(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير )
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا إلا الله ) وجوها :
الأول : أن يكون مفعولا له ، والتقدير : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لأجل ألا تعبدوا إلا الله ، وأقول : هذا التأويل يدل على أنه لا مقصود من هذا الكتاب الشريف إلا هذا الحرف الواحد ، فكل من صرف عمره إلى سائر المطالب ، فقد خاب وخسر .
الثاني : أن تكون " أن " مفسرة ؛ لأن في تفصيل الآيات معنى القول ، والحمل على هذا أولى ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وأن استغفروا ) معطوف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا ) فيجب أن يكون معناه : أي لا تعبدوا ؛ ليكون الأمر معطوفا على النهي ، فإن كونه بمعنى لئلا تعبدوا يمنع عطف الأمر عليه .
والثالث : أن يكون التقدير : الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ليأمر الناس أن لا يعبدوا إلا الله ويقول لهم : إنني لكم منه نذير وبشير ، والله أعلم .
المسألة الثانية : اعلم أن هذه الآية مشتملة على التكليف من وجوه :
الأول : أنه تعالى أمر بأن لا يعبدوا إلا الله ، وإذا قلنا : الاستثناء من النفي إثبات ، كان معنى هذا الكلام
nindex.php?page=treesubj&link=29531_29428النهي عن عبادة غير الله تعالى ، والأمر بعبادة الله تعالى ، وذلك هو الحق ؛ لأنا بينا أن ما سوى الله فهو محدث مخلوق مربوب ، وإنما حصل بتكوين الله وإيجاده ، والعبادة عبارة عن إظهار الخضوع والخشوع ونهاية التواضع والتذلل ، وهذا لا يليق إلا بالخالق المدبر الرحيم المحسن ، فثبت أن عبادة غير الله منكرة ، والإعراض عن عبادة الله منكر .
[ ص: 145 ] واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=18468_18470عبادة الله مشروطة بتحصيل معرفة الله تعالى قبل العبادة ؛ لأن من لا يعرف معبوده لا ينتفع بعبادته ، فكان الأمر بعبادة الله أمرا بتحصيل المعرفة أولا . ونظيره قوله تعالى في أول سورة البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم ) [البقرة : 21] ثم أتبعه بالدلائل الدالة على وجود الصانع ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الذي خلقكم والذين من قبلكم ) [البقرة : 21] وإنما حسن ذلك لأن الأمر بالعبادة يتضمن الأمر بتحصيل المعرفة ، فلا جرم ذكر ما يدل على تحصيل المعرفة .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2إنني لكم منه نذير وبشير ) وفيه مباحث :
البحث الأول : أن الضمير في قوله : ( منه ) عائد إلى الحكيم الخبير ، والمعنى : إنني لكم نذير وبشير من جهته .
البحث الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا إلا الله ) مشتمل على المنع عن عبادة غير الله ، وعلى الترغيب في عبادة الله تعالى ، فهو عليه الصلاة والسلام نذير على الأول بإلحاق العذاب الشديد لمن لم يأت بها ، وبشير على الثاني بإلحاق الثواب العظيم لمن أتى بها .
واعلم أنه صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا لهذين الأمرين ، وهو الإنذار على فعل ما لا ينبغي ، والبشارة على فعل ما ينبغي .
المرتبة الثانية من الأمور المذكورة في هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وأن استغفروا ربكم ) .
والمرتبة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3ثم توبوا إليه ) واختلفوا في بيان الفرق بين هاتين المرتبتين على وجوه :
الوجه الأول : أن معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وأن استغفروا ) اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم ، ثم بين الشيء الذي يطلب به ذلك وهو التوبة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3ثم توبوا إليه ) ؛ لأن الداعي إلى التوبة والمحرض عليها هو
nindex.php?page=treesubj&link=20010الاستغفار الذي هو عبارة عن طلب المغفرة ، وهذا يدل على أنه لا سبيل إلى طلب المغفرة من عند الله إلا بإظهار التوبة ، والأمر في الحقيقة كذلك ؛ لأن المذنب معرض عن طريق الحق ، والمعرض المتمادي في التباعد ما لم يرجع عن ذلك الإعراض لا يمكنه التوجه إلى المقصود بالذات ، فالمقصود بالذات هو التوجه إلى المطلوب ، إلا أن ذلك لا يمكن إلا بالإعراض عما يضاده ، فثبت أن الاستغفار مطلوب بالذات ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=20022التوبة مطلوبة لكونها من متممات الاستغفار ، وما كان آخرا في الحصول كان أولا في الطلب ، فلهذا السبب قدم ذكر الاستغفار على التوبة .
الوجه الثاني في فائدة هذا الترتيب أن المراد : استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا إليه في المستأنف .
الوجه الثالث : وأن استغفروا من الشرك والمعاصي ، ثم توبوا من الأعمال الباطلة .
الوجه الرابع : الاستغفار طلب من الله لإزالة ما لا ينبغي ، والتوبة سعي من الإنسان في إزالة ما لا ينبغي ، فقدم الاستغفار ليدل على أن المرء يجب أن لا يطلب الشيء إلا من مولاه فإنه هو الذي يقدر على تحصيله ، ثم بعد الاستغفار ذكر التوبة لأنها عمل يأتي به الإنسان ويتوسل به إلى دفع المكروه ، والاستعانة بفضل الله تعالى مقدمة على الاستعانة بسعي النفس .
[ ص: 146 ] واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه المراتب الثلاثة ذكر بعدها ما يترتب عليها من الآثار النافعة والنتائج المطلوبة ، ومن المعلوم أن المطالب محصورة في نوعين ؛ لأنه إما أن يكون حصولها في الدنيا أو في الآخرة ، أما المنافع الدنيوية : فهي المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ) وهذا يدل على أن المقبل على عبادة الله والمشتغل بها يبقى في الدنيا منتظم الحال مرفه البال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ) وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ لِأَجْلِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ، وَأَقُولُ : هَذَا التَّأْوِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الشَّرِيفِ إِلَّا هَذَا الْحَرْفُ الْوَاحِدُ ، فَكُلُّ مَنْ صَرَفَ عُمُرَهُ إِلَى سَائِرِ الْمَطَالِبِ ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ " أَنْ " مُفَسِّرَةً ؛ لِأَنَّ فِي تَفْصِيلِ الْآيَاتِ مَعْنَى الْقَوْلِ ، وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلَّا تَعْبُدُوا ) فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : أَيْ لَا تَعْبُدُوا ؛ لِيَكُونَ الْأَمْرُ مَعْطُوفًا عَلَى النَّهْيِ ، فَإِنَّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى لِئَلَّا تَعْبُدُوا يَمْنَعُ عَطْفَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ لِيَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ لَا يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَيَقُولَ لَهُمْ : إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التَّكْلِيفِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِأَنْ لَا يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ، وَإِذَا قُلْنَا : الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ ، كَانَ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ
nindex.php?page=treesubj&link=29531_29428النَّهْيَ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَمْرَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّا بَيِّنَّا أَنَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِتَكْوِينِ اللَّهِ وَإِيجَادِهِ ، وَالْعِبَادَةُ عِبَارَةٌ عَنْ إِظْهَارِ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَنِهَايَةِ التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ الرَّحِيمِ الْمُحْسِنِ ، فَثَبَتَ أَنَّ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ مُنْكَرَةٌ ، وَالْإِعْرَاضَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ مُنْكَرٌ .
[ ص: 145 ] وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18468_18470عِبَادَةَ اللَّهِ مَشْرُوطَةٌ بِتَحْصِيلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْعِبَادَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْبُودَهُ لَا يَنْتَفِعُ بِعِبَادَتِهِ ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ أَمْرًا بِتَحْصِيلِ الْمَعْرِفَةِ أَوَّلًا . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) [الْبَقَرَةِ : 21] ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) [الْبَقَرَةِ : 21] وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِتَحْصِيلِ الْمَعْرِفَةِ ، فَلَا جَرَمَ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَعْرِفَةِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : ( مِنْهُ ) عَائِدٌ إِلَى الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ ، وَالْمَعْنَى : إِنَّنِي لَكُمْ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ مِنْ جِهَتِهِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ) مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَنْعِ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَعَلَى التَّرْغِيبِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَذِيرٌ عَلَى الْأَوَّلِ بِإِلْحَاقِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا ، وَبَشِيرٌ عَلَى الثَّانِي بِإِلْحَاقِ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ لِمَنْ أَتَى بِهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بُعِثَ إِلَّا لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ الْإِنْذَارُ عَلَى فِعْلِ مَا لَا يَنْبَغِي ، وَالْبِشَارَةُ عَلَى فِعْلِ مَا يَنْبَغِي .
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) وَاخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ عَلَى وُجُوهٍ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا ) اطْلُبُوا مِنْ رَبِّكُمُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِكُمْ ، ثُمَّ بَيَّنَ الشَّيْءَ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوْبَةُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمُحَرِّضَ عَلَيْهَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=20010الِاسْتِغْفَارُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَّا بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ ، وَالْأَمْرُ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ مُعْرِضٌ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَالْمُعْرِضُ الْمُتَمَادِي فِي التَّبَاعُدِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْ ذَلِكَ الْإِعْرَاضِ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَجُّهُ إِلَى الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ ، فَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ هُوَ التَّوَجُّهُ إِلَى الْمَطْلُوبِ ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَمَّا يُضَادُّهُ ، فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مَطْلُوبٌ بِالذَّاتِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20022التَّوْبَةَ مَطْلُوبَةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ مُتَمِّمَاتِ الِاسْتِغْفَارِ ، وَمَا كَانَ آخِرًا فِي الْحُصُولِ كَانَ أَوَّلًا فِي الطَّلَبِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَدَّمَ ذِكْرَ الِاسْتِغْفَارِ عَلَى التَّوْبَةِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي فَائِدَةِ هَذَا التَّرْتِيبِ أَنَّ الْمُرَادَ : اسْتَغْفِرُوا مِنْ سَالِفِ الذُّنُوبِ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي ، ثُمَّ تُوبُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : الِاسْتِغْفَارُ طَلَبٌ مِنَ اللَّهِ لِإِزَالَةِ مَا لَا يَنْبَغِي ، وَالتَّوْبَةُ سَعْيٌ مِنَ الْإِنْسَانِ فِي إِزَالَةِ مَا لَا يَنْبَغِي ، فَقَدَّمَ الِاسْتِغْفَارَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ يَجِبُ أَنْ لَا يَطْلُبَ الشَّيْءَ إِلَّا مِنْ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ ، ثُمَّ بَعْدَ الِاسْتِغْفَارِ ذَكَرَ التَّوْبَةَ لِأَنَّهَا عَمَلٌ يَأْتِي بِهِ الْإِنْسَانُ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دَفْعِ الْمَكْرُوهِ ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ بِسَعْيِ النَّفْسِ .
[ ص: 146 ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الثَّلَاثَةَ ذَكَرَ بَعْدَهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْآثَارِ النَّافِعَةِ وَالنَّتَائِجِ الْمَطْلُوبَةِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَطَالِبَ مَحْصُورَةٌ فِي نَوْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُصُولُهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ ، أَمَّا الْمَنَافِعُ الدُّنْيَوِيَّةُ : فَهِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْبِلَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَالْمُشْتَغِلَ بِهَا يَبْقَى فِي الدُّنْيَا مُنْتَظِمَ الْحَالِ مُرَفَّهَ الْبَالِ .