[ ص: 86 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بنصر الله ينصر من يشاء ) قدم المصدر على الفعل حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بنصر الله ينصر ) وقدم الفعل على المصدر في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وأيدكم بنصره ) وذلك ; لأن المقصود ههنا بيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=29677النصرة بيد الله إن أراد نصر وإن لم يرد لا ينصر ، وليس المقصود النصرة ووقوعها والمقصود هناك إظهار النعمة عليه بأنه نصره ، فالمقصود هناك الفعل ووقوعه ، فقدم هناك الفعل ، ثم بين أن ذلك الفعل مصدره عند الله ، والمقصود ههنا كون المصدر عند الله إن أراد فعل فقدم المصدر .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5وهو العزيز الرحيم ) ذكر من أسمائه هذين الاسمين ; لأنه إن لم ينصر المحب بل سلط العدو عليه فذلك لعزته وعدم افتقاره ، وإن نصر المحب فذلك لرحمته عليه ، أو نقول : إن نصر الله المحب فلعزته واستغنائه عن العدو ورحمته على المحب ، وإن لم ينصر المحب فلعزته واستغنائه عن المحب ، ورحمته في الآخرة واصلة إليه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وعد الله لا يخلف الله وعده ) يعني سيغلبون وعدهم الله وعدا
nindex.php?page=treesubj&link=33678ووعد الله لا خلف فيه ، قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي لا يعلمون وعده وأنه لا خلف في وعده .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) يعني علمهم منحصر في الدنيا وأيضا لا يعلمون الدنيا كما هي ، وإنما يعلمون ظاهرها وهي ملاذها وملاعبها ، ولا يعلمون باطنها وهي مضارها ومتاعبها ويعلمون وجودها الظاهر ، ولا يعلمون فناءها (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7وهم عن الآخرة هم غافلون ) والمعنى هم عن الآخرة غافلون ، وذكرت هم الثانية لتفيد أن الغفلة منهم ، وإلا فأسباب التذكر حاصلة وهذا كما يقول القائل لغيره : غفلت عن أمري ، فإذا قال هو : شغلني فلان ، فيقول : ما شغلك ولكن أنت اشتغلت .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أولم يتفكروا في أنفسهم ) لما صدر من الكفار الإنكار بالله عند إنكار وعد الله وعدم الخلف فيه كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) والإنكار بالحشر كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7وهم عن الآخرة هم غافلون ) بين أن الغفلة وعدم العلم منهم بتقدير الله ، وإلا فأسباب التذكر حاصلة وهو [ أن ] أنفسهم لو تفكروا فيها لعلموا وحدانية الله وصدقوا بالحشر ، أما الوحدانية فلأن الله خلقهم على
[ ص: 87 ] أحسن تقويم ، ولنذكر من حسن خلقهم جزأ من ألف ألف جزء ، وهو أن الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32405_19789خلق للإنسان معدة فيها ينهضم غذاؤه لتقوى به أعضاؤه ولها منفذان أحدهما لدخول الطعام فيه ، والآخر لخروج الطعام منه ، فإذا دخل الطعام فيها انطبق المنفذ الآخر بعضه على بعض ، بحيث لا يخرج منه ذرة ولا بالرشح ، وتمسكه الماسكة إلى أن ينضج نضجا صالحا ، ثم يخرج من المنفذ الآخر ، وخلق تحت المعدة عروقا دقاقا صلابا كالمصفاة التي يصفى بها الشيء فينزل منها الصافي إلى الكبد ، وينصب الثفل إلى معى مخلوق تحت المعدة مستقيم متوجها إلى الخروج ، وما يدخل في الكبد من العروق المذكورة يسمى الماساريقا بالعبرية ، والعبرية عربية مفسودة في الأكثر ، يقال
لموسى ميشا وللإله إيل إلى غير ذلك ، فالماساريقا معناها ماساريق اشتمل عليه الكبد وأنضجه نضجا آخر ، ويكون مع الغذاء المتوجه من المعدة إلى الكبد فضل ماء مشروب ليرقق وينذرق في العروق الدقاق المذكورة ، وفي الكبد يستغني عن ذلك الماء فيتميز عنه ذلك الماء وينصب من جانب حدبة الكبد إلى الكلية ومعه دم يسير تغتذي به الكلية وغيرها ، ويخرج الدم الخالص من الكبد في عرق كبير ، ثم يتشعب ذلك النهر إلى جداول ، والجداول إلى سواق ، والسواقي إلى رواضع ويصل فيها إلى جميع البدن ، فهذه حكمة واحدة في خلق الإنسان ، وهذه كفاية في معرفة كون الله فاعلا مختارا قادرا كاملا عالما شاملا علمه ، ومن يكون كذلك يكون واحدا وإلا لكان عاجزا عند إرادة شريكه ضد ما أراده .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19791_30347_19795دلالة الإنسان على الحشر فذلك ; لأنه إذا تفكر في نفسه يرى قواه صائرة إلى الزوال ، وأجزاءه مائلة إلى الانحلال فله فناء ضروري ، فلو لم يكن له حياة أخرى لكان خلقه على هذا الوجه للفناء عبثا ، وإليه أشار بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) [ المؤمنون : 115 ] وهذا ظاهر ; لأن من يفعل شيئا للعبث فلو بالغ في إحكامه وإتقانه يضحك منه ، فإذا خلقه للبقاء ولا بقاء دون اللقاء فالآخرة لا بد منها ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28658_19785_19787إنه تعالى ذكر بعد دليل الأنفس دليل الآفاق فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8إلا بالحق ) إشارة إلى وجه دلالتها على الوحدانية ، وقد بينا ذلك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين ) [ العنكبوت : 44 ] ونعيده فإن
nindex.php?page=treesubj&link=34077التكرير في الذهن يفيد التقرير لذي الذهن ، فنقول : إذا كان بالحق لا يكون فيها بطلان فلا يكون فيها فساد ; لأن كل فاسد باطل ، وإذا لم يكن فيها فساد لا تكون آلهة وإلا لكان فيها فساد ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) [ الأنبياء : 22 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8وأجل مسمى ) يذكر بالأصل الآخر الذي أنكروه .
[ ص: 86 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ) قَدَّمَ الْمَصْدَرَ عَلَى الْفِعْلِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ ) وَقَدَّمَ الْفِعْلَ عَلَى الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=26وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ) وَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَهُنَا بَيَانُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29677النُّصْرَةَ بِيَدِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ نَصَرَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ لَا يَنْصُرْ ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ النُّصْرَةَ وَوُقُوعَهَا وَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ إِظْهَارُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ نَصَرَهُ ، فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ الْفِعْلُ وَوُقُوعُهُ ، فَقَدَّمَ هُنَاكَ الْفِعْلَ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مَصْدَرُهُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَالْمَقْصُودُ هَهُنَا كَوْنُ الْمَصْدَرُ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ فَعَلَ فَقَدَّمَ الْمَصْدَرَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ذَكَرَ مِنْ أَسْمَائِهِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ ; لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْصُرِ الْمُحِبَّ بَلْ سَلَّطَ الْعَدُوَّ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لِعِزَّتِهِ وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ ، وَإِنْ نَصَرَ الْمُحِبَّ فَذَلِكَ لِرَحْمَتِهِ عَلَيْهِ ، أَوْ نَقُولُ : إِنْ نَصَرَ اللَّهُ الْمُحِبِّ فَلِعِزَّتِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْعَدُوِّ وَرَحْمَتِهِ عَلَى الْمُحِبِّ ، وَإِنْ لَمْ يَنْصُرِ الْمُحِبَّ فَلِعِزَّتِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْمُحِبِّ ، وَرَحْمَتُهُ فِي الْآخِرَةِ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ) يَعْنِي سَيَغْلِبُونَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ وَعْدًا
nindex.php?page=treesubj&link=33678وَوَعْدُ اللَّهِ لَا خُلْفَ فِيهِ ، قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) أَيْ لَا يَعْلَمُونَ وَعْدَهُ وَأَنَّهُ لَا خُلْفَ فِي وَعْدِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يَعْنِي عِلْمُهُمْ مُنْحَصِرٌ فِي الدُّنْيَا وَأَيْضًا لَا يَعْلَمُونَ الدُّنْيَا كَمَا هِيَ ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُونَ ظَاهِرَهَا وَهِيَ مَلَاذُهَا وَمَلَاعِبُهَا ، وَلَا يَعْلَمُونَ بَاطِنَهَا وَهِيَ مَضَارُّهَا وَمَتَاعِبُهَا وَيَعْلَمُونَ وُجُودَهَا الظَّاهِرَ ، وَلَا يَعْلَمُونَ فَنَاءَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) وَالْمَعْنَى هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ غَافِلُونَ ، وَذُكِرَتْ هُمُ الثَّانِيَةُ لِتُفِيدَ أَنَّ الْغَفْلَةَ مِنْهُمْ ، وَإِلَّا فَأَسْبَابُ التَّذَكُّرِ حَاصِلَةٌ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ : غَفَلْتُ عَنْ أَمْرِي ، فَإِذَا قَالَ هُوَ : شَغَلَنِي فُلَانٌ ، فَيَقُولُ : مَا شَغَلَكَ وَلَكِنْ أَنْتَ اشْتَغَلْتَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ) لَمَّا صَدَرَ مِنَ الْكُفَّارِ الْإِنْكَارَ بِاللَّهِ عِنْدَ إِنْكَارِ وَعْدِ اللَّهِ وَعَدَمِ الْخُلْفِ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=6وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) وَالْإِنْكَارُ بِالْحَشْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=7وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) بَيَّنَ أَنَّ الْغَفْلَةَ وَعَدَمَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ ، وَإِلَّا فَأَسْبَابُ التَّذَكُّرِ حَاصِلَةٌ وَهُوَ [ أَنَّ ] أَنْفُسَهُمْ لَوْ تَفَكَّرُوا فِيهَا لَعَلِمُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَصَدَّقُوا بِالْحَشْرِ ، أَمَّا الْوَحْدَانِيَّةُ فَلِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ عَلَى
[ ص: 87 ] أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، وَلْنَذْكُرْ مِنْ حُسْنِ خَلْقِهِمْ جُزْأً مِنْ أَلْفِ أَلْفِ جُزْءٍ ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=32412_32405_19789خَلَقَ لِلْإِنْسَانِ مَعِدَةً فِيهَا يَنْهَضِمُ غِذَاؤُهُ لِتَقْوَى بِهِ أَعْضَاؤُهُ وَلَهَا مَنْفَذَانِ أَحَدُهُمَا لِدُخُولِ الطَّعَامِ فِيهِ ، وَالْآخَرُ لِخُرُوجِ الطَّعَامِ مِنْهُ ، فَإِذَا دَخَلَ الطَّعَامُ فِيهَا انْطَبَقَ الْمَنْفَذُ الْآخَرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ ذَرَّةٌ وَلَا بِالرَّشْحِ ، وَتُمْسِكُهُ الْمَاسِكَةُ إِلَى أَنْ يَنْضَجَ نُضْجًا صَالِحًا ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ الْمَنْفَذِ الْآخَرِ ، وَخَلَقَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ عُرُوقًا دِقَاقًا صِلَابًا كَالْمِصْفَاةِ الَّتِي يُصَفَّى بِهَا الشَّيْءُ فَيَنْزِلُ مِنْهَا الصَّافِي إِلَى الْكَبِدِ ، وَيَنْصَبُّ الثُّفْلُ إِلَى مِعًى مَخْلُوقٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مُسْتَقِيمٍ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْخُرُوجِ ، وَمَا يَدْخُلُ فِي الْكَبِدِ مِنَ الْعُرُوقِ الْمَذْكُورَةِ يُسَمَّى الْمَاسَارِيقَا بِالْعِبْرِيَّةِ ، وَالْعِبْرِيَّةُ عَرَبِيَّةٌ مَفْسُودَةٌ فِي الْأَكْثَرِ ، يُقَالُ
لِمُوسَى مِيشَا وَلِلْإِلَهِ إِيلْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَالْمَاسَارِيقَا مَعْنَاهَا مَاسَارِيقُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْكَبِدُ وَأَنْضَجَهُ نُضْجًا آخَرَ ، وَيَكُونُ مَعَ الْغِذَاءِ الْمُتَوَجِّهِ مِنَ الْمَعِدَةِ إِلَى الْكَبِدِ فَضْلُ مَاءٍ مَشْرُوبٍ لِيُرَقَّقَ وَيَنْذَرِقَ فِي الْعُرُوقِ الدِّقَاقِ الْمَذْكُورَةِ ، وَفِي الْكَبِدِ يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَيَتَمَيَّزُ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَاءُ وَيَنْصَبُّ مِنْ جَانِبِ حَدَبَةِ الْكَبِدِ إِلَى الْكُلْيَةِ وَمَعَهُ دَمٌ يَسِيرٌ تَغْتَذِي بِهِ الْكُلْيَةُ وَغَيْرُهَا ، وَيَخْرُجُ الدَّمُ الْخَالِصُ مِنَ الْكَبِدِ فِي عِرْقٍ كَبِيرٍ ، ثُمَّ يَتَشَعَّبُ ذَلِكَ النَّهْرُ إِلَى جَدَاوِلَ ، وَالْجَدَاوِلُ إِلَى سَوَاقٍ ، وَالسَّوَاقِي إِلَى رَوَاضِعَ وَيَصِلُ فِيهَا إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ ، فَهَذِهِ حِكْمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ ، وَهَذِهِ كِفَايَةٌ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِ اللَّهِ فَاعِلًا مُخْتَارًا قَادِرًا كَامِلًا عَالِمًا شَامِلًا عِلْمُهُ ، وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ يَكُونُ وَاحِدًا وَإِلَّا لَكَانَ عَاجِزًا عِنْدَ إِرَادَةِ شَرِيكِهِ ضِدَّ مَا أَرَادَهُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19791_30347_19795دَلَالَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَشْرِ فَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ يَرَى قُوَاهُ صَائِرَةً إِلَى الزَّوَالِ ، وَأَجْزَاءَهُ مَائِلَةً إِلَى الِانْحِلَالِ فَلَهُ فَنَاءٌ ضَرُورِيٌّ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَيَاةٌ أُخْرَى لَكَانَ خَلْقُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلْفَنَاءِ عَبَثًا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 115 ] وَهَذَا ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ مَنْ يَفْعَلُ شَيْئًا لِلْعَبَثِ فَلَوْ بَالَغَ فِي إِحْكَامِهِ وَإِتْقَانِهِ يَضْحَكُ مِنْهُ ، فَإِذَا خَلَقَهُ لِلْبَقَاءِ وَلَا بَقَاءَ دُونَ اللِّقَاءِ فَالْآخِرَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28658_19785_19787إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بَعْدَ دَلِيلِ الْأَنْفُسِ دَلِيلَ الْآفَاقِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8إِلَّا بِالْحَقِّ ) إِشَارَةٌ إِلَى وَجْهِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=44خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 44 ] وَنُعِيدُهُ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077التَّكْرِيرَ فِي الذِّهْنِ يُفِيدُ التَّقْرِيرَ لِذِي الذِّهْنِ ، فَنَقُولُ : إِذَا كَانَ بِالْحَقِّ لَا يَكُونُ فِيهَا بُطْلَانٌ فَلَا يَكُونُ فِيهَا فَسَادٌ ; لِأَنَّ كُلَّ فَاسِدٍ بَاطِلٌ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَسَادٌ لَا تَكُونُ آلِهَةً وَإِلَّا لَكَانَ فِيهَا فَسَادٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 22 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=8وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) يُذَكِّرُ بِالْأَصْلِ الْآخَرِ الَّذِي أَنْكَرُوهُ .