[ ص: 107 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=39الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=40رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=39الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=40رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) .
اعلم أنه سبحانه وتعالى حكى عن
إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع أنه طلب في دعائه أمورا سبعة :
المطلوب الأول : طلب من الله نعمة الأمان وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رب اجعل هذا البلد آمنا ) والابتداء بطلب نعمة الأمن في هذا الدعاء يدل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29485أعظم أنواع النعم والخيرات ، وأنه لا يتم شيء من مصالح الدين والدنيا إلا به ، وسئل بعض العلماء : الأمن أفضل أم الصحة ؟ فقال : الأمن أفضل ، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان ، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل ، ولو أنها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت ، وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد .
والمطلوب الثاني : أن يرزقه الله التوحيد ، ويصونه عن الشرك ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) .
والمطلوب الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37من ذريتي ) أي بعض ذريتي وهو
إسماعيل ومن ولد منه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37بواد ) هو
وادي مكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37غير ذي زرع ) أي ليس فيه شيء من زرع ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=28قرءانا عربيا غير ذي عوج ) [ الزمر : 28 ] بمعنى لا يحصل فيه اعوجاج عند بيتك المحرم ، وذكروا
nindex.php?page=treesubj&link=31577_28436في تسميته المحرم وجوها :
الأول : أن الله حرم التعرض له والتهاون به ، وجعل ما حوله حرما لمكانه .
الثاني : أنه كان لم يزل ممتنعا عزيزا يهابه كل جبار كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب .
الثالث : سمي محرما لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكه .
الرابع : أنه حرم على الطوفان أي امتنع منه ، كما سمي عتيقا لأنه أعتق منه فلم يستعل عليه .
الخامس : أمر الصائرين إليه أن يحرموا على أنفسهم أشياء كانت تحل لهم من قبل .
السادس : حرم موضع البيت حين خلق السماوات والأرض وحفه بسبعة من الملائكة ، وهو مثل البيت المعمور الذي بناه
آدم ، فرفع إلى السماء السابعة .
السابع : حرم على عباده أن يقربوه بالدماء والأقذار وغيرها . روي أن
هاجر كانت أمة
لسارة فوهبتها
لإبراهيم عليه السلام فولدت له
[ ص: 108 ] إسماعيل عليه السلام ، فقالت
سارة : كنت أرجو أن يهب الله لي ولدا من خليله فمنعنيه ورزقه خادمتي ، وقالت
لإبراهيم : أبعدهما مني فنقلهما إلى
مكة وإسماعيل رضيع ثم رجع ، فقالت
هاجر : إلى من تكلنا ؟ فقال : إلى الله . ثم دعا الله تعالى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد ) إلى آخر الآية ثم إنها عطشت وعطش الصبي فانتهت بالصبي إلى موضع
زمزم فضرب بقدمه ففارت عينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013021 " رحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكانت زمزم عينا معينا " ، ثم إن
إبراهيم عليه السلام عاد بعد كبر
إسماعيل واشتغل هو مع
إسماعيل برفع قواعد البيت . قال القاضي : أكثر الأمور المذكورة في هذه الحكاية بعيدة ؛ لأنه لا يجوز
لإبراهيم عليه السلام أن ينقل ولده إلى حيث لا طعام ولا ماء مع أنه كان يمكنه أن ينقلهما إلى بلدة أخرى من بلاد
الشام لأجل قول
سارة ، إلا إذا قلنا : إن الله أعلمه أنه يحصل هناك ماء وطعام . وأقول : أما
nindex.php?page=treesubj&link=33023ظهور ماء زمزم فيحتمل أن يكون إرهاصا
لإسماعيل عليه السلام ؛ لأن ذلك عندنا جائز خلافا
للمعتزلة وعند
المعتزلة أنه معجزة
لإبراهيم عليه السلام .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37ربنا إني أسكنت ) واللام متعلقة بأسكنت أي أسكنت قوما من ذريتي وهم
إسماعيل وأولاده بهذا الوادي الذي لا زرع فيه ليقيموا الصلاة .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) وفيه مباحث :
البحث الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هوي يهوي هويا بالفتح إذا سقط من علو إلى سفل . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37تهوي إليهم ) تريدهم ، وقيل : تسرع إليهم . وقيل : تنحط إليهم وتنحدر إليهم وتنزل ، يقال : هوي الحجر من رأس الجبل يهوي إذا انحدر وانصب ، وهوي الرجل إذا انحدر من رأس الجبل .
البحث الثاني : أن هذا الدعاء جامع للدين والدنيا . أما الدين فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى الذهاب إلى تلك البلدة بسبب النسك والطاعة لله تعالى . وأما الدنيا فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى نقل المعاشات إليهم بسبب التجارات ، فلأجل هذا الميل يتسع عيشهم ، ويكثر طعامهم ولباسهم .
