يأتوا بها أو بالتقلبات وما عندهم كتاب ولا رسول غيرك ، والنقل المعتبر آيات من كتاب الله أو خبر رسول الله ، ثم بين أنهم كالذين من قبلهم كذبوا مثل
عاد وثمود ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وما بلغوا معشار ما آتيناهم ) قال المفسرون : معناه : وما بلغ هؤلاء المشركون معشار ما آتينا المتقدمين من القوة والنعمة وطول العمر ، ثم إن الله أخذهم وما نفعتهم قوتهم ، فكيف حال هؤلاء الضعفاء ، وعندي [ أنه ] يحتمل ذلك وجها آخر وهو أن يقال : المراد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم ) أي الذين من قبلهم ما بلغوا معشار ما آتينا
قوم محمد من البيان والبرهان ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29568_32232كتاب محمد عليه السلام أكمل من سائر الكتب وأوضح ،
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638ومحمد عليه السلام أفضل من جميع الرسل وأفصح ، وبرهانه أوفى ، وبيانه أشفى ، ثم إن المتقدمين لما كذبوا بما جاءهم من الكتب وبمن أتاهم من الرسل أنكر عليهم ، وكيف لا ينكر عليهم ، وقد كذبوا بما جاءهم من الكتب وبمن أتاهم من الرسل ؟ أنكر عليهم وكيف لا ينكر عليهم ، وقد كذبوا بأفصح الرسل ، وأوضح السبل ؟ يؤيد ما ذكرنا من المعنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وما آتيناهم من كتب يدرسونها ) يعني غير القرآن ما آتيناهم كتابا وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ، فلما كان
[ ص: 232 ] المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب ، فحمل الإيتاء في الآية الثانية على إيتاء الكتاب أولى .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) .
ذكر الأصول الثلاثة في هذه الآية بعد ما سبق منه تقريرها بالدلائل فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46أن تقوموا لله ) إشارة إلى التوحيد ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم ) إشارة إلى الرسالة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بين يدي عذاب شديد ) إشارة إلى اليوم الآخر ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إنما أعظكم بواحدة ) يقتضي أن لا يكون إلا بالتوحيد ، والإيمان لا يتم إلا بالاعتراف بالرسالة والحشر ، فكيف يصح الحصر المذكور بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إنما أعظكم بواحدة ) ؟ فنقول : التوحيد هو المقصود
nindex.php?page=treesubj&link=29679_29680ومن وحد الله حق التوحيد يشرح الله صدره ويرفع في الآخرة قدره فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بما يفتح عليهم أبواب العبادات ويهيئ لهم أسباب السعادات ، وجواب آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال : إني لا آمركم في جميع عمري إلا بشيء واحد ، وإنما قال : أعظكم أولا بالتوحيد ولا آمركم في أول الأمر بغيره ؛ لأنه سابق على الكل ويدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46ثم تتفكروا ) فإن التفكر أيضا صار مأمورا به وموعوظا .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بواحدة ) قال المفسرون : أنثها على أنها صفة خصلة ؛ أي : أعظكم بخصلة واحدة ، ويحتمل أن يقال : المراد حسنة واحدة ؛ لأن التوحيد حسنة وإحسان ، وقد ذكرنا في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) [ النحل : 90 ] أن العدل نفي الإلهية عن غير الله ، والإحسان إثبات الإلهية له ، وقيل في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=60هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن : 60 ] أن المراد : هل جزاء الإيمان إلا الجنان ، وكذلك يدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) [ فصلت : 33 ] .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46مثنى وفرادى ) إشارة إلى جميع الأحوال ، فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره أو يكون وحده ، فإذا كان مع غيره دخل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46مثنى ) وإذا كان وحده دخل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94فرادى ) فكأنه يقول : تقوموا لله مجتمعين ومنفردين لا تمنعكم الجمعية من ذكر الله ولا يحوجكم الانفراد إلى معين يعينكم على ذكر الله .
المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46ثم تتفكروا ) يعني اعترفوا بما هو الأصل والتوحيد ولا حاجة فيه إلى تفكر ونظر بعد ما بان وظهر ، ثم تتفكروا فيما أقول بعده من الرسالة والحشر ، فإنه يحتاج إلى تفكر ، وكلمة ثم تفيد ما ذكرنا ، فإنه قال : أن تقوموا لله ثم تتفكروا ، ثم بين ما يتفكرون فيه وهو أمر النبي عليه السلام فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46ما بصاحبكم من جنة ) .
المسألة الخامسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46ما بصاحبكم من جنة ) يفيد كونه رسولا وإن كان لا يلزم في كل من لا يكون به جنة أن يكون رسولا ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29402النبي عليه السلام كان يظهر منه أشياء لا تكون مقدورة للبشر ، وغير البشر ممن تظهر منه العجائب إما الجن أو الملك ، وإذا لم يكن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الجن يكون بواسطة الملك أو بقدرة الله تعالى من غير واسطة ، وعلى التقديرين فهو رسول الله ، وهذا من أحسن الطرق ، وهو أن يثبت الصفة التي هي أشرف الصفات في البشر بنفي أخس الصفات ، فإنه لو قال أولا هو رسول الله كانوا يقولون : فيه النزاع ، فإذا قال : ما هو مجنون ؛ لم يسعهم إنكار ذلك لعلمهم بعلو شأنه وحاله في قوة لسانه
[ ص: 233 ] وبيانه فإذا ساعدوا على ذلك لزمتهم المسألة . ولهذا قال بعده (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إن هو إلا نذير ) يعني إما هو به جنة أو هو رسول لكن تبين أنه ليس به جنة فهو نذير .
المسألة السادسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بين يدي عذاب شديد ) إشارة إلى قرب العذاب كأنه قال : ينذركم بعذاب حاضر يمسكم عن قريب بين يدي العذاب أي سوف يأتي العذاب بعده .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) .
وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ تَأْكِيدٌ لِبَيَانِ تَقْلِيدِهِمْ يَعْنِي يَقُولُونَ عِنْدَمَا تُتْلَى عَلَيْهِمُ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ : هَذَا رَجُلٌ كَاذِبٌ ، وَقَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=43إِفْكٌ مُفْتَرًى ) مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ وَلَا كِتَابٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ وَلَا رَسُولٍ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ، فَالْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ لَا تُعَارَضَ إِلَّا بِالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَلَمْ يَأْتُوا بِهَا أَوْ بِالتَّقَلُّبَاتِ وَمَا عِنْدَهُمْ كِتَابٌ وَلَا رَسُولٌ غَيْرَكَ ، وَالنَّقْلُ الْمُعْتَبَرُ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ خَبَرُ رَسُولِ اللَّهِ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَالَّذِينِ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا مِثْلَ
عَادٍ وَثَمُودَ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : مَعْنَاهُ : وَمَا بَلَغَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِعْشَارَ مَا آتَيْنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْقُوَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَطُولِ الْعُمُرِ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَهُمْ وَمَا نَفَعَتْهُمْ قُوَّتُهُمْ ، فَكَيْفَ حَالُ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ ، وَعِنْدِي [ أَنَّهُ ] يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=45وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) أَيِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَا
قَوْمَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29568_32232كِتَابَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْمَلُ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ وَأَوْضَحُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الرُّسُلِ وَأَفْصَحُ ، وَبُرْهَانُهُ أَوْفَى ، وَبَيَانُهُ أَشَفَى ، ثُمَّ إِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمَّا كَذَّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ وَبِمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الرُّسُلِ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ، وَكَيْفَ لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ كَذَّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ وَبِمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الرُّسُلِ ؟ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَكَيْفَ لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ كَذَّبُوا بِأَفْصَحِ الرُّسُلِ ، وَأَوْضَحِ السُّبُلِ ؟ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=44وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ) يَعْنِي غَيْرَ الْقُرْآنِ مَا آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ، فَلَمَّا كَانَ
[ ص: 232 ] الْمُؤْتَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى هُوَ الْكِتَابَ ، فَحَمْلُ الْإِيتَاءِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى إِيتَاءِ الْكِتَابِ أَوْلَى .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) .
ذَكَرَ الْأُصُولَ الثَّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ مَا سَبَقَ مِنْهُ تَقْرِيرُهَا بِالدَّلَائِلِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ ) إِشَارَةٌ إِلَى الرِّسَالَةِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ) يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ ، وَالْإِيمَانُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالِاعْتِرَافِ بِالرِّسَالَةِ وَالْحَشْرِ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْحَصْرُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ) ؟ فَنَقُولُ : التَّوْحِيدُ هُوَ الْمَقْصُودُ
nindex.php?page=treesubj&link=29679_29680وَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ حَقَّ التَّوْحِيدِ يَشْرَحُ اللَّهُ صَدْرَهُ وَيَرْفَعُ فِي الْآخِرَةِ قَدْرَهُ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِمَا يَفْتَحُ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الْعِبَادَاتِ وَيُهَيِّئُ لَهُمْ أَسْبَابَ السَّعَادَاتِ ، وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ : إِنِّي لَا آمُرُكُمْ فِي جَمِيعِ عُمُرِي إِلَّا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَإِنَّمَا قَالَ : أَعِظُكُمْ أَوَّلًا بِالتَّوْحِيدِ وَلَا آمُرُكُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ) فَإِنَّ التَّفَكُّرَ أَيْضًا صَارَ مَأْمُورًا بِهِ وَمَوْعُوظًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بِوَاحِدَةٍ ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : أَنَّثَهَا عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ خَصْلَةٍ ؛ أَيْ : أَعِظُكُمْ بِخَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ حَسَنَةٌ وَإِحْسَانٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) [ النَّحْلِ : 90 ] أَنَّ الْعَدْلَ نَفْيُ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ ، وَالْإِحْسَانَ إِثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ لَهُ ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=60هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) [ الرَّحْمَنِ : 60 ] أَنَّ الْمُرَادَ : هَلْ جَزَاءُ الْإِيمَانِ إِلَّا الْجِنَانُ ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) [ فُصِّلَتْ : 33 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46مَثْنَى وَفُرَادَى ) إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ يَكُونَ وَحْدَهُ ، فَإِذَا كَانَ مَعَ غَيْرِهِ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46مَثْنَى ) وَإِذَا كَانَ وَحْدَهُ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94فُرَادَى ) فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : تَقُومُوا لِلَّهِ مُجْتَمِعِينَ وَمُنْفَرِدِينَ لَا تَمْنَعُكُمُ الْجَمْعِيَّةُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَلَا يُحْوِجُكُمُ الِانْفِرَادُ إِلَى مُعِينٍ يُعِينُكُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ) يَعْنِي اعْتَرِفُوا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ وَالتَّوْحِيدُ وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى تَفَكُّرٍ وَنَظَرٍ بَعْدَ مَا بَانَ وَظَهَرَ ، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا فِيمَا أَقُولُ بَعْدَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالْحَشْرِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَفَكُّرٍ ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ تُفِيدُ مَا ذَكَرْنَا ، فَإِنَّهُ قَالَ : أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهِ وَهُوَ أَمْرُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) يُفِيدُ كَوْنَهُ رَسُولًا وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ مَنْ لَا يَكُونُ بِهِ جِنَّةٌ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29402النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ أَشْيَاءُ لَا تَكُونُ مَقْدُورَةً لِلْبَشَرِ ، وَغَيْرُ الْبَشَرِ مِمَّنْ تَظْهَرُ مِنْهُ الْعَجَائِبُ إِمَّا الْجِنُّ أَوِ الْمَلَكُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الصَّادِرُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ الْجِنِّ يَكُونُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ أَوْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الطُّرُقِ ، وَهُوَ أَنْ يُثْبِتَ الصِّفَةَ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ الصِّفَاتِ فِي الْبَشَرِ بِنَفْيِ أَخَسِّ الصِّفَاتِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلًا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ كَانُوا يَقُولُونَ : فِيهِ النِّزَاعُ ، فَإِذَا قَالَ : مَا هُوَ مَجْنُونٌ ؛ لَمْ يَسَعْهُمْ إِنْكَارُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ وَحَالِهِ فِي قُوَّةِ لِسَانِهِ
[ ص: 233 ] وَبَيَانِهِ فَإِذَا سَاعَدُوا عَلَى ذَلِكَ لَزِمَتْهُمُ الْمَسْأَلَةُ . وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ ) يَعْنِي إِمَّا هُوَ بِهِ جِنَّةٌ أَوْ هُوَ رَسُولٌ لَكِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ جَنَّةٌ فَهُوَ نَذِيرٌ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ الْعَذَابِ كَأَنَّهُ قَالَ : يُنْذِرُكُمْ بِعَذَابٍ حَاضِرٍ يَمَسُّكُمْ عَنْ قَرِيبٍ بَيْنَ يَدَيِ الْعَذَابِ أَيْ سَوْفَ يَأْتِي الْعَذَابُ بَعْدَهُ .