(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ) .
واعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل على أقصى الغايات وأبلغ النهايات ،
nindex.php?page=treesubj&link=30561_32028أمر رسوله بإظهار دينه وبإظهار المباينة عن المشركين ؛ لكي تزول الشكوك والشبهات في أمره وتخرج عبادة الله من طريقة السر إلى الإظهار ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني ) ، واعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن هؤلاء الكفار ما كانوا يعرفون دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الخبر أنهم كانوا يقولون فيه : قد صبأ ، وهو صابئ ، فأمر الله تعالى أن يبين لهم أنه على دين
إبراهيم حنيفا مسلما ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ) [النحل : 120] ، ولقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ) [الأنعام : 79] ولقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون ) [الكافرون : 2] ، والمعنى أنكم إن كنتم لا تعرفون ديني فأنا أبينه لكم على سبيل التفصيل . ثم ذكر فيه أمورا :
فالقيد الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) ، وإنما وجب تقديم هذا النفي لما ذكرنا أن إزالة النقوش الفاسدة عن اللوح لا بد وأن تكون مقدمة على إثبات النقوش الصحيحة في ذلك اللوح ، وإنما وجب هذا النفي لأن العبادة غاية التعظيم ، وهي لا تليق إلا بمن حصلت له غاية الجلال والإكرام ، وأما الأوثان فإنها أحجار ، والإنسان أشرف حالا منها ، وكيف يليق بالأشرف أن يشتغل بعبادة الأخس .
[ ص: 138 ] القيد الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) والمقصود أنه لما بين أنه يجب
nindex.php?page=treesubj&link=29428ترك عبادة غير الله ، بين أنه يجب
nindex.php?page=treesubj&link=24479_30491_29531الاشتغال بعبادة الله .
فإن قيل : ما
nindex.php?page=treesubj&link=28900_33679الحكمة في ذكر المعبود الحق في هذا المقام بهذه الصفة ، وهي قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104الذي يتوفاكم ) ؟
قلنا : فيه وجوه :
الأول : يحتمل أن يكون المراد أني أعبد الله الذي خلقكم أولا ، ثم يتوفاكم ثانيا ، ثم يعيدكم ثالثا ، وهذه المراتب الثلاثة قد قررناها في القرآن مرارا وأطوارا ، فههنا اكتفى بذكر التوفي منها ؛ لكونه منبها على البواقي .
الثاني : أن الموت أشد الأشياء مهابة ، فنخص هذا الوصف بالذكر في هذا المقام ليكون أقوى في الزجر والردع .
الثالث : أنهم لما استعجلوا نزول العذاب قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=102فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=103ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ) ، فهذه الآية تدل على أنه تعالى يهلك أولئك الكفار ويبقي المؤمنين ويقوي دولتهم ، فلما كان قريب العهد بذكر هذا الكلام لا جرم قال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) وهو إشارة إلى ما قرره وبينه في تلك الآية ، كأنه يقول : أعبد ذلك الذي وعدني بإهلاكهم وبإبقائي .
والقيد الثالث من الأمور المذكورة في هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وأمرت أن أكون من المؤمنين ) ، واعلم أنه لما ذكر العبادة ، وهي من جنس أعمال الجوارح ، انتقل منها إلى الإيمان والمعرفة ، وهذا يدل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30503_29558ما لم يصر الظاهر مزينا بالأعمال الصالحة ، فإنه لا يحصل في القلب نور الإيمان والمعرفة .
والقيد الرابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك للدين حنيفا ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الواو في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك ) حرف عطف ، وفي المعطوف عليه وجهان :
الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وأمرت أن أكون ) قائم مقام قوله : وقيل لي : كن من المؤمنين ، ثم عطف عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك ) .
الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك ) قائم مقام قوله : وأمرت بإقامة الوجه ، فصار التقدير : وأمرت بأن أكون من المؤمنين وبإقامة الوجه للدين حنيفا .
المسألة الثانية : إقامة الوجه كناية عن
nindex.php?page=treesubj&link=19781_24479توجيه العقل بالكلية إلى طلب الدين ؛ لأن من يريد أن ينظر إلى شيء نظرا بالاستقصاء ، فإنه يقيم وجهه في مقابلته بحيث لا يصرفه عنه لا بالقليل ولا بالكثير ؛ لأنه لو صرفه عنه ولو بالقليل فقد بطلت تلك المقابلة ، وإذا بطلت تلك المقابلة ، فقد اختل الإبصار ، فلهذا السبب حسن جعل إقامة الوجه للدين كناية عن صرف العقل بالكلية إلى طلب الدين ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105حنيفا ) أي : مائلا إليه ميلا كليا معرضا عما سواه إعراضا كليا ، وحاصل هذا الكلام هو الإخلاص التام ، وترك الالتفات إلى غيره ، فقوله أولا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وأمرت أن أكون من المؤمنين ) إشارة إلى تحصيل أصل الإيمان ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك للدين حنيفا ) إشارة إلى الاستغراق في نور الإيمان والإعراض بالكلية عما سواه .
والقيد الخامس : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105ولا تكونن من المشركين ) .
واعلم أنه لا يمكن أن يكون هذا نهيا عن عبادة الأوثان ؛ لأن ذلك صار مذكورا بقوله تعالى في هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) فوجب حمل هذا الكلام على فائدة زائدة ، وهو أن من عرف مولاه ، فلو التفت بعد ذلك إلى غيره كان ذلك شركا ، وهذا هو الذي تسميه أصحاب القلوب
nindex.php?page=treesubj&link=18691_18710بالشرك الخفي .
[ ص: 139 ] والقيد السادس : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ) والممكن لذاته معدوم بالنظر إلى ذاته ، وموجود بإيجاد الحق ، وإذا كان كذلك فما سوى الحق فلا وجود له إلا بإيجاد الحق ، وعلى هذا التقدير
nindex.php?page=treesubj&link=29430_29687فلا نافع إلا الحق ، ولا ضار إلا الحق ، فكل شيء هالك إلا وجهه ، وإذا كان كذلك فلا حكم إلا لله ولا رجوع في الدارين إلا إلى الله .
ثم قال في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ) يعني
nindex.php?page=treesubj&link=29430_29687لو اشتغلت بطلب المنفعة والمضرة من غير الله فأنت من الظالمين ؛ لأن الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه ، فإذا كان ما سوى الحق معزولا عن التصرف كانت إضافة التصرف إلى ما سوى الحق وضعا للشيء في غير موضعه فيكون ظلما .
فإن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=19648_19653_19694فطلب الشبع من الأكل والري من الشرب هل يقدح في ذلك الإخلاص ؟
قلنا : لا ؛ لأن وجود الخبز وصفاته كلها بإيجاد الله وتكوينه ، وطلب الانتفاع بشيء خلقه الله للانتفاع به لا يكون منافيا للرجوع بالكلية إلى الله ، إلا أن شرط هذا الإخلاص أن لا يقع بصر عقله على شيء من هذه الموجودات إلا ويشاهد بعين عقله أنها معدومة بذواتها وموجودة بإيجاد الحق وحالة بأنفسها وباقية بإبقاء الحق ، فحينئذ يرى ما سوى الحق عدما محضا بحسب أنفسها ويرى نور وجوده وفيض إحسانه عاليا على الكل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ عَلَى أَقْصَى الْغَايَاتِ وَأَبْلَغِ النِّهَايَاتِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30561_32028أَمَرَ رَسُولَهُ بِإِظْهَارِ دِينِهِ وَبِإِظْهَارِ الْمُبَايَنَةِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ؛ لِكَيْ تَزُولَ الشُّكُوكُ وَالشُّبُهَاتُ فِي أَمْرِهِ وَتَخْرُجَ عِبَادَةُ اللَّهِ مِنْ طَرِيقَةِ السِّرِّ إِلَى الْإِظْهَارِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ) ، وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ دِينَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ : قَدْ صَبَأَ ، وَهُوَ صَابِئٌ ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّهُ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ) [النَّحْلِ : 120] ، وَلِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ) [الْأَنْعَامِ : 79] وَلِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) [الْكَافِرُونَ : 2] ، وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَ دِينِي فَأَنَا أُبَيِّنُهُ لَكُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ . ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ أُمُورًا :
فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ هَذَا النَّفْيِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إِزَالَةَ النُّقُوشِ الْفَاسِدَةِ عَنِ اللَّوْحِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُقَدَّمَةً عَلَى إِثْبَاتِ النُّقُوشِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ هَذَا النَّفْيُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ غَايَةُ التَّعْظِيمِ ، وَهِيَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِمَنْ حَصَلَتْ لَهُ غَايَةُ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وَأَمَّا الْأَوْثَانُ فَإِنَّهَا أَحْجَارٌ ، وَالْإِنْسَانُ أَشْرَفُ حَالًا مِنْهَا ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْأَشْرَفِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعِبَادَةِ الْأَخَسِّ .
[ ص: 138 ] الْقَيْدُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ يَجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=29428تَرْكُ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ ، بَيَّنَ أَنَّهُ يَجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=24479_30491_29531الِاشْتِغَالُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=28900_33679الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ الْمَعْبُودِ الْحَقِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) ؟
قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنِّي أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ أَوَّلًا ، ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ثَانِيًا ، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ ثَالِثًا ، وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ الثَّلَاثَةُ قَدْ قَرَّرْنَاهَا فِي الْقُرْآنِ مِرَارًا وَأَطْوَارًا ، فَهَهُنَا اكْتَفَى بِذِكْرِ التَّوَفِّي مِنْهَا ؛ لِكَوْنِهِ مُنَبِّهًا عَلَى الْبَوَاقِي .
الثَّانِي : أَنَّ الْمَوْتَ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ مَهَابَةً ، فَنَخُصُّ هَذَا الْوَصْفَ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِيَكُونَ أَقْوَى فِي الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَعْجَلُوا نُزُولَ الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=102فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=103ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُهْلِكُ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ وَيُبْقِي الْمُؤْمِنِينَ وَيُقَوِّي دَوْلَتَهُمْ ، فَلَمَّا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ لَا جَرَمَ قَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَرَّرَهُ وَبَيَّنَهُ فِي تِلْكَ الْآيَةِ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : أَعْبُدُ ذَلِكَ الَّذِي وَعَدَنِي بِإِهْلَاكِهِمْ وَبِإِبْقَائِي .
وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعِبَادَةَ ، وَهِيَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ ، انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30503_29558مَا لَمْ يَصِرِ الظَّاهِرُ مُزَيَّنًا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ نُورُ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ .
وَالْقَيْدُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ ) حَرْفُ عَطْفٍ ، وَفِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ ) قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِهِ : وَقِيلَ لِي : كُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ ) .
الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ ) قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِهِ : وَأُمِرْتُ بِإِقَامَةِ الْوَجْهِ ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ : وَأُمِرْتُ بِأَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبِإِقَامَةِ الْوَجْهِ لِلدِّينِ حَنِيفًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِقَامَةُ الْوَجْهِ كِنَايَةٌ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19781_24479تَوْجِيهِ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى طَلَبِ الدِّينِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ نَظَرًا بِالِاسْتِقْصَاءِ ، فَإِنَّهُ يُقِيمُ وَجْهَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ لَا بِالْقَلِيلِ وَلَا بِالْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ عَنْهُ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ فَقَدْ بَطَلَتْ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ ، وَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ ، فَقَدِ اخْتَلَّ الْإِبْصَارُ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ جَعْلُ إِقَامَةِ الْوَجْهِ لِلدِّينِ كِنَايَةً عَنْ صَرْفِ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى طَلَبِ الدِّينِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105حَنِيفًا ) أَيْ : مَائِلًا إِلَيْهِ مَيْلًا كُلِّيًّا مُعْرِضًا عَمَّا سِوَاهُ إِعْرَاضًا كُلِّيًّا ، وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ الْإِخْلَاصُ التَّامُّ ، وَتَرْكُ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِهِ ، فَقَوْلُهُ أَوَّلًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) إِشَارَةٌ إِلَى تَحْصِيلِ أَصْلِ الْإِيمَانِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي نُورِ الْإِيمَانِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا سِوَاهُ .
وَالْقَيْدُ الْخَامِسُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَهْيًا عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مَذْكُورًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ عَرَفَ مَوْلَاهُ ، فَلَوِ الْتَفَتَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ شِرْكًا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ أَصْحَابُ الْقُلُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=18691_18710بِالشِّرْكِ الْخَفِيِّ .
[ ص: 139 ] وَالْقَيْدُ السَّادِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ) وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ مَعْدُومٌ بِالنَّظَرِ إِلَى ذَاتِهِ ، وَمَوْجُودٌ بِإِيجَادِ الْحَقِّ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا سِوَى الْحَقِّ فَلَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا بِإِيجَادِ الْحَقِّ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ
nindex.php?page=treesubj&link=29430_29687فَلَا نَافِعَ إِلَّا الْحَقُّ ، وَلَا ضَارَّ إِلَّا الْحَقُّ ، فَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَلَا رُجُوعَ فِي الدَّارَيْنِ إِلَّا إِلَى اللَّهِ .
ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ) يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=29430_29687لَوِ اشْتَغَلْتَ بِطَلَبِ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ فَأَنْتَ مِنَ الظَّالِمِينَ ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ عِبَارَةٌ عَنْ وَضْعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، فَإِذَا كَانَ مَا سِوَى الْحَقِّ مَعْزُولًا عَنِ التَّصَرُّفِ كَانَتْ إِضَافَةُ التَّصَرُّفِ إِلَى مَا سِوَى الْحَقِّ وَضْعًا لِلشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ ظُلْمًا .
فَإِنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=19648_19653_19694فَطَلَبُ الشِّبَعِ مِنَ الْأَكْلِ وَالرِّيِّ مِنَ الشُّرْبِ هَلْ يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ الْإِخْلَاصِ ؟
قُلْنَا : لَا ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْخُبْزِ وَصِفَاتَهُ كُلَّهَا بِإِيجَادِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ ، وَطَلَبُ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلرُّجُوعِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى اللَّهِ ، إِلَّا أَنَّ شَرْطَ هَذَا الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يَقَعَ بَصَرُ عَقْلِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ إِلَّا وَيُشَاهِدُ بِعَيْنِ عَقْلِهِ أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ بِذَوَاتِهَا وَمَوْجُودَةٌ بِإِيجَادِ الْحَقِّ وَحَالَّةٌ بِأَنْفُسِهَا وَبَاقِيَةٌ بِإِبْقَاءِ الْحَقِّ ، فَحِينَئِذٍ يَرَى مَا سِوَى الْحَقِّ عَدَمًا مَحْضًا بِحَسَبِ أَنْفُسِهَا وَيَرَى نُورَ وُجُودِهِ وَفَيْضَ إِحْسَانِهِ عَالِيًا عَلَى الْكُلِّ .