البحث الثالث : كلمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37من ) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) تفيد التبعيض ، والمعنى : فاجعل أفئدة بعض الناس مائلة إليهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : لو قال : أفئدة الناس لازدحمت عليه
فارس والروم والترك والهند . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : لو قال : أفئدة الناس لحجت
اليهود والنصارى والمجوس ، ولكنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37أفئدة من الناس ) فهم المسلمون .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37وارزقهم من الثمرات ) وفيه بحثان :
البحث الأول : أنه لم يقل : وارزقهم الثمرات ، بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37وارزقهم من الثمرات ) وذلك يدل على أن المطلوب بالدعاء إيصال بعض الثمرات إليهم .
البحث الثاني : يحتمل أن يكون المراد بإيصال الثمرات إليهم إيصالها إليهم على سبيل التجارات ، وإنما يكون المراد عمارة القرى بالقرب منها لتحصيل الثمار منها .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37لعلهم يشكرون ) وذلك يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18273_27209_27341_30503المقصود للعاقل من منافع الدنيا أن يتفرغ لأداء العبادات وإقامة الطاعات ، فإن
إبراهيم عليه السلام بين أنه إنما طلب تيسير المنافع على أولاده لأجل أن
[ ص: 109 ] يتفرغوا لإقامة الصلوات وأداء الواجبات .
[ ص: 107 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=39الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=40رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=38رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=39الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=40رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَكَى عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ طَلَبَ فِي دُعَائِهِ أُمُورًا سَبْعَةً :
الْمَطْلُوبُ الْأَوَّلُ : طَلَبَ مِنَ اللَّهِ نِعْمَةَ الْأَمَانِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ) وَالِابْتِدَاءُ بِطَلَبِ نِعْمَةِ الْأَمْنِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29485أَعْظَمُ أَنْوَاعِ النِّعَمِ وَالْخَيْرَاتِ ، وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا إِلَّا بِهِ ، وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْأَمْنُ أَفْضَلُ أَمِ الصِّحَّةُ ؟ فَقَالَ : الْأَمْنُ أَفْضَلُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ شَاةً لَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ بَعْدَ زَمَانٍ ، ثُمَّ إِنَّهَا تُقْبِلُ عَلَى الرَّعْيِ وَالْأَكْلِ ، وَلَوْ أَنَّهَا رُبِطَتْ فِي مَوْضِعٍ وَرُبِطَ بِالْقُرْبِ مِنْهَا ذِئْبٌ فَإِنَّهَا تُمْسِكُ عَنِ الْعَلَفِ وَلَا تَتَنَاوَلُهُ إِلَى أَنْ تَمُوتَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ مِنَ الْخَوْفِ أَشَدُّ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ أَلَمِ الْجَسَدِ .
وَالْمَطْلُوبُ الثَّانِي : أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ التَّوْحِيدَ ، وَيَصُونَهُ عَنِ الشِّرْكِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) .
وَالْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37مِنْ ذُرِّيَّتِي ) أَيْ بَعْضَ ذُرِّيَّتِي وَهُوَ
إِسْمَاعِيلُ وَمَنْ وُلِدَ مِنْهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37بِوَادٍ ) هُوَ
وَادِي مَكَّةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ زَرْعٍ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=28قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) [ الزُّمَرِ : 28 ] بِمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِيهِ اعْوِجَاجٌ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ، وَذَكَرُوا
nindex.php?page=treesubj&link=31577_28436فِي تَسْمِيَتِهِ الْمُحَرَّمَ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ التَّعَرُّضَ لَهُ وَالتَّهَاوُنَ بِهِ ، وَجَعَلَ مَا حَوْلَهُ حَرَمًا لِمَكَانِهِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ لَمْ يَزَلْ مُمْتَنِعًا عَزِيزًا يَهَابُهُ كُلُّ جَبَّارٍ كَالشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يُجْتَنَبَ .
الثَّالِثُ : سُمِّيَ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ عَظِيمُ الْحُرْمَةِ لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ حَرُمَ عَلَى الطُّوفَانِ أَيِ امْتَنَعَ مِنْهُ ، كَمَا سُمِّيَ عَتِيقًا لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنْهُ فَلَمْ يُسْتَعْلَ عَلَيْهِ .
الْخَامِسُ : أَمَرَ الصَّائِرِينَ إِلَيْهِ أَنْ يُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَشْيَاءَ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُمْ مِنْ قَبْلُ .
السَّادِسُ : حَرَّمَ مَوْضِعَ الْبَيْتِ حِينَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَحَفَّهُ بِسَبْعَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَهُوَ مِثْلُ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي بَنَاهُ
آدَمُ ، فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ .
السَّابِعُ : حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَقْرَبُوهُ بِالدِّمَاءِ وَالْأَقْذَارِ وَغَيْرِهَا . رُوِي أَنَّ
هَاجَرَ كَانَتْ أَمَةً
لِسَارَّةَ فَوَهَبَتْهَا
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَلَدَتْ لَهُ
[ ص: 108 ] إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَتْ
سَارَّةُ : كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لِي وَلَدًا مِنْ خَلِيلِهِ فَمَنَعْنِيهِ وَرَزَقَهُ خَادِمَتِي ، وَقَالَتْ
لِإِبْرَاهِيمَ : أَبْعِدْهُمَا مِنِّي فَنَقَلَهُمَا إِلَى
مَكَّةَ وَإِسْمَاعِيلُ رَضِيعٌ ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَتْ
هَاجَرُ : إِلَى مَنْ تَكِلُنَا ؟ فَقَالَ : إِلَى اللَّهِ . ثُمَّ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ إِنَّهَا عَطِشَتْ وَعَطِشَ الصَّبِيُّ فَانْتَهَتْ بِالصَّبِيِّ إِلَى مَوْضِعِ
زَمْزَمَ فَضَرَبَ بِقَدَمِهِ فَفَارَتْ عَيْنًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013021 " رَحِمَ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا " ، ثُمَّ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَادَ بَعْدَ كِبَرِ
إِسْمَاعِيلَ وَاشْتَغَلَ هُوَ مَعَ
إِسْمَاعِيلَ بِرَفْعِ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ . قَالَ الْقَاضِي : أَكْثَرُ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ بَعِيدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَنْقُلَ وَلَدَهُ إِلَى حَيْثُ لَا طَعَامَ وَلَا مَاءَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْقُلَهُمَا إِلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى مِنْ بِلَادِ
الشَّامِ لِأَجْلِ قَوْلِ
سَارَّةَ ، إِلَّا إِذَا قُلْنَا : إِنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ هُنَاكَ مَاءٌ وَطَعَامٌ . وَأَقُولُ : أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=33023ظُهُورُ مَاءِ زَمْزَمَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِرْهَاصًا
لِإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا جَائِزٌ خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَعِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ ) وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَسْكَنْتُ أَيْ أَسْكَنْتُ قَوْمًا مِنْ ذُرِّيَّتِي وَهُمْ
إِسْمَاعِيلُ وَأَوْلَادُهُ بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَا زَرْعَ فِيهِ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
البحث الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ : هَوِيَ يَهْوِي هَوِيًّا بِالْفَتْحِ إِذَا سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) تُرِيدُهُمْ ، وَقِيلَ : تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ . وَقِيلَ : تَنْحَطُّ إِلَيْهِمْ وَتَنْحَدِرُ إِلَيْهِمْ وَتَنْزِلُ ، يُقَالُ : هَوِيَ الْحَجَرُ مِنْ رَأَسِ الْجَبَلِ يَهْوِي إِذَا انْحَدَرَ وَانْصَبَّ ، وَهَوِيَ الرَّجُلُ إِذَا انْحَدَرَ مِنْ رَأَسِ الْجَبَلِ .
البحث الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ جَامِعٌ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا . أَمَّا الدِّينُ فَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَيْلُ النَّاسِ إِلَى الذَّهَابِ إِلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِسَبَبِ النُّسُكِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى . وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَيْلُ النَّاسِ إِلَى نَقْلِ الْمَعَاشَاتِ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ التِّجَارَاتِ ، فَلِأَجْلِ هَذَا الْمَيْلِ يَتَّسِعُ عَيْشُهُمْ ، وَيَكْثُرُ طَعَامُهُمْ وَلِبَاسُهُمْ .
البحث الثَّالِثُ : كَلِمَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37مِنْ ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) تُفِيدُ التَّبْعِيضَ ، وَالْمَعْنَى : فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ بَعْضِ النَّاسِ مَائِلَةً إِلَيْهِمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : لَوْ قَالَ : أَفْئِدَةَ النَّاسِ لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ
فَارِسُ وَالرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالْهِنْدُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : لَوْ قَالَ : أَفْئِدَةَ النَّاسِ لَحَجَّتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ ) فَهُمُ الْمُسْلِمُونَ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
البحث الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : وَارْزُقْهُمُ الثَّمَرَاتِ ، بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالدُّعَاءِ إِيصَالُ بَعْضِ الثَّمَرَاتِ إِلَيْهِمْ .
البحث الثَّانِي : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِإِيصَالِ الثَّمَرَاتِ إِلَيْهِمْ إِيصَالَهَا إِلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ التِّجَارَاتِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُرَادُ عِمَارَةَ الْقُرَى بِالْقُرْبِ مِنْهَا لِتَحْصِيلِ الثِّمَارِ مِنْهَا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18273_27209_27341_30503الْمَقْصُودَ لِلْعَاقِلِ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا أَنْ يَتَفَرَّغَ لِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَإِقَامَةِ الطَّاعَاتِ ، فَإِنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا طَلَبَ تَيْسِيرَ الْمَنَافِعِ عَلَى أَوْلَادِهِ لِأَجْلِ أَنْ
[ ص: 109 ] يَتَفَرَّغُوا لِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ .