[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين )
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : اعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28982_31836_31832رب إن ابني من أهلي ) فقد ذكرنا الخلاف في أنه هل كان ابنا له أم لا ، فلا نعيده ، ثم إنه تعالى ذكر أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46يانوح إنه ليس من أهلك ) . واعلم أنه لما ثبت بالدليل أنه كان ابنا له ، وجب حمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه ليس من أهلك ) على أحد وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد أنه ليس من أهل دينك .
والثاني : المراد أنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك ، والقولان متقاربان .
المسألة الثانية : هذه الآية تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28656_18563العبرة بقرابة الدين لا بقرابة النسب ، فإن في هذه الصورة كانت قرابة النسب حاصلة من أقوى الوجوه ، ولكن لما انتفت قرابة الدين لا جرم نفاه الله تعالى بأبلغ الألفاظ وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه ليس من أهلك ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=29468_28982_28938إنه عمل غير صالح ) قرأ
الكسائي : "عمل" على صيغة الفعل الماضي ، و"غير" بالنصب ، والمعنى : أن ابنك عمل عملا غير صالح - يعني أشرك وكذب ، وكلمة " غير" نصب ؛ لأنها نعت لمصدر محذوف ، وقرأ الباقون : عمل بالرفع والتنوين ، وفيه وجهان :
الأول : أن الضمير في قوله : " إنه" عائد إلى السؤال ، يعني أن هذا السؤال عمل ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق ) غير صالح ؛ لأن طلب نجاة الكافر بعد أن سبق الحكم الجزم بأنه لا ينجي أحدا منهم - سؤال باطل .
الثاني : أن يكون هذا الضمير عائدا إلى الابن ، وعلى هذا التقدير ففي وصفه بكونه عملا غير صالح وجوه :
الأول : أن الرجل إذا كثر عمله وإحسانه يقال له : إنه علم وكرم وجود ، فكذا ههنا لما كثر إقدام ابن
نوح على الأعمال الباطلة حكم عليه بأنه
[ ص: 4 ] في نفسه عمل باطل .
الثاني : أن يكون المراد أنه ذو عمل باطل ، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه .
الثالث : قال بعضهم : معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه عمل غير صالح ) أي إنه ولد زنا ، وهذا القول باطل قطعا .
ثم إنه تعالى قال
لنوح - عليه السلام - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : احتج بهذه الآية من قدح في
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21376عصمة الأنبياء عليهم السلام من وجوه :
الوجه الأول : أن قراءة "عمل" بالرفع والتنوين قراءة متواترة ، فهي محكمة ، وهذا يقتضي عود الضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه عمل غير صالح ) إما إلى ابن
نوح ، وإما إلى ذلك السؤال ، فالقول بأنه عائد إلى ابن
نوح لا يتم إلا بإضمار ، وهو خلاف الظاهر ، ولا يجوز المصير إليه إلا عند الضرورة ، ولا ضرورة ههنا ؛ لأنا إذا حكمنا بعود الضمير إلى السؤال المتقدم ، فقد استغنينا عن هذا الضمير ، فثبت أن هذا الضمير عائد إلى هذا السؤال ، فكان التقدير أن هذا السؤال عمل غير صالح ، أي قولك : إن ابني من أهلي - لطلب نجاته عمل غير صالح ، وذلك يدل على أن هذا السؤال كان ذنبا ومعصية .
الوجه الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فلا تسألني ) نهي له عن السؤال ، والمذكور السابق هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إن ابني من أهلي ) فدل هذا على أنه تعالى نهاه عن ذلك السؤال ، فكان ذلك السؤال ذنبا ومعصية .
الوجه الثالث : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فلا تسألني ما ليس لك به علم ) يدل على أن ذلك السؤال كان قد صدر لا عن العلم ، والقول بغير العلم ذنب ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [البقرة : 169 ] .
الوجه الرابع : أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) يدل على أن ذلك السؤال كان محض الجهل ، وهذا يدل على غاية التقريع ونهاية الزجر ، وأيضا جعل الجهل كناية عن الذنب مشهور في القرآن ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17يعملون السوء بجهالة ) [النساء : 17 ] وقال تعالى حكاية عن
موسى - عليه السلام - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) .
الوجه الخامس : أن
نوحا - عليه السلام - اعترف بإقدامه على الذنب والمعصية في هذا المقام ، فإنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) واعترافه بذلك يدل على أنه كان مذنبا .
الوجه السادس في التمسك بهذه الآية : أن هذه الآية تدل على أن
نوحا نادى ربه لطلب تخليص ولده من الغرق ، والآية المتقدمة وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42ونادى نوح ابنه ) [هود : 42 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يابني اركب معنا ) [هود : 42 ] تدل على أنه - عليه السلام - طلب من ابنه الموافقة ، فنقول : إما أن يقال : إن طلب هذا المعنى من الله كان سابقا على طلبه من الولد ، أو كان بالعكس ، والأول باطل ؛ لأن بتقدير أن يكون طلب هذا المعنى من الله تعالى سابقا على طلبه من الابن لكان قد سمع من الله أنه تعالى لا يخلص ذلك الابن من الغرق ، وأنه تعالى نهاه عن ذلك الطلب ، وبعد هذا كيف قال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) [هود : 42 ] وأما إن قلنا : إن هذا الطلب من الابن كان متقدما فكان قد سمع من الابن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) [هود : 43 ] وظهر بذلك كفره ، فكيف طلب من الله تخليصه ؟ وأيضا أنه تعالى أخبر أن
نوحا لما طلب ذلك منه
[ ص: 5 ] وامتنع هو ، صار من المغرقين ، فكيف يطلب من الله تخليصه من الغرق بعد أن صار من المغرقين ؟ فهذه الآية من هذه الوجوه الستة تدل على صدور المعصية من
نوح - عليه السلام - .
واعلم أنه لما دلت الدلائل الكثيرة على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=21384_21383تنزيه الله تعالى الأنبياء عليهم السلام من المعاصي ، وجب حمل هذه الوجوه المذكورة على ترك الأفضل والأكمل ، وحسنات الأبرار سيئات المقربين ؛ فلهذا السبب حصل هذا العتاب والأمر بالاستغفار ، ولا يدل على سابقة الذنب كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك واستغفره ) [النصر : 1 - 3 ] ومعلوم أن مجيء نصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا ليست بذنب يوجب الاستغفار ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) [محمد : 19 ] وليس جميعهم مذنبين ، فدل ذلك على أن الاستغفار قد يكون بسبب ترك الأفضل .
المسألة الثانية : قرأ
نافع برواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش وإسماعيل بتشديد النون وإثبات الياء " تسألني " ، وقرأ
ابن عامر ونافع برواية
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون بتشديد النون وكسرها من غير إثبات الياء ، وقرأ
أبو عمرو بتخفيف النون وكسرها وحذف الياء "تسألن" ، أما التشديد فللتأكيد ، وأما إثبات الياء فعلى الأصل ، وأما ترك التشديد والحذف فللتخفيف من غير إخلال .
واعلم أنه تعالى لما نهاه عن ذلك السؤال حكى عنه أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) والمعنى أنه تعالى لما قال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فلا تسألني ما ليس لك به علم ) فقال عند ذلك : قبلت يا رب هذا التكليف ، ولا أعود إليه ، إلا أني لا أقدر على الاحتراز منه إلا بإعانتك وهدايتك ، فلهذا بدأ أولا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إني أعوذ بك ) .
واعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) إخبار عما في المستقبل ، أي لا أعود إلى هذا العمل ، ثم اشتغل بالاعتذار عما مضى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) وحقيقة التوبة تقتضي أمرين :
أحدهما : في المستقبل ، وهو العزم على الترك ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) .
والثاني : في الماضي وهو الندم على ما مضى ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) .
ونختم هذا الكلام بالبحث عن الزلة التي صدرت عن
نوح - عليه السلام - في هذا المقام ، فنقول : إن
nindex.php?page=treesubj&link=33953_32026_32025_32027أمة نوح - عليه السلام - كانوا على ثلاثة أقسام : كافر يظهر كفره ، ومؤمن يعلم إيمانه ، وجمع من المنافقين ، وقد كان حكم المؤمنين هو النجاة ، وحكم الكافرين هو الغرق ، وكان ذلك معلوما ، وأما أهل النفاق فبقي حكمهم مخفيا ، وكان ابن نوح منهم ، وكان يجوز فيه كونه مؤمنا ، وكانت الشفقة المفرطة التي تكون من الأب في حق الابن تحمله على حمل أعماله وأفعاله ، لا على كونه كافرا بل على الوجوه الصحيحة ، فلما رآه بمعزل عن القوم طلب منه أن يدخل السفينة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) [هود : 43 ] وذلك لا يدل على كفره ؛ لجواز أن يكون قد ظن أن الصعود على الجبل يجري مجرى الركوب في السفينة في أنه يصونه عن الغرق ، وقول
نوح : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) [هود : 43 ] لا يدل إلا على أنه - عليه السلام - كان يقرر عند ابنه أنه لا ينفعه إلا الإيمان والعمل الصالح ، وهذا أيضا لا يدل على أنه علم من ابنه أنه كان كافرا ، فعند هذه الحالة كان قد بقي في قلبه ظن أن ذلك الابن مؤمن ، فطلب من الله
[ ص: 6 ] تعالى تخليصه بطريق من الطرق ، إما بأن يمكنه من الدخول في السفينة ، وإما أن يحفظه على قلة جبل ، فعند ذلك أخبره الله تعالى بأنه منافق ، وأنه ليس من أهل دينه ، فالزلة الصادرة عن
نوح - عليه السلام - هو أنه لم يستقص في تعريف ما يدل على نفاقه وكفره ، بل اجتهد في ذلك ، وكان يظن أنه مؤمن ، مع أنه أخطأ في ذلك الاجتهاد ؛ لأنه كان كافرا ، فلم يصدر عنه إلا الخطأ في هذا الاجتهاد ، كما قررنا ذلك في أن
آدم - عليه السلام - لم تصدر عنه تلك الزلة إلا لأنه أخطأ في هذا الاجتهاد ، فثبت بما ذكرنا أن الصادر عن
نوح - عليه السلام - ما كان من باب الكبائر ، وإنما هو من باب الخطأ في الاجتهاد ، والله أعلم .
[ ص: 3 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28982_31836_31832رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ ابْنًا لَهُ أَمْ لَا ، فَلَا نُعِيدُهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ كَانَ ابْنًا لَهُ ، وَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ .
وَالثَّانِي : الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنَجِّيَهُمْ مَعَكَ ، وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28656_18563الْعِبْرَةَ بِقَرَابَةِ الدِّينِ لَا بِقَرَابَةِ النَّسَبِ ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ قَرَابَةُ النَّسَبِ حَاصِلَةً مِنْ أَقْوَى الْوُجُوهِ ، وَلَكِنْ لَمَّا انْتَفَتْ قَرَابَةُ الدِّينِ لَا جَرَمَ نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَبْلَغِ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=29468_28982_28938إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) قَرَأَ
الْكِسَائِيُّ : "عَمِلَ" عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي ، وَ"غَيْرَ" بِالنَّصْبِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ ابْنَكَ عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ صَالِحٍ - يَعْنِي أَشْرَكَ وَكَذَّبَ ، وَكَلِمَةُ " غَيْرَ" نَصْبٌ ؛ لِأَنَّهَا نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ : عَمَلٌ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : " إِنَّهُ" عَائِدٌ إِلَى السُّؤَالِ ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ عَمَلٌ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) غَيْرُ صَالِحٍ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ نَجَاةِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ سَبَقَ الْحُكْمُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يُنَجِّي أَحَدًا مِنْهُمْ - سُؤَالٌ بَاطِلٌ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ هَذَا الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الِابْنِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِي وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ عَمَلًا غَيْرَ صَالِحٍ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَثُرَ عَمَلُهُ وَإِحْسَانُهُ يُقَالُ لَهُ : إِنَّهُ عِلْمٌ وَكَرَمٌ وُجُودٌ ، فَكَذَا هَهُنَا لَمَّا كَثُرَ إِقْدَامُ ابْنِ
نُوحٍ عَلَى الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ
[ ص: 4 ] فِي نَفْسِهِ عَمَلٌ بَاطِلٌ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ذُو عَمَلٍ بَاطِلٍ ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
الثَّالِثُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) أَيْ إِنَّهُ وَلَدُ زِنًا ، وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ قَطْعًا .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ
لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَدَحَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28751_21376عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : أَنَّ قِرَاءَةَ "عَمَلٌ" بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ قِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ ، فَهِيَ مُحْكَمَةٌ ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَوْدَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) إِمَّا إِلَى ابْنِ
نُوحٍ ، وَإِمَّا إِلَى ذَلِكَ السُّؤَالِ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى ابْنِ
نُوحٍ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِإِضْمَارٍ ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا ؛ لِأَنَّا إِذَا حَكَمْنَا بِعَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ ، فَقَدِ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذَا الضَّمِيرِ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى هَذَا السُّؤَالِ ، فَكَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ، أَيْ قَوْلُكَ : إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي - لِطَلَبِ نَجَاتِهِ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ كَانَ ذَنْبًا وَمَعْصِيَةً .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فَلَا تَسْأَلْنِي ) نَهْيٌ لَهُ عَنِ السُّؤَالِ ، وَالْمَذْكُورُ السَّابِقُ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ ، فَكَانَ ذَلِكَ السُّؤَالُ ذَنْبًا وَمَعْصِيَةً .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السُّؤَالَ كَانَ قَدْ صَدَرَ لَا عَنِ الْعِلْمِ ، وَالْقَوْلُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ ذَنْبٌ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [الْبَقَرَةِ : 169 ] .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السُّؤَالَ كَانَ مَحْضَ الْجَهْلِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ التَّقْرِيعِ وَنِهَايَةِ الزَّجْرِ ، وَأَيْضًا جَعْلُ الْجَهْلِ كِنَايَةً عَنِ الذَّنْبِ مَشْهُورٌ فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ) [النِّسَاءِ : 17 ] وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ
نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اعْتَرَفَ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وَاعْتِرَافُهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُذْنِبًا .
الْوَجْهُ السَّادِسُ فِي التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
نُوحًا نَادَى رَبَّهُ لِطَلَبِ تَخْلِيصِ وَلَدِهِ مِنَ الْغَرَقِ ، وَالْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ) [هُودٍ : 42 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا ) [هُودٍ : 42 ] تَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَلَبَ مِنَ ابْنِهِ الْمُوَافَقَةَ ، فَنَقُولُ : إِمَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّ طَلَبَ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ اللَّهِ كَانَ سَابِقًا عَلَى طَلَبِهِ مِنَ الْوَلَدِ ، أَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى سَابِقًا عَلَى طَلَبِهِ مِنَ الِابْنِ لَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُخَلِّصُ ذَلِكَ الِابْنَ مِنَ الْغَرَقِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ الطَّلَبِ ، وَبَعْدَ هَذَا كَيْفَ قَالَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ) [هُودٍ : 42 ] وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّ هَذَا الطَّلَبَ مِنَ الِابْنِ كَانَ مُتَقَدِّمًا فَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنَ الِابْنِ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) [هُودٍ : 43 ] وَظَهَرَ بِذَلِكَ كُفْرُهُ ، فَكَيْفَ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ تَخْلِيصَهُ ؟ وَأَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ
نُوحًا لَمَّا طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ
[ ص: 5 ] وَامْتَنَعَ هُوَ ، صَارَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ تَخْلِيصَهُ مِنَ الْغَرَقِ بَعْدَ أَنْ صَارَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ؟ فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ السِّتَّةِ تَدَلُّ عَلَى صُدُورِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّتِ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=21384_21383تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنَ الْمَعَاصِي ، وَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ ، وَحَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ ؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ حَصَلَ هَذَا الْعِتَابُ وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى سَابِقَةِ الذَّنْبِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ) [النَّصْرِ : 1 - 3 ] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَجِيءَ نَصْرِ اللَّهِ وَالْفَتْحِ وَدُخُولَ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا لَيْسَتْ بِذَنْبٍ يُوجِبُ الِاسْتِغْفَارَ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) [مُحَمَّدٍ : 19 ] وَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ مُذْنِبِينَ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ قَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ تَرْكِ الْأَفْضَلِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
نَافِعٌ بِرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ وَإِسْمَاعِيلَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ " تَسْأَلَنِّي " ، وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ بِرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قَالُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ الْيَاءِ ، وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَحَذْفِ الْيَاءِ "تَسْأَلْنِ" ، أَمَّا التَّشْدِيدُ فَلِلتَّأْكِيدِ ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْيَاءِ فَعَلَى الْأَصْلِ ، وَأَمَّا تَرْكُ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفُ فَلِلتَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ : قَبِلْتُ يَا رَبِّ هَذَا التَّكْلِيفَ ، وَلَا أَعُودُ إِلَيْهِ ، إِلَّا أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ إِلَّا بِإِعَانَتِكَ وَهِدَايَتِكَ ، فَلِهَذَا بَدَأَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) إِخْبَارٌ عَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، أَيْ لَا أَعُودُ إِلَى هَذَا الْعَمَلِ ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالِاعْتِذَارِ عَمَّا مَضَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) .
وَالثَّانِي : فِي الْمَاضِي وَهُوَ النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=47وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
وَنَخْتِمُ هَذَا الْكَلَامَ بِالْبَحْثِ عَنِ الزَّلَّةِ الَّتِي صَدَرَتْ عَنْ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْمَقَامِ ، فَنَقُولُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33953_32026_32025_32027أُمَّةَ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : كَافِرٌ يَظْهَرُ كُفْرُهُ ، وَمُؤْمِنٌ يُعْلَمُ إِيمَانُهُ ، وَجَمْعٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَقَدْ كَانَ حُكْمُ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ النَّجَاةُ ، وَحُكْمُ الْكَافِرِينَ هُوَ الْغَرَقُ ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا ، وَأَمَّا أَهْلُ النِّفَاقِ فَبَقِيَ حُكْمُهُمْ مَخْفِيًّا ، وَكَانَ ابْنُ نُوحٍ مِنْهُمْ ، وَكَانَ يَجُوزُ فِيهِ كَوْنُهُ مُؤْمِنًا ، وَكَانَتِ الشَّفَقَةُ الْمُفْرِطَةُ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْأَبِ فِي حَقِّ الِابْنِ تَحْمِلُهُ عَلَى حَمْلِ أَعْمَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ، لَا عَلَى كَوْنِهِ كَافِرًا بَلْ عَلَى الْوُجُوهِ الصَّحِيحَةِ ، فَلَمَّا رَآهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الْقَوْمِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ السَّفِينَةَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) [هُودٍ : 43 ] وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ظَنَّ أَنَّ الصُّعُودَ عَلَى الْجَبَلِ يَجْرِي مَجْرَى الرُّكُوبِ فِي السَّفِينَةِ فِي أَنَّهُ يَصُونُهُ عَنِ الْغَرَقِ ، وَقَوْلُ
نُوحٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=43لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) [هُودٍ : 43 ] لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقَرِّرُ عِنْدَ ابْنِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ إِلَّا الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ مِنَ ابْنِهِ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا ، فَعِنْدَ هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ قَدْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ ظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ الِابْنَ مُؤْمِنٌ ، فَطَلَبَ مِنَ اللَّهِ
[ ص: 6 ] تَعَالَى تَخْلِيصَهُ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ ، إِمَّا بِأَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي السَّفِينَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَحْفَظَهُ عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُنَافِقٌ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ ، فَالزَّلَّةُ الصَّادِرَةُ عَنْ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْصِ فِي تَعْرِيفِ مَا يَدُلُّ عَلَى نِفَاقِهِ وَكُفْرِهِ ، بَلِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ، مَعَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا ، فَلَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ إِلَّا الْخَطَأُ فِي هَذَا الِاجْتِهَادِ ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي أَنَّ
آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَصْدُرْ عَنْهُ تِلْكَ الزَّلَّةُ إِلَّا لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الِاجْتِهَادِ ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّادِرَ عَنْ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْكَبَائِرِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .