(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) .
هذا هو النوع الثاني مما نهى الله عنه في هذه الآية ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : لقائل أن يقول : إن
nindex.php?page=treesubj&link=25124_33480_27530_30523أكبر الكبائر بعد الكفر بالله القتل ، فما السبب في أن الله تعالى بدأ أولا بذكر النهي عن الزنا وثانيا بذكر النهي عن القتل .
وجوابه : أنا بينا أن فتح باب الزنا يمنع من دخول الإنسان في الوجود ، والقتل عبارة عن إبطال الإنسان بعد دخوله في الوجود . ودخوله في الوجود مقدم على إبطاله وإعدامه بعد وجوده ، فلهذا السبب ذكر الله تعالى
[ ص: 160 ] الزنا أولا ثم ذكر القتل ثانيا .
المسألة الثانية : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=25124الأصل في القتل هو الحرمة المغلظة ، والحل إنما يثبت بسبب عارضي ، فلما كان الأمر كذلك لا جرم نهى الله عن القتل مطلقا بناء على حكم الأصل ، ثم استثنى عنه الحالة التي يحصل فيها حل القتل وهو عند حصول الأسباب العرضية فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إلا بالحق ) فنفتقر ههنا إلى بيان أن الأصل في القتل التحريم ، والذي يدل عليه وجوه :
الأول : أن القتل ضرر والأصل في المضار الحرمة لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ الحج : 78 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185ولا يريد بكم العسر ) . و"
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013083لا ضرر ولا ضرار " .
الثاني : قوله عليه السلام : "
الآدمي بنيان الرب ملعون من هدم بنيان الرب " .
الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30489الآدمي خلق للاشتغال بالعبادة لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] ولقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013085حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " والاشتغال بالعبادة لا يتم إلا عند عدم القتل .
الرابع : أن القتل إفساد فوجب أن يحرم لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56ولا تفسدوا ) [ الأعراف : 56 ] .
الخامس : أنه إذا تعارض دليل تحريم القتل ودليل إباحته فقد أجمعوا على أن جانب الحرمة راجح ، ولولا أن مقتضى الأصل هو التحريم وإلا لكان ذلك ترجيحا لا لمرجح وهو محال .
السادس : أنا إذا لم نعرف في الإنسان صفة من الصفات إلا مجرد كونه إنسانا عاقلا حكمنا فيه بتحريم قتله ، وما لم نعرف شيئا زائدا على كونه إنسانا لم نحكم فيه بحل دمه ، ولولا أن أصل الإنسانية يقتضي حرمة القتل وإلا لما كان كذلك ، فثبت بهذه الوجوه أن الأصل في القتل هو التحريم . وأن حله لا يثبت إلا بأسباب عرضية .
وإذا ثبت هذا فنقول : إنه تعالى حكم بأن الأصل في القتل هو التحريم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا ) نهي وتحريم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33حرم الله ) إعادة لذكر التحريم على سبيل التأكيد ، ثم استثنى عنه الأسباب العرضية الاتفاقية فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إلا بالحق ) ثم ههنا طريقان :
الطريق الأول : أن مجرد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إلا بالحق ) مجمل لأنه ليس فيه بيان أن ذلك الحق ما هو وكيف هو ؟ ثم إنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) أي : في استيفاء القصاص من القاتل ، وهذا الكلام يصلح جعله بيانا لذلك المجمل ، وتقريره كأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) وذلك الحق هو أن من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا في استيفاء القصاص . وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الحق هذه الصورة فقط ، فصار تقدير الآية : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا عند القصاص ، وعلى هذا التقدير فتكون الآية نصا صريحا في تحريم القتل إلا بهذا السبب الواحد ، فوجب أن يبقى على الحرمة فيما سوى هذه الصورة الواحدة .
والطريق الثاني : أن نقول : دلت السنة على أن ذلك الحق هو أحد أمور ثلاثة : وهو قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013086nindex.php?page=treesubj&link=8106_8107_9131_9152_33480لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير حق " .
واعلم أن هذا الخبر من باب الآحاد . فإن قلنا : إن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) تفسير لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إلا بالحق ) كانت الآية صريحة في أنه لا يحل القتل إلا بهذا السبب الواحد ، فحينئذ يصير هذا الخبر مخصصا لهذه الآية ويصير ذلك فرعا لقولنا : إنه يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=21257تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد ، وأما إن قلنا : إن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) ليس تفسيرا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إلا بالحق ) فحينئذ يصير هذا
[ ص: 161 ] الخبر مفسرا للحق المذكور في الآية ، وعلى هذا التقدير لا يصير هذا فرعا على مسألة جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد . فلتكن هذه الدقيقة معلومة . والله أعلم .
المسألة الثالثة : ظاهر هذه الآية أنه لا سبب لحل القتل إلا قتل المظلوم ، وظاهر الخبر يقتضي ضم شيئين آخرين إليه : وهو الكفر بعد الإيمان ، والزنا بعد الإحصان ، ودلت آية أخرى على حصول سبب رابع وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا ) [ المائدة : 33 ] ودلت آية أخرى على حصول سبب خامس وهو الكفر . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) [ التوبة : 29 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=89واقتلوهم حيث وجدتموهم ) [ النساء : 89 ] .
والفقهاء تكلموا واختلفوا في أشياء أخرى فمنها :
أن
nindex.php?page=treesubj&link=26724تارك الصلاة هل يقتل أم لا ؟ فعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله يقتل ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله لا يقتل .
وثانيها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=10455فعل اللواط هل يوجب القتل ؟ فعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يوجب ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لا يوجب .
وثالثها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=25583الساحر إذا قال : قتلت بسحري فلانا فعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يوجب القتل ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لا يوجب .
ورابعها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=9144القتل بالمثقل هل يوجب القصاص ؟ فعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يوجب ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لا يوجب .
وخامسها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=2650الامتناع من أداء الزكاة هل يوجب القتل أم لا ؟ اختلفوا فيه في زمان
أبي بكر .
وسادسها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=10365إتيان البهيمة هل يوجب القتل ؟ فعند أكثر الفقهاء لا يوجب ، وعند قوم يوجب .
حجة القائلين بأنه لا يجوز القتل في هذه الصور هو أن الآية صريحة في منع القتل على الإطلاق ، إلا لسبب واحد وهو قتل المظلوم ، ففيما عدا هذا السبب الواحد ، وجب البقاء على أصل الحرمة ، ثم قالوا : وهذا النص قد تأكد بالدلائل الكثيرة الموجبة لحرمة الدم على الإطلاق ، فترك العمل بهذه الدلائل لا يكون إلا لمعارض ، وذلك المعارض إما أن يكون نصا متواترا أو نصا من باب الآحاد أو يكون قياسا ، أما النص المتواتر فمفقود ، وإلا لما بقي الخلاف ، وأما النص من باب الآحاد فهو مرجوح بالنسبة إلى هذه النصوص المتواترة الكثيرة ، وأما القياس فلا يعارض النص . فثبت بمقتضى هذا الأصل القوي القاهر أن الأصل في الدماء الحرمة إلا في الصور المعدودة . والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) .
هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25124_33480_27530_30523أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ الْقَتْلُ ، فَمَا السَّبَبُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ أَوَّلًا بِذِكْرِ النَّهْيِ عَنِ الزِّنَا وَثَانِيًا بِذِكْرِ النَّهْيِ عَنِ الْقَتْلِ .
وَجَوَابُهُ : أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ فَتْحَ بَابِ الزِّنَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْإِنْسَانِ فِي الْوُجُودِ ، وَالْقَتْلُ عِبَارَةٌ عَنْ إِبْطَالِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ . وَدُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ مُقَدَّمٌ عَلَى إِبْطَالِهِ وَإِعْدَامِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى
[ ص: 160 ] الزِّنَا أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ الْقَتْلَ ثَانِيًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25124الْأَصْلَ فِي الْقَتْلِ هُوَ الْحُرْمَةُ الْمُغَلَّظَةُ ، وَالْحِلُّ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِسَبَبٍ عَارِضِيٍّ ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَا جَرَمَ نَهَى اللَّهُ عَنِ الْقَتْلِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى عَنْهُ الْحَالَةَ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا حِلُّ الْقَتْلِ وَهُوَ عِنْدُ حُصُولِ الْأَسْبَابِ الْعَرَضِيَّةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إِلَّا بِالْحَقِّ ) فَنَفْتَقِرُ هَهُنَا إِلَى بَيَانِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَتْلِ التَّحْرِيمُ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْقَتْلَ ضَرَرٌ وَالْأَصْلَ فِي الْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) [ الْحَجِّ : 78 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) . وَ"
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013083لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ " .
الثَّانِي : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
الْآدَمِيُّ بُنْيَانُ الرَّبِّ مَلْعُونٌ مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَ الرَّبِّ " .
الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30489الْآدَمِيَّ خُلِقَ لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 56 ] وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013085حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا " وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ لَا يَتِمُّ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْقَتْلِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ الْقَتْلَ إِفْسَادٌ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56وَلَا تُفْسِدُوا ) [ الْأَعْرَافِ : 56 ] .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ دَلِيلُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَدَلِيلُ إِبَاحَتِهِ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ جَانِبَ الْحُرْمَةِ رَاجِحٌ ، وَلَوْلَا أَنَّ مُقْتَضَى الْأَصْلِ هُوَ التَّحْرِيمُ وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ تَرْجِيحًا لَا لِمُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ .
السَّادِسُ : أَنَّا إِذَا لَمْ نَعْرِفْ فِي الْإِنْسَانِ صِفَةً مِنَ الصِّفَاتِ إِلَّا مُجَرَّدَ كَوْنِهِ إِنْسَانًا عَاقِلًا حَكَمْنَا فِيهِ بِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ ، وَمَا لَمْ نَعْرِفْ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى كَوْنِهِ إِنْسَانًا لَمْ نَحْكُمْ فِيهِ بِحِلِّ دَمِهِ ، وَلَوْلَا أَنَّ أَصْلَ الْإِنْسَانِيَّةِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقَتْلِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَتْلِ هُوَ التَّحْرِيمُ . وَأَنَّ حِلَّهُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَسْبَابٍ عَرَضِيَّةٍ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَتْلِ هُوَ التَّحْرِيمُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا ) نَهْيٌ وَتَحْرِيمٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33حَرَّمَ اللَّهُ ) إِعَادَةٌ لِذِكْرِ التَّحْرِيمِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى عَنْهُ الْأَسْبَابَ الْعَرَضِيَّةَ الِاتِّفَاقِيَّةَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إِلَّا بِالْحَقِّ ) ثُمَّ هَهُنَا طَرِيقَانِ :
الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ : أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إِلَّا بِالْحَقِّ ) مُجْمَلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ ؟ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) أَيْ : فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنَ الْقَاتِلِ ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَصْلُحُ جَعْلُهُ بَيَانًا لِذَلِكَ الْمُجْمَلِ ، وَتَقْرِيرَهُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) وَذَلِكَ الْحَقُّ هُوَ أَنَّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ . وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْحَقِّ هَذِهِ الصُّورَةَ فَقَطْ ، فَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ : وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا عِنْدَ الْقِصَاصِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَتَكُونُ الْآيَةُ نَصًّا صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِ الْقَتْلِ إِلَّا بِهَذَا السَّبَبِ الْوَاحِدِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحُرْمَةِ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنْ نَقُولَ : دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ هُوَ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ : وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013086nindex.php?page=treesubj&link=8106_8107_9131_9152_33480لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ ، وَزِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ ، وَقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ بَابِ الْآحَادِ . فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إِلَّا بِالْحَقِّ ) كَانَتِ الْآيَةُ صَرِيحَةً فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَتْلُ إِلَّا بِهَذَا السَّبَبِ الْوَاحِدِ ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا الْخَبَرُ مُخَصِّصًا لِهَذِهِ الْآيَةِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ فَرْعًا لِقَوْلِنَا : إِنَّهُ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=21257تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) لَيْسَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إِلَّا بِالْحَقِّ ) فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا
[ ص: 161 ] الْخَبَرُ مُفَسِّرًا لِلْحَقِّ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَصِيرُ هَذَا فَرْعًا عَلَى مَسْأَلَةِ جَوَازِ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ . فَلْتَكُنْ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ مَعْلُومَةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا سَبَبَ لِحِلِّ الْقَتْلِ إِلَّا قَتْلُ الْمَظْلُومِ ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي ضَمَّ شَيْئَيْنِ آخَرَيْنِ إِلَيْهِ : وَهُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ، وَالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ ، وَدَلَّتْ آيَةٌ أُخْرَى عَلَى حُصُولِ سَبَبٍ رَابِعٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ) [ الْمَائِدَةِ : 33 ] وَدَلَّتْ آيَةٌ أُخْرَى عَلَى حُصُولِ سَبَبٍ خَامِسٍ وَهُوَ الْكُفْرُ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) [ التَّوْبَةِ : 29 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=89وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) [ النِّسَاءِ : 89 ] .
وَالْفُقَهَاءُ تَكَلَّمُوا وَاخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ أُخْرَى فَمِنْهَا :
أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26724تَارِكَ الصَّلَاةِ هَلْ يُقْتَلُ أَمْ لَا ؟ فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْتَلُ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقْتَلُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10455فِعْلَ اللِّوَاطِ هَلْ يُوجِبُ الْقَتْلَ ؟ فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ يُوجِبُ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25583السَّاحِرَ إِذَا قَالَ : قَتَلْتُ بِسِحْرِي فُلَانًا فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ يُوجِبُ الْقَتْلَ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=9144الْقَتْلَ بِالْمُثَقَّلِ هَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ ؟ فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ يُوجِبُ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=2650الِامْتِنَاعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ هَلْ يُوجِبُ الْقَتْلَ أَمْ لَا ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي زَمَانِ
أَبِي بَكْرٍ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10365إِتْيَانَ الْبَهِيمَةِ هَلْ يُوجِبُ الْقَتْلَ ؟ فَعِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لَا يُوجِبُ ، وَعِنْدَ قَوْمٍ يُوجِبُ .
حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَتْلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ هُوَ أَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي مَنْعِ الْقَتْلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، إِلَّا لِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَتْلُ الْمَظْلُومِ ، فَفِيمَا عَدَا هَذَا السَّبَبِ الْوَاحِدِ ، وَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ ، ثُمَّ قَالُوا : وَهَذَا النَّصُّ قَدْ تَأَكَّدَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ الْمُوجِبَةِ لِحُرْمَةِ الدَّمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَتَرْكُ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُعَارِضٍ ، وَذَلِكَ الْمُعَارِضُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَصًّا مُتَوَاتِرًا أَوْ نَصًّا مِنْ بَابِ الْآحَادِ أَوْ يَكُونَ قِيَاسًا ، أَمَّا النَّصُّ الْمُتَوَاتِرُ فَمَفْقُودٌ ، وَإِلَّا لَمَا بَقِيَ الْخِلَافُ ، وَأَمَّا النَّصُّ مِنْ بَابِ الْآحَادِ فَهُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْكَثِيرَةِ ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلَا يُعَارِضُ النَّصَّ . فَثَبَتَ بِمُقْتَضَى هَذَا الْأَصْلِ الْقَوِيِّ الْقَاهِرِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدِّمَاءِ الْحُرْمَةُ إِلَّا فِي الصُّوَرِ الْمَعْدُودَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .